تشريح العراق: عقوبات التدمير الشامل التي سبقت الغزو (5)
تقرير مجلس العموم عن العقوبات لم ينجح بتغيير سياسة الحكومة.. وبيتر هين كان مع استمرارهالجنة التعويضات في جنيف كانت محاطة بالسرية… وقدمت تعويضات زائدة للكويت ولكيبوتزات اسرائيليةتشريح العراق: عقوبات التدمير الشامل التي سبقت الغزو (5)د. هانز كريستوف فون سبونيكہ يحكي هذا الكتاب الصادرة ترجمته حديثا عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت عن قصة الحصار الطويل الذي فرض علي العراق قبل الغزو، وهي الفترة التي انتقل فيها العراق من مجتمع ثري، مجهز ببنية تحتية حديثة الي بلد مؤلف من شعب فقير ومحروم. ويتحدث الكاتب عن الثمن الباهظ لنظام العقوبات الشاملة، وعجز البرنامج الانساني بتعقيداته الروتينية والبيروقراطية وقيود الميزانية، وتصميم الدول دائمة العضوية في مجلس الامن علي عدم السماح للعراق باستعادة مقدرات سيادته – عن تحسين وضع المواطنين العاديين.موقف معاند لبريطانياقبل مغادرتي متوجها الي لندن، ناولتني الوحدة الامنية في مكتبي في بغداد بالتعاون مع الناطق باسمي البريطاني ـ الكندي جورج سومرول، نسخة من تقرير حول آخر ضربة جوية كنا قد اعددناه مع صور فوتوغرافية للمواقع المتضررة في البصرة والموصل ومواقع اخري. وكانت تلك هي الاماكن التي منيت بخسائر فادحة في صفوف المدنيين نتيجة ضربات جوية فظيعة. وأثنت اللجنة، بمن فيها آن كلايد، وهي نائبة عمالية معروفة بتأييدها للعقوبات، علي الجهد الذي بذلته من جانبي لالقاء الضوء علي احد انحرافات صلافة الولايات المتحدة ـ بريطانيا في تناولها للامور، وهو انحراف لم يكن معروفا جيدا وكان مجلس الامن متساهلا تجاهه رغم انتهاكه للقانون الدولي وسيادة العراق.اتاحت اللجنة لي الوقت الكافي لأقدم نظرة عامة الي الاحوال الاجتماعية كما قدمتها في وقت سابق من العام نفسه الي هيئة اموريم في نيويورك. اسهبت في الكلام علي اخضاع برنامج النفط مقابل الغذاء لتعقيدات ادارية مشؤومة، وغياب الاشراف من جانب مجلس الامن، والاسلوب السلطوي الذي هيمنت لجنة العقوبات به علي تنفيذ البرنامج الانساني، والدور الداعم المؤسف الذي كانت السلطات البريطانية تؤديه في تعزيز الحكومة الامريكية في الامم المتحدة لجهة نزوعها الي اعاقة ما قيمته مليارات الدولارات من الامدادات المطلوبة بالحاح في قطاعات المياه والمرافق الصحية والكهرباء بالاضافة الي صناعة النفط. والاسئلة التي طرحها النواب عقب ما عرضته لم تعكس فقط اهتمامهم وقلقهم بل عكست ايضا المامهم بمحنة العراق. وبعد سبعة اشهر، اصدر مجلس العموم تقريره تحت عنوان مستقبل العقوبات . وفي غضون عام، استدعت 20 شاهدا من جميع الخلفيات والمعتقدات من مجموعات سياسية كردية الي رجال استخبارات بريطانية ودبلوماسيين وخزانة جلالتها واكاديميين ومنظمات غير حكومية ذات خبرة طويلة في العراق مثل غوث الاولاد البريطانية. وحضر، ايضا، مدافع كبير عن سياسات العقوبات البريطانية، بيتر هين، وزير الدولة في مكتب الخارجية والكومنولث.شعرت بزهو حقيقي حين قرأت استنتاجات اللجنة حول العقوبات ضد العراق: يصعب علينا الاعتقاد ان حالة ستظهر في المستقبل تكون الامم المتحدة فيها مسوغة في فرض عقوبات اقتصادية شاملة علي بلد ما… (حيث ان) مثل هذه العقوبات تسبب معاناة ملحوظة . كان هذا الادراك امرا سارا. وقد شكلت منهجية التقرير غير المتحيزة مثالا لتحتذي به برلمانات اخري في اخري في اوروبا واماكن اخري كي تجري جلسات استماع مماثلة. لكنها اخفقت في نهاية الامر في تغيير سياسة الحكومة البريطانية تجاه العراق لأن وايت هول (مقر الحكومة البريطانية) حاجج بعناد، كما فعل وزير الدولة في مكتب الخارجية والكومنولث بيتر هين باصرار، بأنه … ليس من الصواب لوم العقوبات علي تلك المعاناة، كما ان الوضع لن يتحسن بالضرورة اذا رفعت العقوبات .هذه نظرة ثاقبة الي صلابة مقاربة حكومة العمال البريطانية بشأن العراق. ولم يكن في وسع الجمهور البريطاني ولا في وسع فريق الامم المتحدة في بغداد فهم كيف يمكن لأحد الوصول الي هكذا استنتاج باطل. لا عجب اذن ان يصبح بيتر هين احد اهداف حركة مناهضة العقوبات في بريطانيا. وبالنسبة الينا في بغداد، كان موقف الحكومة البريطانية الحرون مثبطا للعزيمة لأننا ظننا، وكنا مخطئين في نهاية الامر، ان جبل الأدلة لغير صالح سياسة العقوبات السائدة سيؤدي الي تغييرات حقيقية لخير مجتمع متعب ومشلول.بدلا من ذلك، بقي العام 1999 عام تناقضات. كان هناك بعض المؤشرات المأمولة للتغيير، تقدمتها الصين وفرنسا وروسيا و مجموعة P3 في مجلس الامن، وامائر الاعياء في الشرق الاوسط بسبب العقوبات، وبخاصة في الدول المجاورة. وقد شعرت سورية والاردن وتركيا بأنها محرومة منذ امد بعيد من العلاقات التجارية المربحة التي كانت قائمة مع العراق قبل العقوبات. ولذلك، اخذت تزيد في توسيع الفجوات التي كانت قد ظهرت في نظام العقوبات بالاتجار مع العراق خارج اطار برنامج النفط مقابل الغذاء. وكانت في الوقت نفسه تستحضر حقوقها في التعويض عن خسائر تجارتها الناجمة عن عقوبات الامم المتحدة.كنت خلال انتقالي من العراق واليه أري بنفسي التزايد في عدد الشاحنات التي كانت تمر علي الحدود العراقية ـ الاردنية بمركز تفتيش السلع الذي اقامته كوتكنا الوكالة السويسرية المعينة من الامم المتحدة.الي جانب متاعب العقوبات وخرق العقوبات، كان هناك غضب عارم علي العقوبات في صفوف مجموعات الدفاع عن حقوق الانسان في العالم اجمع. ولم يسبق لقضية ان دفعت كثيرين في بلدان عدة الي النزول الي الشوارع. ومن المؤكد ان الضمير الشعبي، او القوة العظمي الثانية الناشئة كما حلا للبعض ان يسميه، وقف في وجه الحدث وأمدنا بالشجاعة في الامم المتحدة في العراق.كانت الكنائس حليفات اخريات لنا؛ فمجلس الكنائس العالمي (WCC) كرر دعوته الامم المتحدة الي القيام فورا برفع جميع العقوبات ذات التأثيرات المباشرة والجزافية علي المدنيين في العراق . وفي اوائل العام 2000، وفي رسالة علنية الي الامين العام كوفي انان، كتب الامين العام لمجلس الكنائس العالمي، الدكتور كونراد رايزر، مشيرا الي تصريحات ممثلة برنامج الاغذية العالمي يوتا بيركاردت وتصريحاتي بشأن الاحوال في العراق: تبلغ العقوبات (المفروضة علي العراق) مستوي انتهاك الامم المتحدة نفسها للحقوق الاساسية المدرجة في القانون الدولي… . والبابا يوحنا بولس الثاني تكلم طوال اعوام العقوبات بلهجة شديدة علي وضع العراق … استصرخ ضمائر الذين يقدمون، في العراق وفي غير العراق، الاعتبارات السياسية او الاقتصادية او الاستراتيجية علي خير الشعب، واطالبهم بأن يبدوا رحمة؛ اذ لا يجوز ان يدفع الضعفاء والابرياء ثمن اخطاء ليسوا مسؤولين عنها .ولاحظ اسقف كانتربري، الدكتور جورج كيري، وهو من اشد المنتقدين لسياسة العقوبات الدولية علي العراق: مضي احد عشر عاما من العقوبات، ولا شك في انها تمعن تمزيقا؛ ومن سوء الحظ تمزق من لا يستحق التمزيق… العراقيين العاديين .لجنة التعويضات السريةلا يبعد المقر الرئيسي للامم المتحدة في اوروبا عن بحيرة جنيف كثيرا. فقد شغلت الامم المتحدة مباني عصبة الامم في سنة 1946. وتوسعت تدريجيا في بقعة نقية اعارتها مدينة جنيف الي عصبة الامم في البداية ولاحقا الي الامم المتحدة. يضم الجناح الشمالي الشرقي المقر الرئيي للاونكتاد (مؤتمر الامم المتحدة للتجارة والتنمية)، وهي هيئة الامم المتحدة التي تتعامل مع مشكلات التجارة والتنمية في البلدان ذات الدخل المتدني، ولجنة الامم المتحدة الاقتصادية لاوروبا ومعظم قاعات المؤتمرات الكبري التي يتداول فيها 191 بلدا عضوا في الامم المتحدة مشكلات العالم سنة اثر سنة.وهنا ايضا تجتمع لجنة الامم المتحدة لحقوق الانسان في اذار (مارس) من كل عام، وتتلقي منذ سنة 1991 تقارير المقرر الخاص للامم المتحدة عن وضع حقوق الانسان الفظيع في العراق واشارات الوفود والمنظمات غير الحكومية عن تدهور الاوضاع فيه بسبب العقوبات الاقتصادية.من المرجح ان تشاهد الوفود التي تنظر من النوافذ المقابلة للبحيرة اشجار الارز المعمرة، والمروج الخضر الجميلة، والبحيرة الرائعة في البعيد، وفي الايام الصافية تلوح الخطوط الكفافية للقمة البيضاء. وربما انتاب الفضول القليل بشأن فيلا احد النبلاء من القرن التاسع عشر، استخدمت فيلا لا بيلوز كما يدعوها المواطنون، في عدد من المناسبات الخاصة. فقد كانت لعدة سنوات المقر الرسمي للامين العام لعصبة الامم. وتعرفت اليها في اواخر ثمانينات القرن العشرين، عندما استضافت البرنامج الانساني لافغانستان. ومنذ اوائل التسعينيات تشغلها احدي اقل جهات الامم المتحدة شهرة واكثرها سرية، والتي لديها موازنات اكبر من موازنات معظم هيئات الامم المتحدة. هنا تقع سكرتارية لجنة الامم المتحدة للتعويضات، وهي الهيئة التي لا تحظي بتغطية اعلامية واسعة وتتعامل مع مطالبات الافراد والشركات والحكومات التي تسعي الي الحصول علي تعويضات عن الخسائر التي تزعم انها تكبدتها نتيجة الغزو العراقي للكويت في سنة 1990.انشئت لجنة الامم المتحدة للتعويضات من العراق في ايار (مايو) 1991 كهيئة فرعية تابعة لمجلس الامن الدولي. وقد حدث ذلك بعد بضعة اشهر علي قيام قوي الائتلاف بقيادة الولايات المتحدة الامريكية بطرد قوات صدام حسين من الكويت.جرت المطالبة بالتعويضات بعد غزو العراق للكويت بوقت قصير. فقد طلب العمال الاجانب في العراق والكويت علي السواء الذين اجبروا علي مغادرة المنطقة اثناء الغزو في اب (اغسطس) 1990 ومرة ثانية اثناء حرب الخليج الاولي بالحصول علي تعويضات، وكذلك فعلت الشركات والمشاريع الحكومية، ولا سيما في الكويت.اوردت حكومتا الولايات المتحدة والمملكة المتحدة مرارا وتكرارا علي مر السنين رفض العراق قبول عرض مجلس الامن الدولي برنامج النفط مقابل الغذاء في سنة 1991 كدليل علي ان حكومة صدام حسين لا تهتم لامر شعبها. ولم تذكر الحكومتان ان السبب الرئيسي لهذا الرفض يتعلق بادخال احكام لالية التعويض علي نمط لجنة الامم المتحدة للتعويضات.شكل انطلاق برنامج النفط مقابل الغذاء في كانون الاول (ديسمبر) 1996 بداية المدفوعات في صندوق التعويضات الذي تديره لجنة الامم المتحدة للتعويضات. في البداية، وبناء علي تصويت الأمين العام للامم المتحدة، كان 30 بالمئة من كل دولار نفطي يجنيه العراق يحول الي حسابات لجنة الامم المتحدة للتعويضات. وقد خفضت النسبة اعتبارا من كانون الاول (ديسمبر) 1999 الي 25 بالمئة خلال المرحلة الثالثة عشرة في سنة 2003. وفي اعقاب الحرب في اذار (مارس) 2003، خفضها رفع العقوبات في ايار (مايو) التالي الي 5 بالمئة. ومن بين البلدان الاربعة عشر التي فرض عليها مجلس الامن الدولي عقوبات بين 1945 و2004، يبرز العراق كحالة فريدة. فلم يتعرض اي بلد اخر الي عقوبات اقتصادية شاملة ذات نطاق او مدة مماثلين. فقد ربطت العقوبات الاقتصادية بنزع الاسلحة وفرض حظر عسكري.6.2 مليون طلبتلقت لجنة الأمم المتحدة للتعويضات منذ انشائها في سنة 1991 اكثر من 2.6 مليون (!) مطالبة تبلغ قيمتها الاجمالية 348 مليار دولار. وفي اواسط سنة 2004، انهت اللجنة 2.604 مليون مطالبة ومنحت 48.2 مليار دولار ودفعت الي المطالبين 18.4 مليار دولار. وقد صنفت اللجنة هذه المطالبات في ست فئات. (أ) و(ب) وَج) و(د) لمطالبات الافراد، و(هـ) للشركات (الخاصة والعامة) و(و) للحكومات.قررت اللجنة تسهيل مطالبات الافراد (الفئات أ، ب، ج) لأن معظم المطالبين من العمال الاجانب في العراق والكويت من البلدان المتدنية الدخل، ولا سيما آسيا وافريقيا والشرق الاوسط. وكانت تكفي نسخة عن جواز السفر تظهر تاريخ مغادرة العراق او الكويت، او ارومة تذكرة السفر وبيانا من الفرد الذي تكبد خسارة او اصابة شخصية، او شهادة وفاة فرد من افراد العائلة، لمعالجة هذه المطالبات ودفع التعويضات من عائدات النفط العراقي.تم اقرار المطالبات بين 2500 و10000 دولار المقدمة من قبل افراد او اسر في الفئتين (أ) و(ب) ودفعها حيث بلغ مجموعها 3.2 مليار دولار. وقد جمع الأفراد الذين يطالبون بتعويضات تصل الي 100000 دولار عن اضرار مثل الاصابة الشخصية والألم النفسي والكرب، وفقد الحسابات المصرفية، والأسهم، والدخل والعمل في الفئة (ج). وقد منح 634376 مطالباً مبلغ 5.01 مليار دولار حتي اواسط سنة 2004. وصنف الذين يطالبون بتعويضات تزيد علي 100000 دولار عن خسائر مماثلة كأفراد في فئة المطالبين (د). وقد منح مبلغ 2.1 مليار دولار لـ8717 طلبا في هذه الفئة وتم دفعه. وصنفت مطالبات الشركات في الفئة (هـ). وتسلمت لجنة الامم المتحدة للتعويضات 3842 مطالبة من الفئة (هـ) ومنحت ما مجموعه 26.22 مليار دولار، منها 3.4 مليار دولار للشركات الكويتية خارج القطاع النفطي و18 مليار دولار لشركات النفط الكويتية.تسلمت اللجنة 255 مطالبة من الفئة (و)، وتقدمت بها 43 حكومة و6 منظمات دولية للحصول علي تعويضات يبلغ مجموعها 150 مليار دولار. وكان نوع الخسائر في هذه المطالبات تلك المتعلقة بمغادرة الافراد واخلائهم والاضرار اللاحقة بممتلكات الحكومات والمنظمات الدولية مثل السفارات والمباني الحكومية. وخصص لفئة ثانوية خاصة 63 مطالبة يبلغ مجموعها 113.8 مليار دولار تقدمت بها حكومة الكويت. وقد حلت اللجنة معظم هذه المطالبات ومنحت 8.8 مليار دولار ذهب منها 8.2 مليار دولار الي حكومة الكويت. بالاضافة الي ذلك، تسلمت اللجنة 167 مطالبة للحصول علي ما مجموعه 81 مليار دولار تقريبا عن الاضرار اللاحقة بالبيئة واستنزاف الموارد الطبيعية في منطقة الخليج. وفي منتصف سنة 2004 حلت اللجنة 140 مطالبة في هذه الفئة ومنحت 2.3 مليار دولار.وليس من المفاجئ ان يكون الكويت المتلقي الرئيسي للتعويضات المدفوعة من عائدات النفط العراقي من بين 100 حكومة تقدمت بمطالبات في أي من الفئات (أ) ـ (و). وتم إقرار تعويضات مقدارها 34.7 مليار دولار بحلول سنة 2004، دفع منها 9.2 مليار دولار بالفعل لحكومة الكويت.وتكشف صورة استعراض التعويضات عن عدد من التحديات الملموسة للجنة الأمم المتحدة للتعويضات. أولا، كان هناك عدد هائل من المطالبات وصل الي 2.6 مليون مطالبة. وتحديد صلاحية مثل هذا الحجم من المطالبات مهمة عسيرة علي لجنة الامم المتحدة للتعويضات. وكان حجم الخسائر المزعومة المقدمة هائلا. كما كان يجب ان يؤخذ بالحسبان سياق العقوبات الأوسع الذي توزع من خلاله اموال التعويضات.تبرز الأمثلة الأربعة التالية مقدار الصعوبة التي واجهتها لجنة الامم المتحدة للتعويضات لكي تكون عادلة ومقدار الإغراء الذي تعرضت له لتكون سياسية:الاردن وعيوب في التقديراتالمثال 1: قدمت الحكومة الاردنية 20 مطالبة بالتعويض لصالح مختلف الوزارات والمكاتب الحكومية. المطالبات المتعلقة بتأمين الاغاثة الطارئة لنحو 865 أالفاً من غير الاردنيين الذين هربوا من الكويت والعراق اثناء حرب الخليج سنة 1991 والذين كانوا يعبرون الاردن في ذلك الوقت الي بلدانهم. طالبت الحكومة الاردنية بتعويض التكاليف بمبلغ 8.1 مليار دولار. لكن هيئة المفوضين في لجنة الامم المتحدة للتعويضات التي راجعت الوثائق المقدمة قضت ان التكاليف تقل عن 1 بالمئة (!) من المبلغ المطالب به ولذلك منحت 72 مليون دولار فقط.في سنة 2001، اكتشفت مكتب الامم المتحدة لخدمات المراقبة والخدمات الداخلية في نيويورك، وهو المسؤول عن اعمال التدقيق الداخلية بما في ذلك حسابات لجنة الامم المتحدة للتعويضات، عيوبا في تقدير الاردن لاعداد المخيم والخدمات الصحية وخلص الي ان التكاليف بالمقدرة بنحو 43.2 مليون دولار لم تقيم بصورة صحيحة. كان ما نقلته لجنة الامم المتحدة للتعويضات ومكتب الامم المتحدة للاشراف والمراقبة الداخلية بلغة مهذبة، لكي لا تسيء الي حكومة ما، رسالة واضحة: لقد طالبت بمبلغ 8.1 مليار دولار من الايرادات العراقية تعويضا عن التكاليف التي تكبدتها، ورأي مكتب الامم المتحدة لخدمات الاشراف والمراقبة الداخلية ان مبلغ التعويض المعقول يجب ألا يزيد علي 28 مليون دولار او 0.3 بالمئة من المطالبة الاصلية. وطلب مكتب الامم المتحدة لخدمات الاشراف والمراقبة الداخلية في نيويورك من لجنة الامم المتحدة للتعويضات في جنيف باتخاذ الاجراءات المناسبة لخفض المطالبة الي 28 مليون دولار. وقد رفضت اللجنة ذلك، وذكرت ان قراراتها نهائية ولا يحق لمكتب الامم المتحدة لخدمات الاشراف والمراقبة الداخلية فرض نتائجه علي اللجنة. ودفع مبلغ 72 مليون دولار الي الحكومة الاردنية.المثال 2: قدمت الحكومة الكويتية مطالبة لصالح اللجنة الوطنية لاسري الحرب والمفقودين اثناء الحرب. وبلغ التعويض الذي سعت الي الحصول عليه 111.5 مليون دولار تعويضا لحكومة الكويت عن المبالغ التي دفعتها كرواتب للمفقودين الكويتيين والمبالغ المدفوعة لاعالة اسرهم. وبدلا من ان توافق لجنة الامم المتحدة للتعويضات علي دفع مبلغ 111.5 مليون دولار، قررت ان تدفع 177.1 مليون دولار اي بزيادة 66 مليون دولار عن مبلغ التعويض الذي كانت تتوقعه حكومة الكويت.المثال 3: منحت لجنة الامم المتحدة للتعويضات مبلغ 324358 دولارا الي مطالبة قدمتها الحكومة الاسرائيلية لصالح شركة سياحية تمتلكها اربعة كيبوتزات. وكانت هذه المستوطنات التي تتعاطي الاعمال السياحية مقامة في مرتفعات الجولان (الحمة)، وهي الارض السورية التي احتلتها اسرائيل منذ سنة 1967.وافقت لجنة الامم المتحدة للتعويضات علي هذه المطالبة وتم دفع المبلغ. اعترضت سورية وطالبت بأن يعاد المبلغ الي صندوق تعويضات الامم المتحدة. كما ان الحكومة السورية اشارت الي سلسلة من قرارات مجلس الامن الدولي المتعلقة بالاراضي السورية المحتلة. وافقت لجنة الامم المتحدة للتعويضات علي طلب مشورة مكتب الامم المتحدة للشؤون القانونية. ذكر مكتب الشؤون القانونية اعلانات مجلس الامن السابقة التي تعتبر اقامة مستوطنات لدولة اجنبية في سورية يشكل انتهاكا لاتفاقية جنيف الرابعة وانه يجب تفكيك المستوطنات القائمة. كما اكد مكتب الشؤون القانونية بأن لجنة الامم المتحدة للتعويضات، باعتبارها هيئة تابعة لمجلس الامن الدولي، يجب ألا تساهم في انشاء مثل هذه المستوطنات او صيانتها. ومثلما اهملت لجنة الامم المتحدة للتعويضات نصيحة مكتب الامم المتحدة للمراقبة الداخلية في نيويورك بخفض المطالبة الاردنية (انظر المثال 1)، اهملت اللجنة ايضا هذه النصيحة القانونية ورفضت اعادة النظر في هذه المطالبة رغم التأكيد بأن اللجنة تنتهك القانون الدولي بهذه المكافأة.المثال 4: بعد وقف اطلاق النار في حرب الخليج، علي الفور، استجابت استراليا وكندا والمانيا وهولندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة لمناشدات الكويت وبلدان الخليج الاخري للمساعدة في جهود تنظيف وتأهيل البيئة التي تأثرت بالنفط المتسرب وحرائق النفط الناتجة من الحرب والتخريب.عقب انشاء لجنة الامم المتحدة للتعويضات، قدمت هذه البلدان مطالبات في سنة 1995 و1996 بتعويضات تبلغ نحو 45 مليون دولار. سعت استراليا الي الحصول علي تعويضات عن تكاليف اختصاصي بالتسربات النفطية. وكانت كندا تسعي الي الحصول علي تعويض لصالح فريق من الخبراء في مجال اعادة التأهيل بعد تسرب النفط. وارادت المانيا تعويضا عن خفض الاخطار التي تعرض لها السكان والبيئة والملاحة بسبب التلوث النفطي. وطلبت هولندا تكاليف التأهيل التي تشتمل علي زورقي لمكافحة الحريق الطاريء وخدمات الانقاذ في سنة 1991 .وسعت المملكة المتحدة الي الحصول علي تعويض عن النفقات المشتملة علي شراء زورقي كشط النفط ونقلهما وجزء من مسهامتها في المنظمة البحرية الدولية التي استخدمت في عمليات تنظيف الخليج ومساهمة المملكة المتحدة في المجلس الدولي للحفاظ علي الطيور من اجل دراسة تأثير التسرب النفطي علي الطيور المتواجدة في الخليج. وقدمت الولايات المتحدة تسعة مطالبات تبلغ قيمتها 9.1 مليون دولار مقابل نفقات الفنيين الذين سافروا الي المنطقة، والمشاركة في الاجتماعات المتعلقة بالعراق في الولايات المتحدة واوروبا، وجمع البيانات عن نوعية الهواء في المنطقة وتحليلها واجراء دراسة تقييمية للمخاطر الصحية علي العسكريين بتعرضهم للانبعاثات الصادرة عن الحرائق النفطية في الكويت.منذ ان اخذت لجنة الامم المتحدة للتعويضات تعمل بطاقتها الكاملة في كانون الاول (ديسمبر) 1996 في وقت متزامن مع بدء برنامج النفط مقابل الغذاء، الي ان بدأت الحرب الامريكية البريطانية ضد العراق في سنة 2003، نادرا ما اتي مجلس الامن الدولي علي ذكر عمل اللجنة. لقد كانت لجنة الامم المتحدة للتعويضات محاطة بالسرية. ونادرا ما كانت تصدر وثائق عامة، باستثناء النشرات الصحافية الدورية..كانت النشرات الصحافية تحدد المدفوعات الاجمالية التي قدمت الي المطالبين في ست فئات، وكشفت الجداول عن البلدان المتلقية. لكن لم يكشف النقاب عن تفاصيل هذه المدفوعات بالضبط. وتشير الامثلة المقدمة اعلاه الي سبب حجب مثل هذه المعلومات، فلو عرف الرأي العام والحكومات غير الممثلة في اللجنة بتفاصيل المطالبات مثل تلك المجملة اعلاه لاحتدم الغضب بشأن مضمون المدفوعات وتوقيتها، ولبذلت الجهود لابطال العديد من المطالبات، وتجميد مدفوعات اخري، وتغيير صيغة 30 بالمئة في وقت مبكر الي ان تتحسن الظروف الانسانية في العراق.لقد حال الصمت المطبق للجنة الامم المتحدة للتعويضات ومجلس الامن الذي منحها سلطة مطلقة دون اجراء هذا النوع من التحليل الذي كان يمكن ان يسلط الضوء علي هذا المكون من مكونات آلية العقوبات المفروضة علي العراق.يثير ذلك مجموعة واسعة من الاسئلة الاساسية: لماذا اختط مجلس الامن الدولي في حالة العراق سابقة لطرق جديدة في التعامل مع التعويضات الدولية في سياق عقوبات اقتصادية شاملة؟ لماذا بنيت عملية المطالبات بالشكل الذي بنيت عليه دون توفير دفاع قانوني للدولة المتهمة؟ لماذا لم تترك التعويضات لتحل في مفاوضـات ثنائية؟ لماذا نفذت مدفوعات المطالبات للشركات والحكومات في وقت كان الشعب العراقي الذي يكابد المعاناة بأمس الحاجة الي الاموال؟ ولماذا لم يمارس مجلس الامن الدولي مهمته الرقابية مثلما فعل في حالة برنامج النفط مقابل الغذاء؟ لماذا لم تعترض الحكومات الفردية الممثلة في مجلس الامن الدولي ولجنة الامم المتحدة للتعويضات وترفع اعتراضاتها الي الرأي العام؟ ولماذا لم يعمد الامينان العامان للامم المتحدة بطرس بطرس غالي وكوفي عنان اللذان اقرا بعدم دقة توقع سلفهما دي كويار المتعلق بالدخل الوطني العراقي، الي المراجعة الفورية لمستوي مدفوعات التعويضات؟ ولماذا قررت الامانة العامة للامم المتحدة، المطلعة علي كل تفاصيل التعويضات، البقاء صامتة؟كان يجب بحث هذه الاسئلة والاجابة عنها في مجلس الامن الدولي. ويتحمل الامين العام للامم المتحدة مسؤولية الضغط للحصول علي هذه الاجابات باسم حماية الشعب العراقي، اذا لم يكن لأي سبب آخر.ستكون الاجابات عن هذه الاسئلة ضرورية لتحديد دور مجلس الامن مقابل محكمة العدل الدولية في برنامج التعويضات في المستقبل. ويجب ايجاد طرق لمنع تحكم بلدان منفردة اعضاء في مجلس الامن الدولي بتحديد السياسة المستقبلية. ومثلما يوجد الان اقرار بالحاجة الي عقوبات ذكية يجب ان يكون هناك استدلال علي وجود تعويضات ذكية .7