طرابلس – «القدس العربي»: تتصاعد المخاوف من احتمالية اندلاع حرب في ليبيا أو توسيع موسكو لنفوذها فيها في أعقاب تقلص نفوذها في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، وتوالت التقارير الدولية المحذرة من نشاط محتمل لها في ليبيا.
وفي السياق، قالت مجلة أفريكا كونفيدنشال إن سقوط النظام السوري يؤثر على عمليات موسكو في ليبيا وشمال إفريقيا؛ حيث تتوقع مراكز الأبحاث أن تؤدي القواعد الروسية الجديدة إلى تعطيل إمدادات الطاقة الأوروبية المجل البريطانية أن انهيار ديكتاتورية بشار الأسد في سوريا قد تكون له عواقب وخيمة على روسيا، التي نصبت قاعدتها البحرية في طرطوس على ساحل البحر الأبيض المتوسط دعماً لوجستياً لعمليات الكرملين بليبيا وشمال إفريقيا على نطاق أوسع.
وأشارت إلى أن مراكز أبحاث ومعهد دراسة الحرب الذي يقع مقره في الولايات المتحدة، توقعوا أن تتحرك روسيا لإنشاء قواعد جديدة في القارة الإفريقية في إطار سعيها إلى بناء تحالفات جيوسياسية جديدة، موضحاً أن ليبيا هي الخيار الأكثر ترجيحاً.
وذكرت أفريكا كونفيدنشال أن موسكو تحركت في الأشهر الأخيرة لتطوير منشآتها العسكرية ومخازن أسلحتها في قاعدتي براك الشاطئ والجفرة الجويتين، لافتة إلى أن الأخيرة شهدت تدريب مجموعة من المرتزقة الروسية فاغنر للقوات الموالية للجنرال خليفة حفتر، التي لا تزال تسيطر على مساحات من شرق ليبيا.
كما أشارت المجلة إلى أن الوجود الروسي الأكبر في ليبيا من الممكن أن يؤدي إلى تعطيل إمدادات الطاقة الأوروبية وتوسيع نفوذها الجيوسياسي في شمال إفريقيا، كما يقوض فرص التوصل إلى اتفاق سلام وتقاسم السلطة بين حكومتي بنغازي وطرابلس.
وفي السياق، قال المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية “إن الساحة الليبية قد تكون الآن مهيأة محليّاً وإقليميّاً ودوليّاً أكثر من أي وقت مضى لاندلاع حرب جديدة بين شرق وغرب البلاد عن طريق عدة محفزات مختلفة؛ فالصراع والتوتر بين المؤسسات الرسمية على أشده، بالأخص ما بين حكومتي الشرق والغرب من ناحية، والمجلس الرئاسي والنواب من ناحية ثانية، وداخل المجلس الأعلى للدولة من ناحية ثالثة”.
وأضاف في مقال نشر تحت عنوان “مع خسارة روسيا نفوذها في سوريا بسقوط الأسد.. هل ليبيا ستكون ساحة جديدة لصراع دولي؟” إن خسارة روسيا نفوذها في سوريا ستجعلها أكثر تمسكاً بنفوذها في ليبيا، بل وقد تسعى لتعزيز وتوسيع هذا النفوذ نحو العاصمة، لتعويض خسارتها في سوريا وتأمين موطئ قدمها الوحيد في المياه الدافئة وتزامن ذلك مع نهاية فترة بايدن وبداية حكم ترامب، واحتمالية تصعيدهما للتوتر في ليبيا، ولكل منهما حساباته المختلفة من هذا التصعيد.
واعتبر المركز أن إخلال تركيا بموازين القوى الإقليمية بعد انتصار حلفائها في سوريا، قد يدفع بعض الأطراف لإضعاف نفوذها في ليبيا، لضبط موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط، وهو لن يحدث بدون حرب داخلية جديدة.
وحول التداعيات والسيناريوهات المحتملة للثورة السورية على ليبيا أشار المركز إلى احتمالية أن يتعمق النفوذ العسكري الروسي في ليبيا يوماً بعد يوم، في وقت تضغط فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون لاحتواء هذا النفوذ، وبالتأكيد فإن التواجد التركي أحد أدوات هذا الاحتواء، أو على الأقل عامل توازن جيواستراتيجي مهم بالنسبة للناتو في مواجهة روسيا.
وأشار المقال إلى أربعة سيناريوهات محتملة، إذ إن خسارة روسيا لحليفها السوري بشار الأسد، وما قد يترتب عليه من احتمالية مرجحة وطبيعية لخسارة نفوذها العسكري في سوريا، وبالتالي فقدانها لتواجدها الجيوسياسي الحيوي في المياه الدافئة عبر سواحل طرطوس.
ورغم الحديث عن ضمانات حصلت عليها موسكو من المعارضة بشأن أمن قواعدها العسكرية وممثلياتها الدبلوماسية في سوريا، لكنها لا تستبعد بسبب التطورات على الأرض التخلي عن القواعد العسكرية، وفق ما نقلت مجلة جون أفريك عن مصدر مقرب من الاستخبارات الروسية.
وتقوم موسكو بتقييم عدة خيارات لضمان استمرارية موقفها الاستراتيجي في القارة الإفريقية، وفق ما نقلت المجلة عن خبير في مجموعة فاغنر، مضيفاً أنه يمكن لموسكو ببساطة أن تحول منشآتها من سوريا إلى شرق ليبيا، وتحديداً ميناء طبرق ومطار بنغازي، من خلال الاعتماد على حليفها المسيطر هناك خليفة حفتر.
وأشار الخبير إلى الاتفاق الذي أبرمه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع حفتر لتعزيز سلطته مقابل زيادة وجود الجنود الروس في ليبيا، بوابة منطقة الساحل، غير أن الوضع السياسي الليبي الذي يتسم بانقسام السلطة بين حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس وقوات حفتر في بنغازي، يضعف هذا الخيار.
كما يمثل استخدام ليبيا تحديات فنية كبيرة من وجهة نظر لوجستية، حيث لا تستطيع طائرات النقل الثقيلة الروسية، مثل طائرة إليوشن إيل – 76، الطيران مباشرة من روسيا إلى ليبيا بحمولة كاملة دون التوقف للتزود بالوقود، الأمر الذي من شأنه أن يحد بشكل كبير من فائدتها.
وتستكشف موسكو أيضاً إمكانية إنشاء قاعدة عسكرية على البحر الأحمر في بورتسودان.
وكان هذا الخيار بالفعل موضوع مفاوضات بين روسيا والسلطات السودانية، وتم إحراز تقدم ملحوظ في عام 2020، لكن الحرب الأهلية في السودان قوّضت هذا المشروع.
علاوة على ذلك، فإن بطء المؤسسات الروسية في تقديم الدعم الفعال للحكومة السودانية يقلل أيضاً من فرص الحصول على قاعدة دعم لوجستي في هذه المنطقة، وكل يوم يمر يجعل هذا الاحتمال غير مؤكد أكثر فأكثر.
بالنسبة لموسكو، فإن وجود قاعدة في بورتسودان من شأنه أن يؤمن موقعاً استراتيجياً على البحر الأحمر، مع إمكانية الوصول المباشر إلى طرق التجارة التي تربط أوروبا وآسيا وإفريقيا، لكن في ظل الظروف الحالية، تظل جدوى هذا الخيار معرضة للخطر.