يعيش العالم الغربي اليوم على إيقاع ديناميات سياسية حاسمة، ويرجح أن تكشف العملية الانتخابية التي تجري في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا ثم في ألمانيا السنة المقبلة عن اتجاهات جديدة، ربما تراجع عددا من مفردات السياسة الخارجية بالمنطقة.
عمليا نحن أمام احتمال حدوث تحولات جوهرية في هياكل السلطة داخل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وبريطانيا، ليست كلها على درجة واحدة من حيث المخرجات.
في فرنسا وألمانيا، يختلف تموقع اليمين المتطرف، كما تختلف بعض أطروحاته، لكن مهما يكن الأمر، فالحد الأدنى الذي يمكن تصوره، أن يشارك اليمين المتطرف في الحكومات القادمة، بحكم هشاشة التحالفات والتفاهمات الممكنة بين التحالف الرئاسي في فرنسا وأحزاب اليسار، في حين مؤشرات عدة ترجح أن يحتل اليمين المتطرف في ألمانيا الرتبة الثانية، ويشارك إلى جانب الحزب المسيحي الديمقراطي في الحكومة المقبلة.
في بريطانيا، كل المؤشرات تدل على احتمال حدوث هزيمة في معسكر المحافظين، لكن، صعود حزب العمال لا يعني شيئا ذا بال بخصوص دوره في معاكسة اتجاهات السياسة الخارجية القادمة لكل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية.
في الولايات المتحدة الأمريكية، أثارت المناظرة بين المرشحين الرئاسيين، تداعيات سياسية قلقة، فمن جهة منحت استطلاعات الرأي تقدم دونالد ترامب بست نقاط، فيما فجر الشكل الباهت الذي ظهر به الرئيس الأمريكي جو بايدن نقاشات قوية داخل الحزب الديمقراطي، بل دعوات لتغيير المرشح الرئاسي، بمرشح آخر أكثر حيوية وأقدر على مواجهة شراسة المرشح الجمهوري.
في المحصلة، وفي الحد الأقصى، يمكن أن نتصور فوز دونالد ترامب، ويمكن معها أن نستعيد مفردات سياسته الخارجية التي التزمها في ولايته السابقة، سواء على مستوى إدارة العلاقة مع روسيا، أو الصين، أو الشرق الأوسط.
من الواضح أن صعود دونالد ترامب في الولايات المتحدة الأمريكية، واليمين المتطرف في مركزي القوة في أوروبا، مع صعود حزب العمال في بريطانيا، هو السيناريو الأكثر احتمالا رغم المدافعات التي تسعى بعض الأطراف خاصة في لمواجهة حدوثه على الأقل بالنسبة إلى فرنسا.
لا يهمنا هنا تحليل إمكان حدوث هذا السيناريو من عدمه، بقدر ما يهمنا على وجه التحديد دراسة أثره، واستشراف التحولات التي يمكن حدوثها على مستوى السياسات الخارجية في المناطق الساخنة.
الخيارات المشتركة التي سيتم الاشتغال عليها، ستسير في اتجاه الاشتغال في خطين متوازيين فرض حالة من الجمود في جبهة الشرق الأوسط، مع الاشتغال السري على توسيع رقعة التطبيع العربي مع إسرائيل
ما من شك أن المشترك في التحولات السياسية التي يفترض حدوثها داخل محاور الجزء الأهم من العالم الغربي، هو مراجعة الموقف من الحرب الروسية الأوكرانية. الولاية السابقة لدونالد ترامب تعطينا صورة عن التحول المرتقب في الموقف الأمريكي، فالرجل، كما عادته، سيسعى إلى إيجاد صفقة ما مع موسكو، لإنهاء الاستنزاف المتبادل للقوى، وهو ما يمكن أن يجد الدعم من أوروبا اليمين المتطرف الذي يسعى بكل قوة لإيقاف الحرب الروسية على أوكرانيا، والتفكير في تسوية ما للصراع، وتقديم جواب ما تستجيب للمطالب الأمنية الروسية.
الخلافات داخل الجسد الأوروبي حول مفهوم الأمن الأوروبي، سيجعل هذه المهمة شاقة، فالتخوف من التهديد الروسي الأمن الأوروبي، أصبحت تمثل جزءا من أطروحة بعض أطياف اليمين المتطرف نفسها، ومع ذلك فإن التحولات السياسية في فرنسا وألمانيا يمكن أن يسفر عنها تصور ما في اتجاه التوفيق بين حاجيات الأمن الأوروبي وحاجيات الأمن الروسي، لأن الحاجة إلى إيقاف الحرب، أو بالأحرى، امتصاص الجزء الأكبر من تداعياتها يدفع بقوة في هذا الاتجاه.
على مستوى الشرق الأوسط، ترتسم قضيتان أساسيتان، الأولى هي التعامل مع تداعيات طوفان الأقصى، وما يفترضه من إعداد جواب يقدم خدمة أساسية للكيان الصهيوني، والثانية، هي قضية الملف النووي الإيراني، وما يلتف به من مواجهة التهديد الذي يشكله محاورها الإقليمية.
تجربة دونالد ترامب بهذا الخصوص تقدم أطروحتين متناقضتين، فالاستثمار في صفقة القرن، وتوسيع فضاء ما يسميه بالاندماج الإسرائيلي في محيطها (توسيع التطبيع) قابله في الاتجاه الآخر، التماهي مع السياسة الإسرائيلية في ممانعة تحقيق اتفاق حول البرنامج النووي الإيراني.
في السابق، كان من الممكن تصور تعايش هذين الاتجاهين، فالمقاومة الفلسطينية، وبشكل خاص حركة حماس، كانت تعيش فترة إعداد عسكري، وكانت متطلبات الخدعة الاستراتيجية تقتضي نسبيا تهدئة الجبهة، كما كان دفع توجه السعودية إلى خيار الحوار مع إيران في تهدئة أهم جبهة من جبهات الصراع (اليمن) وهو الأمر الذي أضعف قدرة إيران على المناورة، وجعلها تتكبد أكبر خسارة رمزية وعسكرية، باغتيال قائد المحاور الإقليمية للمقاومة قاسم السليماني، وساعد الولايات المتحدة الأمريكية في ممارسة كثير من التباطؤ والتردد الذي انتهى إلى إفشال مفاوضات البرنامج النووي على الرغم من تحقيق تقدم كبير فيها.
على مستوى الشرق الأوسط، ثمة مؤشرات متناقضة، فبينما تتجه الديناميات التفاوضية بين فصائل المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني إلى الاشتغال على إيقاف الحرب، تدق طبول الحرب على الجبهة الشمالية للكيان الصهيوني، هذا في الوقت، الذي ينتظر فيه أن تسفر الجولة الثانية في الانتخابات الإيرانية عن الرئيس المقبل لإيران، بعد أن فشل كل من مسعود بزشكيان ومنافسه جليلي في الحصول على الأغلبية المطلقة.
معطيات الجولة الأولى، تقول إن معسكر روحاني (مسعود بزشكيان) هو المرشح الأكبر للفوز بالرئاسة، بحكم أنه فاز بحوالي 10 في المائة مقابل 9,4 في المائة من الأصوات التي حصلها عليها منافسه، وفي هذه الحالة، فإن أغلب بيض إيران سيتم وضعه في سلة إنجاح مفاوضات الملف النووي من أجل فك الحصار، وهو ما يخدم مصالح دونالد ترامب في المناورة مرة أخرى.
الواقع بتوتراته يشير إلى الصعوبات التي تقف في ممانعة أي اتجاه لإحياء التطبيع، ويسمح بإمكان أن تتحول الحرب الإسرائيلية على غزة إلى حرب أوسع، لكن، توجهات السياسة الخارجية المقبلة، ستدفع دفعا نحو تهدئة الجبهة، بتسريع وقف الحرب في غزة، وتسوية النزاع في روسيا، وتغيير أولويات الولايات المتحدة الأمريكية نحو الصين، مع فتح حوار ممطط مع إيران حول الملف النووي، والاشتغال الحثيث من أجل إعادة استرجاع مكتسبات دونالد ترامب في صفقة القرن.
مؤكد أن دونالد ترامب سيجد بعض الصعوبة في الحوار مع يمين متطرف أوروبي يؤمن باستقلالية أوروبا وضرورة الانفكاك من الهيمنة الأمريكية، لكن، مجالات الاشتباك بين الطرفين، ستكون في مساحات أخرى أكثر من مساحة الشرق الأوسط.
الخيارات المشتركة التي سيتم الاشتغال عليها، ستسير في اتجاه الاشتغال في خطين متوازيين فرض حالة من الجمود والتهدئة في جبهة الشرق الأوسط تدوم بعض الوقت، مع الاشتغال السري على توسيع رقعة التطبيع العربي مع إسرائيل، هذا الخطان المتوازيان، سيسمحان بإعادة تجربة التفاوض على الملف النووي، من خلال إعمال سياسة العصا (تشديد العقوبات) وسياسة الجزرة (رفع جزئي للحصار أو الإفراج عن موال مجمدة) ورهن مستقبل التفاوض مع البرنامج النووي على طبيعة التجاوب الإيراني مع هاتين السياستين.
كاتب وباحث مغربي
الذين تلبسهم الخوف والإنهزامية صنفان: أحدهما –يعيش لنفسه ويهاب مواجهة هموم شعبه– فتراه يتحدث عن كل شاردة وواردة ما دام الأمر لا يجلب له متاعب قد تضيق عليه في رزقه، والآخر –يعيش مع شعبه ويهاب مواجهة نفسه– فلا ينظر للمرآة أبدا ولا يرف له جفن عن التولي عند أول هزة!
صدقت يا أخي ابن الوليد, نفتقد الأستاذ نجيب فهو رجل والرجال قليل, وتحضرني هنا أبيات لإيليا أبو ماضي حفظناها في الصغر يقول فيها:
لا أحبّ الإنسان يرضخ للوهم … ويرضى بتافهات الأماني… إنّ حيّا يهاب أن يلمس النور … كميت في ظلمة الأكفان … وحياة أمدّ فيها التوقّي لا توازي … في المجد بضع ثوان … ألشجاع الشجاع عندي … من أمسى يغنّي والدمع في الأجفان.
هناك تتبع وتوجس كبيرين لنخب بلداننا لتطورات العمليات الإنتخابية في بلدان غربية تتجاوز بكثير الإهتمام بالإنتخابات في بلداننا الأصلية وكأنه إنطباع راسخ بأننا في موقف المفعول به وليس الفاعل بالتأكيد!! ولذلك وجب ترقب نتائج الإنتخابات الغربية وتحليل إنعكاساتها على بلداننا، أما إنتخاباتنا المحلية فلا أحد يجرؤ على تحليل عميق وموضوعي لظروف ترتيبها و إنعكاسات الإختيارات الخاطئة المتكررة. صعود اليمين المتطرف ما دامت الإنتخابات شفافة ونزيهة لا يمكن أن يكون معرة مادامت شعوبهم إختارته بكامل إرادتها مع وجود مؤسسات قوية ومستقلة تراقب وتحاسب من صعد لسدة الحكم أولها الجهاز القضائي الصارم والإعلام الحر المؤثر والمنظمات المدنية الفاعلة ومعارضة سياسية حقيقية… الإشكالية والكارثة هي في أوضاعنا نحن السياسية والإقتصادية و الحقوقية والإجتماعية…، لا قضاء مستقل ولا إعلام حر ولا انتخابات نزيهة ولا سلطة تخضع للمحاسبة ولا معارضة سياسية فاعلة… الأولى أن نهتم ونقلق لأحوالنا، إن كان من حسنة نقدمها ففي المقربين أولى.
الاكيد ان قترة حكم الديمقراطيين تتسم بالعنف والدمار والغلاء في المنطقة العربية … كما نزف الشعب السوري واليمني بشكل غير مسبوق فترة اوباما … زاد نزيف فلسطين والسودان فترة بايدن … احلك الاوقات التي تمر على الأمة العربية تتزامن ومؤامرات من يسمون أنفسهم ” ديموقراطيين” … وقد بانت ديمقراطيتهم في قمع المظاهرات المؤيدة لغزة …. سيتراجع الانتهازيون ” القوى التقدمية ” لان الشعوب سئمت كذبهم وخدمتهم المفضوحة للرأسمال …. واليمين سيكون أكثر رأفة بالعالم