أعلن اردوغان عن حزمة من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والقانونية، وظهر ذلك في تغيير عشرات السفراء حول العالم في توجه يمكن أن يساهم في فتح صفحة جديدة في الدبلوماسية التركية.
إسطنبول-“القدس العربي”: على غرار ما اتسمت به طوال السنوات الأخيرة، تحولت تركيا إلى أحد أبرز مراكز الأحداث والاهتمام العالمي في عام 2020 وشهدت العديد من التطورات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية بأبعاد داخلية وخارجية جعلتها بالفعل أبرز محور للأحداث في العالم.
فمن التدخلات العسكرية في سوريا والعراق وصولاً إلى التحرك العسكري في ليبيا وصراع شرق المتوسط وصولاً إلى حرب قره باغ في أذربيجان أشهرت تركيا سلاح “الدبلوماسية الخشنة” قبل أن يبدأ الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بحلول نهاية العامة بالحديث عن حزمة إصلاحات سياسية واقتصادية في ظل تكهنات عن محاولة جادة لإعادة بناء الدبلوماسية التركية وإغلاق ملفات الخلاف مع العديد من الدول للعودة إلى الاستقرار السياسي والاقتصادي.
فمع حلول نهاية عام 2019 كانت تركيا تعيد ترتيب أوراقها في سوريا عقب قيامها بعملية “نبع السلام” ضد الوحدات الكردية في شرقي نهر الفرات شمالي سوريا، ومع بدايات عام 2020 وجدت أنقرة نفسها أمام تحدي إصرار روسيا والنظام على السيطرة على إدلب التي ينتشر بها آلاف الجنود الأتراك وتعتبرها أنقرة عاملاً مهماً في منع كارثة لجوء جديدة وحماية أمنها القومي ما دفعها لاتخاذ قرار المواجهة الذي زجها لأول مرة لتكون في مواجهة مباشرة مع روسيا والنظام السوري في إدلب استخدمت فيها كافة الأسلحة ما أدى إلى مقتل عشرات الجنود الأتراك، وبالنتيجة استطاعت تركيا تعزيز انتشارها العسكري بالمحافظة والحفاظ على حدودها الأخيرة حتى اليوم رغم حصول بعض الخروقات.
وبناء على مذكرة التفاهم البحرية والعسكرية الموقعة بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية، بدأ الجيش التركي بإرسال قواته إلى طرابلس مقدماً الدعم الجوي والبحري والبري لحكومة الوفاق التي تمكنت تدريجياً من هزيمة وطرد قوات حفتر التي كانت على بعد خطوات قليلة من حسم المعركة والسيطرة على وسط العاصمة طرابلس، حيث جرى تطهير أحياء العاصمة وصولاً لقاعدة الوطية الاستراتيجية ولاحقاً ترهونة وبني وليد وصولاً إلى خط سرت الجفرة الذي كاد أن يتحول إلى حرب إقليمية مع تزايد احتمالات التدخل العسكري المصري والتحركات الإماراتية والفرنسية التي حاولت انقاذ ميليشيات حفتر ومنع حكومة الوفاق من حسم المعركة عسكرياً في عموم البلاد.
وليس بعيداً عن ليبيا، فتح اتفاق ترسيم الحدود بين أنقرة وطرابلس الباب واسعاً أمام صراع هو الأكبر شرقي البحر المتوسط بين تركيا واليونان وقبرص بدرجة أساسية حول الحدود البحرية والمناطق الاقتصادية وكاد أن يتحول لصراع إقليمي في ظل التحركات الفرنسية والمصرية، حيث نشرت تركيا قوات عسكرية غير مسبوقة في المنطقة وبدأت عمليات تنقيب واسعة عن الموارد وتصاعد صراع كبير كاد أن يتحول أكثر من مرة لاشتباك عسكري مباشر وصولاً لفرض عقوبات أوروبية على تركيا بسبب تحركاتها وسط إصرارها على “حماية حقوقها وحدودها البحرية مهما كلف ذلك من ثمن”.
وفي ظل هذه التطورات، لم تتوقف على الإطلاق العمليات العسكرية التركية ضد تنظيم “بي كا كا” شمالي العراق، بل توسعت العمليات لتشمل مساحة أعمق داخل الأراضي العراقية وضربات جوية ضد معسكرات التنظيم في سنجار والتحول الجديد باستخدام الطائرات المسيرة لتنفيذ اغتيالات بحق عناصر وقيادات التنظيم بمناطق مختلفة من العراق وهو ما أشعل أزمة بين أنقرة وبغداد كادت أن تتطور قبل أن يتم احتوائها وتكللت جهود الحوار بزيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى أنقرة.
وكللت تركيا تحركاتها العسكرية الخارجية عام 2020 بتقديم الدعم العسكري الكبير إلى أذربيجان في حربها ضد أرمينيا في إقليم قره باغ، وهو ما مكن أذربيجان من طرد القوات الأرمينية من معظم الإقليم وانهاء الاحتلال الذي استمر 30 عاماً قبل أن يشارك اردوغان في “احتفالات النصر” موجهاً رسائل قوة إلى روسيا وأمريكا وفرنسا التي اتهمت بدعم أرمينيا طوال سنوات احتلالها وفاتحاً عهداً جديداً من النفوذ التركي في آسيا الوسطى حيث نتج عن الحرب تغيرات جيوسياسية كبيرة كان أبرزها ربط تركيا بأذربيجان بطريق بري مباشر لأول مرة عبر إقليم ناخشيفان.
العقوبات الأوروبية والأمريكية
أعلن الاتحاد الأوروبي التوافق على فرض عقوبات على تركيا بعد أشهر طويلة من التلويح والتهديد بسبب عمليات التنقيب التركية شرقي البحر المتوسط، وبالتزامن مع ذلك مرر مجلس النواب الأمريكي ميزانية وزارة الدفاع التي تتضمن فرض عقوبات على تركيا بسبب شرائها منظومة S400 الدفاعية الروسية وهو ما يجمع مراقبون على أنها ستدفع أنقرة لتفعيل المنظومة الروسية وادخالها الخدمة وما يحمله ذلك من أبعاد استراتيجية كبيرة سواء على صعيد تعزيز الدفاعات التركية وقوتها في المنطقة أو على صعيد المناورة التركية في تحالفاتها بين أنقرة وموسكو.
وبعيداً عن تفاصيل العقوبات الأوروبية والأمريكية والتقديرات المختلفة حول ما إن كانت عقوبات مؤثرة وقاسية أم أنها مجرد عقوبات مخففة أو “شكلية” فإن التوافق الأوروبي الأخير على فرض عقوبات وتمرير الكونغرس وتوقيع الرئيس على لائحة العقوبات الأمريكية يعني أن العلاقات التركية مع أوروبا وأمريكا دخلت مرحلة جديدة حساسة تفتح الباب واسعاً أمام احتمالات التراجع أو التصعيد غير محسوب العواقب لكافة الأطراف.
وكان قرار تحويل آيا صوفيا من متحف إلى مسجد من أبرز ما شهدته تركيا عام 2020 حيث شهد العالم أجمع أول صلاة في آيا صوفيا بحضور اردوغان الذي اعتبر القرار “شئناً داخلياً تركياً يتعلق بسيادة البلاد” رافضاً كل الانتقادات الدولية في هذا الإطار.
كورونا والتحولات الاقتصادية
على غرار ما جرى في كافة دول العالم، سيطر فيروس كورونا على سير الحياة في تركيا فارضاً تحديات سياسية واقتصادية وصحية غير مسبوقة، وعلى الرغم من أن تركيا نجحت في تأخير وصول الفيروس وتفشيه في البلاد لتجنب الإغلاق العام، إلا أن الفيروس وصل وتفشى وصولاً لتسجيل أكثر من 30 ألف إصابة يومياً وقرابة 220 وفاة وهو ما جعل الإغلاق استحقاقاً حتمياً على الحكومة التي نجحت في بناء عشرات المجمعات الصحية والمشافي الضخمة لكن ذلك لم يكن كافياً للسيطرة على تبعات الجائحة.
الإغلاق العام والصعوبات الاقتصادية الناجمة عن تبعات كورونا وارتفاع معدلات البطالة وتراجع معدلات النمو وانخفاض قيمة العملة التركية إلى مستويات تاريخية غير مسبوقة على الإطلاق ضاعفت الاحتقان الداخلي في البلاد والضغوط على الرئيس اردوغان الذي بدأ محاولات إصلاحية قبل أن يعلن صهره وزير الخزانة والمالية بيرات البيرق استقالته في ظروف ما زالت غامضة حيث أعاد اردوغان تشكيل إدارته الاقتصادية بتعيين وزير جديد للمالية ورئيس جديد للبنك المركزي وسط محاولات لتحسين الإدارة الاقتصادية للبلاد.
وفي إطار هذه الإصلاحات، أعلن اردوغان عن حزمة من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والقانونية، وظهر ذلك بشكل واضح بالإعلان عن تغيير عشرات السفراء حول العالم وتعيين سفراء ذوو خبرة كبيرة من الخليج العربي إلى فرنسا وإسرائيل وأمريكا في توجه يمكن أن يساهم بالفعل في إنهاء الخلافات مع العديد من الدول وفتح صفحة جديدة في الدبلوماسية التركية ستظهر آثارها بشكل أكبر خلال العام المقبل.
عام الزلازل
سيطر الخوف من الزلازل وآثارها الكارثية على الأتراك طوال عام 2020 حيث نشطت العديد من الشروخ الزلزالية في البلاد كان أبرزها زلزال أزمير الذي أدى إلى موجات تسونامي محدودة وانهيار عشرات العمارات السكانية مخلفاً 117 قتيلاً وأكثر من 1000 جريح، وسبقه زلزال في ولاية إليزاغ خلف 41 قتيلاً وزلزال في ولاية فان خلف 10 قتلى، لكن الخوف الأكبر بقي من التكهنات حول زلزال إسطنبول المنتظر والذي يخشى أن يؤدي إلى انهيار آلاف المباني وسط مساع حكومية لتسريع عمليات إعادة بناء المنازل المترهلة لتقليل الخسائر في حال وقوع الزلزال.
راحلون
30.10.2020 وفاة مسعود يلماز أحد أبرز السياسيين الأتراك، رئيس حزب الوطن الأم وزير ورئيس وزراء سابق.