تلكيف العراقية مدينة الكنائس الحزينة

صادق الطائي
حجم الخط
1

تعد مدينة تلكيف العراقية إحدى المدن المسيحية بامتياز لناحية النسبة الأكبر من سكانها الذين يدينون بالمسيحية من الطائفة الكاثوليكية، مع وجود لأتباع الديانتين الإيزيدية والشبك تجاورهم أقلية من العرب السنة في بعض القرى. كانت تلكيف إداريًا مركز ناحية حتى تحولت إلى مركز قضاء عام 1970 مكون من ناحيتي تلكيف وألقوش. ويقع قضاء تلكيف على بعد 18 كيلومترا إلى الشمال الشرقي من مدينة الموصل مركز محافظة نينوى. وتحتل قصبة أو بلدة تلكيف أرضا منخفضة تحيط بها الهضاب، ويبلغ عدد سكان قضاء تلكيف اليوم حوالي 225 ألف نسمة، أما سكان تلكيف، مركز القضاء، فحوالي 35 ألفا تبعا للتقديرات الحكومية لسنة 2018. تلكيف اليوم تمثل إداريا قضاءا تابعا لمحافظة نينوى، تتبعها عدة نواحي هي: ألقوش، وأنكي، وفايدة.
ويذكر المؤرخ الموصلي د. ابراهيم العلاف محلات مدينة تلكيف القديمة وهي: محلة شنكو، وعبرو، وكيزي، وشعيوتا، وقاشات، ويلدا، ورخو، وشمامي، ومارت شموني، ومحلة سامونا. أما أحياء المدينة الحديثة فهي: السلام وهو مركز المدينة، وآشور، وعشتار، وبابل، وأور، وهذه الأحياء العصرية اتسمت بطابع معماري حديث فشوارعها واسعة، وأسواقها متكاملة تتوافر فيها جميع البضائع والسلع.
وقد اشتهرت المدينة بصناعات متعددة في مجال الحياكة، إذ لم تكن تخلو دارا من وجود «جومة» لحياكة الخام الأبيض الذي يتم استعماله لأغراض متعددة، وكذلك تصديره إلى مدن العراق والبلدان المجاورة. وإلى جانب ذلك تشتهر المدينة بصناعة العباءات الرجالية من الأقمشة القطنية، كما تشتهر بنسيج الخيام البدوية من شعر الماعز. وكان الحائكون التلكيفيون يجلبون خيوط الحرير من الموصل لينسجوا منها أقمشة خاصة للعرائس، تصبغ بألوان زاهية وتنقش فوقها صور الطيور والورود.
إلى جانب ذلك فإن تلكيف تمتلك صناعات غذائية متعددة مثل صناعة الطحينة (الراشي) والمئونة المنزلية من الحبوب مثل (البرغل والحبية) وصناعة الجبن الأبيض الذي يتم تصديره إلى مدن كثيرة منها العاصمة بغداد والموصل وكركوك ومحافظات أخرى في أنحاء العراق. وقد مثل التعليم جانبا مهما في حياة المدينة، إذ عرفت عام 1856 أول مدرسة أنشأها الأهالي فيها، أما أول مدرسة حكومية رسمية تم افتتاحها فيها فهي مدرسة تلكيف الابتدائية الأولى للبنين وذلك في عام 1918 وما تزال قائمة حتى الآن، فيما افتتِحت المدرسة الثانية للبنات عام 1946 وتوالت المدارس في المدينة، إذ افتتحت أول متوسطة فيها عام 1955 للبنين أعقبها في عام 1960 افتتاح متوسطة ثانية للبنات، وتضم البلدة حاليا 10 مدارس منها اثنتان لرياض الأطفال، ومدرستان ابتدائية للبنين، ومثلها للبنات ومتوسطة وثانوية للبنين ومثلها للبنات.

الاسم والتاريخ

تعد تلكيف واحدة من مدن بلاد الرافدين التي يعود تاريخها إلى حقب سحيقة القدم موغلة في عمق الحضارة الرافدينية. ويذكر القس ميخائيل ججو بزي في كتابه «بلدة تلكيف؛ ماضيها وحاضرها» أن: «بلدة تلكيف تقع على بعد أحد عشر ميلا إلى الشمال الشرقي من مدينة الموصل وآثار نينوى الشهيرة. اسمها آرامي مركب من كلمتين (تل ـ كيبه) أي تل الحجارة، وليس كما توحيه اللفظة العربية تل الطرب أو الأنس. بينما يشير د. ابراهيم العلاف في مقال له عن مدينة تلكيف إلى أن «بلدة تلكيف كانت حتى مطلع القرن العشرين تعرف بقرية مار قرياقوس ولكن تسمية تلكيف غلبت عليها منذ أن هدمت كنيسة مار قرياقوس سنة 1911».
ويستفيض القس ميخائيل ججو بزي في سرد تاريخ المدينة قائلا: «إن التل الذي اقترن وجود البلدة بأسمه قد تحول إلى مقبرة تحيط به دور البلدة من كل جهاته. ويحسن بنا أن نعرف أولا تاريخ التل لأن المعلومات التاريخية التي في حوزتنا رغم ضآلتها تؤكد أن التل كان قائماً قبل البلدة، ثم نرى بعد ذلك ما سجله المؤرخون عن البلدة. أن الآثار التي عثر عليها المنقبون في تل تلكيف تدل على أنه من الأماكن الأثرية، وحسب رأي الآثاري العراقي د.بهنام أبو الصوف، أن التل هو أثري وقديم ترجع عصوره إلى الأدوار الآشورية والأكدية والدور المعروف بطبقة نينوى الخامسة من بداية الألف الثالث قبل الميلاد والذي ظهرت فخارياته المميزة في موقع تلكيف الذي يحوي بقايا هي أقدم من تلك العهود يعود زمنها إلى عصر الوركاء (3500 ق. م) وعصر العبيد (4000 ق. م) وربما إلى أدوار أخرى أقدم، أي من أوائل تأسيس القرى في بلاد ما بين النهرين كادوار حلف وسامراء وحسونة في الألفين الخامس والسادس قبل الميلاد. واستناداً إلى هذا الرأي يمكننا أن نستنتج انه قبل أكثر من ستة آلاف سنة تقريباً أقام جماعة من الفلاحين على التل فتركوا لنا آثارهم من البقايا البنائية والفخار وغير ذلك من العاديات التي اكتشفت وبتكرار السكن وتعاقبه جيلا بعد جيل تكون هذا التل الذي نشاهده الآن والذي يحوي أنقاض وبقايا تلك القرى المتعاقبة».
كما يشير المؤرخ والباحث كوركيس عواد في بحثه المعنون «تحقيقات بلدانية، تاريخية، أثرية في شرق الموصل» المنشور في مجلة «سومر» عام 1961 إلى أن «اسم المدينة مؤلف من لفظتين: تل وكيفا الآرامية بمعنى الحجارة. فيكون مؤدى التسمية تل الحجارة. عرفت بذلك لوقوعها عند تل أثري، جوانبه مرصوفة بحجارة ضخمة، يقال إنه كان حصنا قديما في أيام الآشوريين. إذ قال فكتور بلاس المنقب الفرنسي الشهير، إن التل المحاذي لتلكيف اصطناعي، وقد اتخذه الناس مقبرة. لذلك كان من الصعوبة بمكان أن أجري فيه تنقيبات فنية للوقوف على ما ينطوي عليه من آثار، واقتصرت على التقاط بعض ما على سطحه من قطع الفخار الذي لم يكن كافيا لإبداء رأي قاطع في قدم هذه البقعة».
وهناك آراء أخرى عن تكوين تل تلكيف وقدمه. إذ قال بعض الباحثين أنه تل طبيعي استعمله الآشوريون كحصن حربي تقوم فوقه فرقة من الجنود لحماية العاصمة نينوى من هجمات الغزاة القادمين من الشمال، وقال آخرون أنه تل اصطناعي. وحسب رأي الآثاري الفرنسي فيكتور بلاس الذي وصل مدينة الموصل في 12 كانون الثاني/يناير 1852 وأجرى تنقيبات في التلال الموجودة في تلسقف وتلكيف وغيرها في بحثه عن التلال الصغيرة القائمة في سهول مدينة آشور، وقال إن الآشوريين كانوا قد أحدثوا هذه النتوءات الأرضية، وهي غير التلال الكبيرة التي تضم في بطونها بقايا المعاقل والحصون أو القصور العظيمة. فهل يعتبر تل تلكيف بين هذه التلال؟ أن بلاس قد أكتفى بالقول إن التل الذي في تلكيف هو مرتفع اصطناعي.
وتلكيف، وإن كانت بلدة قديمة العهد، إلا أن تاريخها يكتنفه كثير من الغموض، وهناك بعض الحكايات التاريخية التي تم تناقلها والتي تفتقد للأدلة التاريخية المقنعة مثال ذلك ما ذكره يوسف هرمز جمو في كتابه «آثار نينوى، أو تاريخ تلكيف» إذ يقول إن: «الجيش اليوناني حين قدم إلى العراق بقيادة زينوفون سنة 401ق.م وهو يطارد جيش الفرس بقيادة داريوس، مر بتلكيف وهي قرية على بعد 12 ميلا من القرية المدعوة يارمجا الواقعة على ضفة دجلة اليسرى في جنوب قرية النبي يونس، وكانت غنية بمخازن الحبوب، وأهلها قدموا حبوباً وطعاما بكثرة إلى الجيش اليوناني المغلوب على أمره الذي انهكه السير». لكن المصادر التي اعتمد عليها الكاتب هنا لا تذكر اسم تلكيف صراحة بل كل ما جاء في تلك المصادر يشير إلى أن الجيش اليوناني مر بالقرى القريبة من ميسبولاي التي ظن بعضهم أن معناها الأراضي المنخفضة وهو التوصيف الذي أطلقه الآشوريون على مدينة الموصل وضواحيها. بينما يذكر الأب جان فييه الدومينيكي في كتابه «أشور المسيحية» أن ميسبولاي ليست مدينة الموصل، وعليه تكون المعلومات الواردة في هذه الرواية غير أكيدة.
ولا تتوفر معلومات مؤكدة تعين بالضبط زمن تأسيس بلدة تلكيف والفترة التي نشأت فيها، وحسب القس ميخائيل ججو بزي؛ «كان الباحثون حتى عام 1967 يجدون أول إشارة إلى قرية تلكيف في نص القاضي أبو زكريا الأزدي الذي ألف كتابه (تاريخ الموصل) سنة 945 فوجدوا ان اسم تل كيفا القرية الت ذكرها الأزدي في حوادث عام 749 يقابل اسم بلدة تلكيف، وكان الباحثون قد استندوا إلى مخطوطة موجودة في خزانة جستر بيتي في دبلن أما في الوقت الحاضر فبوسعنا ان نراجع النص كما هو بعد أن طبع الكتاب المشار إليه من قبل المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في الجمهورية العربية المتحدة عام 1967. ففي صفحة 131 يذكر تل كيفا كقرية واقعة على الزاب حيث يقول: إن طريق مروان كان إلى الزاب بين باسحق وتل كيفا. وفي ص 94 أكد بأن باسحق المذكورة تقع على شط الزاب وإن تل كيفا المذكورة تقع بجانبها على الزاب أو بالقرب منه».
لكن يبدو أن أقدم نص يذكر تلكيف بصراحة قد سجله المستشرق الذي عاش أكثر من ثلاثة عقود في العراق الأب جان موريس فييه الدومنيكي مؤلف كتاب «آشور المسيحية» حين تطرق إلى ذكر المغول ونهبهم لتلكيف عام 1508 وفي عام 1562 يختفي اسم تلكيف وراء اسم شيبتيان في قائمة الخورنات، واسم تلكيف قد بدل بشيبتيان لأسباب نجهلها. وبعد مرور قرنين تقريباً نعثر على مصدر آخر لفتح الله القادري إذ كتب في أرجوزته عن حوادث عام 1734 ما نصه؛ «أن الفرس بقيادة نادر شاه إذ لم يتمكنوا من أن يحتلوا الموصل عزوا أنفسهم بنهب وحرق القرى المجاورة ومن بينها تلكيف». وبعد هذا التاريخ بات اسم تلكيف يأتي بتواتر خاصة في عشرات المخطوطات الكلدانية التي ترجع إلى عصور متأخرة والتي قد تفرقت في عدة خزانات تشير إلى إنها كتبت في تلكيف أو أن مؤلفها من أهاليها. وقد تم نسخ هذه المخطوطات بين القرن السابع عشر وأوائل القرن العشرين.
ومن الطريف أن نذكر أسطورة حول المدينة ذكرتها نشرات جامعة شيكاغو مفادها أن: «ملك تلكيف كان له بنت لما كبرت تنافس على خطبتها شابان وقد اشترط والدها عليهما أن يعملا مشروعا عظيما لسقي مدينته. وبعد فترة هيئ أكبرهما ساقية كبيرة أما الثاني فقد قضى زمانا طويلا لا يفكر بالموضوع وحين أزف يوم الخطبة اشترى هذا الشاب قطعة من القماش وفرشها على الصحراء فظن الملك بانها بحيرة! واعطى له ابنته التي كانت تفضله على الشاب الأول» ويذكر مصدر آخر أن من الممكن أن تكون هي التي أوحت له بهذه الحيلة».
ومن جملة الروايات التي تسرد اسم تلكيف والتي ينقصها أيضا تأييد المؤرخين وثقتهم ما جاء في كتاب مطران حدياب والموصل واسمه ايشو عياب بن المقدم سنة 1452 في قصيدته «الأديرة» التي وضعها باللغة الكلدانية وقد ذكرت في ديوان خاميس الأربلي المحفوظة في خزانة دير السيدة قرب ألقوش، وقد ذكر فيها أن تلكيف كانت قائمة في القرن السابع للميلاد حين مر بها شيبان ابن أمير الموصل عتبة بن فرقد، وهو من الفاتحين وكان شيبان مريضا وتوفى فيها. أن هذه القصة يرددها بعض كبار السن من رجال تلكيف، وربما سمعوها من راهبٍ قرأها في المخطوطة الموجودة في دير السيدة فقصها عليهم. ولكن هذه القصة تنتهي بإحياء الولد المتوفي ببركة الربان هرمزد. والإعجوبة هذه مشكوك في صحتها، إذ قد تكون منسوبة إلى الربان هرمزد مؤخرًا، وعلى الأكثر قد وضعت لجلب رضى السادة العرب لديره.

معالم تلكيف ومزاراتها

يمكننا أن نتعرف على أهم المعالم في البلدة مبتدئين بكنيستها الكبيرة التي تجذب أنظار سائر القادمين إلى تلكيف والمقامة خلف تل تلكيف الأثري من الناحية الجنوبية. وفي الواقع أنها تضم كنيستين ومعبداً صغيراً في مجموعة واحدة أكبرها شيّدت على اسم قلب يسوع وأقيمت على أنقاض كنيسة قديمة وصغيرة كانت تدعى كنيسة مار قرياقوس الشهيد وكان ذلك عام 1911 في عهد البطريرك عمانوئيل الثالث دلي، وتعتبر هذه الكنيسة من كبريات الكنائس في العراق حيث تبلغ مساحتها نحو 1280 مترا مربعا وارتفاعها نحو 16 مترا.
أما الكنيسة الثانية فهي كنيسة الرسولين بطرس وبولس، وهي ملاصقة لكنيسة قلب يسوع وتشكل معها زاوية قائمة. وإلى الجهة الشمالية بموازاة كنيسة قلب يسوع يقع معبد صغير للعذراء أُقيم عام 1940على أنقاض كنيسة أقدم منها أُقيمت على اسم مريم العذراء المنتقلة إلى السماء. كما تحوي المدينة العديد من المزارات منها مزار مار يوسف وقد اقيم على أنقاض قبة صغيرة انتهى بناؤه عام 1917 وفي الوقت الحاضر أصبح داخل بناية مدرسة ثانوية تلكيف العائدة بنايتها إلى أوقاف الكنيسة. ومزار مارت شموني الواقع داخل البلدة، وقد أقيم مذبح هذا المزار الكائن في محلة مارت شموني عام 1900 حول صخرة كان الأهالي يشعلون فوقها الشموع إكراماً للشهيدة شموني. وهناك مزار أولاد مارت تشموني الذي يبعد عن البلدة مسافة كيلو متر واحد إلى الشرق منها وهو عبارة عن قبة صغيرة نجهل زمن إقامتها وقد رممت مرات عديدة. وفي تلكيف خربة تقع في مقاطعة كور بزن تسمى خربة مارت شموني وقد اكتشفت فيها آثار قبة لم يعبأ لها الأهالي بل انهم ردموها، ولا يعلم عنها شيئاً.
أما مزار مار يوحنا المعمدان فيقع في الجهة الغربية من البلدة داخل حدود البلدية وكان سابقاً عبارة عن قبة صغيرة اقيمت عام 1924 وفي عام 1951 شيد مكان القبة هيكل واسع على نفقة الأهالي. وهناك مزار بوخت سهذا الذي يقع في وسط محلة شنكو في الجهة الجنوبية من البلدة، وكان حتى عام 1967عبارة عن قبة صغيرة نجهل زمان بنائها، تحيط بها أرض تظهر على مساحتها آثار أسس قديمة ربما كانت كنيسة ولكن في 5 ايار/مايو عام 1967 هدم المزار القديم واقيم على انقاضه هيكل مساحته 111 مترا مربعاً مع فناء تبلغ مساحته 600 متر مربع محاط بسور عال، وقد اقيم على نفقة الكنيسة والأهالي.
أن هوية الشهيد بوخت سهذا مجهولة، وأول من حاول تفسير اسمه كان مؤلف كتاب «آشور المسيحية» حيث قال؛ «أن بوخت سهذا هو اسم القديس اسطيفانوس بكر الشهداء والاسم بالآرامية هو بوخرا دسهذي». لكن التسمية بوخت سهذا (الشهيد بوخت) قد تكون الأصح لانه لا يوجد أحد بين الأهالي يذكر الشهيد اسطيفانوس في موسم بوخت سهذا الذي يقع عادة في الأحد الثالث من الصوم. لقد عثر الأهالي أثناء حفر أسس هذا المعبد على عظام بشرية وهيكل عظمي بشري محاط بأحجار ومغطى بطبقة من الجص. كما وجدوا قطعة خزفية بحجم الريال قال عنها المسؤولون في مديرية الآثار العامة ببغداد انها تعود إلى العهد الساساني أي الفترة بين القرنين الرابع والسادس الميلادي استنادا إلى النقش المحفور فوقها. وإلى جانب هذه القطعة عثروا على إناء خزفي صغير وعدد من الخرز الحجري الأزرق ملفوف حول عظمة طويلة
كما تضم مدينة تلكيف مزار عربيني الذي يقع على مسافة كيلو مترين إلى الشمال الغربي منها، وهو عبارة عن قبة صغيرة. أما كلمة عربيني فربما تعني أربعين فيكون المزار مقاماً على اسم الأربعين شهيداً الذين استشهدوا في سبسطيا باللاذقية في الأجيال الأولى للمسيحية، أو قد يكون الاسم متأتياً من مجموعة غرف الدير الظاهرة آثارها للعيان حول قبة المزار الحالي. وهناك مزار مار دانيال الذي يقع على بعد كيلو متر واحد إلى الجنوب الغربي من البلدة، وهو عبارة عن قبة صغيرة رممت عام 1945 ثم أعيد ترميمها عام 1967.
وتوجد في ساحة المزار خربة قديمة تقع فيها بئر، ربما كانت هذه الخربة كنيسة تتوسط قرية مندثرة حيث يعثر الفلاحون بين فترة وأخرى حول المزار على آثار خربات نجهل زمن اندثارها. أننا لا ندري من هو دانيال هذا، وقد يكون حسب مؤلف كتاب آشور المسيحية، دانيال الطبيب المذكور في قصص مار اوجين ورفاقه الذين أتوا من مصر إلى العراق بداية القرن الخامس الميلادي وكان بصحبة مار ميخائيل رفيق الملائكة مدة عشر سنوات وبعدها انزوى في مغارة قرب معلثايا غرب مدينة دهوك بازاء قرية اسمها بيث قيطا، وقد شفى هذا القديس ابنة أمير تلخش الذي تنصر إثر الإعجوبة.
ومن المعالم التي تنتصب كذلك أمام القادم إلى تلكيف، جامع الهدى الذي شيد عام 1959 بمنارته العالية، وبالقرب منه وعلى حافة الطريق العام بين الموصل وتلكيف يشاهد مشروع الكهرباء الذي يزود البلدة بالطاقة الكهربائية منذ عام 1956 وإلى شرقي هذه البناية يوجد السراي القديم الذي هو مركز الناحية ومعاونية الشرطة. ويشاهد الزائر عدة حدائق صغيرة في أرجاء البلدة تضفي عليها منظرا جميلا وحديقتين كبيرتين الأولى هي الحديقة العامة وتضم في جانبها الشرقي نادي الموظفين مقابل الكنيسة والتل الأثري، والثانية تقع شمال بناية السراي. وبين بناية السراي والتل الأثري تقع مجموعتان من دور الموظفين مبنية على الطراز الحديث كما تقع كذلك دائرة البرق والبريد والمستوصف ودائرة البلدية.

من احتلال
«داعش» إلى التحرير

كانت مدينة تلكيف إحدى مدن سهل نينوى ذو الغالبية المسيحية المتنازع عليها بين حكومة إقليم كردستان وحكومة بغداد المركزية. وقد سقطت المدينة بيد عصابات تنظيم الدولة «داعش» صيف عام 2014 الأمر الذي أدى إلى تهجير أغلب سكانها إلى مدن إقليم كردستان وباقي مدن العراق. وقد تعرضت بيوتها وكنائسها ومدارسها ومؤسساتها إلى تدمير ممنهج قام به الإرهابيون على مدى ثلاث سنوات مظلمة مرت على هذه المدينة المسالمة. وفي حزيران/يونيو 2017 تمكنت القوات العراقية المشتركة المدعومة بغطاء جوي من قوات التحالف من تحرير المدينة وإعادتها لسيطرة الحكومة المركزية بعد أن كانت خاضعة قبل احتلال داعش إلى قوات البيشمركة الكردية التي انسحبت منها إبان هجوم تنظيم الدولة «داعش».
ويذكر تقرير معهد السلام الأمريكي حال مدينة تلكيف بعد التحرير ومعاناة أبنائها وعدم مقدرتهم على العودة إلى مدينتهم بعد تحريرها، إذ يقول التقرير: «وبعد (داعش) توترت العلاقة بين العرب السُنّة وجيرانهم من المسيحيين والإيزيديين. وأدت التغيرات الديموغرافية وانقسام السيطرة بين الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان إلى ترك العديد من مسيحيي تلكيف متفرّقين في جميع أنحاء شمال العراق، ومترددين في العودة بسبب الوضع الأمني غير المستتب». ويشير التقرير إلى سبب ذلك: «ومع تقسيم الترتيبات الأمنية المحلية بين قوات الأمن العراقية وقوات الحشد الشعبي وحكومة إقليم كردستان، تلوح بالأفق تهديدات تنظيم داعش بالنظر إلى وجود مركزَي احتجاز لأعضاء التنظيم ومحكمة مكافحة الإرهاب في تلكيف. ويشعر مسيحيو تلكيف أيضاً بالقلق إزاء التغييرات الدائمة في التركيبة الديموغرافية في المجتمعات التقليدية. وتلعب الأسر العربية السُنّية النازحة التي أعيد توطينها بأعداد كبيرة في تلكيف بعد سيطرة داعش على الموصل أدواراً متزايدة في الحوكمة على المستوى المحلي».
ويذكر القس شاهر نوري، راعي كنيسة قلب اليسوع الأقدس في تلكيف في لقاء صحافي بعد تحرير المدينة من قبضة العصابات الإرهابية أن: «عددا من أهالي القضاء من المسيحيين استقروا في محافظة دهوك ويعملون هناك لذلك لا يرغبون بالعودة، أما الآخرون فلديهم مخاوف من تعرضهم للاختطاف والقتل، بالرغم من إن الوضع الأمني في القضاء مستقر». إذ قدمت الكنيسة مساعدات للأهالي لتشجيعهم على العودة وتوفير فرص العمل للنازحين العائدين بالتنسيق مع منظمتين أجنبيتين، كما توفر الدعم لمساعدة المسيحيين على إعادة إعمار منازلهم. ويضيف القس شاهر نوري «في حال إعادة إعمار جميع منازل تلكيف وقرية بطنايا، بالتأكيد سوف يعود المسيحيون النازحون إلى منازلهم دون تأخير».

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول تلكيفي من تلكيف:

    اخي محرر المقال الكثير من المعلومات مغلوطة وايضا احدى الصور اعلاه ليست من تلكيف ثم اعداد المسيحيين اليوم نهايه سنة 2024 هم 20 نفرا فقط ولا وجود لليزيديين مطلقا ثم مهنة الحياكة امتهنتها كم عائلة فقط ثم القس اللذي ذكر في حالة اعمار بيوت تلكيف سوف ترجع العوائل برأي هذا كلام كوميدي لان الذي هاجر واستقر في امريكا والغرب منذ عشرات السنيين كيف يرجع اليها مرة اخرى ؟ وهم بالاصل غالبيتهم ميسوري الحال اعمار البيوت عدهم سهل جدا

اشترك في قائمتنا البريدية