سألني الكثير من القراء الأعزاء عن تقديم أمثلة عن الآيات القاصمة. ولو رمت ذلك لكنت أمام كتاب كامل لأن هذه الآيات، وإن أتت أحيانا مستقلة بذاتها، فإنها متصلة بغيرها من الآيات، التي تنحو اتجاهات أخرى. وما دمت قد ركزت على كون هذه الآيات القاصمة تتعالى على غيرها بسبب كونها تقصم ظهر غير المؤمن والمؤمن معا، وتجعل الكل يقر بصحتها وفائدتها، أو على الأقل التفكير فيها، فقد قررت وضعها في نطاق الجدل القائم بين الدين والعلم، لأن المشككين فيما تقدمه هذه الآيات، يحسبون العلم بديلا عنها، ويرونه يتجاوزها، وغيرها من الآيات، كونه يعطي «حقائق» لا تصمد أمامها تلك الآيات التي سميتها قاصمة. وبتعبير آخر، نجدهم يعتبرون ما يقدمه العلم من اكتشافات تدفع إلى التصديق بها، والتعويل عليها في إبطال ما يؤكده القرآن الكريم بصورة عامة.
إن الجدل بين الدين والعلم قديم وسيظل مستمرا أبدا، لأن كلا منهما قابل لأن يوظف أيديولوجيا لخدمة رؤية ما للتجاذب البشري. لكن المقارنة بينهما باطلة، وإن لم تكن مستحيلة، لاختلاف طبيعة كل منهما عن الآخر. فالعلم، خاصة العلوم الفيزيائية والكونية، تهتم بما «تدركه الأبصار» أي بالظواهر المادية الملموسة، وهي تستعين في ذلك بالأدوات التي تطورها لاستكشاف الكون ومبدئه وتكونه، واحتمالات نهايته.. وهي تقف عند هذا الحد ولا يمكن أن تتجاوزه. ولذلك تظل نسبية، وقابلة للدحض. ألا ترى أن كل «الحقائق» العلمية التي «تؤمن» بها اليوم يبدو في الغد ما يؤكد تجاوزها.
وفي هذا الأسبوع فقط تتداول معلومات جديدة عن درب التبانة لم تكن معروفة مسبقا، وبالصدفة اكتشفت مجرة بلا كواكب. والشيء نفسه يمكن تسجيله بخصوص ما تقدمه علوم الآثار، على الأرض، من لقى جديدة تدفع في تجاوز ما «ثبت» سابقا على أنه «حقيقة» علمية عن نشأة الإنسان وتكونه. ولهذا الاعتبار يمكننا أن نجد من بين العلماء المتخصصين من يؤمن، ومن لا يؤمن. لكن توظيف بعض الاكتشافات لتعليل أو لتأويل ما يناقض الدين عموما، والإسلام خاصة، مناقض لشرف العلم. إن العلم يبحث في «عالم الشهادة» ولا يمكنه تجاوزه إلى «عالم الغيب» خاصة ما اتصل بـ»الخالق» الذي «لا تدركه الأبصار». وما القول بـ»انخلاق» الكون من ذاته سوى ميتافيزيقا تأويلية، أو «أنيمية جديدة» لما توصل إليه العلم، حول الانفجار العظيم، وغير ذلك، لأنه يتعارض مع أبسط قواعد وقوانين العلاقات بين الأشياء.
أما الإسلام فهو يقدم لنا من خلال القرآن الكريم آيات بينات عن عالمي الغيب والشهادة معا، ويربط بين الحياة والموت، وما بعدهما. وهو بذلك يعطي معنى للحياة تفتقده التأويلات العلمية لمسألة الخلق، لأن الله لم يخلق هذا الكون عبثا: «أفحسبتم أنا خلقناكم عبثا، وأنكم إلينا لا تُرجعون» (المؤمنون 115). وتبعا لذلك فهو يتجاوز ما يسعى إليه العلم، ولا يتناقض معه في مسعاه إلى التفكير في الكون، والتعرف عليه: «قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق، ثم الله ينشئ النشأة الآخرة. إن الله على كل شيء قدير» (العنكبوت 20). وكما تحث الآيات القاصمة على النظر في بدء الخلق، تدعو الإنسان إلى النظر في نفسه، وفي خلقه: « فلينظر الإنسان مم خلق» (الطارق 5). كما أنها تدعوه إلى النظر فيما خلقه الله من أجله، وما سخره له: «ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض، وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة. ومن الناس من يجادل في الله بغير علم، ولا هدى، ولا كتاب منير» (لقمان 20). أما الكونيات المعاصرة، ومعها نظرية النشوء والتطور، فلا تقدم لنا أي تفسير عن أشكال المخلوقات والصفات الخلقية التي ميزها بها الله عن غيرها، ولا المقاصد منها.
إن مختلف الآيات القاصمة الموجهة إلى «الناس» و»الإنسان» والدالة على «الخلق» وعلى سلوك الإنسان وميولاته الإفسادية لاتباعه أهواءه، تتضمن تحديات تؤكد أن الله هو الخالق وأن معرفة الإنسان بنفسه وبقدراته محدودة: «يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له: إن الذين تدعون دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له. وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه. ضعف الطالب والمطلوب» (الحج 73). كما أنها تبرز وحدانيته من خلال قوله تعالى: «لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا» (الأنبياء 22). « واتخذوا دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون، ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا، ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا» (الفرقان 3). إن وحدانية الله وقدرته تتجلى في خلقه وفي تنظيمه الكون. ورغم مرور ملايين السنين ما يزال الإنسان عاجزا عن معرفة كل ما خلق الله: « لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس. لكن أكثر الناس لا يعلمون» (غافر 57). وأن مقدار ما يعرف الإنسان عن العالم الذي يعيش فيه لا يساوي ما لا يعرفه عنه: «والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة. ويخلق ما لا تعلمون» (النحل 8). والأمثلة لا حصر لها. إن سورة النبأ وحدها دالة لتدبر هذه الآيات، وهي تجمع بين عالمي الشهادة والغيب.
كاتب مغربي
رمضان مبارك عليك أخي الفاضل الكاتب الدكتور سعيد يقطين…أحسنت الاختصار؛ فالمقال في جريدة لا يسع للآيات…
ومنْ يريد المزيد لديه الكثير من وسائل التزوّد بالأمثلة؛ وهي لا تخفى على القاريء الجادّ.هناك تصويب مطبعي ورد عن
آية سورة: المؤمنون (115) الصواب { أنّـما } هكذا: { أفحسبتم أنّما خلقناكم عبثا، وأنكم إلينا لا تُرجعون }.مع التقدير.
شكرا جزيلا الفاضل جمال على التصحيح.
تحية لالاستاذ سعيد يقطين وللجميع الحقيقة ليس هناك جدل قائم بين العلم والدين فالمفروض أن لكل منهما مجاله و الحقائق العلمية ملزمون بها جميعا اما الحقائق الدينية فتخص معتنقين ذلك الدين فعلى سبيل المثال نحن لا نرى الجاذبية والمجال المغناطيسي والتيار الكهربائي ولكن تطبيقاتها موجودة ولها قوانين اما الملائكة والجن ومأجوج ومأجوج لا يستطيع المؤمن إلزام الآخرين بوجودها ولذلك على المؤمنين ترك ما يخص العلم وعدم حشر الدين بها لان هناك الكثير من النصوص الدينية تخالف العلم بصورة واضحة لا تقبل الجدل
سلام الله عليكم،
تحية واحتراما وشكرا للاخ الكاتب سعيد يقطين !
هناك كلمة (حرف الجر ” مِنْ ” ) في …( تدعون ” من ” دون الله …) لا نراها في الاية الكريمة التالية :
«يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له: إن الذين تدعون دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له. وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه. ضعف الطالب والمطلوب» (الحج 73)
تحيتي الرمضانية للجميع ولأسرة القدس العربي !
رمضانُ شهر نزول وتسامي تدبر القُرءان.
رمضانُ فُرقانُ سائر الشُّهور صيامٌ روحيٌّ تقاطعُ سائر إدمان الافتراضيّ WebCite الحسّيّ، تواصل الفِطرة السَّويّة “هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ” (البقرة 187)، “مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً” (الرُّومُ 21). في كتاب “الحب والإدمان” لمؤلفيه Dr. Stanton Bailey & Archie Brodsky، يقع في 463 صفحة. الحُبُّ الطَّبيعيُّ اقتران مُتبادل وجدان وأبدان. تسامي على مُحتوى الإبتذال تقرير «المُتنبي»: “إِنَّ النَفيسَ غَريبٌ حَيثُما كانا”. الفرنسيّ «رولان بارت Roland Barthes» يرى اللُّغة القصوى، شغف جلد بديل “إنني أحكّ لُغتي بالآخر كما لو أن المُفردات بديل أنامِل للمُلامسة، العاشق المسكون بلبوس إبليس اللُّغة، يؤثر أن يتحول إلى كائن Masochism طَريد Sadism من فِردوس العِشق، لتكون الكتابة عن الحُبّ غرض مرض. المعشوق لا ينبس ببنت شفة”.
قرأنا ما تسميها (آيات قاصمة) هنا وقد خاب ظننا ويا للأسف..
بهذا المنظور الذي تعتمده جادا بحمية والذي لا يسجل جديدا حقيقة..
وبالأخص فيما يتعلق بمسألة الجدل بين الدين والعلم على مر الزمن..
فإن كل آيات القرآن الكريم إنما هي آيات (قاصمة)..
هذا إن افترضنا أن الاصطلاح صحيح علميا ومنطقيا..
قبل كل شيء..
تحيات
احل الله اشياء وحرم اشياء وسكت عن اشياء رحمة بنا.فكل شيء لم يحرم بنص قطعي فهو يدخل في خانة المباح وبالتالي فهو حلال ومنها التقنيات العلمية ما لم تعتدي على حق الغير ولهذا فهي من صميم الدين.فلا تعارض بين الدين والعلم.
اما الايات القواصم.فاللطف اعم من الجلال
فقد بدىء القران ب”بسم الله الرحمان الرحيم” اي بالرحمة
و رحمته سبقت غضبه ورحمته وسعت كل شيء اولها غضبه فلا جلال ولا قهر الا على المنازع رحمة به لعله يتوب فيغفرله
شهر كله رحمة ومغفرة.
رمضان كريم سي سعيد..شكرا على المقال..
آيات القرآن كلها قاصمة..هي للمؤمن حارسة.. وللظالم قاصمة ظهر..وفاتكة له بالعقاب.
لا يسعنا إلا أن نحترمك سيد سعيد. و انتم أستاذي بجامعة محمد الخامس و سويسي ١. في مقالات نجد إستفادة و متعة. في إحدى مقالاتكم الممتعة، و انتم تحكون عن احد الأسواق الشعبية، و كنت اسمع ضجيج التجار و اصوات الصبيان (” ميكا عشرة ميكا درهم، كزا ماركيز كزا”)، و اصوات المتسوقين، و اعجبت بها ايما إعجاب.
شكرا لك سيد يقطين، اتمنى لك مزيدا من التوفيق.
و رمضان مبارك سعيد.