ترشح كاميلا هاريس وعودة الأمل للديمقراطيين

سبعون يوما، هذا هو الوقت المتبقي لنائبة الرئيس كاميلا هاريس حتى الانتخابات الرئاسية في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر القادم. سباق سيستمر تأثير نتائجه طويلا في التاريخ الأمريكي الحديث. الكل يتذكر أحداث الشهر الماضي عندما غادر الجمهوريون مؤتمرهم في ميلووكي وهم مقتنعون بأنهم يتجهون نحو فوز ساحق تحت قيادة مرشح خرج من محاولة اغتيال ملطخا بالدماء، وبات متحديا شديد البأس مصرا على الفوز بولاية ثانية.
في تلك المرحلة، كان الديمقراطيون يستعدون لعقد مؤتمرهم الوطني العام بشيكاغو تحت غطاء كثيف من القلق، مثقلين بمخاوف الهزيمة أو ما أسمته ميشيل أوباما «شعورٌ ملموسٌ بالخوف من المستقبل». إذ كان الرئيس بايدن البالغ من العمر 81 عاما يتراجع بشكل كبير في استطلاعات الرأي، ويراقب جمهور حزبه وهم محبطون أمام احتمال قضاء أربع سنوات تحت ولاية جديدة لدونالد ترامب وشهوته للانتقام. لكن ترشح هاريس أرسل صدمة كهربائية من الابتهاج والفرح لدى جمهور الديمقراطيين، وأصلح بعض الانقسامات الكارثية في ائتلاف بايدن.
في الساعة التاسعة مساءً بتوقيت شيكاغو، ظهرت هاريس على المسرح، مرتدية بدلة داكنة وابتسامة مشرقة على وجهها، أمام حشد من المندوبين وهم يهتفون «USA». بدأت هاريس حديثها بالقول: «لا شك أن المسار الذي قادني إلى هنا في الأسابيع الأخيرة كان غير متوقع. لكنني لست غريبة على الرحلات غير المتوقعة». وأضافت وهي محاطة بالأعلام الأمريكية: «أرى أمة مستعدة للمضي قدما، ومستعدة للخطوة التالية في الرحلة المذهلة التي هي أمريكا الحقيقية».
كان الارتياح والابتهاج واضحين على وجه المرشحة الديمقراطية عندما صعدت إلى المنصة بدلاً من بايدن ليلة الخميس، إذ استقبلها هدير المندوبين، الذين ارتدى العديد منهم اللون الأبيض الساطع، تكريماً لحركة المطالبة بحق المرأة في التصويت، التي لولاها لما كانوا يحتفلون اليوم بترشيح أول امرأة أمريكية من أصول سوداء وآسيوية على تذكرة الحزب الحاكم.
إنه تحدي الديمقراطيين الجديد، الذي ذكّر بانتخابات 2008م التي فاز فيها الرئيس الأسبق باراك أوباما باعتباره أول رئيس أمريكي من أصول إفريقية. وهاهم يعيدون نهجهم مع رحلة ابنة مهاجرين: أب جامايكي كان أستاذاً للاقتصاد في جامعة ستانفورد، وأم هندية كانت عالمة شغوفة بالبيولوجيا. تقول هاريس، التي روت قصة طفولتها: «كانت والدتي تبلغ من العمر 19 عاما عندما عبرت العالم بمفردها، مسافرة من الهند إلى كاليفورنيا، بحلم لا يتزعزع بأن تكون العالمة، التي ستعالج سرطان الثدي. إنها تجسيد حي للحراك الاجتماعي، والحلم الأمريكي الذي تحقق بدلاً من خيبة الأمل في السنوات الأخيرة».

تستفيد هاريس البالغة من العمر 59 عاما من المقارنة الجيلية مع بايدن 81 عاما، وترامب 78 عاما، وتصمم حملتها الجديدة على أنها معركة من أجل مستقبل أمريكا

تستفيد هاريس البالغة من العمر 59 عاما من المقارنة الجيلية مع بايدن 81 عاما، وترامب 78 عاما، وتصمم حملتها الجديدة على أنها معركة من أجل مستقبل أمريكا، على خلفية احتمالات تاريخية: فإذا تم انتخابها في تشرين الثاني/نوفمبر القادم، ستكون أول امرأة تصبح رئيسة للولايات المتحدة، بالإضافة لكونها تنحدر من أصول سوداء وهندية.
وفي تجمع انتخابي صاخب في فيلادلفيا، في وقت سابق من هذا الشهر، قدمت هاريس حاكم ولاية مينيسوتا تيم والز ذو الشخصية الجذابة جماهيريا مرشحا لمنصب نائب الرئيس. وقد استند الثنائي هاريس ووالز في جاذبيتهما إلى عدة نقاط هي: الفرص الاقتصادية، والحرية الإنجابية، والحق في الأمان من العنف المسلح. وقالت هاريس: «لدي أنا وتيم رسالة لترامب والآخرين الذين يريدون إعادة عقارب الساعة إلى الوراء في ما يتعلق بحرياتنا الأساسية: نحن لن نعود إلى الوراء».
كما صاغت كاميلا هاريس، المدعي العام السابق لولاية كاليفورنيا، التي وضعت مرتكبي الجرائم المالية والجنسية خلف القضبان، رسالة جديدة ضد ترامب، الذي واجه محاكمات جزائية أربع مرات وينتظر الحكم بعد إدانته في محاكمة أموال سرية في نيويورك. وقالت: «لقد واجهت مرتكبي الجرائم من جميع الأنواع: الحيوانات المفترسة التي أساءت معاملة النساء، والمحتالين الذين احتالوا على المستهلكين، والمخادعين الذين خالفوا القواعد لتحقيق مكاسبهم الخاصة. لذا، اسمعوني جيدا عندما أقول لكم: أنا أعرف نوع دونالد ترامب».
وقد جاء أقوى هجوم على ترامب خلال هذا الأسبوع عندما قالت هاريس:»من نواح كثيرة، دونالد ترامب رجل غير جاد. لكن عواقب إعادته إلى البيت الأبيض خطيرة للغاية». ودعت جمهورها إلى التفكير في ما قد يفعله ترامب إذا عاد إلى السلطة، معززا بحكم المحكمة العليا الأمريكية الأخير، الذي يجعله محصنا إلى حد كبير من الملاحقة الجنائية. وأضافت: «تخيل فقط دونالد ترامب دون حواجز، وكيف سيستخدم السلطات الهائلة للرئاسة».
كما ألقت هاريس باللوم على ترامب في تراجع المحكمة العليا عن قضية حق الإجهاض المعروفة باسم رو ضد وايد. إذ عين ترامب ثلاثة قضاة محافظين في المحكمة العليا، مما أدى إلى إنشاء أغلبية ساحقة من المحافظين. وقالت هاريس معلقة على ذلك: «لقد اختار دونالد ترامب أعضاء المحكمة العليا للولايات المتحدة لسلب الحرية الإنجابية، والآن هو يتفاخر بذلك».
استطلاعات الرأي التي نُشرت عشية المؤتمر العام للحزب الديمقراطي في عدد من المنصات الإعلامية مثل ( The Washington Post) و(CBS News) و( ABC News ) أظهرت أن نائبة الرئيس كاميلا هاريس قد تقدمت بفارق ضئيل على الرئيس السابق دونالد ترامب. كما أظهرت استطلاعات الرأي أن هاريس قادرة على المنافسة في الولايات المتأرجحة، التي يجب الفوز بها مثل ويسكونسن وميشيغان وبنسلفانيا. وقد أعادت فتح مسارات متعددة للوصول إلى البيت الأبيض بتقدمها بفارق ضئيل حتى في الولايات المحسوبة تاريخيا على الجمهوريين، التي بدت مغلقة عندما كان بايدن مرشحا.
لكن هاريس لا تزال في بداية المواجهة مع ترامب، الذي أظهر أنه سيفعل أي شيء، بما في ذلك تهديد الديمقراطية، للفوز بالسلطة. على سبيل المثال، بدأ ترامب منذ الآن يشير إلى أن تحول الترشح من بايدن إلى هاريس يعتبر «انقلابا» غير دستوري، مما أثار المخاوف من أنه سيشكك في نتائج الانتخابات القادمة إذا جاءت في غير صالحه.
كذلك شن ترامب هجوما جديدا على هاريس في عطلة نهاية الأسبوع، بعد أن كشفت عن خطتها الاقتصادية، والتي تضمنت تعهدا بخفض تكلفة الإسكان، واستخدام السلطة الفيدرالية لقمع عمالقة السوبرماركت، التي اتهمتهم برفع الأسعار. وقد استغل ترامب انتقادات عدد من خبراء الاقتصاد الذين أشاروا إلى أن خطة هاريس الاقتصادية تماثل ضوابط الأسعار في الاقتصادات، التي تديرها الدولة، والتي جعلت المواد الغذائية الأساسية نادرة في محلات البقالة. ووصفوا نهج هاريس، بأنه يتسم بالشعبوية التقدمية وأنه مقامرة، لذا فقد صورها ترامب على أنها اشتراكية أو شيوعية متطرفة أو حتى ليبرالية، لكن على غرار نظام فنزويلا.
في حين يرى آخرون أنها قد تستخدم سياسات اقتصادية مشكوك فيها، إلا أن خطة هاريس يمكن أن تسجل نجاحا سياسيا. فهي تغازل الناخبين المنهكين من سنوات التضخم وارتفاع الأسعار، في أعقاب وباء كورونا. وتجدر الإشارة في هذا الشأن إلى أن معظم استطلاعات الرأي تظهر أن سياسات ترامب الاقتصادية أكثر موثوقية لدى الناخب الأمريكي من طروحات هاريس.
واستعرضت هاريس في خطابها في المؤتمر عددا من القضايا الساخنة، من بينها الحرب في غزة، إذ قالت إنها وبايدن يعملان على إنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس، ووصفت الوضع في غزة بأنه «مدمر». وأضافت أنها والسيد بايدن «يعملان على مدار الساعة» للتوصل إلى اتفاق بشأن الرهائن ووقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس. كما أوضحت موقفها بالقول: «سأقف دائما مع إسرائيل وضمان حمايتها. وسأضمن دائما أن تتمتع إسرائيل بالقدرة على الدفاع عن نفسها». لكنها أضافت أن ما حدث في غزة، خلال الحرب التي استمرت عشرة أشهر، «مدمر». وأضافت: «لقد فُقدت العديد من الأرواح البريئة. الناس اليائسون والجوعى يفرون بحثًا عن الأمان، وهنا أنا أكرر وأعيد أن حجم المعاناة مفجع».
ومن المتوقع أن تشهد المدن الأمريكية تظاهرات في الأسبوع المقبل، وخاصة بين المؤيدين لفلسطين الذين طاردوا بايدن بالهتافات والسخرية، بسبب دعمه لإسرائيل، بعد مقتل عشرات الآلاف من المدنيين في الحرب في غزة. ومع ذلك، ليس من الواضح حتى الآن ما إذا كان الناخبون التقدميون والعرب الأمريكيون، الذين رفعوا أصواتهم احتجاجا ضد بايدن في الانتخابات التمهيدية، وخاصة في ولاية ميشيغان المتأرجحة الرئيسية، سيشكلون تهديدا مماثلاً لآمال هاريس في نوفمبر/تشرين الثاني.

كاتب عراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    أتمنى فوز ترامب حتى يخرب بلده بيديه !
    ما الذي إستفاده العرب من بايدن أو هاريس ؟
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول الأستاذ : علي او عمو __ كاتب من المغرب.:

    مَن يَعتقِد أنّ السياسة الأمريكيّة تُجاه إسرائيل سَتَتَغيَّر بِتَغيُّر الرُّؤَساء فهو واهِمٌ، و سواء فاز “ترامب” الجمهوري او نائبة الرئيس “بايدن” “كامالا هاريس” من الحزب الديمقراطيّ، فالأمران سيان، لِكون السياسة الخارجية الأمريكيّة لا تتغيَّر بِتغيُّر الرؤساء، فهي ثابتة تجاه العالم الخارجي، فمُنذ حصول أمريكا على استقلالها و تأسيس دولتها، و بعد الحرب العالمية الاولى أصبحت من الدول العظمى، التي تُنافس الاتحاد السوفيتي في المجال الحربي و منذ ذلك التاريخ و هي تحاول إخضاع العديد من دول العالم لسياستها، و إلى اليوم لم تُغيّر من سياستها الخارجية الرامية إلى بسط نفوذها على الكثير من البلدان باسم (حلفاء أمريكا)، و تسعى من وراء ذلك إلى الاستفادة من هذه البلدان خاصّة منها التي تحكمها أنظمة دكتاتورية، و التي تقوم بِنهب ثرواتها مُقابل المحافظة على عروش حُكّامها..
    فالإدارة الأمريكية، جمهورية كانت أم ديمقراطيّة هي مع إسرائيل قَلْباً و قالَباً مُنذ قيام (الدولة العبريّة) المُحتلّة لأراضي فلسطين عام 1948 إلى الآنَ، إسرائيل هي الطّفل المُدلَّل لأمريكا، منذُ القِدَم، و لن تتخلّى عنها أبداً، مهما تَغيّرت الأحزاب الحاكِمة…

اشترك في قائمتنا البريدية