تركيا واحترافية الأزمات

إحتجت لإستبدال قطعة غيار لإحدى الأجهزة الكهربائية المُثبتة في الشقة التي حيث فيها أُقيم وحينما باشر المهندس بتبديلها فجرى حديث بيننا وأخبرني أنَّ الجهاز من صناعة تركية خالصة فقلتُ له هذا مؤشر جيد فإنَّ الأمة التركية والجارة الصديقة تربطنا بها أواصر كثيرة وهي أوضح مثال للتقدم الصناعي والعمراني لبلادنا المشرقية فأردفَ قائلاً صحيح أنها لا ترتقي إلى بعض الصناعات العالمية ولكنها ذات جودة لا بأس بها وعليها طلب نظراً لأسعارها التنافسية في وقت باتت تقتحم البضاعة التركية الأسواق الأوروبية وبكثرة وثمة سمعة جيدة لمنتوجاتها.

أحداث مفصلية

واجهت الدولة التركية في العقد الأخير أحداث مفصلية سببت لها إحراجاً كبيراً وكادت أن تنزلق بها إلى ما لا يُحمد عقباه لولا الحنكة السياسية والعبقرية في إدارة الأزمات التي تتصف بها قيادتها وحكومتها من سفينة مرمرة 31أيار/ مايو 2010 مـ ) حيث قضى فيها عشرة ناشطون أتراك وإصابة ستين آخرين مروراً بإسقاط المقاتلة الروسية في 24 \ 11 \ 2015 مـ وإغتيال السفير الروسي في أنقرة أندريه كارلوف بـ 19 \ 12 \ 2016 مـ إلى أزمة القس الأمريكي أندرو برونسون وما نتج عنها من تجاذبات بين الإدارتين التركية والأمريكية جراء ذلك..

أروقة السياسة

غير أنَّ الحدثَ الأخير أعطاهم بُعداً أخلاقياً آخر، وأعني بهِ هنا تصفية الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده ، صحيح أنه قضى نحبهُ في قنصلية بلادهِ لكن على أراض تركية وتُمثل بجميع القوانين والأعراف إنتهاكاً لسيادتها وقد أدارتها بطريقتِها الدرامية المعهودة ذات الحلقات الطويلة والفصول المتنوعة إلاَّ أنَّ ما يجدر الوقوف عنده ودراسته لرواد السياسة والإدارة من عدم التصعيد إتجاه المملكة السعودية بل وكانت التصريحات على شكل أخوي منضبط رغم الحملة المضادة إتجاهها من شخصيات معروفة وموثقة أسماء مواقعهم في التواصل الإجتماعي بفترة لا تتجاوز الشهر تقريباً بل حرض البعضُ على عدم السياحة فيها وساهم آخرون بتقهقر عملتها قبل أن تشهد تحسناً ملحوظاً.
ما يعنينا الإستشهاد بسياسة الجارة تركية نحن العرب نظراً لقصر بلعومنا وغددنا الدرقية أثنآء إطلاق التصريحات ذات الفقاعة الصوتية المرتفعة وصغر حوصلتنا لتحمل بعضنا البعض فضلاً عن الآخرين مما أوصل بلاداً كثيرة من بلادنا المتواكلة إلى حالة تبكي العدو حسرةً قبل الأصدقاء بحيث أنَّ أغلب مَن بيدهم قرار البلاد يقومون بإجراءات عدائية ومفصلية دون التروي والتفكير بعواقبها ولو برهة قصيرة.
الملفت أنني وجدتها على الصعيد الإجتماعي أيضاً ولم تقتصر على أروقة السياسة والحكام وإن كانوا هم أبناء مجتمعهم غير أنها واضحة المعالم في تنشئتنا الإجتماعية وعلى المستوى الديني والفرق والمذاهب والأحزاب وهلم جرا وعلى المستوى القطري والقبلي بل وحتى في العمل والمهن البسيطة والشراكات المتواضعة بحيث تتسم شخصيتنا بالإستعجال في إصدار القرارات وترتب الأثر عليها وأخشى أن ننقرض من الوجود يوماً ما ويكون السبب في ذلك إستعجالنا وعدم قدرتنا على الصبر والتحمل ولله الأمر من قبل ومن بعد.

كاتب عراقي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود:

    لا حول ولا قوة الا بالله

اشترك في قائمتنا البريدية