حين أسس الخوارزمي علم الجبر، وحوّل الصفر إلى الرقم الذي لا يستقيم علم الرياضيات من دونه، لم يدُر في خلد هذا العالِم العربي- الفارسي، أن صفره سيتحول في يوم من الأيام إلى رمز لأمة وشعوب قررت أن تكون صفراً له مكان واحد هو على شمال مصالحها وكرامتها، يستولي عليه الطامحون بها، ويضعونه على يمين مكتسباتهم.
يستطيع العرب التباهي بأن كلمة صفر، التي استنبطها أجدادهم، دخلت بعد تأسيس الأندلس إلى جميع اللغات الأوروبية، فقام الإيطاليون بتحويرها إلى «زفيروم» (Zephyrum) التي ستصير «زفــيرو» (Zefiro) ثم «زيرو» (Zero).
لكن تباهي الجاهل صار مدعاة للسخرية، مثلما حصل مع وزير خارجية الإمارات في حفل التوقيع المهين على وثائق «التتبيع» في حديقة البيت الأبيض، عندما تباهى الشيخ ـ الوزير بصعود مسبار من بلاده إلى المريخ!
المشرق العربي خضع لعملية تصفير متدحرجة وصلت إلى ذروتيها في انفجار بيروت الذي تزامن مع حفلة البيت الأبيض. انفجار بيروت أعلن الموت الزاحف، واحتفال البيت الأبيض حوّل المأساة إلى مسخرة.
استخدمت كلمة خضع بدلاً من اللجوء إلى الكلمة السهلة أُخضع. لم يعد يحقّ لأي عربي أن يتبرأ مما جرى ويجري، ملقياً اللوم على القوى الاستعمارية أو على إسرائيل. لقد جاء الوقت الذي يجبرنا على رؤية الحاضر كما هو، وعلى تسمية الأشياء بمسمياتها. فتصفير العرب كان حصاد عقود الاستبداد والبترو-دولار والأصوليات والبنى العشائرية والطائفية، التي حولت بلادنا إلى سجون، وشلت مجتمعاتنا، بحيث لم يبق من كلمة دولة سوى معناها القاموسي الذي أعاد الكلمة إلى جذرها في الفعل الماضي الثلاثي: دالَ أي زالَ.
أبشروا أيها العرب، فلقد انتصر القاموس على التاريخ، ذهبتم إلى آخر المعاني، فبدلاً من أن تؤسسوا دولاً أسستم زوال الدول، وها هم حكامكم يتنعمون بالزوال، ويبنون عروشهم وسلطتهم على الانهيار.
لا تقولوا إن بيروت قُتلت ودخلت في مدار الصفر بسبب التدخلات الخارجية والتداخلات الإقليمية. القوى الخارجية الفعلية هي عصابات الطوائف ولصوصها، إنهم خارج الداخل. كيف نفسر أنهم أضاعوا انتصاراً لا سابق له في الصراع العربي الإسرائيلي عندما أجبرت المقاومة الإسرائيليين على الانسحاب بلا قيد ولا شرط عام 2000 مثلما أضاعوا حدثاً لم يكن تخيله ممكناً، وهو إجبار جيش المستبد السوري على الانسحاب عام 2005.
ضاع الانتصاران لأن القوى السياسية المهيمنة، أي البنية الطائفية، لا تستطيع أن تحكم إلا بصفتها جزءاً من الخارج، فتم بيع الانتصارين للشيطان، أي للصراع الوحشي في الخليج بين إيران والسعودية.
ما يُسمى بالديمقراطية اللبنانية يهيمن عليها ويقودها طائفيون تطوعوا كعملاء عند المستبدين. فلا عجب أن تنتهي الديمقراطية التوافقية إلى استبداد وحفلة نهب، تقاسم فيها اللصوص كل ثيابنا وتركونا عراة في مواجهة نترات الأمونيوم التي فجروها بنا كي يقوموا بمحو جرائمهم بجريمة لا سابق لها.
لا تقولوا إن تصفير سورية هو نتاج مؤامرة كونية، فالتصفير السوري بدأ مع حافظ الأسد الذي سحق المجتمع وجعل من عتمة سجن تدمر بديلاً لبهاء دمشق، وانتهى مع بشار الذي تناوب مع أعدائه الخليجيين على سحق سورية. أنظمة الكاز والغاز تقاطعت مصلحتها في تدمير سورية بمصلحة النظام في حكم الشام بعد إحراق غوطتها.
لا تقولوا إن تصفير فلسطين هو نتيجة السياسة الإسرائيلية. إذا كانت السلطتان المتسلطتان في غزة ورام الله تعرفان أن إسرائيل تريد إبادة فلسطين وابتلاع ما تبقى من أرضها، وتحويل شعبها إلى عبيد ومدنها وقراها إلى غيتوات، فما معنى عار الانقسام؟ ولماذا خاضوا في وحول سياسات الاستسلام والمحاور؟ ولماذا بنوا بيتاً كرتوناً يسمى اقتصاداً نيوليبرالياً، وهو ليس أكثر من كناية للتبعية والشحادة، التي تسهّل رشوة الطبقات الوسطى، وتفتح الباب واسعاً أمام النهب.
سياسة الخنوع سمحت للذئب بأن يكشّر عن أنيابه، ويضم القدس، ويعلن قراره بضم الغور. أما سياسة اللعب على حبال المحاور الإقليمية فقد حولت غزة إلى ورقة خليجية، وقد تدفع بكل فلسطين للتحول إلى ساحة لا وزن لشعبها، لأن عليه أن يصير شعباً لا مرئياً.
أما أبطال «صفقة أبراهام» فلا يثيرون سوى السخرية. كيف يصنع سلاماً مع إسرائيل من لم يحاربها يوماً؟
هناك بلا شك عبقري أبله ذهب إلى التوراة كي يتلاعب بالأسطورة، محولاً الفعل التتبيعي الشنيع إلى استعارة لمصالحة مزعومة بين إسماعيل وإسحق. من قال لهم إن إسماعيل كان على خلاف مع إسحق؟ فإذا كان إسماعيل عاتباً فهو عاتب على أبيه الذي رماه في عطش الصحراء، وإذا كان إسحق غاضباً فسيكون غاضباً من أبيه الذي أراد ذبحه.
لعبة أولاد إبراهيم لا تستقيم، فإذا كان من سلام فهو ذاك الذي كان عليه أن يجري في مدينة خليل الرحمن، أي في الخليل الذي يستبيحها المستوطنون الصهاينة بالكراهية والحقد والأسلاك الشائكة.
في مدينة إبراهيم الخليل يستأسد المحتل ويبث الكراهية العنصرية، أما في واشنطن فلم يجد حكام الخليج العائدون من المريخ مبرراً لفعلتهم سوى في تبني الحكاية التوراتية.
ألم يسمع الوزيران الخليجيان دونالد ترامب معلناً أن الحجاج المسلمين من الإمارات والبحرين سيكون مرحباً بهم في المسجد الأقصى في إسرائيل. شدد الخواجة الأمريكي على حروف كلمة إسرائيل كي يؤكد المؤكد. لكن أصحاب المعالي أداروا آذانهم الصماء وابتلعوا الكلمة وترجموها على اعتبار أن إسرائيل هو الاسم الجديد لإسحق، الذي أطلقه عليه الله في التوراة، وبذلك اندرج الخطاب الترامبي داخل التأويل الأسطوري للتتبيع.
لم يأت هذا التتبيع فجأة، إنه قمة مسار محميات ولدت في حضن الاستعمار البريطاني، ثم مع اكتشافها للحضن الأمريكي فهمت أن باب هذا الحضن هو إسرائيل، فذهبت إلى وكر الذئب تحتمي به.
نستطيع أن نتابع رحلتنا في مجاهل المشرق العربي من عراق صدام حسين إلى ليبيا «ملك إفريقيا» معمر القذافي، ومن منشار ابن سلمان إلى سجون السيسي الذي باع تيران إلى إسرائيل من خلال ابن سلمان.
من إلى… وصولاً إلى المال النفطي الذي يشتري المثقفين بآلاف الدولارات تمهيداً لبيعهم بالملاليم.
وصل تصفير العرب إلى نهاية اللعبة، لكن الخوارزمي له رأي آخر، فهو سيقول لنا أن نقل الصفر من اليسار إلى اليمين مسألة بسيطة لا تحتاج إلا إلى إرادة من يُحسن استخدام جدول الضرب.
المسألة تكمن في استعادة جدول الضرب، وهي مسار طويل ومؤلم، علينا أن ننتظره بصبر، ونعدّ له الأدوات الفكرية والثقافية والسياسية الملائمة.
كأنها لعبة تبادل لمواقع اليأس بين الشعوب والحكام، إذ كلٌّ يلقي اللوم على الآخر، فيما الزمن العربي يتكلس أمام النيران الزاحفة التي أكلت المدن وحتى الطبيعة. فانفجار بيروت تقويم جديد يقول للعرب انهم أمام المفترق: البعث أو الاندثار!
خوارزم ليست فارسية! بل سلجوقية!! ولا حول ولا قوة الا بالله
هل أنت متأكد من معلوماتك (التاريخية) يا سي داود ؟؟
وما هو دليلك العلمي بأن خوارزم سلجوقية، كما تزعم ٥؟؟
خوارزم هي واحة كبيرة تقع على دلتا نهر جيحون في غرب آسيا الوسطى، يحدها في الشمال بحر الآرال وفي الشرق صحراء قيزيل وفي الجنوب بصحراء قره قوم وفي الشرق بهضبة استجورت. اليوم خوارزم أجزاؤها تنتمي إلى أوزبكستان وكازاخستان وتركمانستان. ويكيبيديا
وهل هذا حقا هو دليلك العلمي بأن خوارزم سلجوقية، كما تزعم ؟؟
راجع، على الأقل هنا، أصل النص الإنكليزي وتأكد من ذلك بنفسك جيدا،
إن لم يكن لديك أية “مراجع علمية” سوى النسخ واللصق من الشيخة ويكيبيديا !!
هذا هو المهم؟؟
/لم يأت هذا التتبيع فجأة، إنه قمة مسار محميات ولدت في حضن الاستعمار البريطاني، ثم مع اكتشافها للحضن الأمريكي فهمت أن باب هذا الحضن هو إسرائيل، فذهبت إلى وكر الذئب تحتمي به/…
أخي إلياس، كما كتبتُ تعقيبا على افتتاحية القدس العربي قبل أيام «خطط أمريكية إسرائيلية إماراتية لفلسطين ورئيسها!» (17 أيلول/سبتمبر 2020):
مغفل كل من يظن، أو مغفلة كل من تظن، أن إعلان الإمارات والبحرين التطبيعَ (أو «التتبيع»، بعبارتك، وكم أعجبني هذا البديل التصحيفي الصوتي) مع إسرائيل جاء بمحض إرادة كل من هتين الدويلتين الخليجيتين الخدميتين، كما يُفهم بجلاء من عبارة التصريح في الافتتاحية المذكورة أعلاه… مسألة تلقين الأوامر السرية وحتى العلنية لأزلام حكومة كل منهما من قبل بريطانيا (صانعةِ هذه الدويلات الخليجية الخدمية، في الأصل)، ومن بعدها أمريكا (الابنةِ “التاريخية الوفية” للإمبراطورية البريطانية، في الأساس)، لمسألةٌ قديمة عمرها أكثر من خمسين عاما… إلا أنها لم تبدأ بالتبلور التدريجي (الرُّوَيْدِي) حقيقةً إلا في أعقاب مهزلة اتفاقية أوسلو الغنية عن التعريف بانهزامية وتخاذلية القيادة الفلسطينية حينذاك… !!!
وبمناسبة تذكيرك بعملية شَلِّ «مجتمعاتنا [العربية]، بحيث لم يبق من كلمة دولة سوى معناها القاموسي الذي أعاد الكلمة إلى جذرها في الفعل الماضي الثلاثي: دالَ أي زالَ»، فإن الأمر لا يتعلق هنا بزوال كينونة «الدولة» وحسب، بل يتعلق كذلك، والأسوأ من ذلك كله، بزوال كينونة «الأمة» في التدليل الأوسع… فمن معاني كلمة «أمة» هذه، في التمثيل القاموسي أيضا، إنما هو «الزوال» في حد ذاته، كما جاء في الآية الكريمة «وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ» (يوسف: 45)… أي، بعد الواو العاطفة الأخيرة، «وَتَذَكَرَ بَعْدَ حِينٍ»: وما هو تدليل الـ«حِينِ»، في هذه القرينة بالذات، سوى تدليل الـ«الزوالِ» بذاته… ؟؟؟
كلام ثاقب ومنور وفي الصميم أخ ثائر المقدسي كما عودتنا دائما،
تحيتي ومودتي
العرب في شبه الجزيره العربيه ،يكرمون الخوارزمي (محول الصفر إلى رقم)بوضع الصفر فوق رؤوسهم ???
كلنا يعرف ان العرب اصبحوا رقم ( واحد) في بداية الدعوة الإسلامية والخلفاء الراشدين ولَم يستمر هذا ( الواحد) طويلاً حتى تراجعوا
شكرًا أخي الياس خوري. يحزنني ويؤسفني كثيرًا بعض المثقفين او عذرًا اللامثقفين! الذين يشتريهم ويشتري عقولهم مال النفط ويتم بيعهم برخص بالمال الخليجي والبترودولار!
أولاً تصحيح، إسماعيل من كان يود إبراهيم عليه السلام التضحية به وليس إسحق، فعندما تمت ذلك لم يكن إسحق قد ولد بعد