مثلما يحدث في كل شهر أو شهرين، فقد أغلقت قنوات التلفزيون في الأيام الأخيرة بتنبؤات متفائلة جداً حول انعطافة متوقعة في المحادثات لوقف إطلاق النار في لبنان وقطاع غزة. في الخلفية أمل بأنباء جيدة أخيراً في قضية المخطوفين، ولكن الواقع أقل تشجيعاً وفرحاً.
المبعوثون في الحقيقة يجوبون أرجاء الشرق الأوسط ذهاباً وإياباً، والإدارة الأمريكية تبذل جهوداً أخيرة قبل الانتخابات للرئاسة بعد خمسة أيام، وإسرائيل تعقد مشاورات دراماتيكية ليلاً. ولكن رغم رأي لجهاز الأمن الحاسم لصالح عقد اتفاق حول الجبهتين، التي نشر عنها هنا أمس، فلا تحرك حقيقياً في الاتصالات غير المباشرة مع حماس حتى الآن. تبدو الاتصالات في قضية لبنان أفضل، لكن ما زال مطلوباً القيام بعمل كبير. إن حدوث تقدم قبل الانتخابات الأمريكية سيكون مفاجئاً بشكل إيجابي.
موقف الجيش الإسرائيلي المدعوم في معظمه من قبل أجهزة الأمن الأخرى، هو أن هناك حاجة حقيقية لعقد اتفاقات، وأن هناك نضوجاً متزايداً لذلك. إسرائيل حققت معظم إنجازاتها العسكرية التي أرادت تحقيقها في لبنان وقطاع غزة. وعليها الآن استباق ساعات موقوتة – في غزة إزاء الظروف القاسية التي يحتجز يتم فيها المخطوفون منذ 13 شهراً ويزداد الخطر على حياتهم. أما في لبنان فالشتاء قريب، وهو ما يصعب القتال. يحاول الجيش الإسرائيلي استكمال العمليات الأخيرة – أمس، تم تقديم طلبات إخلاء لعشرات آلاف السكان في البلدة الشيعية، بعلبك، في البقاع اللبناني قبل هجوم جوي ثقيل – لكن الجيش يفضل في الأساس إنهاء القتال قريباً، إذا أمكن التوصل إلى اتفاق.
أعلن حزب الله رسمياً عن تعيين الشيخ نعيم قاسم، نائب حسن نصر الله، أميناً عاماً للحزب. الرسائل التي يرسلها حزب الله للخارج تبدو صلبة وعنيفة. هذا أيضاً ما قاله نعيم قاسم في خطابه أمس قبل قطع البث، ربما بسبب هجوم سايبر. عملياً، نقدر إسرائيل وأمريكا بأن ما تبقى من قيادة حزب الله يفضلون العمل على إنهاء الحرب إزاء الخسائر والضربات التي تكبدوها.
هذا الأمر يعني وجود سيناريو متفائل للفصل بين الساحات للمرة الأولى؛ أي التوصل إلى وقف لإطلاق النار في لبنان، مع استمراره في غزة. ربما يمكن أيضاً حدوث مرونة ما في لبنان بخصوص طلبات إسرائيل، بإنشاء آلية تنفيذ ورقابة وثيقة وناجعة. ثمة وزن ثقيل لموقف إيران، ويبدو أنها تعمل على إنهاء الحرب، في الوقت الذي ما زالت تهدد فيه إسرائيل بالرد على هجوم سلاح الجو في 26 تشرين الأول الحالي.
نشرت الولايات المتحدة أن عاموس هوكشتاين، المبعوث الأمريكي الذي سيصل اليوم إلى المنطقة بهدف استئناف جهود الوساطة، قال إن “إيران بقيت بالفعل عارية”. وتطرق إلى نتائج الهجوم الذي شل كل منظومة دفاعاتها الجوية الاستراتيجية. سيضطر نظام طهران إلى الأخذ في الحسبان بأنه مكشوف لرد آخر من قبل إسرائيل؛ وأن استمرار الحرب في لبنان سيستدعي المزيد من الخسائر في أوساط المقاتلين وقدرات حزب الله.
رئيس الحكومة الانتقالية في لبنان نجيب ميقاتي، قال إنه يأمل “مع الحذر المطلوب” في التوصل إلى وقف لإطلاق النار مع إسرائيل في غضون “بضع ساعات أو بضعة أيام”. وحتى الآن، فإن التوصل إلى الاتفاق في الشمال سيكون معقداً بسبب بقاء عدد كبير من المسائل مفتوحاً، وكثرة الدول والتنظيمات المشاركة في الحل. في غزة، رغم إحياء جهود الوساطة الأمريكية والقطرية والمصرية، فإن الصورة أعقد. قرارات حماس تتخذ ببطء، ولكن رئيس الحكومة نتنياهو أو شركاءه في الحكومة من اليمين المتطرف لا يظهرون استعجالاً لعقد الصفقة رغم الخوف على سلامة المخطوفين.
غياب توزيع تحمل العبء
إطالة الحرب وخسائر الجيش الإسرائيلي الكبيرة في الشهر الأخير، تظهر لهيئة الأركان الحاجة إلى إنهاء الجبهتين. يتم التعبير عن هذه المشكلات المتواصلة في نقاشات صاخبة حول العبء الكبير على جنود الاحتياط وغياب المساواة في تحمل العبء، خصوصاً جهود الائتلاف لترتيب تشريع يعمل على شرعنة إعفاء الحريديم من الخدمة في الجيش لأجيال. المشاعر العامة حول ذلك تغيرت؛ فقد وجد شرخ ظاهر بين الحريديم والمتدينين القوميين، القطاع الذي تكبد خسائر كثيرة في القتال، أكثر من نسبته في عدد السكان.
وقال ضابط رفيع للصحيفة بأن “عبء الخدمة بارز في كل مكان. في أي زيارة في لبنان أو في غزة نلتقي مع جنود خدموا 200 – 300 يوم أو أكثر في الاحتياط منذ بداية الحرب”. أقوال الجنود المتدينين وزوجاتهم حول الخطر وتقاسم العبء موجهة الآن مباشرة إلى نتنياهو وشركائه في الحزبين القطاعيين، الوزير سموتريتش والوزير بن غفير. وزراء “الصهيونية الدينية”، الذين يرون في مواصلة فترة الحكومة أمراً حاسماً لتحقيق أهدافهم، يصدون الادعاءات لحرف الأنظار، مثل تركيزهم على أن الجيش الإسرائيلي سرح، بدون أي حاجة، عشرات آلاف جنود الاحتياط في سن مبكرة. هذا حدث وبحق، ولكن جهود الجيش لإعادتهم تحصل الآن على نجاح جزئي. وفي كل الحالات، الأرقام لا تقترب من عدد الشباب الحريديم، وهم شباب ومعافون، ولم يخدموا في حياتهم يوماً واحداً في الجيش أو في الخدمة المدنية.
نتنياهو يخشى على استقرار حكومته. سموتريتش يهاجمه ناخبوه، وهو يراوح في المكان في الاستطلاع تحت نسبة الحسم، ويبكي في جلسات قائمته بسبب العدد الكبير من القتلى في قطاعه. الجيش الإسرائيلي يقلق من مسائل أخرى؛ فنسبة الامتثال للخدمة في وحدات الاحتياط في لبنان وغزة أقل مما يعلن عنه. وثمة وحدات (بالأساس في قطاع غزة) تحتاج القادة فيها إلى ألاعيب مثيرة لتجنيد القوى العاملة المطلوبة. ما يدل على قلق الجيش هو الاستطلاع الذي أجراه قسم علوم السلوك، الذي نشر مؤخراً في أوساط رجال الاحتياط. من بين أسئلة الاستطلاع: ما حجم الدعم الذي حصلت عليه من عائلتك ومن مكان عملك عندما ذهبت إلى الخدمة في الاحتياط؟ هل ستمتثل للخدمة إذا طلب منك ذلك في القريب؟ وكم هو عدد أصدقائك في الوحدة سيصلون هم أيضاً في مثل هذه الحالة؟
في هذه الأثناء، يحاول الائتلاف إيجاد حلول غير مباشرة لأزمة التجنيد، إزاء طلب القوائم الحريدية لتسوية الإعفاء بشكل قانوني. الجيش الإسرائيلي الذي لا يعمل في هذا الشأن بدون توجيهات من وزير الدفاع يوآف غالنت، يتصرف الآن بخطوات محسوبة ومنضبطة جداً. حتى الآن، تم إصدار 3 آلاف أمر تجنيد لمجموعة سكانية فيها 60 ألف شاب حريدي في سن التجنيد. بضع عشرات فقط من بين الذين تم استدعاؤهم امتثلوا للأمر. وتم إصدار 700 أمر اعتقال للرافضين (لكن لا يوجد أي توجيه لتنفيذ هذه الأوامر). بعد ذلك، بدون حل الأزمة، استعد الجيش الإسرائيلي لإصدار 5 آلاف أمر تجنيد آخر للحريديم. لا يبدو هذا مساراً سيثمر نتائج بسرعة. ثمة فجوة كبيرة بين توقعات الجمهور في هذه المسألة، والواقع الذي لا يتجند فيه الحريديم. وكل ذلك في الوقت الذي تقول فيه هيئة الأركان إن هناك حاجة ملحة إلى آلاف الجنود.
عاموس هرئيل
هآرتس 31/10/2024