بين تمثال وفتوى.. “صداع” برأس السنة الأمازيغية في الجزائر

حجم الخط
14

الجزائر- حسام الدين إسلام: أثار نصب تمثال للملك الأمازيغي “شيشناق” في الجزائر، وتداول فتوى قديمة تُحرّم الاحتفال برأس السنة الأمازيغية، جدلا واسعا في الأوساط الثقافية والإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي.

ويوافق 12 يناير/ كانون الثاني 2021 الأول من يناير لعام 2971 بالتقويم الأمازيغي، وهو عطلة رسمية، بقرار أصدره الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، في 2017.

** من هو شيشناق؟

بمناسبة “عيد يناير” تم في محافظة تيزي وزو (شرق) نصب تمثال لـ”شيشناق” أو “شيشنق”، ويتردد أنه أحد أبرز ملوك الأمازيغ في شمال إفريقيا (950: 929 ق.م).

وحسب مؤرخين فإن شيشناق هزم الفرعون رمسيس الثالث في مصر، وأسس لحكم دام سنوات.

وبهذه المناسبة، أعاد نشطاء على منصات التواصل تداول فتوى أصدرها محمد علي فركوس، أبرز شيوخ السلفية بالجزائر، عام 2006، تقضي بعدم جواز الاحتفال بـ”يناير”.

ونُشرت الفتوى على الموقع الإلكتروني الرسمي للشيخ فركوس، في 21 مايو/ أيار من ذلك العام، بعنوان “في حكم الوجبات الخاصة بالأعياد البدعية”.

وورد فيها: “اللهَ تعالى أَبْطَلَ أعيادَ الجاهلية، وأَبْدَلَ أهلَ الإسلامِ بها عيدَيْنِ يجتمعون فيهما للذِّكْرِ والصلاةِ وهُما: عيدُ الفِطْرِ وعيدُ الأضحى”.

كما “شَرَعَ اللهُ لأهلِ الإسلامِ الاجتماعَ للعبادةِ وذِكْرِ الله يومَ الجمعة ويومَ عَرَفةَ وأيَّامَ التشريق، أمَّا عدا ذلك فلا يجوز الاحتفالُ به”، في إشارة إلى “يناير” ورأس السنة الميلادية وغيرهما، حسب الفتوى.

** عيد ديني أم عادة أم أكذوبة؟

والجمعة، انطلقت في الجزائر احتفالات رسمية برأس السنة الأمازيغية الجديدة، بتنظيم معارض للكتاب والصناعة التقليدية والأكلات التراثية، مثل “الكسكسي” و”الشخشوخة” وغيرها.

وقال عدّة فلاحي، مستشار سابق بوزارة الشؤون الدينية، للأناضول، إن “عيد يناير موروث ثقافي يحتفل به الجزائريون كل عام”.

وأضاف أن “رأس السنة الأمازيغية مناسبة للفرح وصلة الأرحام بين العائلات والأصدقاء”.

ورأى فلاحي أن تحريم الاحتفال بـ”يناير” يعكس نظرة ضيقة له ولأبعاده من بعض من وصفهم بـ”أشباه الفقهاء”.

وتابع: “فتوى تحريم يناير تتكرر كل سنة، ولا تنسجم مع السياق العام للمجتمع، فلا يجب تحريم موروث ثقافي يحتفل به الجزائريون، لخلق الفرحة والسعادة”.

متفقا مع فلاحي، قال مبارك أقدوش، أستاذ الشريعة الإسلامية في مدرسة ثانوية بمحافظة بجاية (شرق العاصمة)، إن “يناير موروث ثقافي تفتخر به الجزائر”.

وأضاف: “يناير ليس عيدا دينيا، وما يعتري الاحتفال به من مظاهر شركية ليست منه ويستنكرها غالبية أمازيغ البلاد”.

وأردف: “مظاهر ربطه بالوثنية والشرك لا تمثل الموروث الثقافي الأصيل الذي تفتخر به منطقة القبائل (الأمازيغ) التي تعتبر قطعة غالية من الجزائر”.

واستطرد: “لا أحد ادعى أن هذا العيد ديني ومتعبد به، حتى يقارنه بعيدي الفطر والأضحى، فيناير تراث ثقافي لا علاقة له بالجانب العقائدي أو التعبدي”.

والأحد، نشر الكاتب والدبلوماسي الجزائري السابق، عثمان سعدي، مقالا في جريدة “الشروق” (خاصة)، بعنوان “أكذوبة السنة الأمازيغية”.

وكتب سعدي: “يقول غلاة البربريين إن سنتهم الأمازيغية تبدأ من سنة جلوس الفرعون المصري ششنق على عرش مصر الفرعونية”.

وتابع: “بدأ البربريون المتعصبون المعادون لعروبة المغرب العربي التمهيد للاحتفال بالسنة الأمازيغية المزعومة يوم 12 ينايرـــ كانون الثاني 2015”.

وأردف: “من الغريب أنهم يبنون سنَتهم المزعومة على أخطاء تاريخية مضحكة، يسخّرون الكذب لتمرير مقولاتهم الكاذبة”.

واعتبر أن “يناير هو عيدٌ للفلاحة بالمغرب العربي كله، يحتفل به العرب والأمازيغ، وهذا لا ينكره أحد. لكن ربطه بالسنة الخاصة بالأمازيغ وبهزمهم لرمسيس ولجيشه هو الكذبُ بعينه”.

** معارك الهوية

على منصات التواصل، تباينت ردود الأفعال حول “الفتوى القديمة” ونصب تمثال “شيشناق”.

وقال مصطفى فرحات، إعلامي جزائري، عبر “فيسبوك”، إن “الاحتفال بيناير موجود قديما ومظاهره ممثلة في عشاء وحلوى ومكسرات وتوسعة على العائلة”.

وأضاف: “لم يخطر في بالنا يوما أنه احتفاء بآلهة من دون الله أو بتاريخ تنصيب شيشناق على عرش مصر أو أي شيء من هذا القبيل”.

وتابع: “كان شيئا جميلا عفويا وبسيطا تشترك فيه كل المناطق، وليست منطقة واحدة”.

وأردف فرحات: “في معارك الهوية وتأميم التاريخ، يُحوّل بعض دعاة الأمازيغية الأسطورة إلى عقيدة، كما فعل بعض دعاة السلفية”.

واعتبر أستاذ العلوم السياسية، زهير بوعمامة، أن الاحتفال الرّسمي بـ”يناير” غير مدروس بكيفيّة علميّة واستراتيجية منذ البداية به في بني سنوس بولاية تلمسان (غرب) إلى باتنة (شرق) وغرداية (جنوب) هذا العام.

وعلل بوعمامة، عبر “فيسبوك”، ذلك بأن “فِعلهم (السلطات) يُحرّك العاطِفة والمهرجانية وتصور لا وطني ولا علمي”.

واستطرد: “وبدل أن نفتكّه (عيد يناير) من الذين يُوظّفونه سياسياً نَحلُب في إنائهم ونؤدّي نفس الدّور في نشر “الخريطة العِرقيّة”.

وبخصوص التمثال، كتب الناشط عمار بن طوبال: “تاريخيا ليس هناك أي دليل ذي مصداقية على وجود شيشناق الأمازيغي”.

وأردف “بن طوبال”، عبر “فيسبوك”: “الذين قرروا نصب تمثال شيشناق بهيئته الفرعونية استجابوا لأسطورة شيشناق في المخيال الجمعي.. ولم يكن عملهم تأكيدا لأي حقيقة تاريخية، لأنهم غير معنيين بها أصلا”.

وغرّد الناشط سفيان مازيو قائلا: “لست ضد التمثال بقدر ما أنا ضد شكله، وشكل لباسه المصري.. الناحية الجمالية والذوق الفني غائبان فيه”.

ودعت الإعلامية مريم بن قارة إلى التصدي لما وصفته “المسخ”، مضيفة: “نحن مسلمون وما يحدث لمجتمعنا هدفه أبعد من مجرد تمثال.. الوثنية تبعث من جديد، حرب دينية بغطاء ثقافي”.

** تأريخ أمازيغي

تعود بداية التأريخ الأمازيغي في الجزائر إلى 950 عام قبل ميلاد السيد المسيح عيسى بن مريم عليه السلام.

وهناك روايتان تاريخيتان حول أصول الاحتفال برأس السنة الأمازيغية، تقول الأولى إن “يناير” يرمز إلى الاحتفال بالأرض والفلاحة عموما، تفاؤلا بعام خير على الفلاحين وعلى الناس.

أما الرواية الثانية فتقول إنه اليوم الذي انتصر فيه الملك الأمازيغي “شيشناق” على “رمسيس الثالث” فرعون مصر.

و”الأمازيغ” هم شعوب أهلية تسكن المنطقة الممتدة من واحة سيوة غربي مصر شرقًا، إلى المحيط الأطلسي غربًا، ومن البحر المتوسط شمالًا إلى الصحراء الكبرى جنوبًا.‎

(الأناضول)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Amara:

    إذا كان التطرف باسم الإسلام فيه التكفير والتفجير والهرج والمرج وقتل النفس بغير حق بإسم الجهاد
    التطرف باسم الأمازيغية شتم الشعب الجزائري 🇩🇿 والشعب المغربي 🇲🇦 وسب دينهم وبكل وقاحة وجهل فضيع وإن أدعوا العلم
    يهاجمون العربية، وأضافوا إلى ذلك الإسلام. فبماذا استبدلوهما؟ فأصحابها لا يقومون إلا بالتجييش، وإثارة النعرات العرقية، وهم يقومون بذلك عن طريق استنساخ ما خلفه الاستعماريون، وما تروجه الصهيونية علانية، وبأديان وثنية لما قبل التاريخ.
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
    (يا أيُّها النَّاسُ، ألَا إنَّ ربَّكم واحدٌ، وإنَّ أباكم واحدٌ، ألَا لا فَضْلَ لِعَربيٍّ على أعجَميٍّ، ولا لعَجَميٍّ على عرَبيٍّ، ولا أحمَرَ على أسوَدَ، ولا أسوَدَ على أحمَرَ إلَّا بالتَّقْوى”
    والله اعلم

1 2

اشترك في قائمتنا البريدية