استشاط الرجل غضبا وأمسك سيجارته وهدد عشيقته بأنه سيطفئ السيجارة على خدها إن لم تتوقف عن الشجار معه، لكنها لم تتوقف، فكان هذا ما فعله تماما. وعرف العالم كله بهذا، بل ما يزال يتكلم عن ذلك العمل الشائن، فلم يكن ذلك الرجل سوى الرسام الإسباني بابلو بيكاسو Pablo Picasso، أما عشيقته فكانت الرسامة الفرنسية المعروفة فرانسواز جيلوت Françoise Gilot التي كانت كذلك موديلا له، وما زاد الطين بلة أنه استطاع تخليد ما فعله في لوحة شهيرة له، وهي لوحة «امرأة بقلادة صفراء» Woman with a Yellow Necklace التي رسمت عام 1946. ويستطيع المرء ملاحظة النقطة السوداء على الخد الأيسر للمرأة في اللوحة التي كانت في الحقيقة أثر حرق السيجارة. وقد ذُكِرَت هذه الحادثة في كتاب «وحوش» Monsters للكاتبة الأمريكية كلير ديديرر Claire Dederer الذي سيصدر في شهر نيسان/ أبريل ويتناول قصصا عن نرجسية وأحيانا سادية بعض مشاهير العصر الحديث، ومنهم طبعا بيكاسو. والمفارقة هي أن هذه القصة رُوِيَت بطريقة مختلفة من قبل الضحية نفسها في مقابلة لها أجرتها جريدة «نيويورك تايمز» The New York Times الأمريكية، إذ ذكرت أنه عندما لمست السيجارة خدها توقع الرسام الشهير أن تقوم هي بالتراجع، لكنها قررت الصمود والتحمل كي تحرمه من لذة الانتصار. ولا نعلم من انتصر في تلك المواجهة، لكنها لم تكن سببا في فراق العاشقين، حيث هجرته هذه العشيقة عام 1953 بعد علاقة دامت عشر سنوات، وكانت الوحيدة التي تقوم بذلك، إذ كان الرسام الكبير هو من ينهي العلاقة الغرامية دائما مع عشيقاته العديدات، وحتى زوجته الثانية التي هجرها بوفاته عام 1973 عن واحد وتسعين عاما في فرنسا. ولا نعلم لماذا رسم بيكاسو اللوحة مع أثر السيجارة، فهل كان يحاول الاعتذار منها؟ أم أنه كان يعبر عن استمتاع مريض بالحادثة. وكان بيكاسو معتادا على الشجار مع عشيقاته، وكانت إحداهن على الأقل تتبادل الصفعات معه. ومن المستحيل وصف أهمية بيكاسو في عالم الفن الحديث، حيث كان من يضع معايير هذا المجال، وأعظم رسام في القرن العشرين، وفاقت شهرته شهرة أي ممثل سينمائي في تاريخ السينما الأمريكية حتى أصبح مفخرة فرنسا، لأنه سكن فيها واشتهر فيها. ودخل بيكاسو عالم السينما من أوسع أبوابه، إذ أنتج فيلم وثائقي شهير عن كيفية رسم بيكاسو لبعض اللوحات عام 1956، وفاز بالجائزة الخاصة للجنة تحكيم مهرجان كان السينمائي. وقام الرسام الشهير بإتلاف جميع اللوحات التي عرضت في هذا الفيلم، ولذلك، فمن يريد رؤيتها عليه مشاهدة الفيلم.
بيكاسو والنساء
وأصبحت كل فتاة في العالم الغربي تتمنى أن تكون موديلا له، وكل ممثلة سينمائية تتمنى أن ينظر إليها، ومنهم الفرنسية بريجيت باردو التي زارته في منزله عندما كانت في الواحدة والعشرين من عمرها، مع زوجها المخرج روجر فاديم. وادعت بريجيت باردو، أنها أرادت أن تكون موديلا له للوحة واحدة، لكنها خجلت أن تطلب منه ذلك، إلا أن فتاة كانت تعمل موديلا لديه آنذاك قالت إن الممثلة الفرنسية طلبت ذلك بالفعل، إلا أن بيكاسو رفض. وقد أدى ذلك إلى حدوث احتداد بين الفتاتين.
بدأت حملة إعلامية كبيرة قبل عدة سنوات متهمة بيكاسو بأنه كان نرجسيا وساديا وحاقدا على النساء بشكل مرضي، وأنه كان يستمتع بتعذيبهن. وقد قيل الكثير عن تصرفاته الرعناء تجاه عشيقاته الكثيرات، ومن ذلك أنه طلب من اثنتين منهن، تنافستا لنيل إعجابه، الشجار وتبادل اللكمات أمامه كي يقيم علاقة مع المنتصرة. لكن بيكاسو، على الأغلب، لم يكن يكره النساء، بل كان يعبدهن، إلا أن ثقته بنفسه ونرجسيته جعلتاه يطلق العنان لخيالاته الجنسية وعدم الاهتمام بمشاعر الآخرين، وحتى القانون منذ شبابه حيث بدأت شهرته قبل الحرب العالمية الأولى، ليصبح من رموز القرن العشرين. ومن تصرفاته الهوجاء أنه حصل على تمثالين صغيرين سبق أن سرقا من قبل أحد أصدقائه من متحف «اللوفر» قبل الحرب العالمية الأولى. وعندما اكتشفت الشرطة الفرنسية الأمر، تظاهر بالمفاجأة وعدم معرفته بمصدرهما، على الرغم من أن ملكية المتحف كانت مكتوبة على قاعدة كل منهما. ولهذا السبب قامت الشرطة الفرنسية بالتحقيق مع بيكاسو عندما سرقت لوحة الموناليزا من متحف اللوفر. ومع ذلك فقد كان بيكاسو يعرف كيف يكسب الناس عند الحاجة، ويسحر الفتيات خدمة لمصالحه، حيث أعمت شهرته الأسطورية الجميع وتحولت دمامته إلى وسامة، وأصبح كبر سنه رمزا للشباب والفن الحديث. وقد بلغت ملاحقة كل من عرفه أن زوجته الأولى كانت تلاحقه بعد طلاقها عندما يسافر مع إحدى عشيقاته وانتحرت زوجته الثانية وإحدى عشيقاته بسبب وفاته، كما انتحر حفيده عندما رفضت الزوجة الثانية أن يحضر جنازة جده. وقد أنتج بيكاسو خمسة وأربعين ألف عمل فني، حتى أن النقاد يظنون أن ناطحة السحاب الشهيرة «أمباير ستيت» لن تكفي لعرض جميع أعماله. وقد تكون أشهر لوحاته باسم «غرنيكا» Guernica التي رسمها عام 1937 عن قصف الألمان لمدينة «غرنيكا» الإسبانية، ما أدى إلى مقتل ألف وخمسمئة شخص. وفي الحقيقة أن الرسام الشهير لم يزر المدينة بعد القصف.
الغريب في الأمر أن النساء في لوحات بيكاسو مشوهات دائما، أو في حالة نحيب أو جثث متهشمة أو على حصان ميت، حيث ركز دائما على القبح. وكأن هذا الرسام الكبير كان يقول، إن جمال المرأة يخفي شخصية بشعة وعديمة المشاعر، أو أن الرسام يتمنى أن تكون المرأة في هذا الشكل.
ما يزال «بيكاسو» حيا في عالمنا في الوقت الحاضر عن طريق أعماله الفنية، فهي الأغلى في المزادات بين الأعمال الفنية الحديثة، حيث بيعت لوحته «نساء الجزائر» عام 2015 بمبلغ مئة وتسعة وسبعين مليونا وثلاثمئة ألف دولار. ولهذا السبب أصبحت أعماله الفنية الأكثر استهدافا من قبل اللصوص. والجدير بالذكر أن بيكاسو كان حريصا على عدم بيع الكثير من أعماله الفنية، كي تبقى قيمتها عالية. ومن الطبيعي أن تكون أعماله ذات تأثير كبير على أعمال أجيال من الرسامين من بعده.
الفنانون والنرجسية
من الخطأ الظن أن نرجسية بيكاسو تشكل حالة خاصة، لأنه في الواقع لم يكن سوى مثال بسيط لعالم المشاهير من الفنانين، حيث يتفوق أغلبهم عليه في هذا المضمار، فالنرجسية من أهم سماتهم باعتراف الممثلة ميريل ستريب، التي قالت «يظنني الناس نرجسية، فيا ليتهم يعرفون بقية الفنانين». ما هي النرجسية؟ إنها شعور المرء بأنه إنسان متفوق على الآخرين ولديه حقوق أكثر منهم وإن ما يحدد تصرفات الآخرين لا ينطبق عليه. وهي أنانية مفرطة وثقة مبالغ فيها بالنفس، تجعل المصاب يهتم بمشاعره فقط، وإهمال مشاعر الآخرين مهما بلغت قوة علاقته بهم. ويظن العلماء أن النرجسية يكتسبها البعض بسبب اهتمام الآخرين المفرط بهم، ويشمل هذا المشاهير، حيث تفتح الأبواب لهم، وتنشر الصحف العالمية أخبارهم مهما بلغت تفاهتها. ويظن بعض العلماء كذلك أن بعض المشاهير يعانون النرجسية قبل دخولهم عالم الفن وأن هذه المشكلة هي التي تدفعهم إلى الإصرار على تحقيق مآربهم، وكلما زادت شهرتهم زاد إصرارهم. وفي الوقت نفسه يقترح بعض المختصين أن هذه النرجسية قد تخفي شعورا مبطنا بالنقص، وعدم الرضى، ما يجعل الشخص في حالة يائسة على المدى الطويل، لجذب الانتباه والقسوة تجاه الآخرين. ويظن بعض كبار المختصين كذلك أن الحالة العقلية لدى المشاهير النرجسيين تجعلهم يشتركون في بعض الصفات مع المصابين بالشيزوفرينيا.
ولذلك يظن المشاهير أن لديهم حقوقا لا يملكها الآخرون، وبالتالي يظنون أن في إمكانهم عمل كل ما يحلو لهم فيرتكبون الحماقات وأحيانا الجرائم ويعبرون عن أفكارهم الغريبة. وعندما يجد المشاهير أنفسهم أكثر ثروة وشهرة من أكبر المثقفين والعلماء، فإن نرجسيتهم تتفاقم، لاسيما أن مستوى تعليم أغلبهم لا يتعدى الشهادة الثانوية. ومع هذه الشهرة ومشاكلها ينال الفنان بعض المكاسب مثل ترحيب الناس به، أينما ذهب وحظ كبير في العلاقات الغرامية. ومن الأمثلة المضحكة المشكلة التي سببها الممثل الأمريكي أليك بولدوين عندما كان على متن طائرة على وشك الإقلاع، حيث طلبت المضيفة منه إغلاق جهاز إلكتروني كان يستعمله للعب إحدى ألعاب الفيديو، لكن الممثل الشهير رفض ذلك ودخل في جدال مع طاقم الطائرة تخللته الشتائم من جانبه وذهب إلى الحمام غاضبا ليكمل اللعبة هناك. والمضحك في الأمر أن نشر الصحف لهذه الحادثة شجع الشركة المنتجة لتلك اللعبة على الاتصال بهذا الممثل للاتفاق على قيامه بالدعاية لها. وهناك الممثل توم كروز الذي أقام في فندق أثناء تصويره لأحد الأفلام، وطلب من إدارة الفندق طرد جميع من في المطعم لأنه يحب تناول الطعام بمفرده، ولحسن الحظ رفضت الإدارة طلبه. ولا يخلو العالم العربي من هذه الظاهرة، إذ قام الممثل المصري عمر الشريف بضرب إحدى الصحافيات العربيات أمام كاميرات القنوات الفضائية، دون أي سبب. وأثبتت هذه الحادثة بالذات أن الجمهور العربي ليس أفضل من مثيله الغربي حيث دافع الجميع عن هذا الممثل واضعين اللوم على الضحية البريئة. والجدير بالذكر أنها لم تكن الحادثة الأولى من هذا النوع للممثل عمر الشريف، وكانت جميع اعتداءاته مع أشخاص لن يردوا له الصاع صاعين، وله حادثة مضحكة في أحد نوادي القمار في العاصمة البريطانية، حيث انسحب من مواجهة مع أحد العرب الذي كان واضح الاستعداد لتعليم الممثل حدود الأدب.
أما بريجيت باردو، التي يعدها البعض رمز الجمال والرقة، فقد ذكرت في كتاب نشرته عن حياتها، أنها عندما اكتشفت أنها حامل حاولت التخلص من الجنين بشتى الطرق، إلا أن زوجها منعها، لكنها ما أن انجبت طفلها حتى أعطته لزوجها ثم تخلصت من الاثنين، وقالت إن الطفل كان سرطانا يجب التخلص منه، لأن وجوده كان سيعيق عملها وحياتها. ولا نعلم شعور ذلك الابن عندما يسمع أن والدته قد وصفته بهذا الشكل.
وقد وصل الأمر إلى ارتكاب جرائم عنيفة وخطيرة جدا مع الأخذ بنظر الاعتبار أن بعض المشاهير كانوا من أصحاب السوابق، قبل دخولهم عالم الشهرة مثل تيم ألن وسنوب دوغ، بالإضافة إلى العدد الهائل من المشاهير الذين يعتبرون تناول المخدرات الخطيرة أمرا عاديا، فالممثل جيمس كوبرن تفاخر على شاشة التلفزيون بأخذ المخدر الخطير «أل أس دي». ويدل كل هذا إلى أن الإنسان يتحول إلى شخص خطير عندما يشعر بأن القانون لا يستطيع ردعه.
باحث ومؤرخ من العراق
اريد ان اصبح مشهور كيف يمكنني دالك
الفنان العالمي بيكاسو يمثل بفنه حالة إبداع منقطعة النظير.انه اسطوره في النجاح والخلود فيه. لقد درست علم الآثار والمتاحف الأثرية وتابعت سير الرسامين في عصر النهضة و ما تلاه إلا أن بيكاسو أبدع في مواضيع الرمزية في الفن التشكيلي الانطباعي والسرياني .ومع ذلك فقاعدة لكل جواد كبوة . تجعلك تؤمن بأن من تشكر اترك له اشياء تعيبه