«ب برسلونة» وضعت المتفرجين بمواجهة غير متوقعة بسلاح الكوميديا لوسيان بورجيلي: المسرحية مُسلية وبثت فينا طاقة جميلة رغبنا بمشاركتها مع الجمهور

زهرة مرعي
حجم الخط
0

بيروت ـ «القدس العربي»:

دائما يقدّم الكاتب والمخرج لوسيان بورجيلي جديداً مفاجئاً في طروحاته على خشبة المسرح. أفكاره تثير الإعجاب كونها خارج المألوف. في مسرحيته الجديدة «ب برسلونة» نقل جمهوره إلى مساحة واضحة وعلنية تدعو للتفكير وطرح الأسئلة حول أمور شائكة وإن كانت منزلة على البشر، أو تحتاج لتغيير، أو تلك الحياة المُعاشة في الخفاء. متفرّجون بحدود الـ60 يضمهم المسرح الصغير في مونو. ينطلق العرض بعد صوت لوسيان الهادف لمزيد من التشويق منبهاً من اكتشاف متفرج أو متفرجة دون الـ18 عاما.
ينطلق العرض وتتوالى المفاجآت، وتبدأ نوبات ضحك تُحتمها مواقف الممثلين الأربعة، ومحور الخطاب الذين هم بصدده. خطاب منسوج من مستجدّات الحياة الجديدة التي يعيشها ناس الفضاء المفتوح، وسرعة الحياة وما تتطلبه من دعائم تسهّل الاستمرار، وتزين الطريق كمثل «مُدرّب الحياة الخاص».
وكما هو حال العصر الذي يفرض على ناسه مساراً يومياً ضاغطاً وعجولاً، بدت شخصيات المسرحية في محاولة لاقتناص فرصة اللحظة الأخيرة. شخصيات في حوار خاص، إذ به يفضي إلى ما هو غير متوقع. وما هو غير متوقع على المسرح بات حقيقة واقعة، بفعل جرأة لوسيان بورجيلي في اختياراته الفنية، إلى أن «صار اللي صار» حيث حبكة العرض وسره المخفي.
يمكن تصنيف «ب برسلونة» في خانة المسرح الكوميدي، لكنها في الواقع تحمل أبعاداً ما في الولوج إلى الحياة الثنائية بين شريكين. وإن كان البعض لا يسلم علناً بأن ما طرحته هو الحل، فلدى كثيرين باتت إشكالات الحياة المشتركة تحتاج إلى حلول.
«ب برسلونة» أرادها لوسيان بورجيلي فسحة مريحة يقول فيها على المسرح واقعاً ليس بنادر. حالة حقيقية موجودة خلف الستارة بدون تصريح أو توضيح أو إقرار. وإلى جانب الحالة الكوميدية التي عرض لوسيان بورجيلي أفكاره من خلالها، سعى لتحميل نصه بعداً فلسفياً من دون أن يُثْقِله، إنما وبعد العرض «تذهب السكرة وتأتي الفكرة». ربما هنا بيت القصيد.
مع لوسيان بورجيلي هذا الحوار:
○ ب برسلونة» فانتازيا مسرحية مصنوعة من تقنيات العصر. ما الذي دهاك؟
• شعرت كما كثير من معارفي بالحاجة لتغيير الأجواء والخروج نسبياً من المآسي التي نعيشها والمحيطة بنا، والأخبار الصعبة التي تصلنا، وكانت «ب برسلونة» كرحلة ممتعة تزيح الحالة القاسية لزمن، وتنقلنا إلى أجواء مُختلفة كلياً، يمكن وصفها بالمسلية. كفريق للمسرحية عشنا خلال تحضير العمل الكثير من التسلية، وشكّلت التمارين لحظات ضحك كبيرة. وأظنني ضحكت للمرة الأولى في حياتي خلال التمارين بهذا القدر. كانت الأجواء جميلة جداً، وبثّت فينا طاقة جميلة، وهذا ما أحببنا مشاركته مع الجمهور، آملين أن يشعروا بأنهم كانوا في رحلة إلى بلد آخر للحظات، وأنهم عاشوا تلك المغامرة مع شخصيات المسرحية، وعادوا مع هدية صغيرة للذكرى يمكنهم إلصاقها على البرّاد.
○ ضحكتُم وتسليتم كفريق فهل شكلت التمارين نوعاً من علاج لكم؟
• علمياً ليس لي وصفها بالعلاج، إنما بالتأكيد فيها الكثير من تغير للأجواء، وهذا ما نحتاجه، وجميعنا يحتاج لما يبثّ بنا أجواء إيجابية متّصلة بحياة مختلفة يمكننا التفكير بها، واختبارها.
○ من قرر أن العرض لجمهور فوق الـ18 الرقابة أم أنت؟
• هو تصنيف من الرقابة.
○ إذاً الرقابة واثقة بعجز من هم دون الـ18 عن سماع ما تضمّنته مسرحية «ب برسلونة» بوسيلة أخرى؟
• دورنا أن نتأكد على باب المسرح بعدم دخول من هم تحت الـ18. إنها مسؤوليتنا ونقوم بها على أكمل وجه. فوق 18 موجودة على البوستر، ونكرر التأكيد على ذلك داخل الصالة. علينا التأكد بعدم وجود أطفال في العرض. شخصياً حتى وإن لم تضع الرقابة هذا التصنيف، كنت أفضله، فالمسرحية للراشدين حصراً.
○ حمّلت المرأة – الزوجة اندفاعة البحث والإلحاح على تجربة جديدة في حياة الزوجين. لماذا أردتها جريئة وملحة على هذا الفعل؟
• كما ورد في المسرحية تعرّضت المرأة للخيانة من زوجها. سعت لأن يعيش زوجها المشاعر التي عاشتها إثر خيانته لها. بطرقها المتمثلة بالدهاء والذكاء تمكنت من إقناعه للإقدام على هذا الإختبار الجديد في حياتهما، وهي تُدرك أنه ليس على قناعة بذلك مئة في المئة، ولأسباب عدّة. من بين تلك الأسباب سؤاله إن كانت ستتقبل ما اُضطرت لإختباره بدافع من خيانة زوجها لها؟ هذا هو بعد تلك الشخصية ودورها. الخيانة فعل قائم والإقرار صريح بضرورة التغيير في العلاقات الحميمة.
○ هل ما زلنا عند اشكالية استمرار الشغف لدى الزوجين أم هي من نوع آخر؟
• الاشكالية برأي بالسؤال هل الأفكار تأتي مُعلّبة؟ أم لنا امكانية إعادة التفكير بها بالمُطلق كما كافة الأمور في هذه الحياة؟ وهل علينا الاقتناع بالأمور كما هي أم إعادة التفكير بالأنظمة والمؤسسات وسواها من القضايا المتصلة بحياتنا؟ هذا يعود لنا كراشدين وكيف نُحب أن نعيش هذه الحياة. على كل منا أن يفكر على طريقته ووفق قناعاته، وكيف يرغب عيش هذه الحياة. شخصياً أشعر بأن إعادة التفكير مُلحة لجهة السؤال هل كل الأمور منزلة علينا كبشر؟ أم لدينا خيارات؟ ويمكننا طرح أسئلة حول هذه الموضوعات؟ وهل هو الطريق الوحيد لعيش الحياة؟ أم أن هناك طرقا أخرى كي نعيش حياتنا العاطفية أو الاجتماعية أو سواهما؟
○ في الأسماء كنت مع ابراهيم وسارة وهما معاً سيرة دينية وخصوبة بعد عقم. صدفة أم ماذا؟
• لقد اخترت هذه الأسماء لأسباب مرتبطة بحبكة المسرحية وبنيتها الدرامية لتكون ملائمة كأسماء عربية وأجنبية في الوقت نفسه. ففي المسرحية جنسية الزوجين غير معروفة من الزوجين الآخرين. لبوب وسارة كأسماء امكانية أن يكونا من أي بلد في هذا العالم، وكذلك مايا وماركوس.
○ كنت مصراً على تكرار حكاية أرسطو وفيليس على المسرح وهي برأيي غير محببة؟
• هي قصة موجودة وخلّدها فنانون كثر في رسومات خاصة بها وتُعرض في أكبر متاحف العالم كالرسمة المعروضة داخل المسرحية وهي للرسام الإيطالي جيوفاني بونكونسيليو وتعود لبداية القرن السادس عشر، وتُعرف برسمة أرسطو وفيليس ولها شهرتها الواسعة جداً. إنها لوحة لها صلة بالفيلسوف أرسطو. وبوب، أحد شخصيات المسرحية وأستاذ مادة الفلسفة لديه نظرته الخاصة لموضوع اللوحة وهي السبب في انه مع زوجته سارة انتهيا في هذا البيت في برسلونة. بالتأكيد سارة كانت على اطلاع على الصور، وحرضته لاختيار هذا البيت لأنه يحتوي على لوحة عن فيلسوفه المفضّل. في حكاية هذه الصورة أن أرسطو كان في وضعية تفلسف على الملك ألكساندر الذي يهمل دراسته وعمله وينجرف وراء الحب. وكي تُظهر له فيليس أنه غير قادر على مقاومة الحب، تقوم بهذه الخدعة. وخدعة فيليس هي محور مسرحية «ب برسلونة». وفي المسرحية أكثر من خدعة، أي طبقة من الخداع تركب بين تلك الشخصيات، وكما خدعت فيليس أرسطو، ففي المسرحية نوع من مرآة لهذه الواقعة.
○ لفتني جمهور غالبيته نساء في أربعينيات العمر تقريباً هل من تعليق؟
• هذا من باب الصدفة، وقد يكون العكس في عروض أخرى. بالمطلق ليس هناك جمهور ثابت لعروض المسرح، أحياناً يكون المسرح بغالبيته شباب من الجنسين وفي عشرينيات العمر، وهذا يختلف بين ليلة وأخرى.
○ كيف اخترت الممثلين؟
• عملت مع بعضهم مراراً كما فرح شاعر التي مثّلت في فيلم «غداء العيد»، ونحن معاً تشاركنا الإنتاج. كما مثّلت في مسرحية «عدو الشعب»، وفي «حبيبة قلبي إنت»، وغيرها العديد من المسرحيات ومنها في لندن. ولقاءاتي الفنية متعددة مع عبد الرحيم العوجي خاصة في «عدو الشعب». وكان لمجد المصري حضور في «عدو الشعب» وأدّى دور الصحافي بيلينغ، وأنجز قبل ذلك عدة ورش عمل على التمثيل بإشرافي. للمرة الأولى أعمل مع أليس عزالدين في المسرح، وهي أنجزت عدة ورش عمل خاصة بالتمثيل وبإشرافي، وهو حضورها الأول في التمثيل.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية