بعد عام من انقلاب ميانمار ـ ما هي أحوال مسلمي الروهينجا؟

متابعة لمقالي السابق حول الانقلابات، أود أن أسلط الضوء قليلا على الانقلاب الدموي الذي قام به عسكر ميانمار (أو بورما) في الأول من فبراير 2021 والذي أعاد ديكتاتورية عسكرية فاشية، بعد أقل من ثلاثة شهور فقط على انتخابات حرة وديمقراطية نتج عنها حكم مدني في بلاد بقيت خاضعة لديكتاتورية العسكر القاسية، بجرائمها ضد الإنسانية وقمع الشعوب الأصلية، منذ استقلال البلاد عن بريطانيا عام 1948. ولأن هناك فئات مظلومة مقهورة مثل مسلمي الروهينجا تعرضت لنوع من الإبادة الجماعية قبل الانقلاب، نود أن نعرف ماذا جرى لهم بعد الانقلاب. أما زالوا يبحثون عن ملجأ في الدول المجاورة؟ وهل تغيرت أوضاعهم بعد أن أصبحت غالبية الشعب تعاني من سطوة العسكر؟
فاز حزب “الرابطة الوطنية للديمقراطية” الذي ترأسه أونغ سان سو تشي، الحائزة جائزة نوبل، بغالبية ساحقة في انتخابات 8 نوفمبر 2020، ضد الأحزاب التي يقف وراءها العسكر. لكن قيادة القوات المسلحة لم ترضخ لنتائج الانتخابات وادعت أنها مزورة، على طريقة الرئيس الأمريكي ترامب، ورفضت الاعتراف بنتائجها وبدأت تضع الخطط للإطاحة بالقيادات المدنية المنتخبة، إلى أن أعلنت في النهاية سيطرتها على الأمور ووضعت القيادات المنتخبة في السجن في الأول من فبراير 2021، على طريقة انقلاب الثالث من يوليو في مصر. ولأن الظالم لا يتورع عن الكذب وإلصاق التهم بغيره، يصبح المنتخَب شعبيا متهما، ويوضع رهن الاعتقال، ويحتل المتحكم بالسطة القصور، ويصبح صاحب القول الفصل غير آبهِ بمنظومة الأخلاق والعدالة والإنسانية.

الشعب في ميانمار يدرك ألا حل لمشكلة البلاد إلا بالتحول الديمقراطي وضم فئات الشعب كلها بمن فيهم الروهينجا

بعد عام من الانقلاب، اجتمع مجلس الأمن بهذه المناسبة واستمع إلى تقرير من المبعوثة الخاصة للأمين العام إلى ميانمار نولين هايزر، حول الأحوال التي تعيشها تلك البلاد تحت حكم العسكر، واصفة الوضع باختصار قائلة: “لقد اشتد العنف والوحشية في ميانمار واتسع نطاقهما. كل يوم أسمع روايات مباشرة من الأرض. الوضع أصبح غير مستقر على نحو متزايد، مع تكثيف العمليات العسكرية، بما في ذلك الهجمات الجوية والمدفعية الأخيرة، ما يثير مخاوف تتعلق بحماية المدنيين”. أصدر مجلس الأمن بعد اللقاء بيانا صحافيا باهتا، بعد أن منعت الصين إدانة واضحة للانقلاب تحت ذريعة التدخل في شأن داخلي. البيان يناشد ويطالب بالعودة إلى الديمقراطية على طريقة البيانات المتعلقة بالسودان وبوركينا فاسو وغيرها من الانقلابات. وأعرب أعضاء مجلس الأمن عن قلقهم العميق إزاء استمرار حالة الطوارئ التي فرضها الجيش في ميانمار منذ 1 فبراير 2021 وتأثيرها الخطير. وكرروا دعوتهم للإفراج عن جميع المحتجزين بشكل تعسفي، بمن فيهم مستشارة الدولة أونغ سان سو تشي، والرئيس وين مينت. ثم تهرب أعضاء المجلس من المسؤولية وألقوا الحمل على رابطة أمم جنوب شرق آسيا (آسيان) وطلبوا منهم تيسير التوصل إلى حل سلمي لصالح شعب ميانمار ودعوا العسكر إلى التنفيذ السريع والكامل لمبادرة آسيان، وجهود مبعوث الرابطة الكمبودي براك سوخون.

نتائج الانقلاب العسكري

مثل كل الانقلابات العسكرية، يدفع المدنيون عادة الثمن الأعلى من دمهم وحرياتهم عندما ينهضون لمعارضة الانقلاب. والانقلاب في ميانمار ليس استثناء، بل قد يكون من أوحشها. فمع حلول نهاية عام 2021 تشرد داخليا أكثر من 400000 شخص في جميع أنحاء البلاد. كما يعيش نصف الشعب أي نحو 25 مليون شخص، دون خط الفقر، من بينهم نحو أكثر من 14 مليون شخص بحاجة إلى المساعدة الإنسانية والحماية. تفاقمت في البلاد هذه الفترة ظاهرة تصنيع المخدرات والاتجار بها، وازداد الاتجار بالبشر والتعدين غير القانوني وقطع الأشجار. وساهم ارتفاع توسع الأنشطة غير المشروعة في تأجيج الصراع، وهذا له عواقب أمنية وصحية وبيئية واسعة النطاق، لا تؤثر في ميانمار فحسب، بل أيضا في المنطقة بأكملها في قلب آسيا.
أما عن عدد الضحايا في المظاهرات والاعتصامات والتحركات الشعبية، فقد قتل المجلس العسكري ما لا يقل عن 2164 شخصا، يرتفع هذا العدد إلى 3000 في بعض التقديرات، وسجن ما يقرب من 11000 شخص بشكل غير قانوني. وقد قدر عدد الذين عانوا من الاعتقال التعسفي والتعذيب والاغتصاب والقتل والتشريد القسري بنحو 33000 شخص. ويفصل تقرير المبعوثة الخاصة مزيدا من الجرائم في أنحاء البلاد كافة. ففي ولايتي كاياه وشان، تعرضت المنازل للنهب والحرق، ما أدى إلى نزوح 150000 مدني في ديسمبر الماضي. وأدت الهجمات الجوية العشوائية في جميع أنحاء ولاية كاياه إلى زيادة عدد المدنيين النازحين إلى نحو 200000، كما تشرد نحو 82220 في الغابات، خوفا من القصف والانتهاكات والتعذيب.
ويبدو أن المصائب توحد المضطهدين مع استمرار ممارسات النظام العسكري الوحشية، وتصرفه وكأنه إمبراطورية مافيا تجارية يديرها الجيش، فقد بدأت المجموعات العرقية العديدة باتباع سياسة مقاومة العسكر، والتصميم على إنهاء سطوتهم في البلاد. لقد بدأت جماعات عرقية تنضم لفصائل المقاومة من السكان الأصليين، التي ظلت تكافح على مدى عقود من أجل تقرير مصيرها، وتعمل مجتمعة على التعاون السياسي والعسكري. إن ظهور أشكال عديدة من الوحدة بين الجماعات العرقية المقاومة في ميانمار، التي تخوض القتال ضد النظام العسكري منذ مدة طويلة يجعل تحقيق العدالة والدولة المدنية الفيدرالية أقرب إلى الواقع. فالشعب في ميانمار يبدو الآن أنه مصمم أكثر من أي وقت مضى على هزيمة المجلس العسكري وإقامة الدولة الديمقراطية المدنية، التي يتساوى فيها المواطنون جميعا، من دون النظر إلى أعراقهم وأديانهم ولغاتهم.

مسلمو الروهينجا

تعرضت الأقلية المسلمة للمجازر والطرد منذ عام 2017 حيث هجّر ما يزيد عن 800000 إلى بنغلاديش والدول المجاورة، وقتل منهم الآلاف وأحرق أكثر من 230 بلدة مسلمة واغتصبت آلاف النساء والفتيات. ولكن معاناتهم ليست جديدة. فقد سنت قوانين منذ عام 1982 تحرمهم من الجنسية، وتمنع عليهم حرية الحركة والدخول في المدارس والجامعات. لقد وصفت معاملتهم قبل 2017 بأنها أقرب إلى نظام الفصل العنصري. لكن بعد 2017، وصفت معاملتهم بأنها “إبادة جماعية” كما قال حرفيا المفوض السامي السابق لحقوق الإنسان رعد بن زيد الحسين. عبر اتصال بالفيديو مع مبعوثة الأمم المتحدة لميانمار نولين هايزر، سألتها عن أحوال الروهينجا بعد الانقلاب خارج البلاد وداخلها، فقالت: “كل مرة عندما أسمع قصصا عن الروهينجا، قلبي ينفطر. كانوا وما زالوا في المخيمات منذ 2017. أما عن التأثير العام بعد الانقلاب فهو بكل وضوح، ازداد سوءا في المخيمات، بسبب الاكتظاظ والصعوبات”. صحيح أن بنغلاديش تبذل قصارى جهدها، ولكن كأي مجتمع مضيف، إذا لم يشهد العمل والظروف التي تسمح للروهينجا بالعودة، ينفد أحيانا صبر المضيف”.
الشيء الجديد الذي سمعته من السيدة هايزر هو أقرب ما يكون إلى وصف أبي الطيب “مصائب قوم عند قوم فوائد”. فالمصائب توحد وتقرب المظلومين من بعضهم بعضا. لقد بدأ يدرك مجتمع ميانمار بكامله معنى الظلم والقهر والاضطهاد فظهر نوع من التعاطف والتفهم لمعاناة الروهينجا، وبدأت علامات التعاطف تظهر لدى فئات عديدة من المجتمع. وقالت هايزر إن هذا التعاطف ينمو ويتسع. فالوحدة بين الفئات الشعبية مهمة. الآن الشعب يدرك ألا حل لمشكلة البلاد إلا بالتحول الديمقراطي وضم فئات الشعب كلها بمن فيهم الروهينجا. ففي ميانمار نحو 135 عرقية. إنها من أكثر البلدان تنوعا عرقيا في جنوب شرق آسيا، ومعظم هذه المجموعات عانى من التمييز المنهجي، والافتقار إلى الآفاق الاقتصادية، والتمثيل في الإدارة وانتهاكات العسكر. فهل هذا مؤشر على أن عمر الانقلاب قصير، خاصة في ظل مقاطعة دولية تكاد تكون شاملة، لولا تلك الدول القليلة المجاورة التي ما زالت تمد الانقلابيين بأجهزة تنفس اصطناعي لتطيل من عمرها. ولو تخلت عنهم لقام الشعب بفرض سيادته بالقوة على ثلة العسكر، الذين ما أن يتسلموا السلطة في أي بلد إلا ويبدأ مسلسل الخراب.

* محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بولاية نيوجرسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    أونغ سان سو تشي، الحائزة على جائزة نوبل لم تفعل شيئاً في سبيل إزالة الظلم عن الروهنجا!
    بالرغم من أنها كانت رئيسة الوزراء المنتخبة لم تحقق العدل بالبلاد!! ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول اسعد داليه:

    الدكتاتوريات هي صنع اما المعسكر الغربي واما المعسكر الشرقي في جميع اصقاع المعموره. المستفيد الاول من حيث تجارة الاسلحة والمواد الاستهلاكيه كلا المعسكرين .وهذا شئ متعارف عليه منذ غابر الازمنه وبدون توقف. من المستحيل ان يعيش العالم كله سواسيه ، بالرغم ان الخالق وزع الارزاق بالتساوي وبصوره دقيقه متكامله. السودان غني بالثروات الحيوانيه ، الخليج غني بالنفط ، العراق عني بالزراعه والنفط ، وهلم جرى. فيتبادلون بين بعضهم ما ينقصهم وبدون استغلال . ولكن المعسكرين الانف ذكرهما يريدون ان يجردوا هذه الدول من ثرواتها ويستغلونهم . اطلت التعليق

  3. يقول عائشة، المغرب:

    شكرا للكاتب لتسليطه الضوء على محنة الروهينجا التي لم تعد تهم الاعلام، الدولي والعربي. صحيح أن هناك بوادر تعاطف مسلمي الروهينجا فيمجتمع ميانمار (بورما سابقا)،لكنه ينحصر على جزء بسيط من النخبة المنفتحة. للأسف السياسات العنصرية التي انتهجتها عدد من الدول الآسيوية ضد المسلمين رسخت العداء ضد هذه الأقلية، كما هو الشأن في الصين والهند وسري لانكا وميانمار. ولقد شجع هذه الدول عدم اكتراث الدول المسلمة لمحنة الأقليات المسلمة في آسيا،حتى عندما حذرت الأمم المتحدة عن تعرض مسلمي الروهينجا لإبادة جماعيةفي ميانمار أو الايغور في الصين، بل ساندت الأخيرة في مجلس حقوق الانسان الأممي. وكانت الأمم المتحدة نفسها أول من خذل الروهينجا، إذ لم تفعّل اتفاقية منع جريمة الابادة الجماعية والمعاقبة عليها، التي وقعتها دول العالم في1948،ولم يتم تفعيلها ولو مرة واحدة، لا في رواندا وسربرنيتشا ولا في دارفور، حيث توفرت معلومات كافية لتفعيلها. السبب يعود بالأساس إلى مصالح الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وتعارضها مع أجندة حماية المدنيين عبر العالم.

  4. يقول ‏يوسف عطشان:

    ‏شكرا جزيلا على أحياء الضمير ‏لأن العالم تقريبا نسيها

  5. يقول اثير الشيخلي - العراق:

    ممتنون ايما امتنان للأستاذ كاتب المقال لتسليطه الضوء، و تزويدنا بكل هذه المعلومات المفصلة عن الوضع في مينامار لقلة المصادر الموثوقة عما يجري هناك.
    كل الشكر و الامتنان مرة أخرى
    و نسأل الله أن يفرج عن اخواننا هناك و عن مواطنيهم المضطهدون جميعآ.

اشترك في قائمتنا البريدية