أنطاكيا – «القدس العربي»: أظهرت دراسة جديدة صادرة عن مركز «حرمون للدراسات»، أن النظام السوري أسهم بشكل كبير بتصدر واجهات جديدة للاقتصاد السوري، غالبيتهم من «أمراء الحرب»، على حساب طبقة الأثرياء القديمة، التي انكفأت عن المشهد لأسباب مرتبطة بالعقوبات الاقتصادية والمواقف السياسية منذ بداية الثورة السورية في 2011.
وأكد المركز (مقره إسطنبول) في دراسته التي اطلعت عليها «القدس العربي» أن بداية ظهور الطبقة الثرية الجديدة تقاطعت مع حاجة النظام إلى إيجاد قنوات أكثر مرونة في الاقتصاد السوري، لتلبية متطلبات الانتقال إلى اقتصاد الحرب، مضيفة أنه مع استمرار الحرب تطورت المقايضة بينهم وبين النظام من صيغة «خدمات أمنية وعسكرية»، إلى «خدمات أمنية وعسكرية واقتصادية» تمثلت بحصولهم على حصص وشراكات في قطاعات مختلفة بنسب معينة.
واستعرضت الدراسة الأسباب التي أبعدت النخب الاقتصادية القديمة، مبينة أنه مع تحول الاقتصاد السوري إلى اقتصاد الحرب بوصفه نظاماً إنتاجياً تعبوياً يعمل على توفير الموارد الاقتصادية لضمان استمرارية حالة العنف، فضلت بعض الشخصيات القديمة التريث أو الانكفاء عن الساحة الاقتصادية لأسباب يتصل بعضها بمواقف سياسية، أو محاولة تجنيب ثرواتهم وأصولهم المالية من تدهور البلاد أمنياً وعسكرياً فضلاً عن الخوف من سيف العقوبات الاقتصادية ومن أبرز تلك الشخصيات فراس طلاس وراتب الشلاح وبسام غراوي.
كذلك، فرضت العقوبات المفروضة على بعض الشخصيات القديمة اللجوء إلى شخصيات اقتصادية غير معروفة، بهدف تزويد النظام بالسلع الرئيسية والتدفقات المالية كأحد أنماط التحايل، لتتسع من بعد ذلك أدوارها ووظائفها اللاحقة.
وعن مصير الطبقة الاقتصادية التقليدية، أكدت الدراسة أنه تم الاستيلاء على أعمالهم ومصادرتها بعد أن اضطروا لمغادرة البلاد بضغط من الأسد ونظامه، أو مضايقات دفعتهم لعقد شراكات مع عائلة الأسد، إضافة إلى ممارسة التحجيم القسري بحق بعض آخر.
وأن انكفاء هذه النخب الاقتصادية حفّزت الطامحين الجدد في عالم الميليشيا والوساطات كما في عالم التجارة على استغلال الفرصة السانحة لمراكمة ثروات، التي سمحت لهم لاحقاً احتلال مكانهم.
وحسب الدراسة، منح النظام الرعاية والنفوذ اللازمين للأثرياء الجدد، وأبرز تلك الجهات هي «الفرقة الرابعة» كحال الدغم الذي قدمته لأبو علي خضر، والقصر الجمهوري كحال صقر رستم متزعم ميليشيا «الدفاع الوطني»، وحسام القاطرجي، والمخابرات الجوية كحال علي مهنا، فضلاً عن شخصيات أخرى تلقت الدعم والنفوذ من جهات أمنية وعسكرية.
وبعدها سارع النظام إلى إدماجهم في الأطر السياسية، كمجلس الشعب، مثل حسام قاطرجي، وهمام مسوتي، وكذلك في الأطر الاقتصادية، مثل غرف الصناعة والتجارة، فضلاً عن تسليط الضوء على بعض استثماراتهم المحدثة، كدليل على التعافي وعودة العجلة الاقتصادية إلى البلاد.
وينقسم الأثرياء الجدد إلى ثلاث مجموعات، الأولى هي فئة مختلطة من «أثرياء حرب وافدين من محاربين وقادة مجموعات ووسطاء محليين»، ومنهم أبو علي خضر والإخوة قاطرجي وعامر خيتي ومحيي الدين المنفوش، حيث استغلت هذه المجموعة ظروف الحرب، وحازت على حصرية التبادل التجاري بين مناطق النظام ومناطق سيطرة المعارضة المحاصرة. وتتشكل المجموعة الثانية من أثرياء حرب وفدوا إلى عالم رجال الأعمال من بوابة العمل التجاري، وأبرزهم سامر الفوز الذي أسس ميليشيا «درع الساحل» ووسيم قطّان، مشيرة إلى أن هؤلاء لم يكونوا قادة لهذه الميليشيات ولم يكن لهم في اتخاذ القرار العسكري والأمني.
أما المجموعة الثالثة، فقد ضمّت واجهات عائلة الأسد، التي ظهرت فجأة في عالم الاقتصاد السوري، بأحجام لا تتناسب مع نشاطها الاقتصادي وتاريخها المالي، وتبوأت بشكل مفاجئ مراكز وأنشطة اقتصادية تُعدّ تاريخياً من مجالات نشاط عائلة الأسد كحال يسار إبراهيم الذي بات يعرف بـ»خازن القصر الجمهوري»، ومكلف بجمع الإتاوات من التجار والصناعيين، مبيّنة أن هذا الدور كان موكلاً في السابق لرامي مخلوف، قبل أن يتم تحجيمه ومصادرة أملاكه.
وأشارت الدراسة إلى أن أسماء الأسد الداخلة بشراهة إلى عالم الاقتصاد شكلت إحدى أبرز الرعاة الجدد وخاصة في مجال الاتصالات والأغذية والقطاعات الخيرية، كحال لينا كناية وزوجها همام مستو الذي أوصلته إلى قبة البرلمان في النظام السوري، وشخصيات كثيرة أخرى.
وتعليقاً، قال الخبير الاقتصادي السوري الدكتور محمد حاج بكري لـ»القدس العربي»، إن للنظام الدور الأبرز في تغيير الطبقة التجارية والاقتصادية، حيث تم إقصاء جزء كبير من أصحاب رؤوس الأموال عبر السيطرة على أموالهم وملاحقتهم قضائياً بتهم فساد، لتحل محلها طبقة جديدة من الأثرياء الجدد (أمراء الحرب). وأضاف بكري، أن الضغط أسهم في خروج أصحاب رؤوس الأموال إلى خارج سوريا، مشيراً إلى دور إيراني.
وأشار الدكتور بكري إلى حاجة النظام إلى طبقة تجار تساعده على الالتفاف على العقوبات الأمريكية والأوروبية ضده، قائلاً: «يريد النظام طبقة موالية اقتصادية له، في حين أن غالبية التجار التقليديين هم من الطائفة السنية، وبذلك كان لا بد من إزاحة الطبقة».
في المقابل، انتقد الباحث الاقتصادي يونس الكريم الدراسة، لجهة اعتبارها أن طبقة التجار التقليدية والجديدة، على أنها مستفيدة من النظام، قائلاً لـ»القدس العربي»: «هي جزء أساسي من النظام، ومعروف في سوريا أن هناك تزاوجاً بين السلطة والمال»، مضيفاً: «على سبيل المثال فإن رامي مخلوف ومحمد حمشو هما من أعمدة النظام».