قرر عدد من القادة السياسيين الدخول في إضراب عن الطعام، احتجاجا على جلسات المحاكمات التي وصفوها بأنها تفتقر إلى شروط المحاكمة العادلة، متهمين السلطة بإخفاء الحقيقة.
تونس ـ «القدس العربي»:ما تزال القضية التي عرفت في تونس باسم «التآمر على أمن الدولة»، والتي يتم فيها تتبع سياسيين ومحامين وإعلاميين ورجال أعمال وغيرهم، تثير الكثير من الجدل خاصة فيما يتعلق بالمحاكمات عن بُعد للمتهمين في هذه القضية التي شغلت الرأي العام. فهناك رفض واسع لهذه المحاكمات من قبل المعارضة والمنظمات الحقوقية وكثير من الناشطين في الشأن العام الذين يرون في عدم جلب المتهمين إلى قاعة الجلسات بالمحكمة هضما لحق الدفاع وضربا لمبدأ المحاكمة العادلة التي يجب أن يتمتع بها كل متهم.
وفي آخر تطورات هذه القضية قررت الدائرة الجنائية المختصة بالنظر في قضايا الإرهاب بالمحكمة الابتدائية في العاصمة رفع آخر جلسة خصصت للنظر في ملف التآمر على أمن الدولة وذلك بسبب احتجاج محاميي الدفاع على عدم جلب المتهمين للجلسة. كما احتج المحامون أيضا في هذه الجلسة على عدم تمكين عائلات المتهمين من الدخول إلى قاعة الجلسات بالمحكمة ومواكبة أطوار المحاكمة بما أن الجلسة علنية ولا شيء يمنع حضورهم، ولا شيء أيضا يبرر منعهم، حسب فريق الدفاع.
وفي السياق نفسه قرر عدد من القادة السياسيين الدخول في إضراب عن الطعام احتجاجا على المشاركة في جلسات وصفوها بأنها تفتقر إلى شروط المحاكمة العادلة، متهمين السلطة بمواصلة «التعتيم» على الملف، إخفاء للحقيقة.
واعتبر الموقوفون أن ما يتعرضون له هو انتهاك صارخ لحقوقهم، ويتمثل هذا في الحرمان من حق «دفع التهم الباطلة والمحاضر المزورة»، حسب ما ورد في البيان. ووجهوا خلال بيان أصدروه دعوة إلى كافة المحامين لمواصلة التجنيد لمواجهة ما وصفوه بالظلم، والدفاع عن الحق في محاكمة عادلة.
ووجهت لهؤلاء اتهامات بـ«التآمر على أمن الدولة والوقوف وراء أزمات توزيع السلع وارتفاع الأسعار». في المقابل يؤكد أنصار المعارضة بأن السلطات توظف القضاء لملاحقة الرافضين لسياسات الحكم الراهنة.
وللإشارة فإن هذه القضية تعود إلى شباط/فبراير 2023 عندما تم إيقاف عدد من السياسيين ورجال القانون ورجال الأعمال ونشطاء في المجتمع المدني بتهمة تكوين وفاق بغاية التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي. وهي جريمة خطيرة منصوص عليها في القانون الجزائي التونسي ويمكن الحكم فيها بأحكام مشددة قد تصل إلى الإعدام الذي يتم الحكم به في تونس لكنه لا ينفذ واقعيا.
وكانت هيئة المحكمة قد باشرت أولى جلساتها في هذه القضية يوم 4 آذار/مارس الماضي وتم التواصل مع بعض الموقوفين من خلال التقنيات الحديثة بدون أن يتم جلبهم إلى قاعة المحكمة بدعوى الحفاظ على الأمن وخشية على حياة الموقوفين. كما حضر إلى قاعة المحكمة أغلب المتهمين الذين هم بحالة سراح ولم يتم الاستماع إلى هؤلاء عن بعد مثلما حصل مع الموقوفين وهو ما جعل البعض يتساءل لماذا لم يقع جلب المتهمين الآخرين ما دام قد أمكن إحضار هؤلاء بدون أن تحصل اضطرابات أمنية؟
وشهدت الجلسة الأولى المشار إليها رفض محاميي الدفاع نيابة عن المتهمين «المحاكمة عن بعد» وتمسكوا بإحضار المتهمين أمام القضاء وإلى قاعة الجلسة وتوفير ضمانات المحاكمة العادلة التي هي حق من حقوق الإنسان. كما طالب محامو الدفاع في تلك الجلسة بالإفراج عن المتهمين وإبقائهم خارج السجن إلى حين إتمام كامل أطوار التقاضي وصدور حكم بات، مؤكدين أن المتهمين لا يمثلون خطرا ولا يخشى على المجتمع منهم ولا على سير التقاضي في حال كانوا بحال سراح.
وتم تأجيل النظر في هذه القضية إلى يوم 18 نيسان/ابريل الجاري ومن المفروض أن تخصص الجلسة المشار إليها لاستنطاق المتهمين الذين هم في حالة إيقاف. ولم تحدد المحكمة المختصة بالنظر إن كان سيقع جلب المتهمين إلى قاعة الجلسات أم أنه سيتم الاستماع إليهم عن بعد مثلما تم إقراره قبل احتجاجات هيئة الدفاع والمتهمين وأهاليهم.
ونددت بهذه المحاكمات منظمات وطنية أيضا وفي طليعتها النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين التي أصدرت بيانا في 11 نيسان/ابريل، نددت فيه بعدم احترام السلطة لمبدأ علنية الجلسات القضائية، كما نددت النقابة بحرمان الصحافيين من المعلومة، إثر ما اعتبرته «منع صحافيين من تغطية جلسة المحاكمة في هذه القضية». وجاء في البيان أن انتهاكات السلطة بحق الصحافيين وحق الجمهور في الحصول على المعلومات القضائية متواصلة وذلك مع انطلاق الجلسة الثانية للنظر في ملف ما يعرف بقضية «التآمر على أمن الدولة» بالمحكمة الابتدائية بتونس.
وأكدت النقابة في بيانها أنه تم يوم 11 نيسان/ابريل 2025 منع مجموعة من الصحافيين وممثلين عن وسائل إعلام محلية وأجنبية من دخول قاعة الجلسات، وبرر أعوان الأمن المسؤولون عن حماية القاعة المنع بأنهم ينفذون التعليمات. وأضاف بيان النقابة أنه رغم محاولة الصحافيين التواصل مع وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس إلا أنه تعذر عليهم حضور الجلسة رغم أن الأمر يتعلق بمحاكمة علنية.
وترى النقابة الوطنية للصحافيين أن هذا المنع المسجل في حق الصحافيين يأتي في إطار سياسة تمييزية تمارسها المحاكم التونسية بين وسائل الإعلام على حد تعبيرها. كما ترى النقابة أن هذه السياسة تمس بمبدأ علنية الجلسات والمرافعات المنصوص عليها بالفصل 143 من مدونة الإجراءات الجزائية، وهو القانون الذي ينظم إجراءات التقاضي في المادة الجزائية.
كما نددت النقابة في بيانها بما أسمته «مواصلة المحاكم التونسية ضرب مبدأ علنية الجلسات» ولفتت نظر الرأي العام إلى خطورة هذه الممارسات التي تمس بحقهم في الحصول على المعلومة في ملفات تهم الرأي العام وذات أهمية سياسية وحقوقية كبيرة. واعتبر البيان المشار إليه قرار منع الصحافيين من العمل استهدافا لحرية العمل الصحافي وضربا لحقه في النفاذ إلى المعلومات الذي تكفله القوانين.
وطالبت النقابة القضاء التونسي باحترام حق الصحافيين في العمل وفي الحصول على المعلومات وتمكينهم منها. كما حملت السلطات المسؤولية القانونية والأخلاقية على هذا المنع المسجل في حق الصحافيين الذين يتولون مهمة نقل ما يحصل للرأي العام.
ولعل المرجح، حسب البعض، هو أن تواصل السلطة تمسكها بالمحاكمة عن بعد للمتهمين الموقوفين في هذه القضية، وتصر على عدم إحضارهم من سجن إيقافهم لأنه لا توجد مؤشرات في الوقت الحاضر يمكن أن توحي بخلاف ذلك. ويرى هؤلاء أن ذلك سيقابل باحتجاجات لأهالي الموقوفين كتلك التي حصلت أمام المحكمة الابتدائية بمناسبة الجلسة الأخيرة بعد منع أهالي المتهمين من حضور الجلسات التي من المفروض أنها علنية.
كما من المتوقع، أن يواصل فريق الدفاع احتجاجه على عدم جلب المتهمين احتراما لحق الدفاع ومن أجل إجراء محاكمة تستجيب لمعايير المحاكمة العادلة أو قد يذهبون بعيدا إلى حد مقاطعة الجلسات ما لم تتم الاستجابة لطلبهم في جلب الموقوفين. كما يتوقع البعض أن يمتنع المتهمون عن الحديث عبر وسائل الاتصال الحديثة وتمسكهم بالحضور أمام هيئة المحكمة لمناقشة التهم الموجهة إليهم.
وللإشارة فإن عدد المتهمين في هذه القضية هو 41، منهم عشرة موقوفين، كما أن من بين هؤلاء، متهمون بحالة فرار ومتهمون بحالة سراح وينتمي هؤلاء جميعا إلى عدة مهن وانتماءات فكرية وسياسية متعددة. وفي وقت سابق، تمت تبرئة الدبلوماسيين الأجانب المقيمين في تونس الذين اتهم من يقع تتبعهم في هذه القضية بالتخابر معهم في حين لم تقع تبرئة المتهمين بهذا التخابر.
لذلك بقيت هذه القضية وستبقى مثارا للجدل وللاختلافات والتجاذبات بين مختلف الأطراف السياسية والحقوقية، وسيتواصل الأمر لفترة طويلة باعتبار أنها ما زالت في الطور الابتدائي وهناك أطوار أخرى للوصول إلى الحكم البات. ويرى البعض أن الإفراج عن الموقوفين في هذه القضية ومحاكمتهم وهم في حال سراح سيخفف من الاحتقان وسيمنح ثقة أكبر في الجهاز القضائي التونسي.
المحاكمة عادلة و كل حقوق الدفاع محفوظة، لا احد فوق القانون و لا رجوع إلى الوراء ،