تونس- “القدس العربي”: أثار الفنان الشعبي نور شيبة جدلا واسعا في تونس بعد نشره كتابا بعنوان “الحي يروح”، وهو مجموعة قصائد غنائية حول تجربته في السجن لمدة عام على خلفية قضية مرتبطة بتهمة تتعلق بالمخدرات.
وكان شيبة وقع أخيرا كتابه، الذي يضم 22 قصيدة، في حفل ضم عددا من وجوه الثقافة والفن في تونس.
وأثار الكتاب انقساما واسعا بين أهل الثقافة في البلاد حيث انتقد البعض المستوى المتردي للقصائد التي يتضمنها الكتاب، فيما اعتبر آخرون أنه من حق أي شخص أن يوثق تجربته في السجن بالطريقة التي يراها مناسبة.
وقالت الباحثة ألفة يوسف: “بعض الأشعار في كتاب نور شيبة رديئة لكني ضدّ انتقاد الأشخاص”، داعية إلى الفصل بين الحياة الشخصية للمبدع ونتاجه الفني.
وكتب المؤرخ عدنان منصر “الانتقادات التي طالت مغنّيا نشر كتابا حول مروره بالسجن، والحملة الدعائية التي رافقت تقديمه لهذا الكتاب، وحفل التوقيع الذي حضرته “وجوه المجتمع” مما لم يتسنّ لفيلسوف أو أديب أو عالم اجتماع أو مختص في أي علم من العلوم بتونس أبدا، منذ بدأت طباعة الكتب وتوقيعها، لا يدل على أزمة الكتاب”.
وأضاف “الكتاب ليس إلا أوراقا مصفوفة، لا قداسة له في حد ذاته. يمكن لسجين سابق في قضية مخدرات، أو لراقصة كاباريه، أو لنشال في وسائل النقل أن يصدر كتابا، أين المشكل؟”.
وتابع منصر “المشكل أنه لم يعد هناك جمهور للثقافة والإبداع والعلم، ومن ورائهما الجهد والتميز المستحق. لم يعد ذلك مقياسا لشيء اليوم. هذه هي الكارثة الحقيقية والحرب الصامتة على هذه البلاد ومستقبلها. فيما عدا ذلك، من حق الأغلبية التي لا تعطي اعتبارا للثقافة والعلم والجهد المستحق، أن تقرأ ما يمثلها. هذا أمر طبيعي جدا”.
واعتبر أن “من سيشتري كتاب المغني لن يقرأه، لأن ما يبحث عنه ليس القراءة أصلا. سيكتفي بأن يقتنيه، كل المسألة بؤس مركب مع استثناء وحيد هو أن الرجل يعتقد أن بإمكانه تحسين الانطباع الذي تركه سجنه في قضية مخدرات، وأن بإمكانه أن يحقق ذلك بالتحول إلى كاتب”.
وكتب المحامي لزهر العكرمي “شدني في اليومين الماضيين جدل أدلى فيه كثيرون برأيهم في “كتاب” نور شيبة، وكنت أرى الأغلبية تستعمل مفردات قدحية، تصل حد الثلب والتعريض، والخلفية عموما هي الاستنكاروالسلبية. ابتسمت أكثر من مرة بيني وبين نفسي وقلت في خاطري هؤلاء جميعا يبحثون عمن يختصمون معه، عمن يعارضونه، ولما لم يقدروا على الضباع مالوا يصارعون الثعالب”.
وأضاف “ما يثير الاستغراب هو كيف لشعب لا يقرأ وكأنه يفعل ذلك انتظارا للوحي أن ينقد أو يعترض من كلف نفسه الجلوس إلى طاولة ليكتب، مهما كانت مضامينه؟”.
وكتب أحد النشطاء ساخرا “بعد النجاح الساحق لكتاب نور شيبة “الحي يروّح”، عدد كبير من قرّائه يطالبون بإعادته إلى السجن لكتابة الجزء الثاني”.
وأضاف آخر “نور شيبة أصبح كاتبا ومثقفا! ربما يأتي يوم نرى فيه شمس الدين باشا إمام (فنان استعراضي) خطيبا في جامع الزيتونة ومعز دينيز (فنان استعراضي) مفتي الجمهورية!”.
وتساءلت الباحثة والناشطة السياسية رجاء بن سلامة “هل تؤمن نخبتنا المثقّفة بالتّعدّد والدّيمقراطيّة؟ ألا يعني التّعدّد وجود ثقافات ودوائر ثقافيّة عديدة، بحيث أنّ للمزود (فن شعبي) جمهوره، وللطّبل والزّكرة جمهورها، وللغناء الطّربيّ جمهوره، وللموسيقى الغربيّة جمهورها.. إلخ، بل هناك من يحبّ كلّ هذه اﻷلوان، وأنا منهم؟”.
وأضافت بن سلامة “ألا يعني التّعدّد أن يوجد شعر فصيح مثل شعر أولاد أحمد أو منصف الوهايبي، ويوجد شعر بالدّارجة، وتوجد روايات بالفصحى، وأخرى بالدّارجة، وأن يكون لشخص مثل نور شيبه الحقّ في أن يكتب وينشر ما به ربّما قاوم الاحتضار النّفسيّ وهو في السّجن؟”.
وتساءلت مجددا “متى ستتواضع نخبتنا المثقّفة، وتقبل – فعلا لا قولا – بالدّيمقراطيّة، وبالتّعدّد، وبحقّ كلّ إنسان مهما كان مختلفا، في الوجود والتّعبير والظّهور في السّاحة العامّة؟ متى ستكفّ عن احتقار الفنّان الشّعبيّ والرّاقص ومن خرج من السّجن بعد أن قضى عقوبته؟”.
وأضافت “في كلّ تعبيرات الاحتقار التي قرأتها حول كتاب نور شيبه، ضاعت قضيّة أساسيّة، وهي: لماذا نفتح السّجن لغير المجرمين والقتلة، ولماذا لم نتقدّم في اعتماد العقوبات البديلة، ولماذا لا توجد مراكز لمعالجة اﻹدمان بدل السّجن الذي لا يعالج شيئا؟”.