القاهرة ـ «القدس العربي»: اشتعل الغضب في أوساط الصحافيين والمحامين المصريين، نتيجة ممارسات السلطة تجاههم، ففي الوقت الذي بات فيه الصحافيون على أبواب مواجهة جديدة مع السلطة، في ظل التضييقات التي تمارسها وتهدد حقوقهم في صرف بدل التدريب والتكنولوجيا، يواصل المحامون احتجاجاتهم المستمرة منذ أشهر رفضا لزيادة الرسوم القضائية.
وبدأت الأزمة بين الصحافيين والحكومة، في أعقاب فوز مرشح تيار الاستقلال خالد البلشي بولاية ثانية في مواجهة مرشح الحكومة عبد المحسن سلامة رئيس مجلس إدارة الأهرام الأسبق، في الانتخابات التي جرت في الأسبوع الأول من شهر مايو/ أيار الجاري.
ودشن صحافيون موالون للسلطة حملات تطالب بسحب الثقة من البلشي، عقب وقفة احتجاجية نظمها صحافيون ونشطاء على سلم النقابة في بداية الشهر الجاري تضامنا مع قافلة «الصمود» المغربية، وللمطالبة بالسماح لها بدخول الأراضي المصرية، وللمطالبة أيضاً، بالسماح بالمسيرة الدولية إلى غزة التي أطلقتها الحملة الدولية المناهضة للاحتلال بالوصول إلى معبر رفح. وقبل ذلك بأيام، ألغى النقيب، بعد ضغوط، وقفة احتجاجية كانت مقررة على سلالم النقابة تضامنا مع الأكاديمية ليلى سويف المضربة عن الطعام منذ شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، للمطالبة بالإفراج عن ابنها الناشط السياسي علاء عبد الفتاح.
حملات الموالين
الحملات التي دشنها الموالون اتهمت النقيب بمعاداة الحكومة، ما سيؤثر على الخدمات التي يحصل عليها الصحافيون، وعلى رأسها بدل التدريب والتكنولوجيا الذي تصرفه الحكومة لهم منذ سنوات.
إلا أن الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل وصل للحديث عن وقف صرف البدل لـ 55 صحافيا من «جريدة الطريق»، تمهيدا لوقف صرفه لأكثر من 2000 صحافي جرى فصلهم من أماكن عملهم.
ودعا مجلس نقابة الصحافيين، برئاسة البلشي، المجلس الأعلى للإعلام، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز، لعقد اجتماع عاجل لمناقشة الأزمة.
وطالب النقابة بحل هذه الأزمة، التي تضمنت إجراءات غير مسبوقة من جانب المجلس، دون الرجوع إلى النقابة أو الالتزام بالقواعد المعمول بها منذ عقود.
وبين خطاب النقابة أن بدل التدريب والتكنولوجيا الذي تم تحويله إلى النقابة في يونيو/ حزيران الجاري من قبل المجلس الأعلى للإعلام، قد شهد خصماً بلغ 858 ألف جنيه، وعند الاستفسار من مسؤولي الحسابات في المجلس، تم إبلاغ النقابة شفهياً بأن 55 صحافيا من جريدة «الطريق» تم خصم بدل التدريب لهم لمدة 4 أشهر بأثر رجعي من مارس/ آذار حتى يونيو/ حزيران الماضيين، وأن هذا الإجراء يعد انتهاكا لحقوق الزملاء، ويهدد استقرارهم المهني والاجتماعي.
ولفت إلى أن المجلس الأعلى للإعلام اتخذ قرار الخصم دون إخطار النقابة بشكل رسمي أو تبرير قانوني، وقد تم تبرير الخصم شفهياً بأن هناك شكوى من مالك الصحيفة، ولكن لم يتم إخطار النقابة رسمياً بهذا الموضوع، كما لم يتم سماع أي رأي من الأطراف المعنية قبل اتخاذ القرار.
وأكدت النقابة في خطابها أن الخصم يتناقض مع الأحكام القضائية المستقرة، ويخالف توجيهات رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي التي صدرت في مؤتمر بني سويف بتاريخ 16 سبتمبر/ يوليو 2023، التي أكدت على ضرورة صرف بدل التدريب لجميع الصحافيين المقيدين في النقابة، بغض النظر عن جهة عملهم.
ولفتت خطان النقابة إلى أن خصم البدل من الصحافيين في «الطريق» يتناقض مع حكم القضاء الإداري الصادر في 25 يونيو/ حزيران 2013، الذي أقر بأن بدل التدريب والتكنولوجيا حق لكل الصحافيين المقيدين في جدول النقابة، بغض النظر عن الجهة الصحافية التي يعملون بها.
وأكد أن الشكوى التي تم بناءً عليها خصم البدل شابها العديد من الأخطاء، فقد تلقّت النقابة شكاوى من صحافيين في «الطريق» تُفيد بإخطارهم بوجود مديونية على بدل تدريب سابق، رغم أنهم كانوا قد التحقوا بالنقابة بعد تلك الفترة، كما قدمت النقابة نسخًا من التأمينات التي تؤكد استمرارية عمل الصحافيين حتى بداية عام 2025، ما يكشف عن التلاعب في البيانات المقدمة.
بسبب زيادة الرسوم القضائية… وبدل التدريب والتكنولوجيا
وبعد ساعات من إرسال الخطاب، التقى مجلس النقابة برئاسة البلشي، المهندس خالد عبد العزيز، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام؛ لبحث عددٍ من المشكلات الخاصة ببدل التدريب والتكنولوجيا، التي طرأت في الفترة الأخيرة.
جاء ذلك بحضور عصام الأمير وكيل المجلس، والمستشار ياسر المعبدي الأمين العام للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.
وقد تم استعراض المشكلات التي طرأت في الفترة الأخيرة بخصوص صرف البدل، وقدمت النقابة كل المستندات التي تؤكد صحة موقفها وقانونية صرف البدل للزملاء في جريدة «الطريق».
وفنّدت نقابة الصحافيين بالمستندات كل ادعاءات مالك جريدة «الطريق».
وتم الاتفاق على إرسال كل البيانات، التي تؤكد صحة موقف الزملاء، على أن يتم إنهاء الأزمة في أسرع وقت ممكن، كما اتفق الطرفان على ضرورة وضع قواعد للتعامل مع القضايا والمشكلات الخاصة بالصحافيين على أن يتم عقد لقاءات دورية، والتواصل المستمر لحل الأزمات والمشكلات.
كما تم الاتفاق على أهمية الإسراع باعتماد اللائحة الجديدة المنظمة لصرف بدل التدريب والتكنولوجيا، التي تم الاتفاق على بنودها واعتمادها من الطرفين خلال دورة المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام السابق.
ضغوط شديدة
لكن مصادر من النقابة أكدت لـ «القدس العربي» أن رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ألمح خلال اللقاء إلى تعرضه لضغوط شديدة للتضييق على مجلس النقابة.
وتعتمد نسبة كبيرة من الصحافيين المصريين على بدل التدريب والتكنولوجيا وهو 3900 جنيه مصري (حوالي 77 دولارا) كمصدر أساسي للإنفاق، في ظل تدهور أوضاعهم الاقتصادية.
وكشفت نتائج الاستبيان الذي أجري في المؤتمر السادس لنقابة الصحافيين في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أن نحو 13 في المئة من الصحافيين لا يتقاضون رواتب، ما يعني أنهم يعملون في ظروف أقرب إلى العمل الجبري.
كما تتراوح نسبة من يحصلون على رواتب غير مستقرة بين 13 و17 في المئة، ويعاني أكثر من 49٪ من غياب الحد الأدنى للأجور (6 آلاف جنيه) أو وجود لوائح مالية تنظم حقوقهم داخل المؤسسات الصحافية، ونحو 65٪ من الصحافيين ينفقون البدل على متطلبات حياتهم اليومية، بدلا من استثماره في التدريب أو المعدات الصحافية.
وعلى بعد أمتار من مقر نقابة الصحافيين، يحاول المحامون التصدي لقرار زيادة الرسوم القضائية.
ونظم المحامون، أمس، وقفات احتجاجية ضد ما تعرف بـ«رسوم الميكنة» أمام مقر النقابة العامة في القاهرة والنقابات الفرعية في المحافظات.
وفي كلمته أمام المحتجين، أقر نقيب المحامين عبد الحليم علام بضعف المشاركة، موجهًا اللوم إلى مجالس النقابات الفرعية في القاهرة الكبرى التي كان يعوَّل عليها في الحشد، ووصفها بـ «الناس المتخاذلة في كثير من الأمور»، بينما وجه الشكر للمحامين الذين حضروا من محافظات أخرى لدعم الوقفة.
وأكد في كلمته خلال الوقفة أن التحرك ليس احتجاجا فئويّا يخص المحامين وحدهم، بل هو دفاع عن حق المواطن في الوصول إلى قاضيه الطبيعي.
وشدد على أن الرسوم القضائية الجديدة تمس بشكل مباشر السلم الاجتماعي والأمن القومي للدولة، قائلاً: «تصعيدنا اليوم رمزي، ونراعي فيه الظروف العامة التي تمر بها البلاد، لكن ذلك لا يعني التراجع عن مطالبنا المشروعة».
وقال: أجرينا استطلاع رأي واسعا في يوم الدعوة للجمعية العمومية، لمعرفة توجهات أعضاء الجمعية بشأن الإجراءات التصعيدية، مؤكدا أن الاستطلاع سيُبنى عليه تصور واضح ومدروس لتحركات النقابة القادمة، خاصة أن الأمر يتعلق بما يقرب من نصف مليون محامٍ وأسرهم في مختلف أنحاء الجمهورية.
وختم كلمته بإعلان عقد اجتماع موسّع يوم الأربعاء المقبل، سيجمعه بنقباء النقابات الفرعية في جميع المحافظات، لمناقشة الموقف والتباحث بشأن الدعوة إلى إضراب عام إذا لم تتم الاستجابة لمطالب النقابة.
ونقلت الصفحة الرسمية لنقابة المحامين صورًا من وقفات احتجاجية للمحامين أمام محاكم سوهاج وشمال الدقهلية وشمال البحيرة ومطروح وجنوب البحيرة وبني سويف وأسيوط وبورسعيد وجنوب الدقهلية وطنطا وشمال سيناء وكفر الشيخ، وقالت إنها جاءت اعتراضًا على زيادة الرسوم القضائية.
وكانت محكمة استئناف القاهرة استحدثت زيادة في الرسوم القضائية، تحت مسمى «خدمات مميكنة» اعتباراً من شهر مارس/ آذار الماضي.
وردت نقابة المحامين باتخاذ إجراءات تصعيدية متدرجة، بدأت بالدعوة إلى وقفات احتجاجية على مستوى مقار المحاكم الابتدائية لمدة نصف ساعة، والامتناع التام عن توريد أي مبالغ مالية في جميع خزائن محاكم الاستئناف ومأمورياتها ولمدة ثلاثة أيام بدأت في 15 أبريل/ نيسان الماضي واستمرت لمدة 3 أيام.
وخلال السنوات الماضية، ارتفعت رسوم التقاضي بنسب تصل إلى 1000 في المئة، فيما استحدثت مؤخرا رسوم بينها الدمغات والنماذج المطبوعة والخدمة المميكنة والاستعلام، إلى جانب رسوم استخراج شهادات الجدول أو الحصول على نسخ من الحوافظ أو صور من الأحكام الصادرة، فضلا عن زيادة رسوم عمل التوكيلات للمحامين.