الرباط – «القدس العربي» شكلت استقلالية المجلس الوطني لحقوق الإنسان محور نقاشات الجزء من ندوة نظمت بالرباط حول حصيلة حقوق الإنسان في المغرب، وفيما دافع مسؤولون بالمجلس عن وضعيته واستقلاليته تمسك ناشطون حقوقيون ومسؤولون في هيئات لحقوق الإنسان بعدم استقلالية المجلس وارتباطه بالدولة.
وخاطب محمد الصبار الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، المشاركين في ندوة «حصيلة حقوق الإنسان في المغرب أية حصيلة؟ قراءات متفرقة» نظمها منتدى الكرامة لحقوق الإنسان «أتحدى أيا كان أن يبرز أوجه عدم استقلال المؤسسة».
وأضاف «قد يقال إن المجلس أحدث من طرف جلالة الملك، والتجارب العالمية تبين أن المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان تحدث إما من طرف رئيس الدولة، أو رئيس الحكومة، أو رئيس البرلمان، والمغرب اعتمد الخيار الأول»، دون ان يمس ذلك استقلالية مؤسسة.
وتحفظ رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أحمد الهايج على ما ذهب الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وقال «المجلس هو مؤسسة وسيطة وليس جزءاً من الدولة، ومهمته تقييم وضع حقوق الإنسان في المغرب، والحديث بلغة تتماهي مع خطاب الدولة يعتبر جزءاً من الانتقادات الموجهة للمجلس.
وقال موقع هسبرس ان الصبار استند في مقاربته على حصول المجلس على اعتماد من طرف لجنة تنسيق المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، والذي صنفه في الدرجة (أ)، للبرهنة على أن المجلس مستقل، فإن الهايج رد «تصنيف المجلس ليس دليلا كافيا لنقول إنه مستقل، وهناك مؤسسات حقوق الإنسان في دول غير ديمقراطية حصلت بدورها على اعتماد لجنة تنسيق المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان».
وانشأ العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني في أيار/مايو 1990 المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان كمؤسسة رسمية لإبداء الرأي فيما يتعلق بانتهاكات تحدث في البلاد وتوصي بما يساهم في تطوير حقوق الإنسان وممارستها، وفي إطار سياسة الانفتاح والإصلاحات قام العاهل المغربي محمد السادس بتعديلات هامة على نظام المجلس ومنحه صلاحيات أوسع.
ويتكون المجلس الوطني لحقوق الإنسان من وزراء وممثلي الأحزاب والهيئات الحقوقية والنقابات وشخصيات بارزة.
وقال عبدالعالي حامي الدين، رئيس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان إن موضوع استقلالية المجلس الوطني لحقوق الإنسان يجب التعامل معه بنوع من النسبية، موضحا أن تركيبة المجلس لا تستجيب لمعايير مبادئ باريس كلها، ولا تتوفر فيه كل شروط الاستقلالية «غير أن هذا لا ينقص من دوره، لكن يمكن بلوغ الأفضل في المستقبل».
وأبدى الحبيب بلكوش رئيس مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية اختلافه مع رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وقال إن المجلس لديه طموح لاحتضان الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، وإن كل الشروط التي تؤهله لذلك متوفرة فيه، وقال «من السابق لأوانه أن يقول أحد إنه صاحب الحق لاحتضان الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب».
وأضاف أن موضوع احتضان الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب بعد تقديم المغرب أوراق مصادقته على البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب أواخر شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، يجب أن يكون محل نقاش عمومي، قبل إقرار الجهة التي ستحتضن الآلية، ورد الصبار على بلكوش «نحن لم نقل إننا الأحق باحتضان الآلية، ولكننا أبدينا استعدادنا لذلك».
ودافع الصبار عن حصيلة المغرب في مجال الحقوق والحريات، وقال إن تقييم الواقع المغربي يجب أن يكون تقييما موضوعيا، داعيا إلى التعامل مع مؤشرات التقييم الدولية بنوع من الحذر، معتبرا إياها «لعبة تستعمل للوصول إلى نتائج متحكم فيها مسبقا»، وزاد «في مجال الصحافة يحتل المغرب رتبة أدنى من تونس، رغم أن التضييق على حرية الصحافة في تونس أكثر من المغرب».
وتطرق إلى مشاريع القوانين الجديدة، التي أعدتها الحكومة، مثل مشروع قانون مدونة الصحافة وقال إن غالبية توصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان وجدت في نص المشروع الجديد، فيما اعتبر مشروع قانون المسطرة الجنائية الذي أحالته وزارة العدل والحريات على الأمانة العامة للحكومة «تطورا في الطريق نحو التصديق على اتفاقية روما»، والتي لم يصدق عليها المغرب بعد.
واعتبر الصبار أن هناك «نفحة حقوقية في السياسات العمومية للمغرب»، دون انكار انه ما زالت هناك تجاوزات وانتهاكات، كما هو الحال في بلدان أخرى، وذلك «شيء طبيعي، والذي ليس طبيعيا هو عدم التصدي لهذه الانتهاكات، ولهذا يتم سن القوانين»، وأضاف أن هناك ضعفا في الخضوع للقوانين، «أحيانا من طرف الدولة، التي تمتنع عن تنفيذ الأحكام القضائية».
وأشار إلى منع أنشطة عدد من الجمعيات والمنظمات الحقوقية، مذكرا بالحكم الصادر ضد وزارة الداخلية لصالح الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بعد إقدام سلطات الرباط على منع ندوة كانت تعتزم تنظيمها شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، داعيا إلى أن يتحول المغرب إلى «بورصة حرة لتداول الأفكار والآراء»، وأضاف أن المغرب لم يصل بعد إلى مرحلة تمتيع المواطنين بجميع حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
واعتبر أحمد الهائج ان مقارنة الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان لانتهاكات حقوق الإنسان التي ما زالت تمارس في المغرب مع ما يقع في دول أخرى أن مقارنة المغرب مع دول أخرى غير ديمقراطية لا يجوز، «وإلا فهذا معناه أن نرضى بالواقع الحالي بداعي أن الانتهاكات تحصل في بلدان أخرى»، وأضاف أن هذه المقارنة تعتبر «قياسا فاسدا لوضع حقوق الإنسان».
ولم تخل ندوة «حصيلة حقوق الإنسان في المغرب أية حصيلة؟ قراءات متفرقة»، من «تشنج» بين الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان ورئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إذ قال الصبار موجها كلامه للهايج «الفرق بيننا وبينكم هو أننا نعترف بالأشياء الإيجابية، إذا حصلت، وأنتم لا»، ورد الهايج «دورنا هو أن ندافع عن حقوق الإنسان وليس أن نساير الخطاب الرسمي للدولة التي لها إمكانياتها ووسائل إعلامها للترويج لخطاباتها».
محمود معروف