“بغداد سنترال” مسلسل بريطاني يحكي قصة احتلال العراق

صادق الطائي
حجم الخط
0

انتهى عرض الموسم الأول المكون من ست حلقات من المسلسل البريطاني “بغداد سنترال” على القناة الرابعة البريطانية خلال الشهر الجاري كتب سيناريو وحوار المسلسل السيناريست البريطاني ستيفن بوتشارد، ‏الذي سبق وأن قدم أعمالا مميزة حول الأحداث العراقية مثل مسلسل “بيت صدام” الذي أنجزه في أربع حلقات من إنتاج “بي بي سي” تناولت حياة الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين. وقد اعتمد في مسلسله الجديد “بغداد سنترال”على رواية للكاتب والأكاديمي المستشرق الأمريكي إليوت كولا ‏حملت الاسم نفسه. و”بغداد سنترال” هي العمل الروائي الأول لأليوت كولا الذي درس اللغة العربية، وقام بترجمة عشرات الأعمال من العربية إلى الانكليزية، بالإضافة إلى عمله الأكاديمي كأستاذ للأدب العربي في جامعة جورج تاون.

تقاسم إخراج حلقات الموسم الأول الست المخرجان البريطانيان بن وليامز وأليس تروتن، والمسلسل إنتاج مشترك بين شبكتي “نتفليكس” ‎الأمريكية، والقناة الرابعة في التلفزيون ‎البريطاني‏، وقامت نخبة متنوعة من الممثلين بلعب أدوار المسلسل، منهم وليد زعيتر، في دور الشخصية المحورية في العمل، ضابط الشرطة العراقي محسن الخفاجي. وكوري ستول في دور ضابط الشرطة العسكرية الأمريكي جون بارودي، وبيرتي كارفيل في دور الضابط الإنكليزي فرانك تيمبل، والممثلة الشابة ليم لوباني التي لعبت دور سوسن، الابنة الكبرى للضابط العراقي محسن الخفاجي‏، والممثلة الشابة جولي نمير التي لعبت دور مروج الابنة الصغرى للضابط العراقي محسن الخفاجي.

بالرغم من إن أجواء العمل، ومنذ المشهد الافتتاحي، توحي بأننا إزاء عمل حربي قائم على سرد درامي لأحداث اجتماعية وقعت قبيل وأثناء الاجتياح الأمريكي للعراق وإسقاط نظام صدام عام 2003 إلا إننا في “بغداد سنترال” شاهدنا عملا بوليسيا لا تلعب الحرب والاحتلال وقوافل عربات الهمر التي تنقل جنود التحالف إلا خلفية لمشهدية أحداث القصة القائمة على تحقيق بوليسي في إختفاء أو مقتل بعض الشخصيات العراقية والأمريكية، وهذا ما أشار له مؤلف الرواية أليوت كولا ذاته عندما وصف روايته بـ “أنها عمل بوليسي”.

تقوم الحبكة الدرامية للعمل على مأساة وقائع حياة ضابط شرطة عراقي اسمه محسن الخفاجي، لعب الدور الممثل الأمريكي من أصل فلسطيني وليد زعيتر، إذ يقدمه المسلسل على إنه ضابط شرطة محترف، يقوم بالتحقيق في الجرائم إبان حكم الرئيس صدام حسين في مكان وصفه كاتب السيناريو بـ (مركز شرطة بغداد المركزي) ومن ضمن تفاصيل سريعة يمر عليها صناع العمل في جزء قصير من الحلقة الأولى عبر تقديم فرشة التعريف بالشخصيات، تقدم لنا شخصية محسن الخفاجي، كرب أسرة تحطمت لعدة أسباب منها إعدام ابنه الشاب طارق نتيجة نشاطه المعارض للنظام، وإصابة زوجته بمرض السرطان وموتها نتيجة نقص الدواء في ظل الحصار الذي فرض على العراق، والنتيجة كانت نفور البنت الكبرى الطالبة الجامعية ذات التوجهات الليبرالية والشخصية المتوثبة سوسن من أبيها نتيجة ضعفه، وذهابها للعيش في بيت خالها لتكمل دراستها الجامعية، أما البنت الصغرى مروج، فقد بقيت تعيش مع أبيها ومع معانتهما من مرضها العضال نتيجة إصابتها بالعجز الكلوي.

بينما نتعرف في الجانب الآخر على شخصيات مثل النقيب بارودي ضابط الشرطة العسكرية الأمريكي الذي يتابع التحقيقات، والذي ينافسه فرانك تيمبل الضابط البريطاني القادم من عالم شرطة سكوتلانديارد ليشرف على تأسيس شرطة عراقية في (العراق الجديد) عبر القيام باستقطاب العناصر المحترفة من الشرطة السابقة، بالإضافة إلى شخصيات تغطي خلفية الأحداث مثل الأستاذة الجامعية زبيدة رشيد التي لعبت دورها الممثلة كلارا خوري، والتي تقوم بتسهيل عمل شابات عراقيات مع سلطة الائتلاف كمترجمات عند بداية الاحتلال مثل زهرة البستاني وزميلتها سناء التي تتعرض لعملية اغتصاب على يد أحد الأمريكيين العاملين في المنطقة الخضراء، وتتحول حياة الفتيات العاملات في المنطقة الخضراء مع قوات التحالف وحياة عوائلهن إلى جحيم حقيقي بسبب دخولهن المنطقة وتعرضهن لأنواع الاستغلال والابتزاز.

ويختزل مسلسل “بغداد سنترال” قصة الاحتلال ومعاناة شعب إلى قصة ثلاث فتيات يتعرضن لخطر التصفية الجسدية نتيجة نشاطات مشبوهة تقوم بتسهيل أعمال الدعارة لجنود الاحتلال يشرف عليها ضباط بريطانيون فاسدون من قوات التحالف. والنتيجة تقديم عمل معد بشكل جيد للمتلقي الغربي الذي ينظر إلى الأحداث عبر نوع من النظرة الاستشراقية من دون أن يستطيع الغوص في تفاصيل الحياة الحقيقية للعراقيين في تلك الحقبة، وهنا يمكننا الإشارة وعبر نظرة عين عراقية عايشت الأحداث التاريخية التي تناولها المسلسل إلى عدة مطبات وقع فيها العمل، بدءا باسم العمل الذي يمثل العتبة الأساسية نتعثر في مشكلة حقيقية، وهي عدم وضوح أو تشوش مفهوم المكان، فلا وجود لـ (مركز شرطة بغداد المركزي) الذي يعمل فيه الخفاجي، الشخصية المحورية في العمل، كما أن ضابطا مهما مثل الخفاجي لا يمكن ان يبقى في الخدمة بعد إعدام نظام صدام لابنه المعارض للنظام، ففي أقل الحالات يتم فصله من الشرطة أو إحالته على التقاعد لكننا نفاجأ بأن ذلك لم يتم، وبقي الخفاجي في الخدمة حتى سقوط النظام، كما إن عدم الانتباه إلى شكل الزي الرسمي للشرطة العراقية قبيل سقوط نظام صدام مثل هفوة كبيرة عندما ظهر الخفاجي بملابس الشرطة الزرقاء قبل إسقاط النظام، بينما الواقع الذي نعرفه هو أن هذا قد أقر كزي للشرطة الجديدة بعد سقوط النظام.

كذلك لم يكن هناك خط درامي يحكم التحدث باللغة العربية أو الإنكليزية في الحوارات، إذ كان من الممكن أن تتحدث الشخصيات العراقية فيما بينها باللهجة العراقية بينما تتحدث الشخصيات الأجنبية مع بعضها أو مع العراقيين باللغة الإنكليزية، لكننا في “بغداد سنترال” كنا إزاء فوضى التنقل في الحديث من لغة إلى أخرى بدون ضابط أو منطق، والأدهى إن كل الشخصيات التي كانت تتحدث اللغة العربية بلهجة عراقية لم تكن تجيد التحدث بهذه اللهجة سوى بعض الشخصيات الثانوية في العمل، لأن من قاموا بالأدوار كانوا ممثلين عراقيين، بينما كل الذين لعبوا أدوار الشخصيات العراقية الأساسية كانوا من غير العراقيين وبالتالي تحدثوا بلهجة هجينة تحاول الاقتراب من اللهجة العراقية.

 كما أن العمل يقوم بالتشكيك في الكثير من المعطيات التاريخية ليتوصل إلى نتائج خطيرة مثل التشكيك بالجرائم التي ارتكبت في عهد صدام حسين عبر الاطلاع على ملفات الشرطة والتنويه بأنها مجرد ملفات مليئة بمعلومات غير حقيقة، فالخفاجي المتهم بتعذيب وتصفية معارضي صدام، يقول للشخص الذي يتهمه بقتل عائلته إن كل تلك الملفات لا يعتمد على ما ورد فيها من تهم. مثلما تظهر ملفات شرطة صدام إن ابن محسن الخفاجي قد أعدم نتيجة وشاية خاله، لكن محسن الخفاجي عندما يواجه الخال بهذه المعلومات يبلغه بأنه متأكد من إنها ملفقة.

لكن الخطير في الأمر هو ما يخلص له العمل، إذ يصور صناع المسلسل الكل وهم يرتكبون الأخطاء، بحسن نية أو نتيجة تسرع أو تعصب، فنجد من تصدى للمقاومة من الشباب وقد غرر بهم، وشباب الحي الذي يعيش فيه الخفاجي من المنتمين للميليشيات وهم يمارسون التهديد والنهب، وحتى الليبراليين الذين تقودهم أو تمثلهم الأكاديمية زبيدة رشيد كانوا يريدون التخلص من نظام صدام، إلا إنهم يتحولون لرفض وقتال قوات التحالف، والقيام بتنفيذ عمليات قتل واغتيال بحق أفراد من المتعاقدين مع قوات التحالف، أما البريطانيون الموجودون ضمن قوات التحالف فإنهم فاسدون يديرون شبكات الدعارة، ويسرقون الأموال ويغتالون أعدائهم بدم بارد، ولم تشذ عن هذه القاعدة سوى قوات الاحتلال الأمريكية! إذ يقدمهم العمل في صورة الفتى الطيب الذي يدافع عن الحق وينصر المظلومين، ويتساهل مع المخطئين بدون قصد، وحتى بشاعات سجن “ابو غريب” الشهيرة، يمر عليها العمل بعجالة في بداية المسلسل ويتم تبريرها على انها سلوكيات خاطئة لكنها تساعد في انتزاع الاعترافات من المتهمين، وذلك لحماية القوات الأمريكية من (الإرهابيين).

لكن يبقى مسلسل “بغداد سنترال” ضمن الأعمال التي حاولت ان تقدم رؤية مختلفة لما تم في عمليات اجتياح العراق، وذلك عبر تسليط الضوء على زاوية صغيرة من الأحداث، ويبدو إن صناع العمل قد بذلوا جهدا في محاولة خلق أجواء أماكن التصوير لتبدو مشابهة لساحة الحدث العراقية، إذ تم تصوير الجزء الأكبر من المسلسل في المغرب الذي بات المكان الأمثل لكل من يروم تقديم أعمال سينمائية أو تلفزيونية عن حرب العراق.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية