بغداد ـ «القدس العربي»: في ختام عام 2024 أعلنت الحكومة العراقية عن زيادة وارداتها المالية غير النفطية ضمن محاولاتها لتقليل عجز الميزانية ولتجنب تداعيات كارثية على الاقتصاد عند حصول أي خفض في أسعار النفط العالمية، الذي تشكل عائداته المالية معظم الميزانية السنوية للدولة. وقد أعلن رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، قبل أيام، أن الإيرادات غير النفطية في العراق ارتفعت إلى 14 في المئة بعد أن كانت 7 في المئة.
وذكر السوداني في حوار متلفز، بعض المشاريع ذات المردود المالي للحكومة قائلا: «أسسنا لمشاريع 5 و10 سنوات وصولاً إلى 20 سنة»، لافتا إلى أن «افتتاح الأرصفة الخمسة لميناء الفاو جنوب البصرة، من المشاريع التي أفخر بها ولأول مرة يكون للعراق إطلالة مباشرة على الخليج»، مؤكدا أن «ميناء الفاو قائم وأصبح واقعاً». ويعول العراق على ميناء الفاو ليكون منفذا كبيرا على الخليج العربي ويترتب عليه مردود مالي واقتصادي كبير للبلد.
وجاء إعلان السوداني عن نسبة الواردات غير النفطية، بعد إعلان سابق للحكومة بوصول تلك العائدات إلى 7.06 تريليون دينار عراقي، وهو ما يمثل نسبة مساهمة قدرها 11 في المئة من مجموع الإيرادات الكلية للدولة العراقية، مقارنة بالسنوات الماضية.
وكانت وزارة المالية العراقية، أعلنت أن حجم إيرادات الدولة ضمن الموازنة الاتحادية للدولة العراقية خلال 5 أشهر من عام 2024، تجاوز 54 تريليون دينار (نحو 40 مليار دولار)، مؤكدة بقاء مساهمة النفط في الموازنة بنحو 89 في المئة. ومن جانبه، ذكر مستشار رئيس مجلس الوزراء العراقي للشؤون المالية، مظهر محمد صالح، أولويتين حكوميتين لتعظيم إيرادات الدولة غير النفطية.
وقال صالح في تصريحات لوسائل الإعلام، «إن البرنامج الحكومي الذي صادق عليه مجلس النواب، أكد على مسألتين أولهما: إصلاح النظام الضريبي والجمركي وضبط المنافذ الحدودية وتعظيم إيرادات الدولة (غير النفطية)».
وأوضح «أن الأولوية الثانية أكدت على هدف تخفيض نسبة الاعتماد على الإيرادات النفطية لتمويل موازنة الدولة خلال ثلاث سنوات إلى 80 في المئة بدلا من معدلاتها الحالية التي تزيد على 90 في المئة من إجمالي الإيرادات العامة من خلال تنويع وتعظيم الإيرادات غير النفطية والإيرادات الأخرى من الشركات العامة».
وتابع صالح، أنه» على الرغم مما تقدم، فأن هناك هيكلة مالية واضحة لإعادة ضبط فائض الريع من عمليات تكرير وتوزيع المنتجات النفطية وتحويلها لمصلحة الخزينة العامة للدولة بما ينسجم وتعظيم الإيرادات من خارج مساهمة النفط الخام في إجمالي إيرادات الموازنة». وهي إشارة إلى غياب موارد مالية هائلة عن حسابات الميزانية منذ سنوات، والتي تأتي من بيع المنتجات والمشتقات النفطية داخل العراق.
وسبق لمظهر محمد صالح، أن أكد «أن قيمة العجز في موازنة عام 2024 يصل إلى 64 تريليون دينار».
فيما كشف وزير التخطيط، محمد تميم، في 27 آذار/مارس 2024، عن ارتفاع عجز الموازنة إلى 80 تريليون دينار، حيث تعوض الحكومة هذا النقص بالقروض الخارجية والداخلية.
مخاطر الاعتماد على موارد النفط
ومنذ سنوات أطلق الخبراء الاقتصاديون والمنظمات المالية الدولية، تحذيرات متكررة من خطورة النظام الريعي المتبع في العراق، والذي تعتمد أغلب الميزانية السنوية فيه على واردات النفط بدون ايجاد موارد مالية غير نفطية تحسبا من خفض أسعار النفط العالمية نتيجة التطورات العالمية.
وفي هذا السياق كشف الخبير الاقتصادي، الدكتور نبيل المرسومي، وجود خلل في الموارد المالية للعراق، متوقعا، أن يحقق العراق إيرادات غير نفطية تقدر بحدود 15 تريليون دينار عراقي مع نهاية عام 2024.
وذكر المرسومي، أن الإيرادات غير النفطية المتحققة غير كافية، لأنها حصلت من الضرائب المفروضة على الدخول والثروات وليست متحققة من الضرائب المفروضة على القطاعات السلعية والإنتاجية والزراعية.
وأوضح «أن جزءا من الإيرادات النفطية لا يدخل ضمن الحسابات المالية لوزارة المالية، لأنه يذهب إلى استحقاقات شركات جولات التراخيص النفطية بقيمة لا تقل عن 12 تريليون دينار عراقي».
وأشار إلى أن هذه الإيرادات قد تحقق التأثير العكسي على المواطنين أصحاب الدخل الثابت، كما ستنعكس سلباً على الموازنة العامة للدولة التي تضمنت الإيرادات غير النفطية بمقدار 27 تريليون دينار، والتي لا يستطيع العراق تحقيق نسبة مرتفعة منها، ما يدفع إلى انخفاض الإيرادات العامة وتفاقم العجز في موازنة الدولة.
وتبلغ موازنة العراق 2024 حسب ما أعلنه رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، 211 تريليون دينار، وأن رواتب الموظفين لسنة 2024 تبلغ 62 تريليون دينار، فيما كانت موازنة العام 2023 نحو 199 تريليون دينار ورواتب الموظفين 59 تريليون دينار.
وتقدر إيرادات موازنة 2024 وفقاً للسوداني، بـ144 تريليون و336 مليار دينار، في حين تبلغ النفقات 210 تريليونات و936 مليار دينار، فيما يكون العجز 64 تريليون دينار.
تدخل نيابي حول الواردات المالية
ونتيجة للمخاوف حول المخاطر التي تواجه العراق ازاء تزايد العجز في الموازنة، وعدم تحقق الإيرادات غير النفطية، والمذكورة في الموازنة، تم عقد اجتماع مشترك بين الحكومة والبرلمان، ترأسه رئيس اللجنة المالية النيابية، عطوان العطواني.
وذكر مكتبه الإعلامي في بيان، أن العطواني «ترأس اجتماعا مشتركا للجنة المالية النيابية والحكومة ممثلة بوزراء التخطيط، المالية، النفط، الكهرباء، ومحافظ البنك المركزي، لمناقشة السياسة المالية والنقدية في البلاد».
وأضاف البيان، أن «الاجتماع بحث جملة من الملفات المهمة فيما يخص المسار المالي في البلاد ومراقبة الإنفاق والتمويل ومدى الالتزام بتنفيذ بنود الموازنة العامة الاتحادية، بما ينسجم مع البرنامج الحكومي».
وأشار البيان إلى أن «الاجتماع ركّز على ملف تعظيم الإيرادات غير النفطية وسبل تفعيل الجباية والخدمة خاصة في قطاعات الكهرباء والضرائب والجمارك والاتصالات والسياحة وغيرها من الخدمات وسط تأكيد رئيس اللجنة المالية وأعضائها على وجود تلكؤ واضح في تحقيق هذه الإيرادات المثبتة في قانون الموازنة». وجرى الاتفاق على عقد اجتماعات شهرية بين اللجنة المالية والفريق الحكومي لمتابعة هذه الملفات وما يتخذ من إجراءات ومعالجات من شأنها وضع السياسة المالية والنقدية على المسار الصحيح وبما يحقق التنمية المستدامة، حسب ما نقل البيان.
وقال العطواني وفق البيان: إن «عدم تحقق الإيرادات المرسومة في الموازنة من أخطر التحديات التي تواجه الوضع المالي»، مؤكداً «ضرورة تنسيق الجهود والعمل المشترك بين اللجنة المالية والحكومة فيما يتعلق بتعظيم الإيرادات والسيطرة على الإنفاق».
هدر واردات المنافذ الحدودية
وتعد واردات المنافذ الحدودية في العراق أحد أوجه الفساد وضياع موارد مالية هائلة من ميزانية الدولة.
وأوضح عضو لجنة الزراعة والمياه النيابية ثائر مخيف «أن إيرادات المنافذ الحدودية للعراق تسيطر عليها أحزاب وميليشيات»، مطالباً الدولة العراقية بالسيطرة على إيراداتها الجمركية والضريبية للحد من عمليات الفساد والتلاعب.
وأكد مخيف، أن زيادة الإيرادات المالية غير النفطية شملت إيرادات الضرائب المتحققة، ولم تشمل إيرادات الصادرات الصناعية أو الزراعية وموارد الجمارك، بالإضافة إلى عدم استثمار إيرادات المنافذ الحدودية.
وانتقد مخيف عدم تشريع قوانين برلمانية حقيقية تعمل على تحقيق التنمية المستدامة للعراق، بسبب تأثير دور الدول الإقليمية على العراق، لرفع صادراتها إلى العراق ومحاولة تعطيل عجلة الصناعة والإنتاج الوطني.
وضمن هذا السياق أعلنت مديرية الجمارك العراقية، انها ستغادر العمل الورقي اعتبارا من عام 2025، وتلجأ إلى النظم الإلكترونية في جباية الواردات المالية عن البضائع والسلع وغيرها. وذلك لتقليل مساحات التهرب من تسديد تلك الواردات والرسوم الذي كان سائدا حتى الآن.
وأعلنت شركة الموانئ العراقية عن إجمالي الإيرادات التي تحققت خلال عام 2024 والتي وصلت إلى أكثر من تريليون دينار. وقال مدير عام الشركة فرحان الفرطوسي خلال المؤتمر الصحافي الذي حضرته وسائل الإعلام، بأن إيرادات العام الماضي 2023 وصلت إلى أقل من التريليون بشي بسيط وإن إجمالي المناولة للحاويات بذات العام مليون وستمئة ألف حاوية، أما في العام الحالي وصلت إلى أكثر من مليون وثمنمئة ألف حاوية واصفا هذا الرقم بالقياسي خلال العام الواحد.
وأضاف إن إجمالي أوزان المناولة لهذا العام أكثر من 35 مليون طن وعدد البواخر التجارية والنفطية التي أمت موانئ خور الزبير تصل إلى أكثر من 3000 باخرة.
مشيرا إلى إن هذه الإنجازات تحققت من خلال سياسة الإدارة ومنها البدء بعملية التحول الرقمي الذي خلق حالة من الانسيابية نتيجة تحديث للبنى التحتية، ما جعل الشركة العامة للموانئ العراقية تحقق هذه الزيادة في الإيرادات وعدد البواخر التي أمت الموانئ.
ويشير رجال الاقتصاد إلى أن المؤسسات الاقتصادية استشعرت مخاطر الاقتصاد الريعي في العراق المعتمد كليا على واردات النفط، الذي قد ينعكس على الاقتصاد والانفاق الحكومي وخاصة رواتب الموظفين، ما دفع الحكومة إلى محاولة تصحيح الأوضاع المالية العامة، ومنها زيادة الموارد غير النفطية، لتحقيق الاستقرار في الديون على المدى المتوسط وإعادة بناء الاحتياطيات المالية، استجابة لتوصيات صندوق النقد الدولي، والرقابة من قبل الخزانة الأمريكية والبنك الفيدرالي، حيث يتعرض العراق، في السنوات الأخيرة، إلى ضغوط دولية لزيادة إيراداته المالية غير النفطية، للحدّ من تعرّض الاقتصاد لصدمات أسعار النفط.