ترامب يخلط أوراق صفقة الأسرى.. ونتنياهو يناور للبقاء وسط تحذيرات إسرائيلية

وديع عواودة
حجم الخط
1

الناصرة- “القدس العربي”: تشير مصادر إعلامية في إسرائيل، صباح اليوم الأحد، لمخرجات الاجتماع الأمني الذي ترأسه رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو أمس، وتقول إنه لم يصادق على إدخال معدات وبيوت متنقلة، بخلاف نص اتفاق الصفقة مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، فيما تنقل عن مصادر أمنية قولها إن نتنياهو يسعى لإفشال مداولات المرحلة الثانية من الصفقة.

وجاء هذا الاجتماع الأمني، الذي استُبعد منه رؤساء الأجهزة الأمنية، ولم يصدر عنه رسميًا أي موقف، على خلفية ضغوط كبيرة من واشنطن من أجل مواصلة الصفقة، ومخاوف حقيقية في أوساط إسرائيلية أيضًا على مصيرها.

هذا الاجتماع الأمني، الذي سبق اجتماعًا أسبوعيًا للحكومة، اليوم الأحد، تزامَنَ، مساء أمس، مع انتهاء موعد إنذار الرئيس الأمريكي ترامب بـ”الجحيم” إن لم يعد كل المحتجزين (وتصريح ترامب الجديد بأن المهلة انتهت، وأن القرار بيد إسرائيل، وأن واشنطن تدعمها في أي خيار)، وهو بذلك كان قد أربك الوسطاء وكل الأطراف، بمن فيهم نتنياهو نفسه، الذي وجد نفسه محرجًا أمام شركائه وأتباعه في اليمين الصهيوني في ظل مزاودة ترامب عليه من جهة اليمين، ما أدخله في حالة بلبلة.

خيار معاودة الحرب ليس سهلًا بالنسبة لحكومة الاحتلال في ضوء معارضة واسعة في شارع إسرائيلي استطيب مذاق عودة الكثير من الأسرى

تنعكس حالة البلبلة الجديدة لدى نتنياهو بصدور بيانين مختلفين عن مكتبه، أول أمس الجمعة، في الأول جاء أن “قائمة حماس هذه مقبولة لإسرائيل، وهي بالتنسيق مع العائلات”. وبعد ثلث ساعة فقط صدر بيان ثانٍ لـ “تصحيح خطأ”، جاء فيه: “وصلت القائمة… نعتذر، فقد وقعت غلطة مطبعية مؤسفة، فالنص المقصود وصفٌ للواقع فقط لا يعكس موقفًا إسرائيليًا من الصفقة”.

مثال على حالة الضغط هذه تغريدة للوزير المستقيل بن غفير مخاطبًا الحكومة أمس: “لديكم دعم من رئيس أكبر دولة في العالم للمطالبة بكل المخطوفين حتى ظهر السبت، وأنتم تكتفون بثلاثة”!

عين على الرياض.. وأخرى على أوسلو

من جهتها، تنقل صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، اليوم الأحد، عن مصدر أمني إسرائيلي قوله إن التصحيح في البيان الثاني جاء لتخفيض الضغط المتصاعد من قبل اليمين على نتنياهو وأدائه في الأيام الأخيرة، في ظل فجوات في المواقف من تهديد بـ “حرب عظيمة” على غزة حتى قبول الاتفاق.

وهكذا تجلّت حالة الإرباك الناجم عن تصريحات ترامب، قبل أسبوع، حينما هدّد غزة بـ “الجحيم”، بحال لم يطلق سراح كل المخطوفين، ما أخذ نتنياهو أيضًا على حين غرة، ووجد الرئيس الأمريكي يزاود عليه من اليمين، ويحرجه مقابل اليمين الصهيوني، بإشهاره إنذار “كل الرهائن الساعة 12″، فصدرت أربعة بيانات متفاوتة النص عن مكتب نتنياهو الذي ناور بين عدم استفزاز ترامب ودون تبنّيه بالكامل، فخيار معاودة الحرب ليس سهلًا بالنسبة لحكومة الاحتلال في ضوء معارضة واسعة في الشارع الإسرائيلي الذي استطيب مذاق عودة الكثير من الأسرى وينتظر المزيد، وكذلك عائلات الرهائن التي تعتبر إشعالها مجددًا حكماً بالإعدام على الأسرى الأحياء المتبقّين في القطاع.

هذا علاوة على أن نتنياهو يدرك أن الحرب تعني موت المزيد من الجنود والرهائن، وأن الجيش بحالة إرهاق بعد حرب طويلة صعبة على الجانب الإسرائيلي أيضًا، علاوة على فهمه أن منطلق ترامب الجوهري هو الانتهاء من الحرب والذهاب لـ “صفقة مربحة” كبرى عمادها التطبيع، فعينه على الرياض وعينه الأخرى على جائزة نوبل في أوسلو.

جنون عظمة ترامب

يبدو أن جنون العظمة لدى ترامب فعلاً يدفعه لإطلاق تصريحات و”خطط” غير مدروسة تفضي لتعطيل مداولات الصفقة، بل تضع عراقيل في طريق الأهداف التي وضعتها الإدارة الأمريكية نفسها، خاصة الصفقة السياسية الكبرى التالية للصفقة مع “حماس”، وهي توسيع اتفاقيات أبراهام وبناء تحالف إقليمي يشمل تطبيعًا بين السعودية وإسرائيل واستثمارات سعودية بتريليون دولار.

يبدو أن ترامب، النزق غير الصبور والمتقلب المزاج، الذي يرى نفسه رسولًا من عند الله، وهو مصاب بتضخّم مرضي بـ “الأنا”، قد شعر بالحرج والخيبة عندما لم يصفّق العالم لـ”خطة” الاستيلاء على غزة وتهجير الغزيين طواعية، فسارع لإلقاء قنبلة صوتية جديدة بإنذار الإفراج عن كل الرهائن حتى منتصف ظهر السبت”.

وهذا ما أربك الجميع ثانية، ويثقل على التقدم نحو المرحلة الثانية، خاصة أن هذا الموقف يقلّص هامش مناورة نتنياهو، ويعطيه فرصة للاستمرار بالتأجيل والتسويف حفاظًا على بقائه في الحكم، وربما في التاريخ، فائتلافه يترنح، خاصة بعد مواقف ترامب المعلنة والعجولة.

سموتريتش، الذي لا يسارع لتفكيك الائتلاف بخروجه للمعارضة، التي يعرف أنها صحراء، واحتمالات عودته منها قليلة جدًا، كما تتنبأ كل الاستطلاعات، يحاول التغطية على حالة الإرباك الملازمة له بتصريحات تقول إن تطبيق خطة التهجير سيبدأ خلال أسابيع.

وبذلك يتكاتب سموتريتش مع جمهوره اليميني الاستيطاني المتشدد، وكأنه يدعوهم للصبر وانتظار “الهدايا والعطايا” من ترامب، هذه التي تستحق ابتلاع الضفادع من أجلها بدلًا من المغامرة بالخروج من الحكومة، بيد أن ذلك من شأنه أن يتحطّم على صخرة الواقع، فيضطر للمغادرة، وهذا ما يدركه نتنياهو، ولذا فهو يتهرّب الآن من إدخال البيوت المتنقلة لغزة، ومن الدخول في مرحلة ثانية من الصفقة التي تعني إنهاء الحرب، في انتظار تنحي “حماس” من الواجهة في القطاع، وربما نزع سلاحها بالكامل.

زيارة روبيو

في خضم كل هذا الموجود والمفقود، وصل وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو للتباحث مع مسؤولين إسرائيليين حول الصفقة، خطة التهجير، وقف النار في لبنان، والتهديد الإيراني كما قيل رسميًا، وسط تسريبات أن واشنطن تسعى لاستعادة الرهائن الستة المتبقين هذا الأسبوع دفعة واحدة تدمج بين النبضتين السابعة والثامنة، ويبدو أن هذه محاولة لإنزال ترامب عن شجرة التهديدات العالية، وكذلك تحسين صورة ائتلاف نتنياهو من خلال نسج صورة تظهر فيها “حماس” مستجيبة للتهديد الأمريكي من خلال موافقتها على تحرير 6 رهائن مرة واحدة كجزء من “صفقة إنسانية” عشية شهر رمضان الوشيك، كما يوضح وزير الأمن كاتس، في تسريبات لجهات إعلامية عبرية اليوم.

كاتس، المقرّب جدًا من نتنياهو، معني هو الآخر بدفع “حماس” للموافقة على مبادرة خارج الاتفاق، على شكل إطلاق سراح الأسرى الستة المتبقين دفعة واحدة خلال أيام قليلة، لتحسين صورة الائتلاف وتثبيته، بعدما لم تكترث المقاومة الفلسطينية بتهديدات واشنطن وتل أبيب، وحاليًا يهتم نتنياهو بالدرجة الأولى في المحافظة على نفسه في الحكم، ولذا يتحاشى دخول الجولة الثانية الآن، لأن ذلك سيضطر سموتريتش لإسقاط الحكومة على ما يبدو، ونتنياهو كسياسي مجرّب يعمل وفق مقولة “عصفور باليد”، ويفضل مواصلة حكمه بمواصلة المناورة وكسب الوقت قدر المستطاع، حتى وإن كان ذلك على حساب المحتجزين، وبخلاف رغبة أغلبية الإسرائيليين.

ترامب شعر بالحرج والخيبة عندما لم يصفّق العالم لـ”خطة” الاستيلاء على غزة وتهجير الغزيين طواعية، فسارع لإلقاء قنبلة صوتية

 كلام فارغ

على خلفية ذلك، يحذّر عددٌ من المراقبين الإسرائيليين من مساعي نتنياهو لتعطيل مداولات الصفقة، فيقول محرّر الشؤون الاستخباراتية في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، رونين بيرغمان: “هكذا تعمل الحكومة على إفشال المرحلة الثانية من الصفقة من خلال غمر الجمهور بالأكاذيب والتضليل، انتهاك الاتفاق وسط توجيه إصبع الاتهام لـ “حماس”، واستبعاد المستوى المهني من طاقم المفاوضات”.

كما يقول بيرغمان: “نتنياهو ورجاله يفعلون كل شيء من أجل عدم إنهاء الحرب، حتى بثمن ترك المخطوفين المفترض استرجاعهم في المرحلة الثانية”.

ويخلص بيرغمان للتحذير من أن إسرائيل تتقدّم بسرعة قياسية نحو تفجير الاتفاق، وإمكانية معاودة الحرب على غزة.

وينقل بيرغمان عن مصدر أمني مطلع على المداولات قوله: “ليس فقط مداولات المرحلة الثانية عالقة، بل يعمل نتنياهو على إعاقتها عمدًا. لا يمكن دفع المفاوضات إذا كان أحد الطرفين غير معني”.

كذلك فإن دول الوساطة تفهم أن هذا “كلام فارغ”.

ويرى المعلق العسكري في “يسرائيل هيوم” يوآب ليمور أن إسرائيل، اليوم، على مفترق طرق: مواصلة المفاوضات، لجانب معاودة الحرب.

ويقول إن عودة الثلاثية، أمس، تعني أن “حماس” ما زالت ملتزمة بالاتفاق، لكن لجانب ذلك في إسرائيل يستعدون للحرب في الأيام القادمة، وبحال عدنا للحرب فإن على القيادة أن توضح كيف نحقق الهدف”.

من جهته يرى زميله، المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس”، عاموس هارئيل، اليوم، أن إنذار ترامب تبخّر في الهواء، لكن مصلحة نتنياهو ما زالت تجعل الانتقال لمفاوضات الجولة الثانية في موضع شكّ.

ويمضي هارئيل في انتقاداته المعهودة لحكومة الاحتلال: “إسرائيل موجودة في حالة انتظار وتوتر على جبهتين، فإنها مشغولة بمساع فارغة لبثّ قوة وعظمة، وفي الأثناء يتورّط مكتب نتنياهو في فضيحة عمل مساعدين وموظفين في مكتبه لصالح قطر”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عايض المومني:

    متى تفهم العرب ان امريكا وإسرائيل لا يعتبروا الحكام العرب وشعوبهم بني ادميين، وان ليس لهم حلبف او صديق عربي مهما جثى على ركبتيه ساجدا لترامب او نتياهو، انها البلاهة والسذاجة وقلة القيمة بعينها، افلا تعقلون؟

اشترك في قائمتنا البريدية