بمناسبة يناير الذي يوحد الشعوب المغاربية ولا يفرقها

حجم الخط
17

لم ألاحظ هذه السنة ذلك الحضور الإعلامي الذي كان يعبر من خلاله التيار السلفي في الجزائر، وهو يرفض الاحتفال بيناير- رأس السنة الأمازيغية 2974 ـ التي يتم في الجزائر يوم 12 يناير/كانون الثاني من كل سنة كعطلة رسمية مدفوعة الأجر، منذ خمس سنوات (2018). رفض يقدم لتبريره هذا التيار قراءة دينية غير مقنعة، تعوّد أن يُقحم فيها الدين الإسلامي، الملاحظة نفسها التي تنطبق على بعض القوى المحافظة التي كانت تظهر انزعاجها من هذه الاحتفالات الشعبية السنوية، وهي تقوم بقراءة مؤامراتية لها تربطها بتقسيم البلد، والمس بتجانسه الديني والثقافي. موقف يمكن تفسيره بالصراع القائم بين مكونات النخبة الوطنية المختلفة. في وقت يعيش فيه العالم عودة قوية للطرح الشعبوي، المبني على الخصوصيات المحلية لما قبل الوطنية.
صراعات يبدو مع ذلك انها تعيش حالة ضعف وانكماش في البلد، كجزء ربما من ابتعاد الجزائريين عن المعارك الثقافوية، التي عاشوها لعقود سابقة قريبة، بشكل مكثف، كادت أن تودي بالبلد إلى التهلكة. تحول يكون قد حصل نتيجة تبني مؤسسات الدولة الوطنية رسميا لهذه الاحتفالات، لتمنحها بعدا إعلاميا وطنيا عبر وسائل الإعلام، التي أصبحت تتدخل بقوة للترويج لهذه الاحتفالات، أخرجتها من طابعها العائلي والشعبي المغلق، الذي كانت تتم داخله في الغالب، قبل هذا التبني لها من قبل مؤسسات الدولة الوطنية، بعد الاعتراف الدستوري بالبعد الأمازيغي للشخصية الوطنية الجزائرية، اهتمام رسمي يجد من ما زال يلوم عليه مؤسسات الدولة التي تريد، حسب وجهة النظر هذه، التعامل مع التراث الأمازيغي في بعده الفلكلوري لا غير، الذي تتخوف منه بعض القوى المناضلة داخل الحركة الأمازيغية وهي تطرح قضايا تعليم اللغة الأمازيغية ونشرها وطنيا، وغيرها من المسائل التي ما زالت لم تحسم بشكل كافٍ.

تشابه كبير بين الشعوب التي تحتفل بيناير وطقوسه الذي يُوحد داخل البلدان نفسها، وشعوب المنطقة في بلدانها المختلفة، كتعبير عن العمق السوسيولوجي والأنثروبولوجي المشترك بين شعوب المنطقة التي قسمتها السياسة والمصالح في بعض الأحيان

اعتمادا على ما بينته التجربة التاريخية للدولة الوطنية في الموقف من هذا التراث الثقافي، الذي حافظ على وجوده في المنطقة المغاربية، في غياب دولة وطنية حاضنة في الكثير من الفترات، لتصل إلى مرحلة العداء في بعض المراحل التاريخية ليس من قبل دولة الاستعمار ـ المفهوم في هذه الحالة – بل حتى من قبل الدولة الوطنية، التي عاشت حالة غريبة، حين عاشت في عداء واضح ضد الموروث الثقافي واللغوي لمواطنيها ولشعبها! رغم أن هذه الاحتفالات الشعبية بالسنة الأمازيغية بتسمياتها المختلفة، حسب الجهات، تنتشر على طول ربوع البلد، تتم بأشكال متشابهة وبسيطة، تركز على المأكل الخاص خلال هذه الليلة، وهي تحيل إلى الأرض والطبيعة، ودخول سنة فلاحية جديدة، في مجتمعات غيرت دياناتها عدة مرات على مر العصور، كما يشهد بذلك التاريخ الديني للمنطقة المغاربية. احتفالات ما زلت أتذكر وأنا صغير كيف كنا نحتفل بها في قريتنا الأوراسية ـ أمدوكال – ونحن ننتقل من منزل عائلي إلى آخر، نطلب هدايانا التي تعودنا الحصول عليها بهذه المناسبة ونحن نقوم بخرجاتنا الليلية بين أحياء قريتنا الصغيرة بجوها البارد، الذي يتزامن مع ما كنا نسميه بشهر جانبر.. هدايا عادة ما تكون تمرا، بيضا ومكسرات بسيطة ونحن نغني… هذي دار سيدنا يعطينا ويزيدنا وهذي دار بم بم يعطيه تكسار البرم (أواني الطهي وتخزين الغلال) … إلى آخر كلمات هذه الاغنية التي نسيتها مع الوقت، كنا نعبر من خلالها كأطفال صغار عن غضبنا من صاحب الدار، الذي لا يمنحنا الهدايا التي كنا ننتظرها، مثلما كان حال جاره الكريم، الذي نتمنى له في المقابل الصحة وكثرة الإنجاب ونحن نناديه بسيدنا. قبل أن نتعرف لاحقا على تلك الإحالات التاريخية بالمعاني التي منحتها نخب الحركة البربرية لهذه الاحتفالات المنتشرة في كل الشمال الافريقي، بربطها بالملك شيشناق الأمازيغي، الذي يكون حسب هذه القراءة المعتمدة على الأسطورة في جزء كبير منها، قد وصل إلى عرش مصر، بعد انتصاره على رمسيس الثاني في سنوات خلت.
إحالات تاريخية أنجزتها النخبة الثقافية بعيدا عن أوطانها في بلدان المهجر وهي تعيش حالة عزلة وملاحقة، كما يعبر عنه مسار عمار نقادي، ابن مروانة كأحد ممثلي هذا التيار في منطقة الأوراس (1943-2014) الذي كان من الشخصيات الأساسية التي ساهمت في بناء هذه الأسطورة التاريخية التي تبنتها الحركة الأمازيغية لاحقا بكل مكوناتها، رغم أنها أنتجت من قبل أحد أبناء مكون أمازيغي – شاوي – لم يكن على رأس الحركة الأمازيغية التي قادها على العكس أبناء منطقة القبائل في الجزائر. وهم يحتلون مواقع الريادة داخل هذا التيار في كل المنطقة المغاربية، وليس الجزائر فقط، مانحين لها بعض ما يميزهم كنخب عصرية فرنكفونية، لم تكن على وئام دائم مع مكونات النخبة الوطنية الأخرى وما تحمله من مشاريع ثقافية ولغوية. ليس من الضروري الاعتقاد بهذه الأسطورة للاحتفال بيناير- أجيال كثيرة لم تسمع إلا في السنوات الأخيرة بهذه القراءة التي ضعف حضورها هذه السنة هي الأخرى ـ في وقت يتوسع فيه الاحتفال به رسميا إلى المغرب، بعد الجزائر كعطلة رسمية مدفوعة الأجر لأول مرة هذه السنة. في انتظار ليبيا ربما وحتى تونس ومصر لما لا؟ للتشابه الكبير بين هذه الشعوب التي تحتفل بيناير وطقوسه الذي يُوحد داخل البلدان نفسها، وشعوب المنطقة في بلدانها المختلفة، كتعبير عن العمق السوسيولوجي والأنثروبولوجي المشترك بين شعوب المنطقة التي قسمتها السياسة والمصالح في بعض الأحيان. كما يحصل هذه الأيام للأسف. شعوب ليس المطلوب منها إقصاء مكوناتها الثقافية الأخرى الحاضرة كتعبير عن تاريخها التعددي والمتنوع على غرار الانتماء الثقافي العربي والإسلامي الذي تتبناه الشعوب، دون أن ترى تناقضا بين ما يميزها كأصول ثقافية امازيغية وأبعاد أخرى، بما فيها البعدان الافريقي والمتوسطي، الذي يجب أن نتعامل معهما كثراء يزيد في ارتباطنا مع محيطنا الإقليمي، كما ظهر بشكله الإيجابي في حرب غزة، مع دولة جنوب افريقيا الشقيقة، وهي تتخذ مواقف بطولية ضد حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني البطل. أسقاس أمقاز للجميع وكل يناير والجميع بألف خير.
كاتب جزائري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول م/ب اولاد براهيم:

    يقول الدكتور احمد طالب الابراهيمي اطال الله في عمره وامده بالصحة والعافية :. لما كنت وزيرا للتربية الوطنية استدعاني الرئيس الرحل هواري بومدين رحمه الله وتناقشنا حول تعليم الامازيغية وطلب مني فتح قسم لتعليم الامازيغية وهو ماتم فعلا على مستوى جامعة الجزائر وكلف بالتدريس الاستاذ ملود معمري . يفول وبعد مدة جاءني الاستاذ وهو في حالة غضب وقال لي :. منذ مدة لم يخل عندي ولا طالب .. مما اضطرنا لغلق القسم .. واليوم ظاهريا يظهر تجانس لكن في الخفاء توجد حساسيات فمثلا الشاوية وبني مزاب يدرسون بالحرف العربي – التوارق يميلون للتافيناغ – ازواوة الحرف اللاتيني – ونحن العرب نطالب بأمازيغية توحد ولا تفرق ونفضل الابتعاد عن الحر اللاتيني ..

    1. يقول هند_بجاية:

      أحسنت لا فض فوك …حتى عالم اللسانيات رشيد بن عيسى -المتخصص عالميا والذي يعمل خبيرا لدى اليونيسكو و ساهم بقوة و حنكة في عدة عدة مشاريع تربوية و ثقافية في العالم العربي- حتى هو يرفض بالدليل القاطع مما تروج له الحركة الأمازيغية العالمية كموروث ثقافي و خصوصا مسألة اللغة و التي يقول بشأنها أنها مؤامرة ايديولوجية فرنسية خبيثة لتشتيت الشعب الجزائري و هو قبائلي الأصل و يقول أنه لا هو و لا أسرته يعرفو الحروف”الامازيغية” التي اختلقت في باريس بحروف لاتينية و الآن يريدون فرض “الأمازيغية” في التعليم. على فكرة أغلب المتخصصين في اللسانيات واللغةةالغربية في الجزائر أمثال البروفيسور و المفكر رشيد بن عيسى هم من منطقة القبائل وهم نفسهم من يدحضون وجود “لغة أمازيغية” ذلك أن مصطلح أمازيغ حسب ذات البروفيسور غير موجود أصلا و نعطي مقارنة بين الفراعنة في مصر مثلا و بنوا هلال الذين استوطنوها : هل المصرييون اليوم يطالبون بتعليم اللغة الفرعونية التي تعود ل 3000 سنة ق.م؟ نفس الشيء ينطبق على ما يسمى أمازيغية التي تعود إلى 2000 سنة ق.م. حسب زعمهم!!! الهدف هو تدمير الهوية الإسلامية و تنصير شمال إفريقيا. ماالهدف و ما الفائدة؟ و كأن شمال إفريقيا ليس لها تاريخ سوى يناير و الأمازيغية!!

  2. يقول عيسى الجزائري:

    لن يكون أي كاتب موضوعي بالقدر الكاف إلا إذا تخلى، في تحليلاته ومقالات، عن خلفيته الأيديولوجية.
    أما إذا كانت تلك الخلفية مقدمة لنقد الآخرين ثم يبني على تلك المقدمة احكامه فإن موضوعيته تصبح محل شك وسيكون لكلامه انتقادات جمة.

  3. يقول غزاوي:

    مجرد تساؤل.
    رأس سنة فلاحية أصيلة وأصلية أم رأس سنة أمازيغية مبتدعة ومبتذلة !!!؟؟؟
    جاء في المقال ما نصه:
    “رغم أن هذه الاحتفالات الشعبية بالسنة الأمازيغية بتسمياتها المختلفة، حسب الجهات، تنتشر على طول ربوع البلد، تتم بأشكال متشابهة وبسيطة، تركز على المأكل الخاص خلال هذه الليلة، وهي تحيل إلى الأرض والطبيعة، ودخول سنة فلاحية جديدة.” انتهى الاقتباس والالتباس
    نعم، هذه حقيقة يناير، الشعب الجزائر كله كان يحتفل بها على أساس كونها “بداية موسم فلاحي جديد” حتي في عقر منطقة القبائل.
    فسطى عليها بعض العلمانيين بأوامر فرنسية ليحولوها إلى مطلب جهوي، بابتداع سنة وتأريخ أمازيغي ما أنزل اهدة بهما من سلطان.
    ولم يكن أحد من الجزائريين، ولا في شمال أفريقيا، ولا أحد من المؤرخين ربطها بالأمازيغ أو الأمازيغية.
    فاستغلوها لابتزاز بوتفليقة وجشعه للسلطة رغم مرضه، فأخذ دفتر المحاولات (الدستور) وقننها بقرار فرعوني لغة “رسمية ووطنية” في دستور 2016، متجاهلا إرادة الشعب والدوس على قناعاته التي أعلنها في تيزي وزو بما نصه:
    “وأنا هنا اليوم لأنهي سوء التفاهم، حتى لو أصبحت الأمازيغية لغة وطنية، لن تكون أبدل رسمية، وكي تصبح حتى لغة وطنية، لن يكون ذلك إلا باستفتاء كافة الشعب” انتهى الاقتباس والالتباس

  4. يقول متابع:

    شكرا للكاتب على هذه الاضاءه ، مشكلتنا ان القومجية العربية تريد السيطرة حتى على طريقة تفكيرنا،شمال افريقيا يمكن تشبيهها بخلطة البهارات ان نقص مكون او زاد اخر فسدت الطبخة.اسݣاس اماينو

  5. يقول شهدان باريس:

    شكرا للاستاذ علي اهتمامه بهذا الموضوع الذي يهم جل الشعوب المغاربية وحتي جنوب الصحراء وهي مناسبة حلول السنة الأمازيغية الجديدة كل يوم 13 من يناير وهو الآن يوم عطلة في الجزائر والمملكة المغربية واتمني أن يكون نفس الحال عند بقية الدول المغاربية نعم هو يوم يجتمع فيه المغاربيون بهذه المناسبة واتمني أن نبقي متحدين كما كان أجدادنا ولم تفرقنا الحدود من وادنون الي تونبكتو و من اكديز الي قسطنطينة تحياتي لكل الأمازيغ والعرب وكل شعوب المنطقة.

  6. يقول اركون:

    شمال افريقيا موطن شعوب مختلفة شكلًا وفصلا. هذه البقاع كانت بحكم الجغرافية عرضة للاحتلال والصدمات.

  7. يقول اركون١:

    شمال افريقيا موطن شعوب مختلفة شكلًا وفصلا. هذه البقاع كانت بحكم الجغرافية عرضة للاحتلال والصدمات.
    طرق التفكير والتصرف والمعاملة للاشخاص في كل بقعة ادت الى تكوين مجتمع خاص ومتميز.

  8. يقول كريم:

    المغرب ذهب بعيدا في مجال الاهتمام بالأمازيغية حيث تم ترسيم اللغة الأمازيغية في الدستور المغربي ، وهي تدرس في المؤسسات التعليمية ، وهذه السنة وفي هذا الشهر تم منح عطلة رسمية مدفوعة الأجر ، والثقافة الأمازيغية من أهم مكونات الثقافة المغربية الأصيلة .

    1. يقول نورة مراكش:

      للأسف المغرب انسلخ انسلاخا عن هويته الإسلامية فما بالك بهويته العربية حيث وظفت الأمازيغية لتنويم الريف وماذا بعد ؟ هل هذا زاد من مستوى التعليم في النغرب الذي يتذيل ترتيب اليونسكو !!! هل هذا زاد في تطوير الاقتصاد والصحة والصناعة والإدارة وحياة المواطن المغربي؟ أما الحفلات والمهراجانات واللهو واللغو فهذا صحيح زاد كثيرا تحت ذريعة التنوع الثقافي …..وهل 1،2ملبون يهودي الموجودين في المغرب يدرسون الأمازيغية مثلا!!! ما ستفيد هذ الأمازيغية..هل ستطور الصحة والتعليم والصناعة والتكنولوجيا …هي محدودة جدا جدا ثم لا نوجد لها أثرا خطيا عبر التاريخ القديم أو الحديث أصلا …هي مجرد نوروث ثقافي هوياتي فقط ..ثم إن الدول لها أعمار والدول ااحديثة عمرها يقاس بقدر تاريخها الحديث يعني على الأكثر إلي غاية القرن 17. و الحركة الأمازيغية تريد إرجاعنا-حسب زعمها و بدون دليل- إلى 3آلاف سنة قبل الميلاد !! ماهذا التخلف ..يعني نغض الطرف عن تاريخنا الحديث والحضارة الإسلامية و نهتم ب 3000 سنة قبل الميلاد!!! ماذا نقول عن أمريكا إذن ؟؟؟ أكبر دولة منطورة مثلا ..هل السكان هناك ينادون بتاىيخ قديم ما قبيل الميلاد!!!

  9. يقول الجيلالي سرايري:

    أرجو من الدكتور أن يعطينا رزنامة السنة الأمازيغية 1وان يفسر لنا بدايتها في 12جانفي دون تغير رغم الفارق 2974امازيغية 2024ميلادية فهل كان التقويم الميلادي موجودا وقتها حتى تنطبق السنتان رغم الفارق الزمني الكبير

  10. يقول م/ب اولاد براهيم:

    1/1 يتبع .. كلا والله نحن من اجل وطن واحد موحد بجميع اطيافه وموكوناته البشرية حتى ولوكانت ثلة تلبعة للمستعمر يحركها كيفما شاء ومتى شاء واللغوية حتى ولو كانت هجينة والثقافية يسكن فينا من هذا تنازلنا وقبلنا بالتعايش كجسم واحد اذا اشتكى منه عضو تداع له سائر الجسم بالسهر والحمى فقط مشكلة الجزائر مع الزوافين واذناب فرنسا ..

1 2

اشترك في قائمتنا البريدية