تري ان الاغنية الشعبية السائدة في سورية تفتقد الذكاء ولا تنتمي لأي تراث شعبي

حجم الخط
0

تري ان الاغنية الشعبية السائدة في سورية تفتقد الذكاء ولا تنتمي لأي تراث شعبي

شمس اسماعيل: فيروز تمنحني الشفافية وزياد استثناء في عبقريتهتري ان الاغنية الشعبية السائدة في سورية تفتقد الذكاء ولا تنتمي لأي تراث شعبيدمشق ـ القدس العربي ـ من أنور بدر: صوت ملائكي لقب اكتسبته فيروز، وتألق عبر مسيرتها الفنية المديدة، ونحن متفائلون بأن جنس الملائكة لا ينقرض، وبالتالي لن نفقد هذا الصوت الذي شكل حيزاً مهماً من الذائقة السمعية للثقافة العربية، ولكنني عندما سمعت شمس إسماعيل لأول مرة في عام 1999 تغني لفيروز وكانت طفلة لم تتجاوز عامها السابعة عشرة، حينها أيقنت أن ذلك الصوت الملائكي باقِ معنا، وباقِ للأجيال القادمة. مرت السنوات، ودعيت مؤخراً من قبل المركز الثقافي الفرنسي لحفل موسيقي غنائي ضمن إطار سلسلة أصوات نساء ، وكان الحفل لشمس إسماعيل غناء يرافقها أنس ديوب علي البيانو تارة، وعلي الأورغ تارة أخري. فوجئت بالحضور، وفوجئت بأن شمس إسماعيل سطعت أكثر من ذي قبل، وأعطت من إحساسها الكثير للأغنية الفيروزية، وكنت حزيناً إذ فكرت بمستقبل هذه الموهبة، في ظروف يبدو المستقبل فيها رماديا جداً. تذكرت أن شمس إسماعيل حين قدّمت علي المعهد العالي للموسيقي بدمشق، العام المنصرم ـ بعدما أنهت دراسة الأدب الإنكليزي ـ واجتازت امتحانها بشكل جيد من أصل خمسة متقدمين، ونالت تهنئة اللجنة الفاحصة، إلا أنها بعد ساعتين من المداولات، ونتيجة اتصالات هاتفية، تغيرت النتيجة، ولم تكن شمس هي المقبولة، بل صوت آخر أعتقد مع أساتذته بأنه غير جدير علي منافسة شمس إسماعيل. بعيد ذلك كان لـ القدس العربي هذا اللقاء مع صوت واعد جداً، ويبحث عن مشروعه الخاص: أرجو أن تحدثينا عن البداية، كيف توجهت شمس إسماعيل إلي الغناء؟ بداياتي في الغناء كانت عبر العائلة… مثل أي بداية، فأنا كنت أحب العزف علي البيانو، وقطعت شوطا ًفي تعلم ذلك، لكنني أحسست أنّ رغبتي في الغناء أكبر من رغبتي في العزف.ومنذ كنت طفلة في الثامنة أو التاسعة من عمري، وبتأثير الوسط العائلي، كنت أستمع لعمالقة الأغنية العربية أمثال أم كلثوم وأسمهان وليلي مراد وسعاد محمد وسواهم… وكنت أحاول تأدية أغانيهم الجميلة، وهكذا نمت ذائقتي السمعية. أليس غريباً أن تستمعي وأنت طفلة لتلك الأصوات، مع أنّ الأطفال في مثل هذه السن يميلون إلي شيء آخر في العادة ؟ قلت لك أنّ السبب والفضل يعود إلي الأهل، فأجواء العائلة كانت عاملاً مُساعداً، وكانت والدتي تمتلك صوتاً جميلاً تشربته منذ صغري، وجميع من في البيت هم مستمعون جيدون للموسيقي والغناء. هل تتذكرين أول مرّة وقفت فيها للغناء أمام جمهور كبير؟ كانت في عام 1999 وأنا لم أتجاوز السابعة عشرة من عمري، وكانت المناسبة مرور الذكري الثانية لرحيل سعد الله ونوس في قريته حصين البحر ، وقد غنيت أغنيتين بدون موسيقي، وأغنية مع العزف علي العود، وكان هذا بحضور ثلاثة آلاف شخص تقريباً، بينهم شخصيات مهمة كنضال أشقر وطلال سلمان وجورج حبش وزاهي وهبة وسواهم.. منذ ذلك التاريخ وشمس إسماعيل ما زالت تتقدم بخطي حثيثة ودون أي رعاية؟ بكل أسف، حين تقدمت إلي مهرجان الأغنية العربية، رفضت لأنني لم أكمل الـ18 سنة، وبعد حصولي علي إجازة الأدب الإنكليزي تقدمت إلي المعهد العالي للموسيقي، وهنأني أكثر من شخص من أعضاء اللجنة الفاحصة، لكن لأسباب خاصة قبل آخرون قد لا يستحقون هذا القبول، ولذلك أنا لن أعيد الكرة ثانية. فإنا الآن أتابع دراستي للموسيقي بجهود شخصية وعبر الانترنت، وآمل أن أتمكن قريباً من إكمال دراستي الأكاديمية بهذا الخصوص. شمس أقامت أو شاركت حتي الآن بعدد من الحفلات الغنائية المتميزة، لكن صناعة النجوم تحتاج إلي رعاية غير متوفرة في بلدنا؟ المشكلة أنّ المؤسسات الثقافية الحكومية لدينا لا تعني بهذه الأمور، بل تهتم بتسجيل نشاطات وفعاليات في لائحة إنجازاتها فقط، وإن كانت تدعي عكس ذلك، ومن ناحية أخري نعاني من غياب المؤسسات المدنية الأهلية الخاصة المهتمة بالإنتاج الثقافي والفني وتطويره. أذكر لك مثالاً حين تقدمت إلي مسابقة رسم وأنا في الصف الثالث الإعدادي، طلبت إليّ الجهة المنظمة أن أترك الرسم وأتقدم باسم محافظة اللاذقية لمسابقة الغناء، وقد نلت فعلاً المرتبة لأولي علي سورية عام 1997، لكن أحداً من القائمين علي هذه المسابقة لم يسألني شيئاً فيما بعد، فمؤسساتنا الحكومية البيروقراطية لا تعني بمتابعة الحالة الإبداعية، المهم لديها كان الاحتفالية أو المسابقة أو النشاط فقط.تصور أنّ رئيس تحرير إحدي الصحف في أبو ظبي سمع C.D بصوتي، فأتصل مباشرة بدمشق يطلب عنواني، وحصل ذات الشيء في تونس، وفوجئوا بأنني لم أقبل في المعهد العالي للموسيقي. واضح أنّ صوتك يتواشج مع صوت فيروز لدرجة أنّ حفلاتك الأخيرة كانت مخصصة لأغنياتها، ولكن ألا تفكرين بالخروج عن هذا الإطار؟ سبق وأديت في البداية الكثير من كلاسيكيات الأغنية العربية كما قلت، ثم غنيت للشيخ إمام ومارسيل خليفة وفهد يكن وزياد الرحباني….، لكنني اكتشفت طاقات أوسع في صوت فيروز، تمنحني قدرة علي الشفافية والحب والجمال، وتأخذني إلي أقاصي حدود الالتزام. مع أنني لا أحاول أن أقلّد فيروز، فهي كالسهل الممتنع، بل أسعي لكي أقدم شيئاً من روحي، فأنا بقدر ما أحب صوتها إلا أنني أحاول قبل شهر من أي أمسية لي أن أمتنع عن سماع أغنياتها، حتي أكون أنا، ولا أكرر فيروز.لكن تقديم شيء خاص بي، يتطلب الكلمات المناسبة، واللحن المناسب، وحتي الآن لم أوفق بذلك. هذا يقودنا للحديث عن واقع الأغنية السورية؟ لا اعرف إلي أي درجة يُمكننا الحديث عن أغنية سورية حديثة، فأنا لم يلفت أي صوت متميز، والسائد حالياً هو ما يُقال عنه الأغنية الشعبية والتي أتحفظ علي تسميتها، إذ أنّ الكلمات والألحان لا تنتمي إلي أي تراث شعبي، ولا تقدم معني إيجابيا، ومع ذلك يتهافت الكثير من المغنين علي هذا اللون، وقد كانوا لوقت قريب بمنأي عنه، رغم أنّ ساحة الغناء السورية لا تفتقد إلي الأصوات الجيدة، لكنها تفتقد الذكاء في اختيار الكلمات والألحان الجيدة، وتفتقد المناخ الذي يشيع هكذا أغنية، كما تفتقد الإعلام الذي يشجع ويقدم هذه الأغنية أكثر من سواها. البعض يقول أنها المرحلة، أو أنّ ذوق الجمهور قد تدني؟ بالعكس، إنها مقولة غبية يعملون علي ترويجها بحجة أنّ الجمهور عاوز كده مع أنّ أي متابع لأمسيات الغناء الراقي يكتشف جمهوراً يتمتع بذائقة رفيعة ومثقفة.أذكر في أول أمسية لي كانت علي مسرح دار الأسد للثقافة في اللاذقية وهو يتسع ل 850 شخصاً، وكنت مترددة بصدد الجمهور، قبل ذلك، فمن سيأتي ليستمع لأغاني فيروز من فتاة غير معروفة لهم، ولكن عندما فتحت الستارة فوجئت بأنّ الصالة اكتظت بما يزيد عن 1200 شخص، بينهم من افترش الأرض، وبينهم من ظلّ واقفا ًعلي قدميه، وهذا علي الرغم من غياب الإعلان الكافي أو الدعاية الجيدة. وكان التجاوب كبيراً والتشجيع واضحاً، وأعتقد أنّ الجميع حاول أن يستمع إلي صوتي أكثر من استماعه للأغنية كما هي في ذاكرته، وقد تكررت هذه الحالة في الأمسيات اللاحقة، والمدهش في الأمر كان وجود أطفال أعمارهم في حدود الـ 12 سنة، وشباب من جيلي يصرون علي حضور أمسياتي باستمرار، وهناك تفاعل جميل بيني وبينهم، مع أنني لا أعرفهم. في ظل رمادية الحالة الثقافية العامة، ما هي مشاريعك القادمة؟ في الفترة القادمة سأعمل علي إحياء مجموعة أمسيات في ذكري بعض مبدعي الأغنية العربية، أمسيات أقدم فيها بعضاً من أغانيهم الجميلة، أمثال أسمهان وليلي مراد وعبد الحليم حافظ وأم كلثوم، وفيروز طبعاً. بالإضافة إلي مطربين من الجيل الأحدث كماجدة الرومي وجوليا بطرس، ومحمد منير وعلي الحجار وزياد الرحباني وسواهم.وبالمناسبة أنا أعتقد أنّ زياد عبقري واستثناء في الأغنية العربية قلّ نظيره، وأنّ ألحانه التي غنتها فيروز معرفتي فيك، كيفك إنت… وغيرها، تشكل انعطافا وتطوراً في الأغنية العربية عموماً، فهو غيّر زاوية رؤيتنا لما نحب، وربما هذا ما شكل صدمة لدي البعض. ومشروعي الآخر علي صعيد الغناء، يهدف إلي تقديم شيء جديد، ربما تتشكل ملامحه قريباً بالتعاون مع شباب من جيلي، فأنا رغم حبي للموسيقي الكلاسيكية، إلا أنني أستمتع وأستمع بشكل جيد لموسيقي الجاز، قديمها وحديثها، بالإضافة إلي أغاني البيتلز ، وأطمح إلي تقديم شيء له علاقة بالجاز الشرقي ـ إن صح التعبير ـ شيء له علاقة بالتجريب والارتجال، فالجاز من أصعب أنواع الموسيقي، ويحتاج إلي الكثير من التدريب والشغل المتواصل. لكنه يعطي حرية كبيرة في الأداء، وأعتقد أنه أقدر علي مخاطبة أبناء جيلي الذي أنتمي إليه، وأرغب في التأثير بهم والتفاعل معهم، فانا أرغب أن أعطي بصمة لمشروعي الأول، وأشعر بأنني أمتلك القوة الكافية لذلك، وحولي كثير ممن يشجعونني، وممن يستطيعون مشاركتي هذه التجربة. أما علي صعيد الدراسة، فأنا بصدد الانتهاء من دبلوم الترجمة، لكنني أرغب فعلاً في تطوير دراستي الموسيقية، لذلك قد اضطّر للسفر خارج سورية مع نهاية هذا العام، لدراسة الموسيقي أكاديمياً، فهذا سيفتح لي آفاقاً أوسع.2

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية