بيفرلي ميلتون إدواردز وستيفن فاريل في «حماس»: لا يركز كفاية على أن حماس حركة وطنية وقومية وليست إسلامية فقط

سمير ناصيف
حجم الخط
0

معرفة توجه أي كتاب يُقرأ للنقد والمراجعة انطلاقاً من فصوله الأولى ومقدمته وخاتمته فقط. وخصوصاً أن المقاربة الأساسية فيه تتضح تدريجياً وتنبئ القارئ إذا كان الكتاب موضوعياً على الصعيد السياسي ومفيداً في المعلومات الواردة فيه على الصعيد الأكاديمي أو لديه أي أجندة غير مكشوفة سلبية كانت أو إيجابية.
هذا ما ينطبق إلى حد ما على كتاب صَدرَ مؤخراً بعنوان «حماس» لمؤلفيه بيفرلي ميلتون ادواردز، الزميلة غير المقيمة في مركز الشرق الأوسط والشؤون الدولية والأستاذة السابقة في جامعة كوينز في بلفاست إيرلندا الشمالية، وستيفن فاربل الصحافي في وكالة «رويترز» الدولية الذي عمل سابقاً كمدير لمكتب هذه الوكالة في القدس ومراسلاً في صحيفة «التايمز» البريطانية متخصصاً في الشؤون الدولية بالإضافة إلى عمله في إنتاج الفيديوات الوثائقية لصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية.
الفارق بين هذا الكتاب عن غيره، خصوصاً في هذه المرحلة من التاريخ في فلسطين وبعد عملية «طوفان الأقصى» في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 انه من الضروري قراءة هذا الكتاب من أول سطر فيه إلى آخر سطر لإدراك طبيعة توجهه وهدفه ولكن من الصعب نفي أهميته أو إنكار غزارة المادة الواردة فيه.
يقول المؤلفان في صفحات التمهيد للكتاب: «إن هدف كتابنا بعد ما أجرينا المئات من المقابلات في السنوات الأربعين الأخيرة حول منظمة حماس هو تقديم صورة برزت لنا من خلال هذه المقابلات عن مؤسسي حماس وقادتها ومقاتليها ونشاطاتها وضحاياها في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية وهي الأراضي الفلسطينية المحتلة والتي تسيطر عليها إسرائيل عسكرياً ومن خلال بناء المستوطنات وفرض إدارتها المدنية بعد حرب الأيام الستة في عام 1967».
ويضيف المؤلفان قائلين: «بعد حرب عام 1967 تجنبت إسرائيل المواجهة مع الإسلاميين في حركة حماس وحتى انها شجعتهم في بعض الأحيان في نطاق اعتمادها سياسة فرّق تسد وفي سعي إسرائيل لإضعاف غريمها الأساسي آنذاك ياسر عرفات ورفاقه في منظمة التحرير الفلسطينية ومنظمة فتح التي كانت تحت قيادته أيضاً».
وفي ظل تلك الأوضاع نشأت وانطلقت حركة حماس في عام 1987 في خضم تداعيات الانتفاضة الفلسطينية الأولى ضد إسرائيل في ذلك التاريخ.
ويشير المؤلفان أن حماس آنذاك حظيت بتأييد وعطف الشعب الفلسطيني وخصوصاً عندما أعلنت أن نجاح تلك الانتفاضة عاد إليها بشكل رئيسي وليس إلى منظمة التحرير الفلسطينية.
ومن هناك فصاعداً، يقول المؤلفان إن «حماس لم تحصل على تأييد الشعب الفلسطيني بسبب اعتمادها العنف ضد إسرائيل فحسب بل لامتلاكها آنذاك ولاحقاً جهازاً منظماً لتأمين الحاجات الأساسية والإنسانية لمؤيديها في فلسطين والذين افتقروا إلى جهاز دولة يؤمن مثل تلك الحاجات».
المشكلة (برأي المؤلفان) أن حماس الإسلامية التوجه وفتح «العلمانية» والتي تركز على استقطاب جميع مكونات الشعب الفلسطيني على صعيد الدولة المنشودة رفضتا في أكثر من مناسبة التشارك في السلطة في فلسطين سوياً في حكومة موجودة وفشلتا عندما حاولتا فعل ذلك.
إسرائيل في تلك الفترة اعتبرت حماس مطيّة لتوجهها المعادي لمنظمة التحرير الفلسطينية وقد أدركت حماس خلفية هذا الموقف. كما ان إسرائيل غضت النظر عن الأموال الضخمة التي كانت ترد إلى حماس من مؤيديها المسلمين في الخارج فيما كانت تفعل عكس ذلك بالنسبة للأموال الواردة إلى منظمة التحرير الفلسطينية. كما استمرت العلاقة بين إسرائيل وقيادة حماس السياسية والاجتماعية في غزة». (ص 52 و53).
يتساءل القارئ ما هو هدف المؤلفين الأثنين من تعزيز الشرخ بين حماس وفتح ومنظمة التحرير الفلسطينية في هذه المرحلة؟ علماً أن قيادتي هاتين المنظمتين الأكثر أهمية بالنسبة لمستقبل فلسطين التقيتا في الصين مؤخراً للتأكيد على امكان تعاونهما؟ ولماذا صدر هذا الكتاب عن حماس في هذا الموعد مركزاً على الخلافات التي يصعب جداً تجاوزها؟
كما يندهش القارئ عندما يقرأ وراء السطور التعابير المستخدمة في هذا الكتاب وفي صفحاته المختلفة عن «انتصار إسرائيل» في حروبها مع العرب في عام 1967 و1973 وبعد ذلك في حروب أخرى في وقت يدرك بان هذه «الانتصارات» ما كانت حدثت لولا الدعم الأمريكي غير المحدود لإسرائيل فيها التي ساهمت في انقاذها من الهزائم. هذا فضلاً عن انها لم تكن انتصارات بالفعل بالمنطق العسكري البحت.
في الفصل السادس من الكتاب، يقول المؤلفان إنه في الانتفاضة الثانية في عام الألفين وازت إسرائيل بين أسامة بن لادن وياسر عرفات كعدويها الأساسيين في المنطقة بالإضافة إلى إيران، بالرغم من ان حركة حماس كانت تشن حملة تفجير ضد مواقع إسرائيلية أزهقت أرواح إسرائيليين عديدين. التركيز الإسرائيلي كان على التمويل الإيراني للفلسطينيين المقاومين فيما كانت إسرائيل بقيادة آرييل شارون مندهشة من انتقال حماس إلى التعاون مع إيران». (ص 81 ـ 79).
لعل أسوأ فصول هذا الكتاب من المنطلق الأكاديمي التحليلي كان الفصل الثامن بعنوان: (الشهداء) إذ يعتمد نظرية (نيكروفيليه) مرضية من منطلق علم السيكولوجيا في تحليل دوافع المقاومين وهي نظرية تشير إلى أن الذين يستشهدون في حركة حماس أو في الحركات الأخرى المتحالفة معها في المقاومة ضد إسرائيل يعشقون الموت والاستشهاد لكي يلتقوا بالحوريات (النساء الجميلات) في الجنة وليس لتحرير أرضهم فحسب. هذه مقاربة كان المفكر الفلسطيني الراحل ادوارد سعيد ليتقيأ لو أتيح المجال له أن يقرأها خصوصاً بسبب عنصريتها.
فهل منظمة حماس هي المنظمة الوحيدة الوطنية والقومية التي تعمل تحت مظلة دينية بينما هدفها في النهاية هو تحرير أرضها؟ ماذا عن الجيش الجمهوري الإيرلندي بقيادة جيري آدامز واستقطابه الكاثوليكيين الفقراء في إيرلندا الشمالية لتحريرها من الاستعمار البريطاني؟ هل كان مقاومو الجيش الجمهوري الإيرلندي يسعون للقاء الحوريات الجميلات في الجنة عندما استشهدوا من أجل إيرلندا الموحدة؟ وكذلك الأمر في حركات مقاومة أخرى في العالم.
هذا المنطق في الكتاب هو منطق إسلاموفوبي، هدفه في النهاية القول إن حركة حماس وشهداءها المقاومين ومدنييها الأربعين ألفاً الذين قضوا على أيدي جيش إسرائيل الساعي إلى التطهير العرقي هم ليسوا من الجنس البشري ولا توجد جريمة كبرى في ازهاق أرواحهم.
هذا الكتاب يدعي الموضوعية والبراغماتية والأكاديمية ولكن السؤال يُطرح ماذا كان سيكون موقف الأحرار من يهود العالم لو طرُحَ موقفاً مشابهاً إزاء المحرقة النازية لليهود التي ارتكبها هتلر وأعوانه في اوشفيتز؟ أي الموازاة بين الجلاد والضحايا واعتماد البراغماتية فقط في التحليل؟
أن ما قامت به إسرائيل وتقوم به تحت قيادتها الحالية يخالف الشرائع الإنسانية والدولية، وعلى المحاكم الدولية في هذا المجال محاسبتها على ما فعلته وليس اعتماد محاولات الموضوعية الزائفة والموازاة في الجرم بحجة أن «حماس» في الماضي تعاونت مع إسرائيل لتحقيق أهداف سياسية ضد «فتح» وان التعاون فيما بينهما حالياً ليس ممكناً في مجال إنتاج سلطة فلسطينية في غزة والضفة من العقلاء والمناهضين للعنف والمؤمنين باعتماد الحلول الإنسانية وليست تلك المستندة إلى الطائفية والعنصرية.
أن حركة حماس التي فقدت كبار قياداتها في الماضي والحاضر لا تختلف كثيراً عن حركات المقاومة الأخرى في المنطقة إلا ربما في شجاعة قادتها وعناصرها وانتمائهم القومي أولاً إلى فلسطين بنظر الكثير من أبناء الجيل الجديد في العالم.
والمؤلفان في هذا الكتاب يستخدمان مقولة (قول الشيء ونقيضه) في مجال نظرتهما إلى المرأة الفلسطينية والعربية وفي دورها في المقاومة وينتقدان منظمتي «حماس» و«فتح» ولكنهما يشيران بشكل غير مباشر إلى ضرورة صعود خيار ثالث يتعاون فيه قياديون شباب في فتح وحماس غير القياديين الحاليين وربما من المقيمين في دول خليجية يتبعون املاءات قادتها وينفذون سياساتها في التعامل مع إسرائيل بشكل أفضل! وتأتي هذه النصائح في أكثر من موقع في الكتاب عبر مقابلات أجراها المؤلفان مع شخصيات من هؤلاء. واستناداً إلى ذلك، ربما هناك أجندة وراء هذا الكتاب خصوصاً عندما يقدم الكاتبان دروساً إلى المقاومين في الصفحتين (192 ـ 191) بانه على الفلسطينيين أن يقرروا أو أن يصبحوا سلطة سياسية، أي ان يتخلوا عن المقاومة قبل تحقيق مطالبهم! كما ان المؤلفين يعتمدان كثيراً في صفحات كتابهما على مصادر يطلقون عليها أسماء (أبو فلان) أو (أبو كذا) «قال لنا» ولعلهما ينوران في وجهة في ما كتبه الراحل الصحافي الكبير روبرت فيسك عندما قال انه لم ولن ينشر شيئاً لم يُفصح فيه الشخص الذي أدلى بالتصريح عن هويته.
وفي الفصول الأخيرة من الكتاب يتحدث المؤلفان عن تأثير الربيع العربي في مصر وغيرها من الدول العربية على حركة حماس ويشيران إلى أن الحركة توقعت أكثر مما حصلت عليه بعد صعود حركة الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر بقيادة الراحل محمد مرسي. كما يشيران إلى الإهانة التي ألحقها بنيامين نتنياهو بالرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما عندما زار واشنطن في عام 2011. وكل ذلك في محاولة لتأكيد موضوعية الكتاب.
كما يؤكدان أن قرار حماس (بشخص رئيس مكتبها السابق خالد مشعل) التخلي عن هدف إزالة إسرائيل من الوجود والقبول بسلطة فلسطينية على أراضي 1967 (في خطابه في الدوحة في أيار (مايو) 2017) كان له المفعول العكسي إذ قررت إسرائيل أن التعاون مع حماس لم يعد مجدياً لإفشال مشروع إنشاء الدولة الفلسطينية بحيث اقترب موقف حماس من فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية (ص 227).
غير أن المشكلة الكبرى بنظر المؤلفين كانت التزام الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن بخطة وتوجهات اتفاقيات إبراهام التي مهد لها وحاول تطبيقها جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والتي وقعتها الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب والتي تتجه نحو تجميد التزامات دول عربية غنية وفاعلة بالنسبة للقضية الفلسطينية والاتجاه للتطبيع السياسي والاقتصادي والاجتماعي مع إسرائيل من دون أي شروط والتزامات لمصلحة فلسطين (ص 230).
وهذه المعلومات في الكتاب تؤكد أن مثل هذا التوجه من قيادة بايدن ساهم في حدوث «طوفان الأقصى» في تشرين الأول (أكتوبر) 2023: وربما كان الأجدى ببايدن اتخاذ قرارات مخالفة لهذه الاتفاقيات آنذاك وليس حالياً كما يفعل الحزب الديمقراطي في أمريكا. وفي هذا الصدد كان الكاتبان على حق.
كما ان خلاصة الكتاب تؤكد حقيقة أخرى انبثقت بعد الأشهر الأخيرة على حدوث (طوفان الأقصى) (بنظر الكاتبين) وهي أن إسرائيل لم تعد تراهن على التعاون مع حماس من أجل إضعاف منظمة التحرير الفلسطينية ومنظمة فتح وقياداتهما وأن حماس استمرت في تحدي الاحتلال الإسرائيلي لأراضي فلسطين. فيما ظهر في الفصول الأولى من الكتاب للقارئ وكأن حماس استُخدمت كمطية لأهداف إسرائيل بشكل مبالغ فيه.
وبالتالي، فالكتاب يبقى براغماتياً برغم التحفظات، كما يستخدم في كثير من الأحيان الموازاة بين خصمين ليسا بنفس القوة العسكرية. ولكن البراغماتية والموازاة في زمن المجازر الوحشية المرتكبة حالياً في فلسطين ليسا الخيارين الأكثر حكمة وعدالة وإنسانية.
Beverley Milton Edwards and Stephen Farrel: «Hamas»
Polity Press, Cambridge 2024
331 pages.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية