تدحّرج الصوت نقيّاً من الحنجرة، تدحّرج مهرولاً خالياً من الشوائب ليتحرّر من الشفتين، مخنوقاً بعد أن يركله اللسان الأخرس خارجاً إلى حيث الأصوات المخنوقة تنتظره، تصافحت الأصوات المجتمعة بعد أن تعانقت وهي تنتظر دورها لتُسجن مجدداً في صناديق الاقتراع طوعاً، كلّ صوتٍ مخنوق تحرّر على عجل ليُعتقل على عجل أيضاً، كلّ صوتٍ مخنوق هو رهان خاسر من ناخبٍ خاسر لمُرشّح لا بديل عنه جالس على كرسيّ الأبدية، تدفقت الأصوات إلى صندوق الاعتقال حقيقةً – صندوق الاقتراع مجازاً حيث كلّ صوت يُزاحم شقيقه الصوت في الدخول أولاً، ليُعانق حتفه المنتظر في ثوب الاختناق، رُتبت الأصوات على عجل بعد فرزٍ لا داعٍ له، كلّ صوت مخنوق يقود موافقته مخنوقةً نَعَم نَعَم نَعَم نَعَم نَعَم … إلى قوائم امتلأت بحرفٍ واحدٍ لا غير (نَعَم) لمرشحٍ واحدٍ لا غير، كل نَعَمٍ يعانق أخاه النَعَم المعتقل في القائمة التي لا تقبل نقيضه الـ(لا) وكيف لـ(لاءٍ) أن يصافح نقيضاً له في الإشارة؟ وكيف لصوتٍ مسموع أن ينغمس بين كلّ هذه الأصوات المخنوقة؟
كلّ صوتٍ مخنوق هو مواطن انتحر على عجل، وبقي حياً يجرّه انتحاره بحبل من القوانين اللامرئيّة، في أزقّةٍ لامرئيّة إلى حيث دستور مرئيّ على الورق لامرئيّ في الطرقات، سُنّن بدواةٍ لا مرئية على مقاسات زعماءٍ مرئيين، كلٌّ حسب مقاسه، وكأن هذا الدستور ثوبٌ بَرعَ الخياط في تفصيله وحياكته، كلّ ثوب مُحاك هو سجن لامرئيّ لشعبٍ حالمٍ، ما أن تحرك تاه في متاهات السجن إلى أن يصطدم بقضبانه اللامرئية. شعبٌ استنجد بنظريّةٍ اتخذت من شعار (الشعب يحكم نفسه بنفسه) فَرَضاً ما أن بحث الشعب في الطَلَب حتى خُدع في برهانها كأيّ مسألة رياضية غير قابلة للحل، كأيّ شعب خُدع في قيادة نفسه بنفسه، كلّ مواطن يقود الآخر في الخديعة حتى حسم الشعب أمره وتحايل على نفسه، في إشارةٍ منه على بسط الخديعة فراشاً والاسترخاء عليها، بكل ألمه غير المسموع، ونام دون أن يُنبّه الديك على أن يوقظه بصياحه، فنام الشعب بين أحلامه المُقيّدة في الليل، الذي خلع ثوبه الأسود وفَرَشَ به الطرقات، ما أن استيقظ الفجر حتى ارتدى الليل ما تبقى من سواده هارباً من عُريّه، مُتجهاً للغرب فتنبّه الديك من هروبه واستيقظ بدوره ليُصفّق لضيفه الفجر بجناحيه، دار الديك حول نفسه دورة غير مكتملة وكرّر التصفيق بجناحيه، وأخلى سبيل صياحه المُتكرّر فتبعثرت الصيحة في الفراغ، دون آذانٍ تحجز الصيحة، ودون شعب يُرحب بها فتواطأ الشعب مع الغَفَلة وبقي نائماً، عادت الصيحة أدراجها حرّةً دون قيد واحتجاز فطأطأ الديك رأسه خجلاً ونام بدوره.
كاتب سوري