فجر اللقاء التواصلي الذي نظمته الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة بالمغرب جدلا كبيرا بين مكونين أساسيين في المجتمع المغربي، المحافظ والحداثي، وأخذ النقاش مستويين أساسيين، الأول مرجعي، مرتبط بقياس مدى التزام الهيئة المذكورة بالمرجعية التي حددها الملك محمد السادس حين ضبط عملية المراجعة بضابط «عدم تحليل الحرام ولا تحريم الحلال». والثاني، منهجي، مرتبط بمشروعية الرهان على القانون كآلية حاسمة لتحديث المجتمع في غياب الحدود الدنيا للتحول الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
في المستوى الأول، تم الاستماع إلى روايتين، الأولى، قدمها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، ناطقة باسم المجلس العلمي الأعلى، وقد تضمنت أربعة مستويات، الأول، خص النقاط التي تم الموافقة عليها بحكم عدم مخالفتها للشرع، والثاني، النقاط التي تم رفضها لمصادمتها للنصوص القطعية في الشريعة، والثالث، نقاط تم رفضها في الأصل، لكن تم تقديم بدائل شرعية لها تحقق نفس مقصودها. والرابع، مسألة أو مسألتين، تم رفضها في الأصل، لكن فوض أمر النظر فيها لولي الأمر.
الرواية الثانية قدمها وزير العدل، دون أن يعرف باسم من تنطق، هل باسم الحكومة التي كلف رئيسها بالإشراف سياسيا على مراجعة المدونة، أم باسم الهيئة التي كلفت بالمهمة التنفيذية بالاستماع لمذكرات الفاعلين السياسيين والمدنيين والأكاديميين، ثم مباشرة التعديل وفقا لها، وقد تضمنت هذه الرواية 16 خلاصة أو توجها مؤطرا، تصب مجملها في تحقيق خمسة أهداف حداثية: جعل التعدد مستحيلا، بإضافة قيود عليه أكثر مما ورد في نسخة مدونة 2004، وإنهاء زواج القاصر بجعل السن القانوني 18 سنة قاعدة للزواج، وتحديد الحد الأدنى لزواج القاصر في 17 سنة تحت قيود استثنائية تجعل – كما صرح بذلك وزير العدل في لقاء إعلامي- استيفاءها يتطلب سنة، أي حتى تستكمل القاصر السن القانوني. ثم المضي بخطوات متقدمة، والبدء في مسار عد العمل المنزلي للمرأة موجبا للاشتراك في ثروة الرجل، وأخيرا تمكين الزوجين في حال وفاة أحدهما من الاحتفاظ ببيت الزوجية واستثنائه من الإرث (إيقاف بيت الزوجية).
في المستوى الثاني، أي حدود قدرة القانون على تحديث المجتمع بمعزل عن الأبعاد الأخرى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فقد انحصر النقاش حول مخاطر تدخل القانون في تفاصيل زوجية كان تدبيرها يتم في جو من المكارمة (تثمين العمل المنزلي) ومدى مشروعية إلزام الزوجة بإبداء نظرها حول شرط قبول التعدد من عدمه، وما يطرحه من إشكال يتعلق بتحويل العقود الرضائية إلى عقود إذعان، فضلا عن تدخل الصياغة القانونية، لمنع المباح، أو فرض شروط تقييدية تصيره حراما، كما في شأن التعدد، أو تلبس المشرع بسوء النية، من خلال تحديد حد أدنى لسن الزواج بالنسبة للقاصر في 17 سنة، وإلزام هذا النوع من طلب الإذن بالزواج بشروط قصد المشرع عدم استيفائها إلا بعد أن تبلغ القاصر 18 سنة، ناهيك، عن تحويل القانون إلى أداة لحسم مشكلات كان الأولى حسمها من خلال السياسات العمومية، ففي زواج القاصر، ثبت من خلال تقارير رسمية، خاصة تقرير المجلس الأعلى للسلطة القضائية، أنه ليس سببا في الهدر المدرسي، بل الهدر المدرسي هو السبب في زواج القاصر، وأن أسباب الزواج القاصر تعود إلى البحث عن فرص لإنقاذ الأسرة من الفقر خاصة في المناطق التي تنعدم فيها مؤشرات التنمية..
توجهات هيئة مراجعة المدونة ستنهي الطلاق الرجعي، وسيقترب بذلك الطلاق من مثاله المدني. فإذا أضيف إليه الاحتفاظ ببيت الزوجية، واقتسام الأموال المكتسبة، وتثمين العمل المنزلي، سيكسب الحداثيون معركة تقريب المدونة من نموذج الأسرة المدنية
لحد الآن، لا تزال جبهة الصراع كامنة، لكن مؤشرات اشتعالها يمكن أن تحدث في أي لحظة، فالإسلاميون عبروا بشكل متدرج عن رفضهم لهذه المخرجات وطالبوا بإعادة النظر فيها، والعلماء، كما يبدو، التقطوا إشارة الملك بضرورة إبقاء باب الاجتهاد مفتوحا وتشكيل آلية داخل المجلس العلمي الأعلى للنظر في القضايا المتعلقة بالمدونة، والحداثيون، رغم مسارعة البعض إلى مباركة هذه المخرجات، فإن الغالبية العظمى منهم فضلت التعاطي بحذر شديد، كما ولو كان الكل متفقا بشكل ضمني على ألا شيء قد حسم، وأن حكمة الملك وذكاءه، قبل أن يجس نبض المجتمع، بادرت إلى مساحة كبيرة للاستدراك والمراجعة والتعديل.
وزير العدل السيد عبد اللطيف وهبي كان قد توعد أو وعد، بإخراج مدونة حداثية، ثم ما لبث أن تراجع، ليقول بأن الموضوع له حساسية خاصة، لأنه مرتبط بالدين، وللعلماء الكلمة في هذا المجال، فأوحى بقوله بأنه يتحرك في رمال ليست على مستوى واحد من الانبساط، وأنه يحتاج للتصرف بقدر كبير من الذكاء لتحقيق هدفه الحداثي.
لكن، في المجمل تأتي المخرجات التي تلاها وزير العدل في اللقاء التواصلي المذكور، في سياق استنبات بنيات جديدة تتجاور مع البنيات الشرعية، وإعطائها امتيازات على حسابها، حتى تنتهي البينات الشرعية مع الزمن إلى الأفول.
مثال ذلك، أن أحد هذه التوجهات يدعو إلى تقليص أنواع الطلاق، مع التلميح إلى اعتبار معيار «الأكثر تغطية لحالاته».
في مدونة 2004، تم إدخال بنيتين جديدتين ضمن أنواع الطلاق، أي طلاق الشقاق والطلاق الاتفاقي، إلى جانب البنيات الشرعية المعروفة (الطلاق الرجعي، الخلع، الطلاق المملك، ثم التطليق لضرر أو عيب أو إعسار بنفقة أو غيبة أو هجر أو إيلاء) وأضفي على طلاق الشقاق امتياز مهم، كونه لا يتطلب إثباتا خلافا لأنواع التطليق الشرعية السابقة،
النتيجة التي تقررت في إحصائيات المجلس الأعلى للسلطة القضائية، تقول بأن طلاق الشقاق سجل (حوالي 72 في المائة من حالات الطلاق المسجلة) والطلاق الاتفاقي سجل (حوالي 21 في المائة) بما مجموعه حوالي 93 في المائة، لتبقى الأنواع الشرعية الأخرى في حدود 7 في المائة.
الهيئة تقترح في التوصية المذكورة، ليس فقط اعتماد معيار الكثافة في التغطية لتقرير أنواع الطلاق، بل تضيف امتيازا للطلاق الاتفاقي، فتعفيه أولا من مسطرة البث القضائي، ثم من مسطرة الصلح، وذلك حتى يسير المشرع في اتجاه رفع نسبة تغطيته بما يقضي نهائيا على أنواع الطلاق الشرعية، ويستقل هو والطلاق الشقاق، ويشكل النوعان الأكثر طلبا ضمن أنواع الطلاق.
الخطورة، أن مدونة 2004 عدت هذين النوعين من الطلاق، طلاقين بائنين، بما يعني، أنه في حالة اعتمادهما، بهذه الامتيازات، سيختفي الطلاق الرجعي، والطلاق الثلاث، وسيقترب بذلك الطلاق من مثاله المدني الموجود في العالم الغربي. فإذا أضيف إليه الاحتفاظ ببيت الزوجية، واقتسام الأموال المكتسبة، وتثمين العمل المنزلي، تكون المدونة، بقوة القانون، قد فرضت على المجتمع الاقتراب بشكل كلي من نموذج الأسرة المدنية، على أمل، أن يتاح في المعركة القادمة حسم قضية اعتماد النسب بالحمض النووي، ليتم فتح الإمكانية لبناء أسرة مغربية على غير قاعدة الزواج، كما هو شأن المجتمعات الغربية.
لحد الآن، لا شيء حسم، وفي غياب الحكمة، ودور جديد وفعال للعلماء، لا يستبعد أن يعرف المغرب نسخة أخرى من استعمال الشارع أداة ليس لحسم الصراع، ولكن، لمنع تغول المؤسسة الحكومية على مؤسسة ذات اختصاص دستوري حصري في الإفتاء والنظر في مطابقة مواد المدونة لمقتضيات الشريعة الإسلامية.
كاتب وباحث مغربي
حان الوقت لمراجعة قوانين وأحكام تغير وتبدل الزمن حولها وبقيت هي جامدة حبيسة نصوصها. على الجهة المحافظة أن تقتنع بأن الزمن قد تغيرو أنه لا يعقل والتقدم البشري الراهن أن نبقي على أحكام شرعت قبل قرون وقرون إنسان عصرها ليس نفسه اليوم. المجتمعات ليست نفسها, لدينا حقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل.
اذا قضى الله أمرا نقول سمعنا واطعنا وليست لنا مرجعية أخرى غير كتاب الله. الزمان لم يتغير بل أصحاب الهوى الغريزة البهاءمية هم الان الدين يحكمون العالم . الحفاظ على ديننا هويتنا يغيضهم ويغيض جميع أصحاب الرذيلة والمتلية والانحطاط..
تتمة :
تغيير المألوف دائما ما يقابل بمعارضة من جهات معينة, لكن مع مرور الزمن سيستأنسوها ويقبلوا بها. ألم تكن العبودية وبيع البشر من خصائص زمنها ؟ أين نحن منها اليوم ؟ منعت وجرمت والجميع متفق. كذا هذه الإصلاحات فقط بشيء من التريث والحكمة ستصل مبتغاها.
العبودية هي أعراف وتقاليد أما هذه فهي نصوص الهية وجب الحذر من تغيرها
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي اعظيم، يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه، كالقابض على الجمر.
التعديلات القانونية، مهما بدت مثيرة للجدل، تكون عادةً رد فعل على مشكلات حقيقية. الانطباع الغالب لحد الآن أنها جاءت لتنحاز مجددا لطرف على طرف آخر. التحدي يكمن في كيفية تقديم هذه التعديلات وإشراك المواطنين في فهم دوافعها وآثارها المحتملة. تعزيز الثقة يتطلب شفافية أكبر من الجهات التشريعية والحكومية، إضافة إلى دعم وسائل الإعلام والنقاشات المفتوحة لتحليل القضايا الجوهرية بعيدًا عن الانحيازات المسبقة و الصراعات الإستقطابية.
باسم الله الرحمان الرحيم
لكل زمان واقع وتحديات تختلف عن ازمنة سابقة بفضل التقدم الذي عرفته الإنسانية والناس تتكيف مع كل ماهو انت مثال في الزمن الماضي لم تكن هناك اجور وتصنيفاتها ولاوجود الابناك فعاشو الناس تلك الفترة بما لها وتغيرت الاحوال وتخصص العمل والمبادلات النقدية واصبحنا نقرا نصوصا ميتة لاتساير العصر اذا سالت مواطنا موظفا بالخصوص هل القروض والتعامل مع الابناك حرام بتلقاءية سيجيب حرام وربا وإن سألته كيف اشتريت منزلك يجيب حمد الله البنك دفعت وانا كتخلص على شكل دفعات
اصبحنا في مجتمعاتنا الإسلامية نجمع بين المتناقضات ونعيش بها دون أية إشكالية تذكر مثلا زواج اختك لرجل اجنبي من اوربا حرام وغير شرعي وفي نفس الوقت افتخار وثقافة وانفتاح
حسب رايي الشخصي يجب ان لا نعيش على اوهام قرون مضت باسم الدين هناك امم تجاوزتنا في قوانينها الوضعية بالف قرن بتوجه يحفظ الكرامة والعدالة الانسانية
تنطق بالكفر و لا تستحيي، شريعة الله لا تتغير بالزمان و المكان، قوانين الله ثابية، المجتمعات هي الفاسدة و التي يجب ان تنصلح لتطبع شرع الله، و ليس للقوانين ان تتغير لتوتفق اهواء الكفار و المنافقين.
التعديلات المقترحة على مدونة الأسرة تثير نقاشات حادة وانقسامات عميقة بين مختلف الأطراف في المجتمع، حيث ينظر البعض إليها كخطوة ضرورية لمعالجة تحديات واقعية مثل تعزيز حقوق النساء والأطفال، بينما يراها آخرون محاولة غير متوازنة تنحاز لطرف دون آخر، مما يزيد من الشعور بانعدام العدالة. في هذا السياق، يمكن أن يكون النخب الاقتصادية والاجتماعية تأثير كبير، فكما أن انحرافهم عن القيم يمكن أن يؤدي إلى فساد المجتمعات كما أشار القرآن الكريم في قوله تعالى: “وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرًا” (الإسراء: 16)، فإنهم أيضًا قادرون على لعب دور إيجابي في توجيه هذه التعديلات نحو خدمة الصالح العام. على سبيل المثال، في الوقت الذي تتهم فيه بعض المنصات الرقمية العالمية بالترويج لأجندات تطبيع سلوكيات مثيرة للجدل، يمكن لهذه النخب الاقتصادية والاجتماعية أن تساهم في دعم إصلاحات متوازنة تعزز القيم الأسرية وتواكب التحولات الاجتماعية دون المساس بالأسس الأخلاقية. تعزيز الثقة بين المواطنين والمؤسسات يتطلب من النخب استخدام نفوذهم لدعم حوار مجتمعي شفاف وإيجابي يسهم في بناء مجتمع أكثر عدالة واستقرارًا.
“قل انتم اعلم ام الله”
اذا كانت هناك مستجدات تقع في كل حقبة فالواجب مواكبتها لرفع الضرر والحرج ولكن هناك ثوابت هي من صميم فطرة الانسان مهما كانت عقيدته او جنسه وهي التي الزمنا بها الدين.وان كان البعض لا يقبلها فهذا لشح الدراسات الاجتماعية والاقتصادية… التبيانية لمذا حفاظ هذه الثوابت من الاحكام على لحمة الاسرة وتماسك المجتمع وانشاء النشىء على مكارم الاخلاق
وماذا يقترح الحداثيون كحل للعنوسة؟
الشارع المغربي ينتظر إخراج المدونة أولا ليقول كلمته بعد ذلك. فليحذر وهبي .