غزة ـ «القدس العربي»: يخشى سكان قطاع غزة من أن يجري تغييب ملف الحرب، في ظل تطور التصعيد الحربي ما بين إسرائيل وإيران، في الوقت الذي تتوسع فيه أزماتهم الإنسانية على كافة الصعد الغذائية والصحية والبيئية، ومع توسع نطاق الجوع، الذي لا يزال يدفع السكان للتوجه إلى نقاط توزيع المساعدات الخاصة للآلية الإسرائيلية، والتي عادة ما تواجه باستهدافات دامية، قتلت مئات المواطنين وأصابت نحو ثلاثة آلاف منهم.
ويلاحظ في هذه الأوقات، أن الخبر الفلسطيني، لم يعد الخبر الأول، في ظل تطورات الوضع الميداني على الأرض ما بين إيران وإسرائيل، فيما لا تزال إسرائيل تمارس ذات الهجمات على غزة والتي كانت تشنها قبل الحرب، مع توسيع رقعة التوغلات البرية، وهو أمر يشير إلى نوايا إسرائيل استغلال الاهتمام العالمي بما يحدث من تطورات حاصلة على صعيد القصف المتبادل مع إيران، لتنفذ مخططات خطيرة ضد غزة.
وعلى مدار الأسبوع الماضي، اقترفت قوات الاحتلال سلسلة مجازر دامية طالت مناطق عدة في قطاع غزة، فاستهدفت أكثر من مرة طالبي المساعدات الغذائية عند نقاط التوزيع التي يتحكم فيها جيش الاحتلال، وتديرها شركة أمريكية، فقتل العشرات منهم وأصاب المئات، بينهم أطفال ونساء وكبار في السن، ليرتقع عدد ضحايا المساعدات إلى أكثر من 300، فيما عدد الإصابات يصل إلى أضعاف العدد مرات.
ولذلك قالت «الأونروا»، إن الجائعين والمحتاجين للمساعدة في غزة يقتلون أثناء محاولتهم الحصول على الطعام من نظام توزيع المساعدات الإسرائيلي الأمريكي الحالي، وشددت على ضرورة محاسبة المسؤولين عن هذا النظام.
وفي ذات الوقت، أشاعت دولة الاحتلال خبر سحب لواء مقاتل من غزة، ودفعه إلى مناطق أخرى، في ظل تطورات القتال مع إيران، وإشاعتها أن غزة لم تعد جبهة حرب أولى، بل أصبحت في الدرجة الثانية، لتقوم في ذات الوقت بشن هجمات أكثر عنفا على قطاع غزة، تمثلت بارتكاب مجارز كثيرة حين استهدفت خيام النازحين ومنازل السكان، لتبيد عوائل جديدة، وتقتل الفارين من مناطق الهجمات الحربية، ولتوسع في ذات الوقت نطاق التوغل البري في مناطق شمال القطاع، وفي مدينة خان يونس جنوبي القطاع.
وبدا واضحا أن إسرائيل استخدمت لغة جديدة، توحي بأنها ستخفف الهجمات على غزة، ربما لتهدئة الاعتراضات الدولية، وفي ذات الوقت كانت تمارس أبشع أنواع المجازر والترويع ضد السكان الذين يعانون من ويلات الحرب والحصار المستمر منذ 20 شهرا.
ولم يكد يمر يوم خلال الأسبوع الماضي، إلا وشهد ارتكاب جيش الاحتلال مجازر دامية، ويدلل على ذلك الأرقام التي كانت توردها وزارة الصحة في تقريرها اليومي الذي يتضمن أعداد الشهداء والمصابين.
وزارة الصحة في غزة تقول إن أكثر من 55 ألف وخمسمئة شهيد وأكثر من 129 ألف مصاب، سقطوا منذ السابع من أكتوبر 2023، فيما لا يزال الكثير من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات، لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.
تشديد الحصار وتوسيع النزوح
وعمليا على الأرض، أصدرت قوات الاحتلال أوامر إخلاء جديدة لأحياء عدة في شمال وجنوب القطاع، وهو ما زاد من عدد النازحين الذين اضطروا إلى ترك مساكنهم، ليتوجهوا مجبرين إلى مناطق جديدة في غرب مدينتي غزة وخان يونس وهما مكتظتان بالسكان والنازحين، ولتضيق أكثر الخناق على السكان، وفي ذات الوقت واصلت الحصار المشدد المفروض على السكان، حيث لم تسمح سوى بمرور عدد محدود جدا من الشاحنات المحملة بالمواد الغذائية لصالح المنظمات الأممية، وهي شاحنات يجبرها جيش الاحتلال على المرور من مناطق مكتظة بالسكان، ما يعرضها لخطر النهب، ضمن مخططه الرامي لحصر عملية التوزيع في مراكزه التي تصف كـ «مصائد للموت» يقتل فيها طالبي المساعدات.
ولذلك، فقد عبر المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا» فليب لازريني، من خطورة السياسات التي تتبعها حكومة الاحتلال الإسرائيلي، من خلال فرض المزيد من القيود على القطاع، ومنع إدخال المواد التموينية، في الوقت الذي تتوسع فيه المجاعة، وشدد على ضرورة عدم تحول أنظار العالم عما يعيشه السكان في هذا الوقت، وكتب على منصة «فيسبوك» «غزة تستمر المآسي بلا هوادة بينما يتحول الاهتمام إلى مكان آخر»، وكان بذلك يقصد تحول الاهتمام الدولي في هذا الوقت، للصراع المسلح الذي نشب بين إيران وإسرائيل.
المفوض العام أشار إلى استمرار الهجمات الحربية على غزة، والتي توقع أعداد كبيرة من الضحايا، وقال «قُتل وجُرح العشرات في الأيام الماضية، بمن فيهم أشخاص يتضورون جوعًا وهم يحاولون الحصول على بعض الطعام من نظام توزيع مميت»، كما تطرق إلى القيود المفروضة على إدخال المساعدات من الأمم المتحدة، بما في ذلك «الأونروا»، تستمر على الرغم من وفرة المساعدات الجاهزة للتوصيل إلى غزة، وقال إنه إضافة لذلك «يُعيق النقص الحاد في الوقود تقديم الخدمات الأساسية، وخاصةً الصحة والمياه».
المفوض العام قال «ستؤدي عمليات القتل والحروب إلى المزيد من الحروب وإراقة الدماء»، وأضاف «سيظل المدنيون أول من يعاني، وسيعانون أكثر من غيرهم»، مشددا على أن الإرادة السياسية والقيادة والشجاعة مطلوبة، وقال «هي مطلوبة أكثر من أي وقت مضى»، وختم تصريحه بالقول «حان وقت السلام الدائم في غزة وفي جميع أنحاء المنطقة».
تجدر الإشارة إلى أن منظمات أممية كثيرة حذرت من تفشي المجاعة في قطاع غزة، ومن خطر استمرار الهجمات الحربية، وطالبت مرارا بوقف فوري لإطلاق النار، وكذلك من خطر الحصار الذي يهدد عمل مشافي قطاع غزة.
التحذير من المجاعة
وفي هذا الإطار، فقد حذرت منظمة الأغذية والزراعة «فاو»، وبرنامج الأغذية العالمي التابعَين للأمم المتحدة، من أن سكان غزة معرضون لخطر المجاعة جراء استمرار إسرائيل ارتكاب إبادة جماعية في القطاع، وجاء ذلك في تقرير تحذيري صادر عن المنظمتين الأمميتين، يعرض نقاط الجوع حول العالم، أكد أن مستوى المجاعة وصل إلى مستوى حرج بسبب صعوبة وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة، التي صُنِّفت تحت اسم «البؤر الساخنة المثيرة للقلق الشديد».
وشدد على أن حوالي 2.1 مليون فلسطيني في غزة معرضون لخطر المجاعة الشديد بسبب الحرب الإسرائيلية المستمرة، والنزوح الجماعي، والقيود الشديدة على المساعدات الإنسانية، وأوضح أن النقص الحاد في الغذاء في غزة قد يصل إلى أعلى مستوياته في أيلول/سبتمبر القادم، وفي التقرير أشار المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة، تشو دونغيو، إلى أن الجوع يُمثل حالة طوارئ لملايين الأشخاص حول العالم، ودعا إلى اتخاذ إجراءات فورية وجماعية لإنقاذ الأرواح وحماية سبل العيش.
وتجدر الإشارة إلى أن سلطات الاحتلال منذ الثاني من اذار/مارس الماضي، تفرض حصارا محكما على قطاع غزة، تمنع بموجبه إلى جانب الغذاء دخول الأدوية والوقود.
ولذلك حذرت وزارة الصحة من خطورة الهجمات الإسرائيلية على عمل المشافي، وأكدت أن الخدمات الصحية التخصصية التي تُقدم للمرضى والجرحى، فيما تبقى من مستشفيات عاملة مُحاصرة فيما تنقص الإمدادات الطبية، ما يجعلها تواجه خطر خروجها من الخدمة، وقالت محذرة «لا يمكن انتظار المزيد من الوقت لإجراء تدخلات مرحلية لا تلُبي الحد الأدنى من مقومات تقديم الرعاية الصحية الطارئة والاعتيادية»، كما أنذرت من عدم تجاوب الاحتلال الإسرائيلي لمساعي المؤسسات الدولية لتعزيز الإمدادات الطبية وحماية المستشفيات، وضمان حماية وصول المرضى والجرحى والفرق الصحية لأماكن تقديم الخدمة.
وسبق وأن أعلنت وزارة الصحة، أن مشافيها تعاني من نقص حاد في الأدوية، حيث وصلت أرصدة أدوية مهمة إلى الصفر، فيما تعاني المشافي كما البلدات من نقص الوقود المخصص لتشغيل عربات الإسعاف ومولدات الكهرباء.
وأجبرت أزمة الوقود التي حذرت منها منظمات أممية، عدة بلديات في قطاع غزة، للإعلان عن قرب توقف خدماتها الأساسية بشكل كامل، نتيجة نفاد مخزون الوقود اللازم لتشغيل آبار المياه ومحطات الصرف الصحي وآليات تجميع وترحيل النفايات، وطالبت المجتمع الدولي والمؤسسات الإنسانية والحقوقية بتجميل مسؤولياتهم، والتحذير من الآثار الكارثية المحتملة وظهور مكاره صحية وأمراض تهدد حياة السكان.
وتشير مجمل الأوضاع على الأرض، أن إسرائيل لا تزال مصممة على الاستمرار في خططها الحربية ضد غزة، وأنها تستغل التصعيد الحربي مع إيران لتنفيذ هذه الخطط، ويدلل على ذلك ما حصل بعد التصعيد، فحتى قبل بدء الهجوم الإسرائيلي على إيران كانت هناك تحركات للوسطاء بخصوص التهدئة اتصالات عن بعد جرى فيها تبادل أفكار لتقريب وجهات النظر بين حماس وإسرائيل لعقد صفقة تهدئة تدوم لـ 60 يوما، تتبع بعمليات تهدئة أخرى حتى التوصل لاتفاق ينهي الحرب بشكل كامل، لكن بعد الهجوم والتصعيد الحاصل تراجع الحديث عن التهدئة، ولم يعد هناك أي حديث عن اتصالات أو مفاوضات.
ولذلك فقد تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عن هذا الأمر، حيث أشار إلى أن هناك فرصة لإعادة أسراه الموجودين في قبضة المقاومة في غزة، من خلال الهجوم غير المسبوق الذي شنّته إسرائيل على إيران، وقال «سننجز كلا المهمتين: تدمير حماس، والإفراج عن الرهائن»، وأكد أن «مخطط تهجير سكان غزة لا يزال ساريا»، كما أكد أن حكومته تواصل خوض معركتين متوازيتين، ضد حركة حماس في قطاع غزة وضد إيران، وقال أيضا إن المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف قدم مقترحا لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وإبرام صفقة تبادل أسرى، مضيفًا، «ننتظر نتيجة الضغط الذي نمارسه على حماس»، وكان بذلك يشير إلى استمرار التصعيد العسكري. ويدلل على ذلك أنه بعد حديث تقارير عبرية عن حدوث تقدم كبير في مفاوضات التهدئة بين حماس وإسرائيل، ووجود أرضية لعقد صفقة تبادل أسرى، ردت حكومة الاحتلال على لسان رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي بالإعلان عن عدم وجود تقدم في المفاوضات، فيما قال الجيش الإسرائيلي «حماس لا تملك إلا الإفراج عن مختطفينا وإلقاء السلاح أو مواصلة ضربها واستهدافها»، وكان بذلك يشير إلى نية الاستمرار في الحرب والتصعيد العسكري، وقد أجرى من أجل التأكيد على سير الخطط العسكرية ضد غزة أيال زامير رئيس أركان الجيش تقييمًا للوضع في قيادة المنطقة الجنوبية، بمشاركة قائد القيادة الجنوبية.
أما المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، فقد أشار إلى ذلك صراحة، حين تحدث في أحد المؤتمرات الصحافية عن التطورات الميدانية، أن قوات جيشه لا تزال تعمل في غزة من أجل القضاء على حماس، وهي عبارة يستخدمها الجيش للتغطية على المجازر التي يقترفها ضد السكان.
تحذيرات حماس
باسم نعيم القيادي في حركة حماس، قال معقبا على ذلك، «يستغل العدو الصهيوني النيران التي أشعلها في الإقليم ليستكمل جريمته في غزة، بعيداً عن انتباه العالم، فأهل غزة ما زالت ماكينة الموت تحصدهم جوعاً وقصفاً».
وبهدف تغييب صوت غزة عن العالم، لجأت دولة الاحتلال منذ بدء الهجوم على إيران، في قطع خطوط الاتصالات والإنترنت عن سكان قطاع غزة مرتين، خلال أقل من أسبوع، وفي هذا السياق، قال المكتب الإعلامي الحكومي معلقا على العملية، إن ذلك يحرم المواطنين من أبسط مقومات الحياة والأمان والتواصل وطلب النجدة، لافتا إلى أنه يعرقل عمل الطواقم الطبية والإغاثية ويمنع وصولها إلى الشهداء والجرحى، الذين يُحتمل أن يكون كثير منهم قد تُرك لينزف حتى الموت دون إمكانية إنقاذه، وأنه يأتي في سياق خطة الاحتلال للتعتيم على «جرائمه البشعة التي يرتكبها في المناطق المعزولة والمنكوبة، ويُفاقم من حجم الكارثة الإنسانية، ويمنع الإعلام من نقل الصورة الحقيقية، ويجعل من كل لحظة صمت في شبكات الاتصال لحظة موت محتملة لأبرياء لا ذنب لهم سوى أنهم صامدون في وجه الاحتلال»، مؤكدا أن الاحتلال «يُمعن في تنفيذ سياساته الإجرامية ضد أكثر من 2.4 مليون فلسطيني في قطاع غزة»، من خلال قطع الاتصالات.
امريكا و اسرائيل صترفعان وتيرة القتل و المجازر في غزة مستفيدتان من انشغال الإعلام بموضوع إيران
امريكا و اسرائيل ترفعان وتيرة القتل و المجازر في غزة مستفيدتان من انشغال الإعلام بموضوع إيران