بين الترهيب والترغيب: هيئة «تحرير الشام» تسعى لإعادة ضبط الوضع في شمال سوريا

منهل باريش
حجم الخط
0

عملية القمع التي حصلت رغم عدم سقوط قتلى أو إصابات بين المتظاهرين خطيرة للغاية على اعتبار أن الجهاز الأمني يدفع بجماعات أهلية محلية لمواجهة أخرى بسبب مطالب سياسية.

تراجعت حدة المظاهرات الغاضبة ضد هيئة «تحرير الشام» وزعيمها أبو محمد الجولاني، في شمال غرب سوريا بعد أسابيع على انفجارها، فيما تعرضت مظاهرتان للقمع بالعصي في كل من مدينة حارم وبلدة خربة الجوز الحدوديتين مع تركيا. واللافت أن المنطقتين تخرجان في مظاهرة لأول مرة ضد «تحرير الشام» منذ انطلاق الاحتجاجات على خلفية ما عرف بقضية «عملاء التحالف» التي جرى على خلفيتها اعتقال المئات من قادة وعناصر الجناح العسكري في الهيئة.
وقمع منتسبون إلى شبكات التهريب يحسبون على جهاز الأمن العام التابع لـ«تحرير الشام» المظاهرتين التي خرج بها نشطاء مدنيون بعد صلاة التراويح، وتحققت «القدس العربي» خلال اتصالات مع ناشطي المنطقتين من عدم وجود مباشر لأعضاء رسميين في الهيئة وأن كل المهاجمين هم من السكان المحليين الذين يعملون في شبكات التهريب العاملة تحت قيادة رئيس جهاز الأمن العام أبو أحمد حدود وهو الذي منع عمليات التهريب وضبط الحدود وربط العائد الاقتصادي من تهريب البشر والمواد الغذائية والمازوت به بشكل مباشر منذ سيطرة الهيئة على إدلب 2017.
وتعتبر عملية القمع التي حصلت رغم عدم سقوط قتلى أو إصابات بين المتظاهرين خطيرة للغاية على اعتبار أن الجهاز الأمني يدفع بجماعات أهلية محلية لمواجهة أخرى بسبب مطالب سياسية، وهو سيناريو مكرر فعله النظام السوري سابقا في عدة مناطق مستخدما بعض العشائر وجماعات محلية وطائفية لقمع حركة الاحتجاجات عام 2011 وساهمت بتسريع تمزيق الشعب السوري. والجدير بالذكر أن جهاز الشرطة المدنية لم يتدخل للفصل بين الجانبين لحظة الاعتداء كما أنها لم تعتقل أي من المهربين البلطجية الذين اعتدوا على المتظاهرين ولم تفتح أي تحقيق بالحادثة وهو ما يعزز فرضية توجيه المهربين من قبل جهاز الأمن العام بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال تهديد مصالحهم الاقتصادية المرتبطة بالجهاز بشكل وثيق. ولكن وقوع الحادثتين في حارم وخربة الجوز في وقت واحد يشير بما لا يدع مجالا للشك إلى استعداد مسبق ومبيّت.
وفي سياق منفصل، يعتمد أبو محمد الجولاني على عدة مسارات للحل في آن معا، أهمها استيعاب الناشطين المدنيين واشراكهم في صنع القرار من خلال توسيع مجلس الشورى العام الذي يمنح الثقة لحكومة الإنقاذ، كما يتوجه للتخلي عن تعيينات المجالس المحلية في المناطق من خلال انتخابها شعبيا، وتخفيف الضرائب والغرامات ورد بعض المظالم، أما ضمن الهيئة فإن مسألة رد اعتبار العسكريين المعتقلين سابقا تبدو أنها تأخذ الجهد الأكبر من وقت زعيم الهيئة إضافة إلى البحث في طريقة تحفظ سلطته الأمنية المتمثلة بجهاز الأمن العام بالتزامن مع وضعها تحت إدارة محدثة تتبع بشكل رسمي لوزارة الداخلية وهذا يحتاج دقة بالغة التصميم كي لا يخسر قوته، خصوصا بعد شرخ صف الجماعة الجهادية بشكل لا يمكن رتقه بسرعة ويحتاج إلى وقت طويل.
في التفاصيل، وفي مؤتمر صحافي لرئيس مجلس الشورى العام، الخميس، تابعته «القدس العربي» قال الدكتور مصطفى موسى: «أصدرنا عدة قرارات أحدثت بموجبها ثماني لجان موزعة على المناطق في المحرر، وعلى الفور عقدت اللجان لقاءات مع الأهالي للاستماع إليهم والنظر في مطالبهم». ونوه إلى أن اللجان «استطاعت خلال فترة لا تزيد عن عشرة أيام حل عدد من القضايا، ما يقارب 25 في المئة من إجمالي القضايا التي وردت إلى اللجان المشكلة» وحول توسيع المجلس الذي يعتبر شكليا أبرز مرجعية سياسية في شمال غرب سوريا، أضاف «عقدنا ثلاث ورشات عمل بمشاركة الأكاديميين والنشطاء، لمناقشة المواضيع التي تجعل تمثيل المجلس أوسع وقدرته على القيام بمهامه أكبر وأدق» واعتمد المجلس الحالي قرار تمثيل المحافظات جميعها، كما ناقش نظم الانتخابات وكانت بين خيارين، أما انتخابات عامة أو هيئات انتخابية، وبحثت الورش التي أطلعت «القدس العربي» على أبرز نقاشاتها «معايير الترشح ومعايير الانتخابات» وفي وقت سابق أعلن المجلس، الاثنين، عن تشكيل لجنة عليا لانتخابات مجلس الشورى العام تحقق «توسيع المقاعد وتمثيل كافة الشرائح».
وفي الإطار، اعتبر موسى أن هدف المجلس هو: «إجراء عملية انتخابية تحقق الشفافية والنزاهة وصولا لانتخابات عادلة، ومجلس يضمن التعبير عن مصلحة شعبنا الحر» حسب تعبيره. كما شدد على أن المجلس «سيكون الأساس في وضع القوانين وتقييم الأداء الحكومي بما يحقق مبدأ الرقابة الشعبية وبما يجعله قادرا على ممارسة مهامه التشريعية».
وفي سياق آخر، أشار إلى استحداث «ديوان المظالم» الذي سيعنى باستقبال الشكاوى والتظلمات سواء على مستوى المؤسسات أو الأفراد، ومعالجتها حسب «الأصول الشرعية والقانونية» وقد بدأ بمعالجة الشكاوى الواردة إلى لجان المناطق. وتحاول قيادة تحرير الشام ومجلس شورى العام إلى إشراك أكبر عدد من الناشطين والفاعلين المحليين والأكاديميين بعد استشعارها خطر خروج الوضع عن السيطرة في محافظة إدلب والذي انعكس بخروج عشرات آلاف المتظاهرين في عدة مناطق وتسعى لجانها المشكلة للتواصل مع النشطاء في ريف حلب الشمالي أو آخرين موجودين في تركيا بهدف طلب رأيهم للخروج من أزمة عدم الثقة الحاصلة.
وبهدف إشراك النشطاء الرافضين لمسيرة الهيئة وإدارتها، شكلت حكومة الإنقاذ «لجنة الإعداد لنظام عمل خاص بعمل المجالس المحلية وآلية انتخابها في المنطقة المحررة» وأمهلت اللجنة شهرا كاملا منذ تشكيلها في 19 اذار (مارس) لرفع تقريرها. وفي حال توصلت اللجنة إلى قرار حقيقي يمهد لانتخابات حرة دون وصاية من «الهيئة» فإن ذلك سيحفز الكثير من التكنوقراط والمعارضين لخوض انتخابات المجالس المحلية في إدلب وجوارها.
أما في الجناح الأمني والعسكري، فإن الجولاني أعاد بعض الاعتبار لقادة عسكريين من خلال وضعهم على رأس الألوية العسكرية وتغيير بعض القادة وإبعادهم عن الواجهة، فقد عين أبو اسامة منير قائدا للواء ابي بكر الصديق وهو قيادي عسكري معروف في جيش النصرة سابقا، وينحدر منير من جبل الزاوية، ويعتبر اللواء من أهم الألوية العسكرية وينتشر في محور جبل الزاوية الشرقي المواجه لقوات النظام. كما عين أبو خالد الحمصي قائدا للواء طلحة وهو اللواء الذي يقوده أنسباء الجولاني في بنش، كما عين أبو مسلم آفس قائدا للواء علي بن ابي طالب، ووضع أبو ذر محمبل قائدا عسكريا للواء عثمان بن عفان وهو اللواء المنتشر في منطقة سهل الغاب، في حين لم تجر أية تعديلات في لواء عمر بن الخطاب المنتشر في جنوب جبل الزاوية.
وتعتبر الدعاية السوداء، واحدة من أكثر أساليب الترهيب التي يستخدمها جهاز الأمن العام عبر تشويه سمعة المتظاهرين، حيث تنتشر تسجيلات لبعض نشطاء المظاهرات وتجتزئ سياق الحديث كما فعلت مع المصور عمر حاج قدور ومحي الدين الأسعد في بنش، حيث نشرت تسجيلا صوتيا للأخير يعترض فيها على مسمى لأحد أيام التظاهر ويعرب فيها عن رفضه للدعوة للجهاد وقوله إن «الثورة هي ثورة حرية وكرامة وليس جهادا ومجاهدين.. وأن ساحة الثورة فيها طبل وأناشيد ثورية ومن يريد الجهاد فليذهب إلى ساحة أخرى».
كما وصفت صفحات إعلامية مقربة من الجهاز الأمني والعسكري عناصر «حراس الدين» التابع للقاعدة وفصائل أخرى أنها هي من تتظاهر في مخيمات الساحل السوري قرب الحدود التركية وانه لا يوجد أي مدني بها وكلهم من العسكريين. وفي وقت سابق، نشرت إحصائية لنقاط التظاهر وأعداد المتظاهرين فيها وذكرت نسبة المتظاهرين وأشارت إلى أن أغلبها من العسكريين والأطفال بهدف تبخيس أعدادها من جهة والقول إن كل من خرج بالمظاهرات معروف بالنسبة للجهاز الأمني وسيأتي موعد حسابه.
وأحصى انفوغرافيك 14 نقطة تظاهر فقط في محافظة إدلب، لافتا إلى أن العدد الكلي هو 3200 متظاهر معظمهم من «حراس الدين» و «جيش الأحرار» و«جيش الإسلام» وحركة «أحرار الشام» سابقا موضحا أن عدد المدنيين دون الأطفال في عموم شمال غرب سوريا هو نحو 600 فقط من أصل الكتلة السكانية التي يبلغ عددها 4 مليون، أي أن نسبة المتظاهرين المدنيين هي 0.08 في المئة وشددت الإحصائية -التي لم تنسب إلى مصدر- على أن حزب التحرير خرج بنسبة كبيرة في كل من دير حسان ودارة عزة وأطمة ومخيماتها.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية