تقرير: أفريقيا تخسر المليارات بسبب السرديات النمطية لوسائل الإعلام الدولية

حجم الخط
1

نواكشوط ـ «القدس العربي»: أرقام مفجعة واستخلاصات غريبة، تؤكد تعرض أفريقيا لخسائر اقتصادية خطيرة تتحملها القارة وحدها بسبب تدفق وتداول السرديات الإعلامية النمطية السلبية التي تروجها وسائل الإعلام الدولية عن القارة السمراء.

ففي تقرير جديد أصدرته منظمة Africa No Filter بالتعاون مع شركة الاستشارات Africa Practiceفإن التغطية المنحازة التي تصور أفريقيا غالبًا كقارة متجانسة تعاني من مشكلات الفقر والعنف والفساد، تكلف دول القارة ما يسمى بـ«ضريبة التحيز» على خدمة الديون، والتي تصل إلى نحو 4.2 مليار دولار سنويًا. كشف التقرير، الذي صدر تحت عنوان «تكلفة الصور النمطية الإعلامية على أفريقيا: العلاقة بين الإعلام والاستثمار والتنمية الاقتصادية» عبر تحليل كمي ونوعي، عن العلاقة بين الصورة الإعلامية النمطية للقارة الأفريقية وزيادة تكاليف الاقتراض، «إذ تدفع الدول الأفريقية، وفقا للتقرير، معدلات فائدة مرتفعة بسبب هذه التغطية الإعلامية السلبية التي تساهم في رفع المخاطر الاقتصادية المرتبطة بأفريقيا».
واعتمد التقرير في نتائجه على دراسة مقارنة لتغطية الإعلام الدولي للأحداث الانتخابية في أربع دول أفريقية، هي كينيا، ونيجيريا، وجنوب أفريقيا، ومصر، مع مقارنتها مع تغطية دول غير أفريقية ذات مخاطر اقتصادية وسياسية مشابهة، مثل ماليزيا والدنمارك وتايلاند.
وقد أظهرت التحليلات التي توصل لها التقرير «أن النسبة الأكبر من التقارير الإعلامية حول الانتخابات الأفريقية جاءت سلبية، حيث بلغت نسبة التغطية السلبية في كينيا 88 في المئة، بينما كانت 48 في المئة فقط في ماليزيا».
ويتكرر هذا النمط في دول أخرى؛ وفقا للتقرير، فالتغطية الإعلامية للانتخابات المصرية بلغت نسبة السلبية فيها 66 في المئة، مقابل 32 في المئة فقط لتغطية الأحداث في تايلاند.
ويشير التقرير إلى «أن وسائل الإعلام الدولية تتوجه نحو التركيز على مشكلات العنف، والتزوير، والفساد أثناء تغطية الانتخابات الأفريقية، بينما تُغفِل التركيز على الاستقرار السياسي والإنجازات الديمقراطية والتطورات الإيجابية».
وأبرز التقرير «التأثير المالي الواضح للسرديات الإعلامية السلبية التي تؤدي إلى زيادة معدلات الفائدة على القروض؛ فكل زيادة في التغطية الإعلامية السلبية ترفع من شعور المستثمرين العالميين بالمخاطر الاقتصادية، ما يدفعهم لفرض شروط أكثر صرامة في تمويل المشاريع التنموية في القارة».
«ووفقًا للتقديرات، فإن تحسين الصورة الإعلامية بنسبة 10 في المئة يمكن أن يساهم في خفض معدلات الفائدة بنسبة 1 في المئة، ما يؤدي إلى توفير مبالغ ضخمة يمكن توجيهها نحو مشاريع تنموية داخل الدول الأفريقية».
وتوقع التقرير أن يوفر خفض معدلات الفائدة الناتج عن تحسين الصورة الإعلامية للدول الأفريقية ما يصل إلى 0.14 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي سنويًا؛ مؤكدا أنه بالإمكان استخدام هذا المبلغ، في حال توجيهه إلى القطاعات التنموية، لتغطية تكاليف تعليم 12 مليون طفل، أو تطعيم 73 مليون طفل، أو توفير مياه شرب نظيفة لنحو ثلثي سكان نيجيريا.
وتناول التقرير أبعادا أخرى لتأثير التغطية الإعلامية السلبية على أفريقيا، حيث أشار إلى «أن التغطية الإعلامية السلبية لا تؤثر فقط على تكاليف الاقتراض، بل أيضًا على قطاعات أخرى تعتبر محركات أساسية للتنمية الاقتصادية في أفريقيا، مثل السياحة والاستثمار الأجنبي المباشر».
فالصور النمطية التي تركز على العنف والفقر والصراعات، يضيف التقرير، تقلل من جاذبية القارة أمام السياح والمستثمرين، ما يؤدي إلى تراجع تدفقات الاستثمارات وتضاؤل السياحة، وهما من أهم القطاعات الداعمة للاقتصادات الأفريقية. وأوضح التقرير «أن الدول الأفريقية تحصل على قدر أكبر من التغطية الإعلامية خلال الفترات الانتخابية، إلا أن هذه التغطية تركز بشكل كبير على الجوانب السلبية، متجاهلة نجاحات الدول في مجال الحكم الرشيد والتطورات الاجتماعية والاقتصادية الإيجابية التي تحدث في القارة».
وناشد التقرير «الحكومات الأفريقية والمنظمات الدولية والوسائل الإعلامية بضرورة العمل على إعادة تشكيل السردية الإعلامية حول أفريقيا، بحيث تعكس التنوع الثقافي والاقتصادي والاجتماعي للقارة»؛ كما دعا «إلى الاهتمام بتغطية التطورات الإيجابية والإنجازات الاقتصادية التي تحققها الدول الأفريقية، وذلك لتحسين صورتها أمام العالم وتخفيض معدلات المخاطر الاستثمارية، وهو ما قد يسهم في تحقيق نهضة اقتصادية مستدامة».
وخلص التقرير إلى «أن إعادة التوازن في التغطية الإعلامية الدولية ضرورة ملحة، ليس فقط لتعزيز سمعة القارة، بل أيضًا لتسريع عجلة التنمية وتحفيز إمكانيات اقتصاداتها، وإيجاد فرص اقتصادية جديدة تدعم رفاهية مواطنيها وتحقق التقدم الاقتصادي والاجتماعي المستدام».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول زهير:

    التباين الكبير بين الدول الأفريقية يتطلب ربما أن تكون جهود تحسين الصورة أكثر تخصيصًا ومرونة. فبدلًا من السعي لبناء صورة عامة موحدة عن القارة، قد يكون من الأنسب العمل ضمن تجمعات إقليمية أو وفقًا للظروف الخاصة لكل دولة، مما يتيح تحسين الصورة بشكل أكثر فعالية ويضمن توجيه الرسائل بما يناسب واقع كل منطقة.

اشترك في قائمتنا البريدية