لقطة شاشة من تحقيق بي بي سي
“القدس العربي”: كشف تحقيق نشرته هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، النقاب عن حجم العمليات التي تنفذها مجموعات وصفها التحقيق بـ”الغامضة” من المرتزقة الروس في الحرب في ليبيا.
وذكر التحقيق الذي نشر، الثلاثاء، أن لوحاً إلكترونياً من طراز “سامسونغ”، خلّفه أحد مقاتلي مجموعة “فاغنر” كان سبباً في الكشف عن الدور الرئيسي لهذه المجموعات، فضلاً عن أسماء حركية لعدد من المقاتلين الذين أمكن تعقبهم.
كما وفر اللوح أدلة على تورط المرتزقة في زرع ألغام وفخاخ خادعة في المناطق المدنية، بشكل يصنف على أنه جريمة حرب، إذ تم زرعها دون وضع علامات عليها، وأن المقاتل خلف وراءه اللوح المذكور بعد أن تقهقر مقاتلو “فاغنر” من مناطق جنوب طرابس ربيع 2020.
وتضم محتويات اللوح بناء على التحقيق على خرائط باللغة الروسية لجبهة القتال مما يؤكد وجود “فاغنر الكبير”، كما يوفر رؤية معمقة غير مسبوقة للعمليات التي تقوم به المجموعة.
وأشار إلى وجود صور بطائرات مسيرة وأسماء حركية لمقاتلي “فاغنر” تعتقد “بي بي سي” أنها تعرفت على هوية واحد منهم على الأقل، مؤكدة أن اللوح موجود الآن في مكان آمن.
وأكدت “بي بي سي” حصولها على”قائمة مشتريات” لمعدات عسكرية متطورة من أحدث طراز وفق خبراء قالوا إنه “لايمكن أن تأتي إلا من إمدادات الجيش الروسي”، الذي نفى ضلوعه بهذه العمليات أو ارتباطه بـ”فاغنر”.
ووفقاً للتحقيق فإن التعرف على المجموعة المتورطة بتلك العمليات لأول مرة كان عام 2014، عندما ساندت “انفاصليين موالين لروسيا في الصراع شرقي أوكرانيا”، ومنذ ذلك الحين شاركت في صراعات عدة في مناطق أخرى منها سوريا، وموزمبيق، والسودان وجمهورية أفريقيا الوسطى.
كما ظهر مقاتلو “فاغنر” في ليبيا في أبريل/نيسان 2019، عندما انضموا إلى قوات تابعة لخليفة حفتر، بعد أن شن هجوماً على الحكومة المعترف بها دولياً من قبل الأمم المتحدة، في العاصمة طرابلس، قبل أن يتم إنهاء الصراع بوقف إطلاق النار في أكتوبر/تشرين الأول 2020.
المجموعة التي وصفت بـ”السرية للغاية” وعلى نحو مُريب، كشف اثنان من مقاتليها عن نوعية الأشخاص الذين يلتحقون بـ”فاغنر” وافتقارها لما وصفته “بي بي سي” بـ”أي مدونة سلوك”.
ولفتت إلى أن المجموعات المذكورة قامت بقتل عدد من الأسرى، وفق ما أدلى به أحد المقاتلين السابقين الذي قال “لا حاجة لفم زائد يطعمه”، وهو ما عدّه التحقيق تأكيداً أخر على صحة وثائق أخرى حصلت عليها “بي بي سي نيوز عربي” و “بي بي سي نيوز روسي” حول مرتزقة حفتر الروس.
وذهب التحقيق إلى القول إن أهم ما تم الكشف عنه “يشمل على أدلة تؤكد تورط المجموعة بارتكاب جرائم حرب وقتل عمد للمدنيين”، وفقا لشهادة أدلى بها قروي ليبي قال إنه “تظاهر بالموت بينما كان أقاربه يُقتلون”.
ووفقاً لشهادة أحد جنود الحكومة الليبية، أوردها التحقيق، فإنه “بالرغم من أن أحد رفاقه استسلم لجنود فاغنر، لكنهم أطلقوا النار على بطنه مرتين، وأنه لم يشاهد صديقه هذا منذ ذلك الحين، كما لم يشاهد ثلاثة من أصدقاء أخرين أسروا في الوقت ذاته”.
وقالت “بي بي سي” إنه تم العثور على قائمة شاملة لمشتريات أسلحة ومعدات عسكرية في وثيقة جاءت في عشر صفحات بتاريخ 19 يناير/كانون الثاني 2020، وإنها حصلت على الوثيقة المذكورة من مصدر استخباراتي ليبي “وربما أخذت من أحد مواقع تمركز فاغنر”.
وتشير الوثيقة إلى من يمكن أن يكون وراء تمويل ومساندة العملية، علاوة على مواد ضرورية “لإكمال أهداف عسكرية” وتشمل أربع دبابات ومئات من بنادق كلاشنكوف ونظام رادار حديث.
ونسبت إلى محلل عسكري قوله إن “التقنيات التي تتوفر عليها الأسلحة المطلوبة، لا يمكن أن تتوفر إلا عند الجيش الروسي”.
وتابعت: “خبير آخر متخصص في مجموعة فاغنر أكد أن القائمة تشير إلى ضلوع ديمتري أوتكين”.
وأوتكين هو ضابط مخابرات عسكرية روسي سابق يُعتقد أنه أسس “فاغنر” وأطلق عليها هذا الاسم (وهي شارة التعريف السابقة له)، إذ حاولت “بي بي سي” الاتصال به لكنها لم تتلق أي رد، وفق ما ذكرت.
وبفحصها النظري لـ”قائمة المشتريات”المشار إليها، فإن كلمات مثل “ايفروبوليس” و”المدير العام” تشير إلى ضلوع “يفغيني بريغوزين” وهو رجل أعمال ثري مقرب من الرئيس فلاديمير بوتين.
وكانت وزارة الخزانة الأمريكية قد فرضت عقوبات على إيفرو بوليس في عام 2018 ووصفتها بأنها شركة روسية تم التعاقد معها “لحماية” حقول النفط السورية “المملوكة أو التي يسيطر عليها “بريغوزين”.
فيما ذكر التحقيق أن التحريات التي قام بها صحافيون غربيون بين “بريغوزين ومجموعة فاغنر”، أكدت عدم وجود علاقة بين “بإيفرو بوليس أو فاغنر”، فيما قال أحدهم على حد توصيف “بي بي سي” إن يفغيني بريغوزين ليست له أي علاقة بإيفرو بوليس أو فاغنر”، دون الإشارة لهوية هذا الشخص.
وأضافت: علق بريغوزين بالقول إنه لم يسمع بأي شيء يتعلق بانتهاك حقوق الانسان في ليبيا من جانب الروس، قائلاً “إنني واثق أن هذه محض كذبة”.
وأوضحت أن وزارة الشؤون الخارجية الروسية أخبرت “بي بي سي” أنها تبذل قصارى جهدها لتعزيز وقف إطلاق النار وتشجيع التوصل لتسوية سياسية للأزمة في ليبيا، قائلة إن “التفاصيل المتعلقة بفاغنر في ليبيا تستند إلى بيانات “زائفة” تهدف إلى “تشويه سمعة السياسة التي تنتهجها موسكو” في ليبيا.
وأشار التحقيق إلى أن مجموعة “فاغنر” لا وجود لها من الناحية الرسمية، غير أنه يعتقد أن نحو عشرة آلاف شخص قد أبرموا عقداً واحداً على الأقل معها منذ خروجها إلى الوجود، وهي تحارب إلى جانب الانفصاليين الموالين للروس في شرقي أوكرانيا عام 2014.
كما يعتقد أن نحو ألف فرد من رجال “فاغنر” حاربوا إلى جانب خليفة حفتر في ليبيا في الفترة الواقعة بين 2019-2020.
وبحسب الهيئة البريطانية في روسيا، فإن أحد مقاتلي المجموعة السابقين فيها قال “إنها كيان هدفه الترويج لمصالح الدولة خارج حدود بلدنا”، وذلك رداً على سؤال عن ماهيتها، واصفاً مقاتليها بأنهم “إما محترفوا حروب” أو أشخاص يبحثون عن عمل أو مدفوعين بأفكار خيالية لخدمة وطنهم.
كمان نسبت له قوله “إنه لا توجد مدونات سلوك واضحة، وإذا لم يكن لدى أسير الحرب معلومات يقدمها أو لا يستطيع أن يعمل “كعبد” إذن فـ”النتيجة معروفة”.
يقول اندريه شوبرغين، وهو خبير يعمل مع المجلس الدولي الروس، إن موقف الحكومة الروسية كالتالي “دعهم ينضمون إلى ذلك الشيء وسنترقب النتيجة فإذا ما نجحوا فيمكن استغلال النتيجة لصالحنا أما اذا منيت العملية بالفشل فلا شأن لنا بها إذن”.