لندن- “القدس العربي”:
دعا السفير الفلسطيني في لندن حسام زملط، الحكومة البريطانية إلى “أن تستمع لجمهورها وشعبها وجيل الشباب وأعضاء البرلمان البريطاني والرأي العام الذي يقول إنه حان الوقت أن تتنازل الحكومة البريطانية عن هذا التحيز لحكومة الاحتلال الإسرائيلي التي باتت مكشوفة أمام كل العالم في ممارستها للإبادة الجماعية، وخرقها لكل القوانين الدولية”.
موقف السفير زملط جاء في تصريح لـ”القدس العربي”، خلال حفل خطابي أقامته السفارة الفلسطينية بالتعاون مع مجلس السفراء العرب في المملكة المتحدة، إحياء لذكرى النكبة الفلسطينية المتواصلة على مدى 76 سنة منذ العام 1948.
وكان الحضور حاشدا جدا لإحياء ذكرى النكبة داخل قاعة وستمنستر الشهيرة القريبة من مركز رئاسة الحكومة ومجلس العموم البريطاني في قلب العاصمة لندن، وهي ذات القاعة التي استضافت اجتماع أول جمعية عامة للأمم المتحدة عام 1946.
وعن ذلك أضاف السفير الفلسطيني بشأن الرسالة الأبرز للحفل: “لقد اجتمعنا هنا على بعد أمتار من المكان الذي صدر فيه وعد بلفور (من وزير الخارجية البريطانية حينها عام 1917)، واجتمعنا في القاعة التي ضمت الجمعية العامة للأمم المتحدة، لنقول أمام حضور هائل من القيادات البريطانية وأعضاء البرلمان البريطاني والممثلين والسفراء ورؤساء البلديات، بأننا نحيي ذكرى النكبة في ظل حرب إبادة على شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية وكل أماكن تواجده، لتوصل رسالة مفادها أن التاريخ الذي بدأ من هنا يجب أن ينتهي هنا، وأن لا مستقبل بدون حل عادل وحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه، وأولها إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية”.
وحضر الحفل عدداً كبيراً من الشخصيات السياسية البريطانية ومنهم ألان دونكان وزير الدولة السابق في وزارة الخارجية البريطانية وهو أيضا كان نائبا سابقا في البرلمان عن حزب المحافظين.
وأجاب الوزير دونكان على سؤال لـ”القدس العربي” بشأن مسؤولية الحكومة البريطانية في وقف الحرب في غزة فقال: “أعتقد أنه من المهم جدا أن نستذكر التاريخ لنقف على حقيقة الافتقار للعدالة بعد 76 عاما من النكبة، ولقد حان الوقت الآن لاحقاق العدالة”.
وأضاف: “نحن نشاهد اليوم عنفا شديدا في غزة، ولكن هذا لم يبدأ منذ السابع من أكتوبر بل إنه بدأ منذ العام 1947- 1948 منذ النكبة ذاتها، ولذا نعتقد أنه حان الوقت ليكون لفلسطين دولتها التي تستحقها”.
ورأى الوزير البريطاني السابق أن الحكومة البريطانية تتحمل مسؤولية كبيرة في ذلك بعد 76 عاما من النكبة، لأن أصل الأمر يعود إلى عام 1917، عندما تم ترتيب الأمور ليكون لليهود وطنا (قوميا) ولكن دون أن يكون قيامه على حساب الفلسطينيين، ولكنه جاء على حسابهم، وهذه ازدواجية المعايير وهي ازدواجية غير مقبولة”.
وشدد قائلا: “أعتقد أن الحكومة البريطانية فشلت في مهمتها بشأن إقامة الدولة الفلسطينية وفشلت بعدم تصويتها في الأمم المتحدة على إقامة الدولة الفلسطينية.
وعن رأيه في الاحتجاجات الطلابية في الجامعات البريطانية للتضامن مع الشعب الفلسطيني قال الوزير دونكان: “أعتقد أن هذه الاحتجاجات في الجامعات هي أمر جيد ، ولا أعتقد أنها من أشكال معاداة السامية أو دعم التطرف الإسلامي كما يتهمها البعض بذلك، فالطلاب الجامعيون يملأون الفراغ الأخلاقي الذي انتجه عدم كفاءة السياسيين الذين لا يلتزمون بالقوانين الدولية، والآن حان الوقت للسياسيين في المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، لكي يلتزموا بالقانون الدولي وأن يعلنوا بوضوح أن الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية هو أمر غير شرعي، وأنه حان الوقت ليكون لفلسطين دولتها المستقلة التي تستحقها”.
وحضر ذكرى النكبة أيضا الزعيم السابق لحزب العمال البريطاني جيرمي كوربن وهو أيضا صاحب تجربة عريقة في مجلس العموم البريطاني نظرا لكونه نائبا منذ العام 1983 عن دائرة إزلينغتون الشمالية.
وسألت “القدس العربي” جيرمي كوربن عن الموقف البريطاني فذكر أن المملكة المتحدة شهدت أربعين تظاهرة وطنية تطالب الحكومة البريطانية أن تدعم وقف إطلاق النار في غزة وأن تتوقف عن توريد السلاح إلى إسرائيل”.
ودعا كوربن إلى وقف “الحرب المجنونة التي قُتل فيها أكثر من 34 ألف فلسطيني، فنحن نطالب بالسلام والعدالة للشعب الفلسطيني ووقف قصف غزة”.
وأعرب كوربن عن تقديره للاحتجاجات الطلابية في الجامعات والمعاهد البريطانية حيث يقوم الطلبة بالتعبير عن تضامنهم مع قطاع غزة، وقال: “أنا أؤيدهم تماما، فهم يُظهرون الروح الشبابية الرافضة لما يشاهدونه عبر الشاشات من مشاهد الرعب الذي يتعرض له أهالي غزة”، مضيفا أن الطلبة هم الذين يقررون الطريقة التي يعبرون فيها عن تضامنهم مع غزة.
وتوجه أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط بكلمة مسجلة إلى المشاركين في إحياء ذكرى النكبة في لندن قائلا: “مع العدوان على غزة تشهد نكبة جديدة بعد 76 عاما على النكبة الأولى ، فقتل النساء والأطفال وتدمير البيوت والتلميح بالتهجير، كلها كانت أمثالا حاضرة في النكبة، وهي ذات الأفعال التي تحصل مرة أخرى يقدر لا يقل وحشية عن سابقه، ورغم ذلك ما زال الشعب الفلسطيني صامدا على أرصه، وأن مقاومته هي أبلغ دليل على أن النكبة لم تكن خاتمة القصة، بل هي ذكرى أليمة تتوارثها الأجيال، حتى يصير للفلسطينيين دولتهم المستقلة مثل باقي الشعوب في العالم”.
وأضاف أبو الغيط: “اليوم وبعد شهور من الإحرام الوحشي والعجز الدولي عن وقفه أدرك العالم معنى النكبة المتجددة، ولا يمكن وصف الفظاعة التي تحصل اليوم بحق الشعب الفلسطيني الا بأنها تطهير عرقي”.
وشدد أمين عام الجامعة العربية بأن الاحتلال لن يمنع بزوغ الدولة الفلسطينية المستقلة، والصمود الفلسطيني الأسطوري والتضامن العالمي يمنعان النكبة الجديدة من النجاح، ونحن نتطلع إلى يوم قريب ينعم فيه الشعب الفلسطيني بدولة كاملة السيادة والاستقلال”.
وسمع الحاضرون قصصا حقيقية وحكايا عائلات فلسطينية عانت من النكبة الأولى عام 1948 ومنهم باكير عويضة الذي كان عمره سنة واحدة عند حصول النكبة وهجرته مع عائلته من أرضهم في فلسطين، حيث تحدث في كلمة معبرة اهتزت بها القاعة بالتصفيق الحار وخاصة عندما توجه في كلامه إلى الجيش الاحتلال الإسرائيلي قائلا: يمكنكم طرد الفلسطينيين من ديارهم وأرضهم، لكنكم لن تستطيعوا اقتلاع فلسطين من قلوبهم”.
كذلك حمّل المحامي والسياسي الفلسطيني أيمن عودة الحكومة البريطانية المسؤولية التاريخية عن النكبة، انطلاقا من العام 1917 (وعد بلفور) والأحداث التي تلته، ودعاها إلى الاعتراف الفوري بالدولة الفلسطينية المستقلة، وقال الدولة الفلسطينية ستقوم وهذا هو الحل.
أما الدكتور غسان أبو ستة فشرح بالتفصيل كيف أن القطاع الصحي الفلسطيني هو أحد الأهداف التي أصر الجيش الإسرائيلي على تدميرها بشكل منهجي، مشيرا إلى الصمود الاستثنائي للشعب الفلسطيني رغم معاناته الكبيرة، وخاصة تجاه الكارثة الصحية التي أصابته بقيام جيش الاحتلال الإسرائيلي بتدمير جميع المرافق الصحية، واستمرار حرب الإبادة ضد هذا الشعب وتعمد قتل الأطباء الفلسطينيين.
وشارك في الحفل عدد من النشطاء والفنانين الفلسطينيين الذين تحدثوا عن ما عاصروه في الوقت الحالي من الاحتلال الإسرائيلي وكان منهم المصور الصحافي معتز عزايزة الذي قال لـ”القدس العربي” إنه يسعى لنقل ما شاهده في غزة إلى كل العالم، وأنه يحلم كما بقية الفلسطينيين بالعودة إلى أرض فلسطين.