تهجير قسري من الجزائر… وهجرة طوعية نحو تونس… سقوط قناع الأمومة وسمو الأبوة

بحر الطوفان… وعد الرحمان… تسلط الانسان، ولاعزاء للامهات،
هل هو وعد الرحمن، كما كان الأمر بالنسبة لصديق الشيخ الباجي – رحمه الله – مؤلف وملحن رائعة “يا بحر الطوفان”، أم خيبة الآلاف من أوضاع مزرية وحالة اختناق وتذمر تعصف بمستقبلهم هي من دفعتهم ليركبوا عجلات مطاطية وقوارب غير آمنة للمغادرة، الهجرة بأي ثمن كان… الثمن في كل الحالات باهض، ترك الأهل بحرقتهم، أو الضياع وسط الأمواج المتلاطمة، وحتى وإن وصلوا لبر الأمان على موانئ الضفة الأخرى، فالوطن ينوح على طاقات سلب حقها في أن تعيش كرامة المواطن وأن تترك له فرصة العيش الكريم… هل يفترس الوطن أبناءه؟ أم ذئاب الوطن من افترست الجميع؟!
بالرغم من أن هناك تراجعا في عدد “الحراقة” هذا العام، من شواطئ الجزائر مقارنة بـ 2017 ، العهدة على قناة “الشروق”، لكن ومن حين لآخر تباغت الأسر بفقدان أحد أبنائها…أمام تقلص منح تأشيرات فضاء “شينغن”، يلجأ الشباب إلى طرق غير شرعية لتحقيق رغبة الالتحاق بالضفاف الأخرى للمتوسط.
كاميرا “الجزائرية وان”، تنقل لنا معاناة أم تجلس كل يوم قبالة الشاطئ على كرسي بلاستيكي، إنها خالتي عزيزة، تحكي وجع مغادرة ابنها عزيز صاحب 18 ربيعا أم خريفا، سيان، فلم يعرف الربيع طريقه اليه على ما يبدو. تنتظر فرجا بل خبرا من أمواج البحر المتكسرة عند قدميها، تكلم بحر الطوفان، إن رأى عزيزها، إن أوصله إلى مرافئ آمنة. تناشد السلطات أن تتدخل وتقوم بمهامها. أليست حماية المواطنين وأمنهم من صلاحيات السلطات.
هذه أم من بين أمهات مكلومات في آخر خبر عن آخر مركب حملت من شواطئ بومرداس، شرق العاصمة، بعض الشباب “الحراقة”. ما أسهل التهم التي تلصق بمن لا تأشيرة له ليعيش في أي مكان، هل وجد هؤلاء الأبواب مفتوحة، في أوطانهم ليتسللوا بطريقة مفجعة لبلدان أخرى. التأشيرة الوحيدة لم تعد الكفاءة بل الواسطة المتفشية كالورم الخبيث في المؤسسات، والتي قضت على الأحلام.
مأساة الحرقة تتكرر كل يوم وحرقة الأهالي تزداد يوما بعد يوم. أعطاها عزيز الأمان ووعد بأنه لن يحاول الهجرة. لكن اغراءات كثيرة سحبته نحوها كالمغناطيس. بل هو إدمان المحاولات للهجرة شرعية كانت أو غير شرعية.
في تونس والمغرب والجزائر. شهية الجميع مفتوحة للهجرة، أمام غول الجوع الأخطبوطي، غياب فرص العمل والعدل والحرية وجرعات الحنان. شباب، كهول وحتى النساء والرضع. يالهول ما يحدث. فئات عمرية مختلفة ومستويات تعليمية متفاوتة. هكذا أخذ البحر سمير وعزيز وفؤاد وسامية، إلى وجهات لا تكون آمنة في معظم الأحيان. تسمى قوارب الموت ويحلم بها الشباب ويدفع من أجلها الكثير.
الحياة في القرى الساحلية، ليست رغدة، ريتم حياة سكان السواحل موسميا فلا شغل للشباب إلا صيفا وأي شغل. ينتشرون على الشواطئ كفطريات تزول بسرعة للاسترزاق، ثم تدخل القرى والمداشر الساحلية سباتا عميقا لا تسمع بها سوى هدير الموج وأصوات طيور تقتات من زبد البحر. شباب السواحل كشباب الجنوب، لا خدمة ولا قدمة. فإذا كان يسمح لسكان الجنوب بالاحتجاجات، فأبناء الشمال حرمت عليهم الاحتجاجات، كما حرمت على موسى المراضع. ماذا يريدون يسكنون الجبال وبامكانهم التشباك، القفز في البحر. ينعمون بنسيم البحر والصيف الرطب. هكذا يغتال الشمال أيضا.
“لا أخبار أتت ولا جثث طفت”. إنهم يجربون حظهم في هذه الدنيا. وعندما نسأل علينا سؤال المجرب وليس من لا تجربة له. يصمت البحر بعد أن تمل الأمهات من وعود السلطات. تعود الثكالى لبيوتهن. وفجأة يرمي البحر بكل ثقله بجثث من هنا وهناك وتختلط المدن والاتجاهات. وتخلق جسور آلام ودموع تتحد مع أمواج البحر، غدارة لكن فيها روائح الأحبة. يارب سترك.

تونس وجهتم للحياة

أهي المفارقات أم منطق الأوطان؟ شباب يهجرون أوطانهم وإن كانت وجهتهم الموت، وآخرون يفضلون الاقامة في أوطاننا. تونس وجهة مثالية للكثيرين. ليس للسياحة بل للإقامة واكتساب الجنسية التونسية والاحساس والهوى التونسيين. لدرجة الرغبة في الاندماج الهوياتي التونسي. هل هذا معقول وأبناء الوطن فقدوا هذا الاحساس وتميعت الانتماءات والشعارات التي لم تعد تغن من جوع ولم تعد تطرب وتشنف الآذان. حتى من اختاروا تونس للإقامة جذبتهم ضفاف المتوسط من صقلية أو من ضفة أخرى. أبناؤنا لا يتركون لا جمل ولا أحماله، فهم ينطبق عليهم المثل: عاش ما كسب مات ما خلى. الهربة فقط تسلك، تنقذهم من ضياع وطني.
ينقل لنا الوثائقي قصة لاجئة يمنية في تونس، لكنها وإن كانت بأمان فهي لا تشعر بالحرية، بالرغم من أنها محاطة باهتمام بالغ، بمشاعر كبيرة جياشة، لحد الاختناق، تعامل معاملة جد خاصة في انتظار قوانين وتشريعات تونسية تتكفل بظاهرة اللجوء السياسي. وحتى يسمح لها أن تدخل وتخرج من تونس وتمارس نشاطاتها العادية، في حرية يكفلها القانون. وهناك أستاذ اللغة الايطالية الصقلي، المدرس في جامعة منوبة، الذي برع في حبه لتونس وتشبثه بالإقامة فيها والتجنس. يريد أن يصبح تونسيا قلبا وقالبا. وعلى الكل أن يساعده في هذه المهمة. وقوانين منح الجنسية تبقى كسلطة تقديرية بيد الرئيس ولا تمنح إلا لمن يقدم خدمات جليلة للوطن. النقطة الغامضة المبهمة في قوانين بلداننا لمنح الجنسية، مع أن الواقع يقول إن الرعاة والبطالين. قد يتحصلون على الجنسية. زوجات أجنبيات يعشن في تونس مع أزواجهن، اخترن البلد بكل ما فيها من جمال وطيبة أهلها، وطيب المقام فيها ومستوى العيش الذي يعيشونه. فمن يأتيها بإمكانه أن يصنع له الفرق بين عيشه في بلده الأصلي وعيشه في تونس، مستوى لا باس به. تونس تجعلك أكثر راحة إن كنت في راحة مسبقا. تونس تخلي الواحد على راحتو. لذلك تجد الراهبات والعباد والنساك والفنانين وكل ما يحلو لك. يقطنون سيدي بوسعيد وفيلات رائعة على شواطئ المرسى وقرطاج. إنها تونس خضراء على الدوام، وسمراء تغري بسمرتها الصديق القريب قبل الغريب البعيد.
كل ما نتمناه ألا يضيع وهج مصابيح تونس خارج حدودها، وأن ينعم مواطنوها بخيراتها وبطيب المقام فيها كما يطيب للغرباء.

“مع الناس”: الواقع والمتخيل

“مع الناس”، برنامج على قناة “دوزيم” يسلط الضوء على مجموعة التابوهات الاجتماعية، ومواضيع حساسة، انطلاقا من قصص واقعية حظيت بمتابعة المجتمع. يستضيف البلاتو صاحب المشكلة، ويصاحب البرنامج تمثيلا للوقائع في حبكة درامية مشوقة. بين حقوق تضيع نتيجة الجهل بالقوانين، إلى التلاعب في دفع مستحقات الناس، إلى رفض الآباء لاختيارات بناتهم وما ينجم عنه من مشاكل. إلى المحجوب الرجل الرياضي المضحي من أجل ابنه المعاق. من ذوي الاحتياجات الخاصة. الاعاقة هي اعاقة التفكير والسلوك والممارسات، التي تجعل من والدة الطفل، أما من طينة مغايرة للأمهات رمز التضحية والتفاني من أجل الأبناء. أما تظهر أنانيتها فوق السطح كزيوت ملوثة تطفو على الرأي العام وتفرمل المقولات الجاهزة الأبدية أن الأمهات يتشابهن في الحنان والعطاء. إلى أي حد يصدق هذا في زمن تعرى فيه الجميع وظهرت المثالب والاخفاقات المعنوية قبل أي شيء. أمهات مفترسات رمزيا، قتلت أمومتها والتهمت كبدها ووأدت مشاعرها لتدخل حياة أخرى. تتغير نظرتنا للأمهات ولعلاقات القرابة وللعديد من المقولات التي لم تعد تؤت أكلها. فحتى الروايات التي تربت مشاعرنا عليها ونما مخيالنا من خلال شخصياتها، غيرت من الشخصيات، كما جاءت في الحكايات الشعبية، في سبيل المحافظة على وهم صورة الأم. فوالدة بلانش ناج هي من تخلصت من ابنتها كما هو الأمر في مقابلها العربي هنا وهناك. لكن غيروها بزوجة الأب لكي يستطيع الصغار هضم الحكاية وتقبل بشاعة الأحداث. كذلك يتحول الأب المحجوب ويتقمص أدوار الأم، جراء الخيبة والقهر، ويضحي من أجله ويريد أن يكون بطلا رياضيا بدل ابنه الذي لا تحمله رجلاه. هكذا هي قصة المحجوب وابنه مفاجآت وقلب للأدوار. تتباين الأدوار الاجتماعية وتنعكس على العواطف ودرجات الرحمة في قلوب الآباء والأمهات، وكما كان المحجوب بارا بوالدته وجد زوجة أصبحت أما مثالية لابنه. نحتاج لتدخل الرحمة الالهية في كل زمان ومكان.

كاتبة من الجزائر

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول اغراس:

    ان هذا المقال الواقعي يدمي القلوب ويجعل كل من له ضمير يتساءل وهل من مجيب ؟
    لماذا هذا التشاؤم وهذه التعاسة في بلدان مغربنا الكبير وبلداننا لها من الخبرات مت يجعلنا من اسعد وارقى الأمم ؟
    علماء الافتصاد يبنون الرقي الاقتصادي علي مصطلح سيكولوجي وهو (الثقة) !! فأين إذن تلك الثقة التي تجعلنا متماسكين
    في مجتمع تسوده المودة وألغيرة على اوطاننا ؟
    إلى متى نهجر الأوطان ونتركها غربية وغنيمة في أيدي كل من هب ودب ؟
    سدد الله خطى كل من يعمل لصالح اوطاننا حنى يعود الأمل …

  2. يقول مراد:

    للاسف هذا هو واقعنا المرير، تكاد تصنف الاحلام ضمن الطابوهات في مجتمعاتنا

  3. يقول FADHEL-TUNISIA:

    هذا هو واقعنا……

  4. يقول عادل:

    ليس كل ما في المقال صحيح لماذا ياسيده لاتكتبي عن كسل الشباب رفضه للعمل في البناء او الزراعه وووووو اغلبهم يريدون ان يصبحوا مدراء او امراء او رؤساء دون جهد وعناء ودون عمل
    العمل البسيط الذي يوفر الكرامه وعدم مد اليد للغير متوفر في الجزائر. وغيرها

اشترك في قائمتنا البريدية