ترامب يستكمل تنفيذ وعد بلفور وقرار التقسيم واتفاقيات أوسلو

ما ورد في المؤتمر الصحافي الذي عقده الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مساء الثلاثاء أعتبره أخطر ما يواجه القضية الفلسطينية منذ وعد بلفور عام 1917 وحتى هذه اللحظة، مرورا بقرار التقسيم عام 1947 واتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1979 واتفاقية أوسلو بين قيادة منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الإسرائيلي عام 1993. تكاملت حلقات المؤامرات المتشعبة للتصفية النهائية للقضية الفلسطينية. فوعد بلفور شرعن قيام «وطن قومي لليهود في فلسطين»، رغم أن نسبتهم لم تكن تزيد عن 10% آنذاك، وقرار التقسيم شرعن إنشاء دولة يهودية على 56% من فلسطين لنحو 30% من اليهود وغالبيتهم من المهاجرين الجدد إلى فلسطين، وكامب ديفيد منح الشرعية العربية لأول مرة للكيان، واختصر الحقوق الفلسطينية على حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، واتفاقيات أوسلو منحت الشرعية للكيان الصهيوني على 78% من فلسطين التاريخية، واختصر الأرض الفلسطينية على الضفة وغزة والشعب الفلسطيني حصره في هاتين المنطقتين، وحول هدف المشروع الوطني الفلسطيني لقيام دولة غير منصوص عليها في الاتفاقيات. لقد تم التفريط في الحقوق ووحدة الأرض وشطب نصف الشعب الفلسطيني المشرد في دول اللجوء والشتات.
ما طرحه ترامب الآن في لقائه مع نتنياهو استكمال الحلقات كافة وإنهاء قضية الأرض والشعب والحقوق مرة وإلى الأبد على فرض أن مخططه سينجح. ثلاثة أخطار محدقة عبّر عنها بكل وضوح مكررا كلامه بحيث لا يبقى مجال للتأويل:

ترامب يفهم في الصفقات فقط، إذا توصل لنتيجة مفادها أن مشروع التهجير والاستيلاء على غزة وضم الضفة الغربية لإسرائيل سيكون مشروعا خاسرا، سنراه يتراجع دون أن يرمش له جفن

– قرار تهجير سكان غزة لم يكن زلة لسان، بل كرره وشدد عليه في المؤتمر الصحافي مؤكدا أن هناك دولا عديدة، عدا عن مصر والأردن، أبدت استعدادها لاستقبال الفلسطينيين. كما أنه أصر على أن القيادات الأردنية والمصرية ستتعاون مع ترامب، لأن البلدين يتلقيان كميات كبيرة من المساعدات الأمريكية ويعرفان ثمن الرفض. والغريب أنه يعتقد أن طرد شعب من أرضه ووطنه وتاريخه وذكرياته وحضارته، سيكون مرحبا به لأنه سيضمن حياة دون إطلاق نار وحروب. وأكد أنه «ليس أمام الفلسطينيين أي بديل سوى مغادرة قطاع غزة».
– قطاع غزة سيخضع للسيطرة الأمريكية المباشرة، التي ستقوم بتنظيف الركام وإعادة بناء القطاع على أسس حديثة، ليصبح «ريفييرا الشرق الأوسط» يستقبل المستثمرين والسياح والراغبين في الاستقرار فيه من جميع أنحاء العالم إلا أصحابه الأصليين. فالولايات المتحدة ستتولى أمر قطاع غزة «ملكية طويلة الأمد» وستعفي إسرائيل من مسؤولية إعادة بناء القطاع لتتحمل المسؤولية المباشرة وبالتالي يسهل على الدول العربية دفع المليارات، دون حرج، حيث يكون المتلقي الولايات المتحدة وليس إسرائيل. كما أن أي محاولة لمقاومة هذا المخطط من قبل السكان الأصليين سيواجه بجبروت الولايات المتحدة مباشرة. وقد تكون تلك إشارة ضمنية على أن إسرائيل عجزت عن هزيمة حماس، وستتولى الولايات المتحدة هذه المهمة، حيث أكد أنه سيستعمل قوة هائلة إذا فشل وقف إطلاق النار.
– أشار إلى الضفة الغربية على أنها «يهودا والسامرة»، وهي أول مرة تصدر بشكل شبه رسمي من رئيس أمريكي، وتعني تبني الفكر الصهيوني المتطرف. وقال إنه سيقرر خلال أربعة أسابيع موضوع ضم الضفة الغربية لإسرائيل، لأنه كما قال مرارا، حتى أثناء حملته الانتخابية، إن إسرائيل بلد صغير ويجب توسيعه وهو ما يعني، ليس فقط ضم الضفة الغربية وهضبة الجولان، التي أصدر مرسوما بالاعتراف بها جزءا من إسرائيل في دورته الأولى، بل قد يتمادى أيضا ويعترف بضم جبل الشيخ والمنطقة العازلة التي أضافتها إسرائيل إلى هضبة الجولان المحتلة بعد سقوط نظام بشار الأسد، وربما يتم توسيع إسرائيل إلى أغوار الأردن الشمالية وجنوب لبنان. فأول الغيث قطر، حيث تم تأخير انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان ثلاثة شهور أخرى باتفاق بين إسرائيل والولايات المتحدة فقط. أما لبنان وفرنسا، الطرفان الآخران في اتفاقية وقف إطلاق النار فهمها شاهدان لا قيمة لرأييهما. إذن باختصار ترامب يعيد نمط استعمار القرن التاسع عشر، حيث تتحرك الجيوش وتحتل البلد المستعمر، وتقتل جزءا أساسيا من السكان وتستعبد الجزء الآخر وتتولى نهب ثروات البلاد وإرسالها إلى عواصم الدول، وأي اعتراض على هذا النوع من الاستعمار الاستيطاني يواجه بمجازر لا تنتهي، كما حدث في كل المستعمرات الفرنسية والإنكليزية والهولندية والبلجيكية والإسبانية. وقد دفع السكان الأصليون في الأمريكتين وافريقيا وآسيا عشرات الملايين من البشر بسبب الاستعمار الغربي لبلادهم. إنها نظرة الاستعمار الفوقية والعنصرية بأن هؤلاء ليسوا بشرا مثلنا ولا يستحقون الحياة التي نعيشها، وقتل ألف أو مليون أو ملايين لا فرق لأنهم أقل قيمة. أليس هذا ما جرى للسكان الأصليين في الولايات المتحدة؟ ألم يقتل أكثر من 60 مليونا وكذلك في أستراليا وكندا ودول أمريكا اللاتينية. أليست هذه هي النظرة الفوقية التي جسدتها إسرائيل منذ قيامها حتى هذه اللحظة وعزز مفهوم التفوق هذا كل الدول الغربية ذات الماضي الاستعماري. ألم تبرر وزيرة خارجية ألمانيا اقتحام مستشفيات غزة؟ ألم يردد كل الزعماء الغربيين عبارة «حق إسرائيل بالدفاع عن النفس» لتبرير الإبادة الجماعية، وكأن حق الضحية فقط أن تتقبل انتقام المجرم لأن هذه الضحية تحاول أن تتمرد على شروط اضطهادها وقتلها وشيطنتها.
ترامب جاء بمعول لهدم كثير من العلاقات الدولية. انسحب من اتفاقية المناخ ومنظمة الصحة العالمية وينسحب من مجلس حقوق الإنسان وسيوقف بشكل نهائي تمويل الأونروا. وأعلن أنه يريد ضم كندا وقناة بنما وجزيرة غرينلاند. وعندما أعلن عن فرض ضرائب على البضائع الكندية والمكسيكية بنسبة 25% جاء الرد الكندي قويا وصلبا، وهدد ترودو بفرض النسبة نفسها أو أكثر على كل المستوردات الأمريكية، وكذلك فعلت رئيسة المكسيك كلوديا شينباو، التي ألقت كلمة قوية جدا هددت الولايات المتحدة بأنها ستوقف استيراد السيارات والهواتف والمعدات وحتى الهامبرغر الأمريكي؟ فماذا فعل الرئيس الأمريكي الأرعن؟ تراجع فورا. أوقف القرارات وراح يمدح ترودو وأن يحل المشكلة مع المكسيك. أما الصين فقد ردت على لطمة ترامب برفع الجمارك على البضائع الأمريكية بنسبة 10-15%. وحتى بنما أعلنت موقف صلبا ضد السيطرة على القناة، وكذلك فعلت الدنمارك مؤكدة أن غرينلاند ليست للبيع ولا للكراء. هذه المواقف الصلبة المستندة إلى موقف شعبي رافض، هي اللغة التي يفهمها المغرورون والمتجبرون والعنصريون. تذكروا أن هذه الحكومات مفوضة من الشعوب التي انتخبتها ولم تأت إلى السلطة عبر الدبابة أو التوريث.
وحتى تسقط خطط ترامب في فلسطين، لا بد من رد قوي جدا من كل الأطراف الفلسطينية والإعلان عن الاستعداد لمقاومة االتهجير والضم لآخر نقطة دم في كل رجل وامرأة وطفل وشيخ في فلسطين كلها. كما أن الملايين في الأردن إذا ما خرجوا إلى الشوارع كالسيل العارم سيضعون خطط ترامب – نتنياهو تحت أحذيتهم. أما إذا تحرك الطوفان المصري بجد، أو سمح له أن يتحرك بعفوية فسيقلب موازين القوى فورا، ويرمي بمشروع التهجير في سلة المهملات. لكن الشرط أن يسمح فعلا للجماهير أن تتحرك بالملايين، وليس مثل تلك المسرحيات التي قامت بها حفنة من جماعة النظام في بعض المواقع المنتقاة بعناية في مصر.
وأخيرا لو وقفت النظم العربية الخمسة، مصر والسعودية والأردن وقطر والإمارات، التي وقعت الرسالة التي أرسلت لوزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، موقفا حقيقيا وجادا غير قابل للتفاوض، أو التنازل لتراجع الرئيس الأمريكي وبلع كلامه. ألم نقل عنه، نحن وغيرنا، بأنه تاجر يفهم في الصفقات ولا يفهم في السياسة والدبلوماسية. فإذا توصل إلى نتيجة واضحة مفادها أن مشروع التهجير والاستيلاء على غزة وضم الضفة الغربية لإسرائيل سيكون مشروعا خاسرا، سنراه يتراجع دون أن ترمش له عين. إنها طبيعة التجار التي تضع مبدأ الربح والخسارة فوق اعتبارات الكرامة الشخصية والتمسك بالمواقف.
كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    الحل الوحيد الذي أثبت جدارته هو المقاومة !
    المشكلة هي بالمؤامرات المحاكة !!
    و لا حول و لا قوة الا بالله

  2. يقول فصل الخطاب:

    ههه لا تغرنكم غطرسة المتصهين ترامب الأرعن المجنون فالله لحثالة الحلف الصهيو صليبي يا حبيبي بالمرصاد والأصفاد ، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين وهو ناصر الفلسطينيين وهازم عدوهم المحتل اللعين وعد رب العالمين وكان وعد الله مفعولا ✌️🇵🇸😎☝️🔥🐒🚀

  3. يقول أمحمد الدزايري:

    يبقى السبب الحقيقي غير معلن حول إصرار الرئيس الأمريكي الإستثمار في بناء منتجعات و ناطحات سحاب و جعلها ريفييرا الشرق الأوسط مع وجود أماكن كثيرة يتلقى دعوتها للإستثمار بكل التسهيلات .التفسير الوحيد هو تقديمها للكيان رداً للجميل على دعمه له في حملته الإنتخابية و إلتزاماً بوعوده الإنتخابية بوقف الحروب في العالم .المهم أن الولاء للكيان الممزوج بالتجارة و ريادة الأعمال هي الأسباب الحقيقية وراء هذه الصفقة خاصة التصريحات المتكررة عن صغر مساحة الكيان و لزوم توسيع هذه المساحة حسب المخطط المعروف من النهر إلى النهر..لكنه نسي أن تهجير سكان غزة يشكل خطر على أمن الدول التي تستقبل سكان غزة و يستحيل أن تقبل هذه الدول بإستقبال الفلسطينيين للحفاظ على أمنها و ليس دفاعاً عن المقاومة . و السؤال الآن هل يستطيع ترامب إجبار الدول العربية على ذلك بفرض عقوبات إقتصادية عليها ؟ مع العلم أن أمريكا لا يمكنها إعلان الحرب على غزة من باب السُّنة الكونية “ولا تزر وازرة وزر أخرى” . و الأمثلة في نجاعة الردع واضحة في مواقف الدول التي فرضت رسوم جمركية مضادة على أمريكا المرتبكة التي يبدو أنها تسير بخطى ثابتة إلى نهاية ريادتها على العالم .

  4. يقول عامر عريم:

    مقال جيد ولكن يجب ان يضاف اليه:
    عقد اجتماع لمجلس الآمن للأمم المتحدة يحضره وزراء الخارجية العرب لاصدار قرار ملزم يطالب اسراءيل بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة وعدم عرقلة ممارسة الدولة الفلسطينية لسيادتها على الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس وفي حالة استخدام حق النقض فيجب عقد اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة وتقديم نفس القرار
    البدء بالتحضير للانتخابات الفلسطينية الرئاسية والتشريعية ولمنظمة التحرير الفلسطينية.
    ان ترفض الدول العربية التي طبعت مع اسراءيل اي تعامل مع اسراءيل الابعد انسحابها من غزة والضفة الغربية والقدس المحتلة.

  5. يقول تيسير خرما:

    لم تطبق بريطانيا وعد بلفور خلال حكمها نصف العالم بل إنسحبت من مستعمراتها بضغط ديون فلكية لأمريكا بعد حرب عالمية وإبادة أوروبا الشرقية نصف يهودها فوضع الحلفاء اليهود الناجين بمخيمات مؤقتة لحين توفير وطن لهم وصدر قرار أممي 1947 بدعم كل الدول العظمى يقسم فلسطين بين عرب ويهود فاستعان اليهود بروسيا ودول شيوعية لبناء جيش وتحصيل أسلحة وتدريب لإقامة دولة إسرائيل 1948 واستغلت مدن عربية ذلك بطرد يهودها لفلسطين (نصف سكان إسرائيل) وقنصت أملاكهم ومنعت عودتهم وطالبت الفلسطينيين بقتلهم بتأويلات لا تطابق ظروف.

  6. يقول مسعود الجزائر:

    شكرا لك استاذنا مقالة رائعة وفي نفس الوقت تشفي الغليل وتنقص الضغط علي انا نفسي والله رايح نتفلق

  7. يقول د. رامي:

    يقول المفكر الفذ ابن خلدون الذي عاش أكبر فصول التفكك والتراجع الأندلسي: “إن الشعور بالجهل هو ضرب من ضروب المعرفة”…
    تجنب الحديث في جوهر الإشكاليات لا يدل على معرفة معمقة بجذور الأزمات… الشعوب التي تفشل في تشخيص أمراضها تموت ببطء نتيجة تناول الأدوية الخطأ… تقاس قيمة الشعوب والمجتمعات بمقدار حركة الفكر فيها وبمدى إحساسها بالزمن!… للأسف المشهد غير ملهم لتبقى بلاد العرب لمن غلب… ويبقى هناك أمل لا يموت…
    تحياتي

  8. يقول عبد الرحيم المغربي.:

    في الطب كما السياسية.. يعتبر التشخيص الخاطىء لنوع الداء أسوء من الداء نفسه.. لأن تحديد طبيعة المرض يعطي مساحة جيدة للعلاج ..ولكن في حال الابتعاد عن معرفة حقيقته..يتيه المريض ومن معه في دروب التخمين والوصفات التي تخبط خبط عشواء .؛ وإذا تتبعنا زمنيا وموضوعيا مسار القضية الفلسطينية منذ وعد بلفور..وما آلت إليه الأمور تراتبيا..من انتزاع فلسطين من يد الدولة العثمانية وتسليمها لبريطانيا..فيما سمي بالثورة العربية الكبرى..ومخرجها لورنس.. مثله في ذلك مثل بيرنارد ليفي قائد الربيع العربي..؛ ثم رفض التقسيم..وبعدها الإنتكاسة..ووصولا إلى اللهاث خلف حل الدولتين الذي يعطى كل فلسطين التاريخية للصهاينة ..؛ سنلاحظ.. أنه كلما ارتفع عندنا حجم المزايدة والشعارات والهتاف..تضخمت بالمقابل واقعيا كتلة الانهزامات والتنازلات ..؛ والسبب أن من تولى أمر القضية حشرها في دروب..تتراوح بين اعتبارها مجرد عنوان تجاري .. أو صك غفران ومشروعية لأنظمة مفلسة تفننت في سرقة وذبح شعوبها.. أو طيفا من خيال اديلوجي يحلم بتقسيم البلدان وبلقنة البقاع..انتصارا لفكرة رفيق أو شيخ…حلم الأول بمركسة بلدان العربان..والثاني بدعشنة أفغانستان وباكستان..؛ وفي كل مراحل التيهان كان بنو صهيون يمدون ارجلهم على بساط الفراغ الإستراتيجي المطبق..

  9. يقول عصفور - امريكا:

    الشمس لا تحجب بالغربال ال متى سيبقى الاسلويون صامتين ومنصاعين وراء الوعود الكاذبة والاوهام السرابية بان استعادة الوطن المسلوب بالمفاوضات ؟
    الم يكن كافيا مشاهدة أهلنا في غزة وتضحياتهم التي اذهلت العالم بصمودهم العجيب ولا زالوا ، وليس من العيب ان يتراجع المغيب وان يصافح الاخ أخاه وينضم الى أبطال غزة ليصنعوا معا النصر الأكيد ودحر الاحتلال الصهيوني الغاشم ونرفع راية عفى الله عمى سبق ، ونرد الاعتبار الى ابناء الشهداء البواسل .

اشترك في قائمتنا البريدية