أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق مؤخرا، قرارا يقضي بعدم دستورية اتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبد الله، الموقعة بين العراق والكويت في العام 2012. ولا يمكن فهم هذا القرار دون العودة إلى قرار مجلس الأمن رقم 833 الصادر عام 1993 الذي على أساسه رسمت الحدود البرية والبحرية بين العراق والكويت، أو دون العودة إلى الصراع القديم/ الجديد حول ترسيم الحدود البحرية في منطقة شمال الخليج العربي التي لا تزال غير مرسمة بين العراق والكويت، وبين العراق وإيران، وبين الكويت وإيران، قبل دخول المملكة العربية السعودية على خط هذا الصراع في العام 2000 بتوقيعها اتفاقا لترسيم الحدود بينها وبين الكويت دون حسم الحدود البحرية بين الدول الثلاثة المتقدمة.
بعد حرب الخليج الثانية، وفي سياق الغضب الدولي ضد العراق، اتخذ مجلس الأمن بتاريخ 2 نيسان/ أبريل 1991 القرار رقم 687، واستنادا إلى المحضر الموقع عام 1963 المسجل لدى الأمم المتحدة، الذي نص على ضرورة تخطيط الحدود المذكورة في رسالة نوري السعيد عام 1932، بالطلب إلى الأمين العام للأمم المتحدة «أن يساعد في اتخاذ الترتيبات اللازمة مع العراق والكويت لتخطيط الحدود بين العراق والكويت، مستعينا بالمواد المناسبة، بما فيها الخرائط المرفقة بالرسالة المؤرخة في 28 مارس/ آذار 1991 والموجهة اليه من الممثل الدائم للمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وايرلندا الشمالية لدى الأمم المتحدة».
يتمحور الخلاف العراقي الكويتي بالدرجة الرئيسية على تحديد الخط الأساس الذي يتم من خلاله ترسيم حدود البحر الإقليمي للدولة؛ فالكويت اعتمدت عام 2014 خط أساس يبدأ من البر الرئيسي والجزر الكويتية، وليس خط الوسط كما هو الحال في خور عبد الله
وقد اعترض العراق حينها على هذا القرار، وكان أبرز الاعتراضات حوله هو اعتماد الوثائق البريطانية كمرجعية لذلك الترسيم. وتساءل عن الأساس القانوني في اعتماد تلك الوثيقة التي لم يكن العراق طرفا في رسمها، ولا يعترف بها.
ومع هذا فان هذه الوثائق لم تكن معنية بالحدود البحرية مطلقا، ولم تتطرق إليها، ولكن لجنة ترسيم الحدود قررت أن تقوم بترسيم الحدود البحرية (دون أن تكون لديها صلاحية لذلك) فقد أصدر مجلس الأمن القرار رقم 773 في 26 آب/ أغسطس 1992 الذي أتاح لها «أن تنظر في الجزء الشرقي من الحدود والذي يشمل الحدود البحرية»، ولم يحاول إيجاد تسويغ لهذا التناقض بين الحديث عن ترسيم فني وليس سياسيا وفق محضر عام 1963، وبين ترسيم اعتباطي للحدود البحرية قامت به اللجنة نفسها خارج ولايتها، وقد قبل مجلس الأمن ذلك دون مسوغ قانوني!
وانتهت اللجنة إلى ترسيم الحدود البحرية عند خط الوسط في خور عبد الله، عند العلامة 162 في مدخل خور عبد الله، على أن يكون المرور الملاحي متاحا للدولتين إلى مختلف أجزاء إقليم كل منهما المتاخمة للحدود المرسومة. وكما هو معروف للجميع أن خور عبد الله هو الممر الرئيسي للعراق إلى الخليج العربي، وكان العراق يمارس سيادة شبه مطلقة على هذا الممر تاريخيا، ونادرا ما كانت تستخدمه الكويت!
لم يكن قرار المحكمة الاتحادية هذا معزولا عن سياق تسييس الخلاف على ترسيم الحدود البحرية جنوب العلامة 162، وهي موضوع الخلاف الرئيسي بين البلدين حاليا، فقد كانت هناك محاولات منهجية لصناعة مناخ عام عبر تسويق معلومات مضللة غرضها الرئيسي المزايدات وتسجيل النقاط السياسية، أو التعبير عن تصورات وأوهام لا تصمد أمام الوقائع، وقد يرجع ذلك ببساطة إلى الجهل وعدم المعرفة، دون الاكتراث بما تسببه هكذا تصريحات من مشكلات تعيق إمكانية ترسيم الحدود البحرية بين العراق والكويت جنوب العلامة 162 بطريقة عقلانية أولا، وقانونية ثانيا، خاصة وأن الجميع يعلم أن قرارات المحكمة الاتحادية العليا في العراق تخضع للتسيس ولعلاقات القوة، وليس للنص الدستوري أو الفقه الدستوري؛ ففي عام 2014 ، نظرت المحكمة الاتحادية نفسها في دعوى تطعن فيها بدستورية اتفاقية خور عبد الله لتنظيم الملاحة، لكن المحكمة الاتحادية أصدرت قرارها المرقم 21/ اتحادية/ 2014 الذي رد الدعوى بأن الطعن «لا يدخل ضمن اختصاصات المحكمة الاتحادية العليا»!
يتمحور الخلاف العراقي الكويتي بالدرجة الرئيسية على تحديد الخط الأساس الذي يتم من خلاله ترسيم حدود البحر الإقليمي للدولة؛ فالكويت اعتمدت عام 2014 خط أساس يبدأ من البر الرئيسي والجزر الكويتية، وليس خط الوسط كما هو الحال في خور عبد الله. وهو يتعامل مع «مرتفع» يسمى «فشت العيچ» يقع في مدخل خور عبد الله على أنه جزيرة وبالتالي يريد ترسيم الحدود البحرية انطلاقا منها، وهو ما يرفضه العراق الذي يعد هذه المنطقة مجرد «منطقة ضحلة» لا يجب أن يُلتفت اليها في ترسيم الحدود البحرية بين البلدين.
في المقابل، أعاد العراق ترسيم خطه الأساس لتحديد بحره الإقليمي جنوب العلامة 162 عام 2021 يبدأ من كاسر الأمواج الخاص بميناء الفاو الكبير، وليس الساحل الطبيعي، وعلى الأغلب أنه لجأ إلى هذا التحديد الجديد لاستخدامه كورقة تفاوضية.
وللتذكير فإن كل اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية في الخليج العربي قد تم فيها تحديد الجرف القاري (CSB) على مبدأ تساوي البعد وتجاهل وجود الجزر الصغيرة. وتشير د. بدرية عبد الله العوضي في كتابها «الأحكام العامة في القانون الدولي للبحار مع دراسة تطبيقية على الخليج العربي» الى أنه لو أباحت الدول الخليجية للجزر بحارا إقليمية تحوطها تمسكا بنصوص اتفاقية الأمم المتحدة لأدى ذلك إلى انقطاع أجزاء كبيرة من الخليج وضمها إلى مناطق البحر الإقليمي …».
في النهاية ليس من سبيل لحل هذا الخلاف سوى اعتماد ما تقرره قواعد القانون الدولي، وتحديدا اتفاقية قانون البحار لعام 1982 من أجل الوصول إلى حلول مرضية للطرفين سواء بالتوافق، أو من خلال الآليات القانونية التي تتيحها الاتفاقية، بسبب تداخل الحدود بينهما. بداية من تحديد خطوط الأساس التي يقاس على أساسها البحر الإقليمي، وصولا إلى تحديد المناطق الاقتصادية الخالصة والجرف القاري لكل منهما.
ولا بأس من التفكير في حلول شاملة بين العراق والكويت تكون الحدود البحرية جنوب العلامة 162 جزءا منها، سواء فيما يتعلق بالنقل البحري والتجارة الدولية، خصوصا بعد استكمال العراق لبناء ميناء الفاو الكبير، واستكمال الكويت لميناء مبارك، لتحويل خور عبد الله إلى ممر دولي مشترك في سياق الخطط العديدة المطروحة لإيجاد خطوط نقل بين الخليج العربي والبحر الأبيض المتوسط.، أو في مجالات التنقيب عن النفط والغاز في المناطق البحرية المتداخلة بينهم.
كاتب عراقي
العراق خسر سيطرته على شط العرب سنة 1975 !
العراق خسر سيطرته على خور عبدالله سنة 1991 !!
أليست مغامرات صدام حسين هي السبب بهذا ؟
ولا حول ولا قوة الا بالله
للكروي: بل بسبب خيانة أعداء العراق،
الحق سيعود لأهله بحول الله مهما طال الزمن،