تهدئة غزة… لماذا يناور نتنياهو حتى تنصيب ترامب؟

أشرف الهور
حجم الخط
1

غزة ـ «القدس العربي»: بالرغم من التصريحات التي خرجت الأسبوع الماضي من أفواه العديد من المسؤولين، حول إمكانية الاقتراب من التوصل إلى تطبيق أول مراحل اتفاق التهدئة في غزة، إلا أن طول مدة المفاوضات المستمرة في العاصمة القطرية الدوحة، يعيد للذاكرة تلك العقبات التي كانت تضعها حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف في مرات سابقة، وتفشل فيها الجهود، وهو ما يدفع إلى الواجهة التحليلات التي تشير إلى نوايا بنيامين نتنياهو، تأجيل أي اتفاق إلى حين وصول الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في الـ 20 من الشهر الجاري.

وتعد المفاوضات غير المباشرة الحالية هي الأطول التي يقودها الوسطاء بين حركة حماس ومسؤولين إسرائيليين، منذ أن بدأت الوساطة الخاصة بالتوصل إلى تفاهمات حول تهدئة تنهي الحرب على غزة، ورغم أن ذلك يعزز الإشارات والتصريحات التي تتحدث عن وجود تقدم في كثير من ملفات الخلاف، وما ذهبت إليه بعض التقارير العبرية التي نشرت المقترحات الأولية للتوافقات، إلا أنها أيضا تعزز الاعتقاد بوجود نوايا لدى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، حول استغلاله من جديد لإدارة الوقت، وتخفيف الضغوط الداخلية والخارجية، من أجل تنفيذ مخططه القاضي بتأجيل الاتفاق أو تطبيقه إلى ما بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض.
وفي التفاصيل، فقد تحدثت الكثير من المصادر العربية والفلسطينية، عن وجود تقدم في التفاوض، وأن الصياغات التي جرت مناقشتها في الدوحة، تقضي بهدنة تتراوح بين 6 و8 أسابيع، بحيث يتم خلالها تنفيذ برنامج إسعاف غزة، من خلال ضخ كميات كبيرة من المساعدات والمواد الطبية، وقد جرى الحديث على أن إسرائيل بموجب التقدم الحاصل ستستلم، قائمة بأسماء الأسرى الأحياء لدى المقاومة،
وتلا ذلك أن قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، «قريبون جدًا من صفقة تبادل بين إسرائيل وحماس ووقف إطلاق النار»، لكنه رغم ذلك قدم تخوفا يشير إلى إمكانية عدم التوصل إلى تلك الصيغة في الوقت القريب، رغم ما أشيع حول الأمر، وقال «إذا لم نصل إلى هناك مع التداول على السلطة في الولايات المتحدة، فإن خطة بايدن ستنتقل إلى إدارة ترامب».
وتحدث عن الوقت الكبير الذي أمضته إدارته للترويج لمبادرة لإدارة قطاع غزة بعد الحرب، والتي تتضمن ترتيبات لأمن وإدارة وإعادة تأهيل القطاع، وقال «في هذه الحالة أيضا، نحن مستعدون لتسليمها إلى إدارة ترامب حتى تتمكن من مواصلة العمل عليها وتنفيذها عندما تسنح الفرصة».
هذا وقد جرت الإشارة إلى أن وصول ستيف ويتكوف، مبعوث الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، إلى الدوحة الأسبوع الماضي، سيكون بمثابة إعلان موافقة على إتمام الصفقة، خاصة بعد أن وصل مبعوث الإدارة الحالية إلى الدوحة، للانخراط في الوساطة إلى جانب المسؤولين القطريين والمصريين.
وقال ويتكوف مع بداية وصوله إلى المنطقة، إنه يأمل في تحقيق نتائج طبية فيما يتعلق بالأسرى الإسرائيليين في غزة بحلول موعد تنصيب ترامب في 20 الجاري.
وكشفت تقارير عبرية، عن تقدم المفاوضات، بحيث حلت عقبة كبيرة وتم تجاوزها وهي عودة النازحين الغزيين إلى شمال القطاع، وأنه بموجب التفاهمات التي تم التوصل إليها، سيسمح للرجال والنساء والأطفال العودة من جنوب قطاع غزة إلى الشمال، بشرط التفتيش في «محور نتساريم» بإشراف جهة خارجية دولية، حيث تعد خطوة عودة النازحين شرطا وضعته حركة حماس.
ومع انتشار تلك الأخبار التي أشارت إلى قرب التوصل إلى تهدئة في قطاع غزة، عبر السكان خاصة في مناطق النزوح القسري عن فرحتهم بتلك الأخبار على طريقتهم بالتهليل والصفير، وعادوا للاهتمام كثيرا بمتابعة أخبار التهدئة، لكن سرعان ما تراجعت تلك الفرحة والمتابعة، بسبب طول المدة، وصدور تصريحات جديدة من قيادة الاحتلال.

تراجع التفاؤل

تجدر الإشارة إلى أن الذكريات القريبة، تشير إلى أن نتنياهو كثيرا ما كان يعتمد أسلوب المماطلة والتسويف في إدارة مفاوضات التهدئة، ففي مرات سابقة كثيرة، كان يسلب الوفود المتفاوضة أي صلاحيات، ويجعل الكلمة النهائية له، ما كان يفشل الوصول إلى تفاهمات تنهي الحرب، وبدا أنه يستخدم ذات الأسلوب في المفاوضات الأخيرة، خاصة وأن المعلومات المتوفرة تشير إلى أن وفد إسرائيل المفاوض عاد إلى تل أبيب وأطلع نتنياهو على نتائج التفاوض وعاد من جديد إلى الدوحة، وهو ما يعني أنه لا يملك الصلاحيات في إعطاء الرأي في الملفات الهامة ونقاط الخلاف التي تطرح للتفاوض من أجل إيجاد حل نهائي لها، يسهل الأمور لتطبيق التهدئة.
وبما يدلل على ذلك، هو نفي نتنياهو في خضم الحديث عن قرب التوصل للصفقة، التقارير التي تحدثت عن وقف قريب لإطلاق النار في قطاع غزة لمدة أسبوع، مقابل الحصول على قائمة الأسرى الإسرائيليين في غزة.
وفي بيان أصدره مكتب نتنياهو، قال إن ما تداولته وسائل الإعلام العربية عن تهدئة لمدة أسبوع مقابل قائمة بأسماء المختطفين، «كذب محض وجزء آخر من الحرب النفسية التي تحاول حماس فرضها على أهالي المختطفين في إسرائيل».
وقد أعلن أيضا أن «إسرائيل ستواصل العمل على مدار الساعة ودون سابق إنذار من أجل إعادة جميع المختطفين إلى وطنهم»، وكان بذلك يرسل إشارات تهديد جديدة لحركة حماس.
ويبدو أن نتنياهو سيعتمد على حليفه الأكبر الرئيس الأمريكي القادم دونالد ترامب الذي هدد بالتزامن مع نفي نتنياهو، حركة حماس، وقال «إذا لم يعد الرهائن بحلول الوقت الذي سأتولى فيه الرئاسة، فتفتح أبواب الجحيم على مصراعيها في الشرق الأوسط ولن يكون الأمر جيدا لحماس ولن يكون جيدا بكل صراحة لأي أحد».
وفي تحليل لهذا التهديد، ذكر تقرير نشرته صحيفة «إسرائيل اليوم» أن أمام ترامب أن يلجأ لأساليب ضغط شديدة على حماس، من أجل تحقيق تهديده، وألا يبقى حبرًا على ورق، ومن ضمنها إزالة العقبة التي وضعها بايدن على إسرائيل، وهي إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، بالإضافة إلى أن يترك إسرائيل تفعل ما يحلو لها في القطاع، وضم مناطق منه، وذكر التقرير إنه إذا فعل ذلك «سيفتح أبواب الجحيم على حماس».
وقد أثار ذلك شكوك المتابعين للملف، بإمكانية إفشال كل الإنجازات والمقاربات التي حققت خلال فترة المفاوضات الأخيرة، من خلال شروط جديدة يضعها نتنياهو، يحاول فيها ابتزاز المقاومة الفلسطينية، ودفعها إلى تقديم تنازلات.
ولذلك قال طاهر النونو المسؤول في حركة حماس، إن حركته ليست بعيدة عن التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل، لكن إذا كان هناك تجاوب من نتنياهو، في قضيتي وقف إطلاق النار الدائم والانسحاب من قطاع غزة، وفي تصريحات صحافية للنونو، قال إن حماس «قدمت تنازلات عديدة، في سبيل إنجاح جهود الوساطة لوقف إطلاق النار ولإنهاء معاناة شعبنا في قطاع غزة»، وقد أشار صراحة إلى المخاوف من مماطلة وتسويف نتنياهو بالقول «لكن في كل مرة كنا نصطدم بتعنت إسرائيلي ورفض ونسف لكل تلك الجهود والعودة إلى نقطة الصفر، لأن نتنياهو يريد التنصل من أي تعهدات تفضي بوقف إطلاق نار دائم في غزة».

الخطط في عهد ترامب

وفي دلالة على ذلك، فقد صرح وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش، بأن جيشه سيستمر في التواجد بقطاع غزة لفترة طويلة، وأكد رغم الأحاديث التي أشارت إلى أن بنود الاتفاق الجديد تشمل انسحابات متتالية للجيش في فترة التهدئة الأولى، بما تشمل تفكيك النقاط الأمنية والعسكرية الموجودة على «محور نتساريم» وفي مناطق التوغل البري، أن «إسرائيل مصممة على الحفاظ على وجودها في غزة حتى تحقيق الأهداف الأمنية المرسومة»، وفي تهديد جديد لغزة وحركة حماس قال «إن الضغط الإسرائيلي سيزداد بشكل ملحوظ، بعد تنصيب الرئيس الأمريكي المقبل دونالد ترامب»، وقد أشار إلى أن إدارة ترامب ستعزز دعمها لإسرائيل في هذه المرحلة، وهو ما سيجعل المواقف الأمريكية أكثر تشددًا في التعامل مع التوترات في المنطقة.
وقد زاد على هذه التصريحات بأخرى تعبر بشكل واضح عن سياسات اليمين القادمة، حيث هدد بأن إسرائيل ذاهبة نحو احتلال غزة بشكل كامل، بعد تولي ترامب منصبه كرئيس للولايات المتحدة، وقال «في 21 الجاري، بعد تولي ترامب منصبه، سيكون الضغط العسكري في غزة أقوى، ليس دخولًا أو خروجًا، بل الاستيلاء على الأراضي واحتلالها، ولا ينبغي أن نخاف من ذلك، مع تحمل المسؤولية المدنية»، وأضاف «ستتم زيادة الضغط العسكري على حماس، وسوف نبقى في غزة لفترة طويلة».
هذا وتوعد رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي هرتسي هاليفي، رغم الحديث عن تقدم المفاوضات، بمواصلة الحرب على غزة، وقد جاء التهديد الجديد خلال زيارته لتقييم الأوضاع في منطقة التوغل البري شمال غزة، وتحديدا في منطقة جباليا، بمشاركة قادة من جيشه، من بينهم قادة الألوية المقاتلة في القطاع.
وقال هاليفي خلال زيارته جباليا «لن نتوقف، سنوصلهم إلى نقطة يفهمون فيها أنهم بحاجة إلى إعادة جميع المختطفين»، كما توعد باعتقال وقتل مزيد من الفلسطينيين، إذا لم تطلق حركة حماس سراح الأسرى الإسرائيليين الذين تحتجزهم.
ومن ثم أعلن ذلك بشكل واضح وزير الجيش الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الذي أعلن أنه أصدر أوامره للجيش، بإعداد خطة تلحق «هزيمة كاملة بحماس في غزة» حال عدم التوصل إلى صفقة بشأن إطلاق سراح الأسرى بحلول وقت تنصيب الرئيس الأمريكي القادم دونالد ترامب، وجاء في بيان صدر عن مكبته «لا يجب أن نستدرج إلى حرب استنزاف تكلفنا ثمنا باهظا، ولن تؤدي إلى النصر، ولا الهزيمة الاستراتيجية الكاملة لحماس ونهاية الحرب في غزة».
وقد دفعت هذه التصريحات العلنية بترجيحات تأجيل نتنياهو أي صفقة إلى حين وصول دونالد ترامب إلى سدة الحكم من جديد في الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة وأن الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، قال إن مفاوضات صفقة التبادل «مكثفة وعنيدة وصعبة» خاصة وان المعلومات التي تناقلتها الإذاعة العبرية تشير إلى وجود عقبات بسبب تعنت إسرائيل تتمثل بقائمة أسماء كل الأسرى الإسرائيليين الأحياء، حيث تعتبر إسرائيل أن جميع من في الأسر اليوم هم حالات إنسانية، بعد مرور 14 شهرًا على أسرهم، وهو أمر ترفضه حماس وتفرق بين الحالات الإنسانية والجنود والضباط الأسرى.
وتطلب حماس كما كل مرة، بضمانات لوقف الحرب وانسحاب كامل في المرحلة الثانية من المفاوضات، فيما كان نتنياهو يرد بالتهديد كما المرات السابقة بالعودة للحرب بعد صفقة تبادل الأسرى، ولذلك قال القيادي في حركة حماس أسامة حمدان، أن إسرائيل لن تستعيد أسراها إلا عبر اتفاق تبادل، وقد اتهم نتنياهو بالتلاعب بمصيرهم، وقال وهو يقدم موقف حركته الرسمي «صفقة تبادل الأسرى مع الاحتلال لها قواعدها التي سوف تطبق، وعلى ضوء ذلك سيأخذ الاحتلال أسراه وسنأخذ أسرانا»، وأضاف «لكن بكل تأكيد، لن يستعيد (الاحتلال) أسراه أحياء إلا من خلال اتفاق».
أما ميدانيا، فقد شهدت الأيام الماضية تصعيدا إسرائيليا خطيرا، تخلله تشديد الحصار وارتكاب المزيد من المجازر.
ففي مناطق شمال قطاع غزة استمرت المجازر الدامية، وعمليات التدمير الممنهج لكل مقومات الحياة هناك، لجعل مناطق الشمال غير صالحة لحياة الغزيين تمهيدا لتطبيق خطط الضم والاستيطان، في السياق استمرت أيضا عمليات الهجوم العنيف على مناطق أخرى في مدينة غزة وفي مناطق النزوح في الوسط والجنوب، وجرى الإبلاغ مرات عدة عن عمليات تدمير مربعات سكنية كبيرة في مناطق التوغل، علاوة عن المجازر التي استهدفت المنازل ومراكز وخيام الإيواء، لتحصد المزيد من أرواح الأبرياء بمن فيهم الأطفال والنساء.
وترافق ذلك مع نقص حاد في طعام السكان، والأدوية والوقود اللازم لتشغيل مولدات مشافي غزة، ضمن سياسة الحصار المشدد، التي تعمل من ورائها إلى جعل من ينجو من الصواريخ، أن يموت جوعا أو مرضا.
وقد كانت وزارة الصحة في غزة حذرت من «كارثة حقيقية» تعصف بالمستشفيات، ومحطات الأكسجين وثلاجات حفظ الأدوية وحضانات الأطفال في كافة المرافق الصحية المتبقية على رأس عملها في القطاع، وأكدت أنه ️لا يوجد مخزون وقود لدى المستشفيات حاليا، بسبب «السياسة التقطيرية» التي يتبعها الاحتلال في إدخال الوقود منذ بداية الحرب، وأشارت إلى أن ️الاحتلال يجبر قوافل المساعدات، بما فيها سيارات الوقود، بسلوك طرق مليئة باللصوص وقطاع الطرق لسرقتها تحت حمايته.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Samir:

    نتنياهو سياسي محترف و ماكر و يعرف تحديدًا ما يريد فعله و إنجازه في غزة، فهو لن يترك غزة حتى يضمن تمامًا أنه لن يطلق منها رصاصة واحدة على إسرائيل مستقبلًا. حماس لازالت تقاوم و تستهدف الجنود الاسرائيليين بعمليات عسكرية توقع قتلى بينهم، و طالما أنه لازال هناك مقاومة فأن مسلسل العنف سوف يستمر، و هذا الذي يعول عليه نتنياهو حيث أقنع ترامب بأن أمن إسرائيل و مستقبلها أصبح على المحك بعد هجوم طوفان الأقصى وهذا يستدعي الاستمرار في الحرب من أجل القضاء على المقاومة نهائيًا. موضوع الرهائن منذ بداية الحرب لم يكن على قمة أولويات الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل.

اشترك في قائمتنا البريدية