جدار يحمي السعودية من ‘رهاب الربيع’

حجم الخط
9

هو الجدار العازل بين السعودية واليمن. جدار أو سياج مكهرب يحمي السعودية من أي ريح قد تهب من جارتها اليمن. جدار يقضي على كافة الاتفاقات بين البلدين التي تركت الحدود بينهما مفتوحة كمنطقة رعي للماشية.
من ال BBC البريطانية أثيرت القضية. شكلت محوراً لبرنامج ‘نقطة حوار’. بسؤال الناس في الشارع كما هي عادة البرنامج جاءت النتيجة: استنكار وحرام، والجدار العازل بين المسلمين لا يصلح. هذا هو حال الناس بتعبيرهم العفوي. ومن اختارته القناة التلفزيونية للحوار المباشر على الهواء من السعودية مواطن استكبر ‘أن تنسى القناة البريطانية الشأن الإيراني وما شاء الله تبحث في أي شأن سعودي’. تساجل الضيف السعودي مباشرة مع مقدمة الحلقة ‘رشا’، وخلص للقول بأن الجدار من ‘خصوصيات أية دولة وهي تدري ما يدور حولها وعليها تعزيز الأمن في أراضيها’. أما الضيف اليمني فوجد الجدار خرقاً لكافة الاتفاقيات بين السعودية واليمن.
في المشهد الموازي لهذا الجدار، ياخذنا مباشرة إلى جدار الفصل العنصري الذي أقامه الصهاينة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. من هناك كانت البداية في مزيد من التعدي على الشعب الفلسطيني في أرضه. هو فيروس الجدار وصل إلى السعودية التي تخشى على الدوام من جارها اليمن. فهذا اليمن يطالعها على الدوام بما لا يسر القلب ولا يطمئن البال. مرة يأتيها بالشيوعية في جنوبه، وأخرى يأتيها بثورة الحوثيين. وبين هذا وذاك ليس للسعودية نسيان التظاهرات اليمنية التي قالت ‘إرحل لعلي عبدالله صالح’. ثورة استمرت لحوالي سنة لم يستعمل خلالها الشعب أي سلاح رغم كل الأسلحة التي استخدمتها السلطة. وبالنهاية كان الحل برعاية خليجية حيث أزيح صالح ولم يتغير النظام. لكن في اليمن قاعدة تحاربها السي أي إي بطائرات من دون طيار. السعودية التي تخشى على أمنها هي مصدر القاعدة أمها وأبيها وممولها. لهذا سألت مذيعة ال BBC رشا ‘عن الخلايا النائمة في السعودية’؟ وكان رد ضيفها السعودي ‘هذا دخيل علينا نحن بلاد وسطية واعتدال’.
في بداية القرن الماضي وتحديداً في سنة 1916 كانت اتفاقية سايكس بيكو التي مزقت الأمة العربية. وفي الزمن الممتد منها وحتى الآن أمعن الحكام العرب تمزيقاً بهذه الأمة وتلك الشعوب. وها هي سايكس بيكو تستفيق من جديد. فهل ستعمل الدول الغنية كما السعودية على حماية نفسها ضمن جدران عازلة؟ والحدود بين اليمن والسعودية يبلغ طولها 1،458كلم، وهي بذلك تخنق الشعب الجار الذي طالما وجد فرص عمل قريباً من أرضه. تصوروا الدول العربية الغنية بموارد النفط تعيش ضمن سياج يفصلها عن الدول الأخرى عربية كانت أم غير عربية؟ في زمن الوحدة الأوروبية ورغم بعض عللها، يسعى العرب لمزيد من التفرقة. فهل هو ‘رهاب الربيع’ الذي تموله السعودية وتدعمه في دول، وتسارع للملمته وحصر أضراره في دول أخرى، وتشارك بقمعه حيث ترى ضرورة لذلك؟

رؤوس للشواء في سوريا؟

هي الصورة واضحة جلية كعين الشمس. مسلح من المعارضة السورية يمسك بيده رأساً مفصولاً عن جسد ويضعه على ‘منقل شواء اللحم’ والجمر فيه يتأجج. صورة يقشعر لها قلب كل إنسان فيه بعض من احترام لحق أي إنسان في أن يُدفن بعد موته مهما كان جرمه. هو مشهد قدم مزيداً من الاستهتار بحياة البشر سواء كانوا مع النظام أو ضده. فنحن نقرأ الظلم الأكيد في بعض أحكام السلطات كائناً من كانت. وهي مهما طال الزمن مسؤولة عن أفعالها، ومنفذ كل فعل يبقى معروفاً ويمكن ملاحقته ومحاكمته. في مثل الوضع السوري وذلك التشظي القائم لدى المعارضة المسلحة من هو المسؤول عن مثل تلك الأفعال التي لا يقبلها عقل، ولا يقر بها منطق. فبعد الذبح المصور، وبعد القاء الأحياء عن سطوح المباني ومن النوافذ، أتى مشهد شواء الرؤوس. فكيف لهذه المعارضة التي تتبجح صبح مساء بأنها جاءت لمحاربة ما أسمته ‘ظلم البعث وجرائمه’ أن تقوم بما يعيدنا إلى عصر هولاكو ومحاكم التفتيش في القرون الوسطى. كيف لهذه المعارضة في حال أتيح لها مسك زمان الأمور في سوريا أن تتعامل مع معارضيها؟ فهل هي على استعداد لرميهم بالآلاف من على السطوح أو من خلال النوافذ؟ أو ذبحهم كما تذبح الحيوانات (مع التكبير) ؟ وأخيراً وليس آخراً هذا مشهد شواء الرؤوس البشرية الذي بثته قناة الجديد، فكان الذروة في عدائه للانسانية بأبسط معانيها ويضيف الى ذاكرة الحرب المثقلة بالممارسات البعيدة كل البعد عن شرعة حقوق الإنسان سواء في ظل حكم السلطة، أو سيطرة معارضيها. لكن يشهد الواقع بتفوق كبير للمعارضة السورية في خرق بل سحق أي حق انساني.

مرسي يتعثر ومبارك يستعيد ثقته بنفسه

فجأة ظهر الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك على الناس بكامل لياقته الذهنية والجسدية خلال جلسة محاكمته الأخيرة. في حين كان في الجلسات السابقة طريح سريره بالكاد يحك رأسه بإحدى يديه، أو هو يسند ذقنه مصغياً. أما ولداه جمال وعلاء فكانا يحاولان بما لهما من قدرة حجب والدهما عن الكاميرات. وفي آخر ظهور متلفز أثناء المحاكمة كانت الأمور مختلفة. رافقت الابتسامة وجه الرئيس المخلوع، وكأنه يشمت من حال مصر. لوح بيده لمؤيديه. انزاح العلاء والجمال من حوله مفسحين للكاميرا بلقطة واضحة وجلية. هو ظهور قرأ فيه المحللون بعضاً من استفزاز، وبأن مبارك يقول للقاصي والداني ‘لست أنا الوحيد المسؤول عن مشاكل مصر’.
قناة العربية المناهضة لحكم الإخوان والمؤيدة لحسني مبارك ارادت في ليلة ظهوره على ‘الأمة’ العربية التي كانت ‘بانتظاره وبفارغ الصبر’، أن تبحر قراءة في لغة الجسد مع مختص مصري. وهكذا صدف أن يتوافق الضيف والمضيف في ‘حب مبارك’. فقرأ المختص في الصورة التي وصلته عبر شاشة التلفزيون التالي وعلى لسان مبارك: أنا انسان وأواجه بشجاعة المحاكمة لكني لست المسؤول الوحيد عن مشاكل الأمة المصرية. وأن مبارك استعاد ثقته بنفسه من خلال تلويحه بكف مفتوحة للناس.
في المقلب الآخر أي لدى المعارضين للرئيس المخلوع كانت صورة مبارك مستفزة. هو تظاهر بالمرض سابقاً. هو بخير ويجب نقله لسجن طرة. فهل تجتمع العائلة في جناح خاص في سجن طرة؟

مصائب سوريا عند غيرها ‘فوائد’

يقول التقرير الذي بثته قناة الميادين من داخل حلب بأن جريحا، احد ضحايا تفجير ارهابي، عاد من تركيا بكلية واحدة بعد أن دخلها بكليتين. حلب التي ضربتها الكثير من التفجيرات الإرهابية كانت صيداً ثميناً جداً ولا تزال للمتاجرين بالأعضاء البشرية. فبين حلب وتركيا نمت عصابات منظمة تتربص بأماكن التفجيرات فور وقوعها. تدخل ساحة الكارثة الإنسانية وكأنها بصدد فعل انساني. تسارع تلك العصابات للمشاركة في لملمة الجرحى والقتلى معاً. أما وجهة السير فليست مشافي حلب أو سوريا، بل تركيا. إليها يتوجهون، وهناك ينتظرهم الطرف الآخر للعصابة وهو الطبي. فكل جريح يدخل تركيا بدله 100 ألف ليرة سورية، وكل قتيل 10 آلاف ليرة سورية. وهناك يفعل الأطباء ما يحلو لهم بالأجساد الجريحة، أو تلك الفاقدة للحياة. ولهذا قال محدث الميادين بأنه أكتشف بعد حين أنه دخل تركيا فاقداً للوعي وعاد منها فاقداً لإحدى كليتيه. في حين أن كليته أو منطقتها لم تكن مصابة في التفجير الذي كان في آتونه.
ليس هي الواقعة الوحيدة بين أهل حلب وجارتهم تركيا. بل هناك صلة مباشرة بين أطباء أتراك وعدد من المسلحين السوريين، وهؤلاء يزودون الأطباء بما يريدونه من أعضاء أسراهم وكل من يقع في دائرة فعل خطفهم.
وقع السوريون في آتون حرب بغيضة وكريهة، وهاهم السلاخون يتجمهرون حولهم. منهم من يريد بناتهم في مشاريع زواج مشبوهة. ومنهم من يتاجر بلقمة عيشهم حيث هم لاجئون. ومنهم من يستغل أطفالهم في العمالة. ومنهم من يمارس سخاءه بالسلاح لتقتل الناس بعضها بعضاً. وأخيراً وليس آخراً هناك من يتربص بأعضائهم يريد نزعها منهم وهم أحياء. فمتى يتوقف هذا التداول باللحم السوري الحي على كافة الأصعدة؟ كفى عبثاً لقد طالت لعبة الدماء القذرة.
صحافية من لبنان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول أبو حلمي من عدن:

    تصويب:
    لم تكن بين السعودية واليمن الجنوبية آنذاك حدود رسمية واضحة حتى تخاف السعودية من “شيوعية” الجنوب، بل كانت بعض الكيلومترات كلها صحراء أطولها الربع الخالي! كان عذرا أقبح من ذنب حيث أن السعودية كانت تعادي الجنوب وتحرض اليمن الشمالي عليه بسبب نظامه التقدمي وتخوفها من الدولة المدنية المؤسساتية التي تم إرساء قواعدها منذ أكثر من قرن من الزمان لا سيما في مدينة عدن. لن تستطيع السعودية كبح جماح رياح التغيير إليها حتى لو أغلقت على سكانها الهواء الذي يتنفسون منه!!

  2. يقول عربي حر:

    مقال يحاكي الواقع تماما شكرا لك

  3. يقول محمد الخالد:

    يتساءل المقال من هو المسؤول عن مثل تلك الأفعال؟ الجواب هو: هناك مسؤولان عنها, الأول هو الذي قام بها والثاني هو “القيادة الحكيمة” لبشار الأسد “فالقيادة الحكيمة” هي التي أوصلت البلد لهذا الوضع. لايستطيع المقال أن يفرض علينا رؤيته الأنبوبية الضيقة التي لاترى سوى خطأ هنا وآخر هناك لمحسوبين على الثورة, فهناك نظام قاتل لاننصف الفاشية اذا وصفناه بالفاشي لأن موسوليني لم يستخدم طائرات الميغ وصواريخ سكد والبراميل المتفجرة والقنابل العنقودية والفراغية والفوسفورية ضد شعبه, ولم يكف النظام ذلك بل استعان بالغزاة الايرانيين ومخلبيهم اللبناني والعراقي في قتل شعبه واخماد ثورته فحيال هذا التطرف من النظام والغزاة ضد الثورة تظهر بعض الأخطاء للمحسوبين عليها ونحن لانبررها ولكنها لاتقارن مع الجرائم الفظيعة التي يرتكبها النظام والغزاة المذكورون بحق الشعب السوري العظيم.

  4. يقول النعاس عبد الحق:

    موضوعك يا استاذة في منتهي الموضوعية لكنه في منتهي الخطورة التي اوصلتنا لها هذه الحروب التي نقوموا بها بالوكالة المباشرة من العدو.. انها هذه الجرائم التي كنا لانصدقها هندما نسمعها علي الخمير الحمر اصبحت واقعا معاشا في اوطاننا التي كنا نقول انها مهد الحضارات والديانات والاخلاق انه الفشل نظاما ومعارضة وشعوب اننا وسمة عار في جبين الحضارة الانسانية

  5. يقول مصطفى:

    … و يسمونها ثورة … و الله انها فتنة سورية القاتل فيها سوري و المقتول سوري. اللهم احمي سوريا و جنبها كل هذه الدماء و جعل كيد اعدائها كل اعدائها في نحورهم يا رب.

  6. يقول منصور عمر الشتيوى طرابلس ليبيا:

    عوائل الخليج اناس باعوا انفسهم لمن يحميهم كعائلات وليس كحم وحكومات ! بيعثرون اموال شعوبهم على كل ما يسئ للانسان سواء كان عربيا او مسلما ! وستدور عليهم الدائرة ، وسيدانوا كما دانوا بفضل اسيادهم !

  7. يقول هشام عبد القادر:

    تذكرني قصة سرقة الكلي بالفيلم التركي وادي الذئاب الذي صور في أحد مشاهده كيف أن أطباء عسكريين أمريكان أقدموا علي سرقة كلي المصابين العراقيين ولم أتصور أبدا أن يحدث هذا من طرف أطباء أتراك.

  8. يقول loma:

    يا رب ارفع البلاء عن سورية واهلها

  9. يقول مصطفى مراد:

    الاستاذة زهرة مرعي

    بعد ان التقطت مشاهد تسيء الى الثورة السورية كما تفعلين عادة، اختتمت بالسؤال التالي:

    “فمتى يتوقف هذا التداول باللحم السوري الحي على كافة الأصعدة؟ كفى عبثاً لقد طالت لعبة الدماء القذرة.”

    يا سيدتي،

    1. الاساءة الى الثوار وتسجيل ما يثير الشك بهم هو وقوف الى جانب النظام السوري.

    2. التباكي على اللحم السوري كما تفعلين في سطر الخاتمة ما الفائدة منه؟ الا يشبه حديث النظام السوري عن المقاومة والممانعة.

    3. من المؤكد انه يجب محاسبة ذلك المقاتل الذي يشوي رأسا مقطوعا، ولكن هذه الجريمة لا شيء امام جرائم النظام ويكفيه صواريخ السكود، فمن يحاسبه على ذلك؟

    تمنيت ان تكوني اكثر موضوعية يا سيدتي.

اشترك في قائمتنا البريدية