صنعاء- “القدس العربي”: ما خرج به لقاء سيئون (عاصمة وادي حضرموت)، أمس الخميس، بعد أيام من اللقاء التشاوري للمجلس الانتقالي الجنوبي ، وقبل يومين من انعقاد الدورة السادسة للجمعية الوطنية لـ”الانتقالي” في المكلا (عاصمة ساحل ومحافظة حضرموت)، يكشف ما وصلت إليه حدة صراع المشاريع في هذا البلد لاسيما مع ارتفاع أصوات نزعات الاستقلال باسم الجنوب أولا وباسم حضرموت ثانيا مع عودة بعض أبناء سلاطين عهد السلطنات والمشيخات في الجنوب؛ ما يدفع بالقراءة “القلقة” عن مآلات الوضع في اليمن إلى آفاق واسعة لاسيما مع استمرار تكريس الوضع الراهن في صنعاء وعدن ومأرب وتعز والمخا.
لم يكن الإعلان عن عودة بعض سلاطين مناطق جنوب اليمن (ألغيت جميع السلطنات والمشيخات في جنوب اليمن عقب الاستقلال وقيام جمهورية اليمن الجنوبية) من قبيل الصدفة فثمة أكثر من مشروع يمضي بالبلد نحو المجهول، وثمة رسائل يحملها الإعلام اليمني كل يوم كحرب موازية لساحة النيران.
كما لم يكن مفاجئًا ما خرج به اللقاء التشاوري للمكونات الحضرمية بمدينة سيئون، أمس الخميس، بالتزامن مع وصول قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي لمدينة المكلا استعدادا لعقد الدورة السادسة للجمعية الوطنية للانتقالي، بعد غد الأحد، في خطوة يحاول بواسطتها الانتقالي توسيع حضوره في هذه المحافظة، بما يمكنه من احتواء قرارها السياسي ونزعتها “الاستقلالية”، التي عبّرت عنها مخرجات لقاء سيئون كرسالة قوية لمشروع المجلس الانتقالي تحديدا.
يتحرك “الانتقالي” بخطى حثيثة للهيمنة على قرار المكونات الجنوبية، وبخاصة حضرموت، التي تمثل ثقلا كبيرا جغرافيا وسياسيا واقتصاديا، علاوة على اتساع دائرة رؤية المحافظة تجاه مستقبل اليمن بما فيه مستقل الجنوب، ولهذا يبذل “الانتقالي” جهودًا كبيرة متواصلة لفرض سيطرته السياسية على قرارها، ابتداء من نتائج لقائه التشاوري الأخير، وتعيين أحد أهم زعامات حضرموت نائبًا له ممثلا في فرج البحسني بالإضافة إلى زعامات سابقة ممثلة في فادي باعوم وغيره، وانتهاء بقراره الأخير عقد اجتماع الدورة السادسة للجمعية الوطنية للمجلس في المكلا عاصمة حضرموت بتاريخ 21 مايو/أيار؛ وهو التاريخ الذي أعلن فيه نائب الرئيس الأسبق علي سالم البيض قرار “فك الارتباط” واستعادة قيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وهو القرار الذي اُجهض خلال حرب صيف عام 1994.
وتوقع مراقبون أن يخرج هذا الاجتماع (الجمعية الوطنية- العمومية) بتوصيات تدغدغ عواطف أبناء حضرموت، بما فيها المطالبة بإخراج قوات المنطقة العسكرية الأولى من المحافظة، علاوة على قرارات تعزز من وجود حضرموت في هيئات المجلس الانتقالي الجنوبي، بما فيها فريقه التفاوضي الخاص بالتسوية السياسية النهائية في اليمن وغيرها في محاولة لامتصاص النزعة الحضرمية الندية في التعامل مع بقية المكونات الجنوبية في اليمن، لاسيما وأن حقول النفط هناك تمثل عاملاً من العوامل التي يراهن عليها الانتقالي في تمكين دولته المستقبلية من أهم أوعيتها الإيرادية في الوقت الذي يتعزز من خلالها أيضا النزعة الندية للقوى الحضرمية المناوئة للانتقالي.
رافق وصول قيادات الانتقالي إلى المكلا مجموعات عسكرية تابعة للانتقالي، وهو ما مثل استفزازا لبعض المكونات الحضرمية، وفي هذا السياق، أعرب اللقاء التشاوري للمكونات الحضرمية، عن “الرفض القاطع لمحاولة استفزاز أبناء حضرموت من قبل بعض الكيانات غير الحضرمية، ومن ذلك دخول قوات من خارج حضرموت تحت ستار تأمين الاجتماعات، مما ينبئ بعدم ثقة تلك الكيانات بالنخبة الحضرمية وقدراتها العسكرية، وعدم جديتها بالشراكة مع حضرموت”.
وكانت مدينة سيئون في حضرموت قد شهدت، الخميس، انعقاد “اللقاء التشاوري الحضرمي للمكونات والقوى الحضرمية السياسية والنخب والشخصيات الاجتماعية” بهدف “تحديد موقف موحد من مجمل ما يعتمل في حضرموت من تطورات سياسية وفي ضوء ما تم من استفزازات عسكرية لمدينة المكلا المسالمة ومن أجل حشد كل الحضارم في الداخل والمهجر لإسقاط مشاريع الهيمنة وربط حضرموت بتبعية الجنوب والشمال، والعمل على انتزاع حقوق حضرموت المشروعة وعلى رأسها استقلال قرارها السياسي وسيادتها على الأرض والثروات ورفض التبعية”، وفق البيان الختامي المنشور في صفحة القيادي الحضرمي صلاح باتيس على فيسبوك.
ويتجلى من لغة البيان ما تتمتع به حضرموت من نزعة مختلفة واعتداد بإمكاناتها ما يجعلها ترفض ما تعتبره “مشاريع الهيمنة وربط حضرموت بتبعية الجنوب والشمال”، وهنا يؤكد البيان على استقلال قرار حضرموت السياسي “وسيادتها على الأرض والثروات”؛ وهي بذلك تؤكد – بشكل غير مباشر – رفضها الدخول تحت عباءة المجلس الانتقالي الجنوبي ضمن دولة تحت إدارته باعتباره تمتلك مقومات الدولة.
ولتأكيد ذلك خلص اللقاء إلى أهمية “اللقاء برئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي لوضع إطار تفاوضي خاصة بالقضية الحضرمية، والمطالبة بتمثيل حضرموت في وفد الشرعية في التسوية السياسية للأزمة اليمنية”.
كما أكد اللقاء نزعة حضرموت نحو تأسيس إما دولة مستقلة أو إقليم مستقل، وقال إن “حضرموت تمتلك مقومات الدولة ولها الحق في قيام دولتها متى ما كانت التسوية على شكل دول مستقلة وإقليم مستقل متى ما تحددت التسوية بالأقاليم، وغير ذلك فإن لحضرموت الحق في إعادة تشكيل التحالفات بما يخدم قضيتها”.
من أجل هذا وغيره من العوامل حدد المجلس الانتقالي مدينة المكلا مكانًا لعقد الدورة السادسة لجمعيته الوطنية، في محاولة لتكريس حضور الانتقالي في المحافظة، وقطع خطوة للأمام على صعيد احتواء موقفها، من خلال جذب قيادات حضرمية أخرى إلى هيئاته، بما يعزز من نفوذه داخل المحافظة التي تشكل منطقة استراتيجية جغرافيا واقتصاديا وسياسيا، ويمتد تأثيرها إلى محافظات شبوة والمهرة وسقطرى؛ وهو ما يجعل منها ذات أهمية ليس لليمن أو لمشروع المجلس الانتقالي وإنما لدول الجوار، وبالتالي لا يمكن استبعاد تحرك “الانتقالي” صوب هذه المنطقة بمعزل عن السياسة الإقليمية، علاوة أن التحركات الحضرمية المناوئة لمشروع الانتقالي لا يمكن أن تكون بمنأى عما تسعى إليه دول الجوار في تأمين أمنها الإقليمي ليبقى الأمر في دائرة صراع مشاريع الإقليم، وبالتالي لا يمكن التنبؤ بمآلات هذا الصراع في هذه المنطقة ذات الخصوصية في اليمن.