جريمة اغتيال خاشقجي في الإعلام السويدي..  لا أحد يصدّق مزاعم  السعودية

سامح خلف
حجم الخط
1

استوكهولم : -القدس العربي”:

تابعت وسائل الإعلام السويدية وقائع اختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول وما توارد لاحقاً من أنباء، وأدلة حول ترجيح مقتله وتقطيع جثته داخل القنصلية. وقد غطّت وسائل الإعلام السويدية، خصوصاً الصحف الكبرى، قضية خاشقجي منذ بدايتها، لكنها كانت حذرة ومترددة في البداية نظراً إلى غرابة المسألة ولا معقوليتها، حيث بدا من الصعب في بداية الأمر أن يصدّق العقل هول الجريمة التي بدت وقائعها أقرب إلى أفلام الجريمة والرعب سيئة التصوير والإخراج.

كيف يمكن للقارئ السويدي، وحتى للصحافي نفسه، أن يصدّق سردية أن يدخل صحافي إلى قنصلية بلاده، التي يفترض بها أن تخدمه وتحميه وتعطيه الوثيقة التي يحتاجها، فيقع بين أيدي مجموعة من القتلة الذين أتوا من بلده في مهمة عاجلة ومحددة: قتله وتقطيع جثته بمنشار عظم، ثم إخفاء الجثة التي لا يزال البحث عنها جارياً بين القنصلية ومقرّ إقامة القنصل السعودي القريب من القنصلية. أما الجزء الأغرب في وقائع الجريمة فهو التهور والطيش في إرسال فرقة اغتيال مؤلفة من خمسة عشر رجلاً على متن طائرتين من أجل ارتكاب جريمة في دولة أخرى، من دون تدبّر العواقب والمخاطر المحتملة، ومن دون تأمين حتى أبسط أشكال التمويه. حتى زعيم عصابة متوسط الذكاء لم يكن ليرسل رجاله على هذا النحو ويرتكب حماقة كهذه.

الكاتب الصحافي ولفغانغ هانسون، مراسل صحيفة أفتونبلاديت للشؤون الأميركية والخارجية، كتب مقالاً بعنوان «لا أحد يُصدّق مزاعم السعودية» بدأه بالقول أن لا أحد يُصدّق أكاذيب السعودية ومزاعمها، لكن دونالد ترامب وكثيرين غيره مستعدون لابتلاع تلك المزاعم والأكاذيب لأسباب اقتصادية وسياسية. فبعد أن احتاجت السعودية إلى أسبوعين كي تقدم روايتها لما حدث بعد دخول الصحافي جمال خاشقجي إلى القنصلية السعودية في إسطنبول، تبيّن على الفور عدم مصداقية ما زعمته، بحسب مقال هانسون في أفتونبلاديت.

بالتأكيد ستكون الجريمة (إذا تأكد مقتل خاشقجي، وهو أمر لا نعلمه حتى اللحظة) نتيجة لعملية استجواب خرجت عن نطاق السيطرة. لكن من يستطيع سوى النظام إعداد وتنفيذ خطة خطف خاشقجي ونقله إلى السعودية؟ وها هو النظام يحاول الآن إطلاق بالونات اختبار لتبرئة نفسه وإلقاء اللوم على أولئك الذين نفذوا الجريمة. والعناصر الإجرامية التي حاول الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إقناع ترامب بأنها هي التي ارتكبت الجريمة ليست في الواقع سوى نظامه بالذات. ولكن طالما لا يوجد دليل قاطع على أن الأمير محمد بن سلمان، الذي يدير عملياً البلاد، يُثبت أنه هو من أمر بتنفيذ العملية، فإن دونالد ترامب وكثيرين معه مستعدون لغض الطرف عن الجريمة، كما جاء في مقال هانسون.

العديد من المشتبه بهم مرتبطون بولي العهد السعودي

في صحيفة أكسبرسن السويدية كتب ماغنوس ميوهاغن مقالاً حول آخر المستجدات المتعلقة بمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي. وقد جاء في المقال، الذي استند في بعض معلوماته على ما ورد في صحيفة نيويورك تايمز، أن العديد من المشتبه بارتكابهم جريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول مرتبطون بولي العهد السعودي.

فأحد المشتبه بهم مرافق شبه دائم لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وقد شوهد وهو يغادر الطائرة برفقته في كلّ من باريس ومدريد. ومن المعتقد أن الصحافي السعودي جمال خاشقجي قد قُتل داخل القنصلية السعودية في إسطنبول في الثاني من شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري. وقد أعلنت السُلطات التركية أنها عثرت على دلائل تُثبت أن جثة خاشقجي قُطّعت بعد الجريمة التي يُعتقد أنها ارتكبت داخل القنصلية، قال الكاتب ميوهاغن مستنداً في معلوماته إلى ما أوردته شبكة سي إن إن.

أحد المشتبه بهم هو ماهر عبد العزيز المطرب ديبلوماسي كان مرتبطاً بالسفارة السعودية في لندن عام 2007. وقد سافر المذكور برفقة الأمير محمد بن سلمان مراراً، كحارس شخصي على الأرجح، وقد ظهرا في الصور وهما يغادران الطائرة معاً في باريس ومدريد، وقد شوهدا أيضاً في هيوستن وبوسطن وخلال زيارة الأمير لمقر الأمم المتّحدة، كما جاء في المقال.

ثلاثة أخرون من المشتبه بهم الذين تمّ التعرف عليهم مرتبطون بفريق الحماية الشخصية لولي العهد، ومن بينهم صلاح محمد الطبيقي رئيس قسم الأدلة الجنائية في الأمن العام السعودي وهو الذي تولى مهمة تقطيع جثة خاشقجي بحسب قناة الجزيرة، قال كاتب المقال، مضيفاً أن بين المشتبه بهم أيضاً عبد العزيز محمد الحساوي وهو أحد أفراد فريق الحماية الشخصية الذي يسافر برفقة ولي العهد السعودي. وبحسب ما صرح به مصدران لشبكة سي إن إن فإن من المنتظر أن تتحمل السعودية مسؤولية مقتل الصحافي جمال خاشقجي، مع توضيح يقول أن مقتله كان نتيجة «استجواب سلك مساراً خاطئاً». وبحسب مصادر شبكة سي إن إن فإن الاستجواب تمّ بناءً على أوامر من مسؤول رفيع المستوى في الاستخبارات السعودية، وأن المسؤول المذكور ينتمي إلى الحلقة الضيقة المحيطة بمحمد بن سلمان. وقالت المصادر نفسها أن الجريمة لم تكن لترتكب من دون علم الأمير، بحسب ما كتب ماغنوس ميوهاغن في صحيفة إكسبرسن.

دونالد ترامب سيحمي النظام في المملكة العربية السعودية

وفي العدد نفسه من صحيفة إكسبرسن (الأربعاء 17 أوكتوبر/تشرين الأول) كتب الصحافي قاسم حمادة مقالاً بعنوان «دونالد ترامب سيحمي النظام في المملكة العربية السعودية» تناول فيه أيضاً جريمة اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي.

«هنا يرقد جمال خاشقجي، الله يرحمه». هذا ما كُتب بالإنكليزية والعربية على ورقة بمقاس أوراق المراسلات عُلّقت على الحاجز الحديدي الذي وضعته الشرطة خارج منزل القنصل السعودي، محمد العتيبي، في إسطنبول، كما وُضعت أيضاً بعض الزهور على الأرض. والسؤال الآن هو: هل جثة الصحافي المقطّعة موجودة في منزل القنصل المرعب؟ كتب قاسم حمادة.

في الساعة الواحدة والربع من بعد ظهر يوم الثاني من أوكتوبر/تشرين الأول دخل الصحافي السعودي المعروف جمال خاشقجي – والذي يكتب مقالات في صحيفة واشنطن بوست وغيرها – إلى القنصلية السعودية في إسطنبول لاستلام وثيقة تتعلق بمعاملة زواج. يذكر أن خاشقجي وخطيبته التركية كانا على وشك الزواج، لكنه اختفى تماماً. وفي بداية الأمر قال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مقابلة مع قناة بلومبيرغ التلفزيونية إن «خاشقجي غادر القنصلية» بعد وقت قصير. لكنه لم يفعل؛ هذا أمر مؤكّد. وقد مضى حتى الآن أسبوعان كاملان على اختفاء جمال خاشقجي، ومع مرور كل يوم يضيق حبل المشنقة أكثر حول عنق السعودية.

وقد أخبرني مصدر سعودي سبق له وأن عمل في وزارة الخارجية في بلده بالقول:

هل تعتقد أن النظام السعودي لا يستطيع قتله بطريقة أكثر حذراً؟ بالطبع يستطيعون. لكنهم أرادوا إهانته. أرادوا خطفه، وتعذيبه ومن ثمّ قتله. هكذا تتمّ الأمور، كما زعم المصدر المذكور، والذي يشير بذلك إلى القتلة الساديين الذي يعملون لصالح النظام ويستمتعون بالقتل؛ يتابع كاتب المقال.

ومن المرجح أن يضحي ولي العهد السعودي بعدد من رجال المخابرات وبعض أفراد السلك الديبلوماسي بالإضافة إلى عدد من فرقة القتلة التي تمّ التعرف إلى أفرادها، لكي يبرئ نفسه من التهم. لكن وبغض النظر عن وقوف ترامب إلى جانب النظام السعودي، فإن مصير هذا النظام أصبح واضحاً. فقد مارس النظام المذكور الكثير من الظلم ويداه ملطختان بالكثير من الدماء. ديكتاتوريون عرب، كغيرهم من الديكتاتوريات الباقية والتي اختفت، لكن من الواضح تماماً أنهم مجرد هواة، ختم قاسم حمادة مقاله في صحيفة إكسبرسن.

هذه هي السيرة الذاتية الدموية لولي العهد

تحت هذا العنوان نشر التلفزيون السويدي على موقعه على الإنترنت نصاً استعرض فيه ما سمّاه السيرة الذاتية الدموية لولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وقد جاء في النص، المرفق بمقابلة مدّتها دقيقتان مع أحد المحللين، أن الأمير أنكر أي معرفة له بقضية اختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي، لكن وبغض النظر على النتائج التي ستتمخض عنها التحقيقات فإن هذا الحاكم بعيد تماماً عن امتلاك سيرة ذاتية ناصعة.

فولي العهد القوي محمد بن سلمان، أو «إم بي إس» كما اشتُهر، أُشيد به كإصلاحي تقدمي في المملكة العربية السعودية التي تخضع لنظام ديني متشدّد. وفي الوقت عينه يوصف بأنه ديكتاتور عديم الشفقة وأنه الحاكم الفعلي الذي يقف خلف الملك السعودي المسنّ. وُلد إم بي إس في 31 أغسطس/آب 1985 وهو ابن الملك السعودي الحالي سلمان ووالدته هي الزوجة الثالثة فهدة بنت فلاح بن سلطان بن حثلين. وبعد عمله في المجال التجاري الخاص، أصبح إم بي إس مستشاراً لوالده، ثم بدأ يتسلق السلم نحو السلطة، كما جاء في مقال التلفزيون السويدي.

هذا ما جاء في النص المنشور على موقع التلفزيون السويدي، ولا تزال وسائل الإعلام السويدية تتابع تفاصيل الجريمة التي ارتُكبت بحق الصحافي السعودي جمال خاشقجي.

أما على المستوى السياسي السويدي، المنشغل تماماً في معضلة تأليف حكومة جديدة بعد النتائج الإشكالية التي تمخضت عنها الانتخابات العامة الأخيرة، فلم يتطرق أحد تقريباً إلى قضية خاشقجي، باستثناء وزيرة الخارجية في حكومة تصريف الأعمال مارغوت فالستروم التي وصفت الجريمة في رسالة نصية للتلفزيون السويدي بأنها «مروّعة وغير مقبولة». تعليق فالستروم على الجريمة أتى على هامش مشاركتها في اجتماعات مجلس الشؤون الخارجية التابع للاتحاد الأوروبي في بروكسل حيث نوقشت قضية خاشقجي أيضاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Al NASHASHIBI:

    No MORE MONARCHY RUSTIC POLITICAL SYSTEM YES FOR suffrage to achieve harmony life for all
    No one CAN accept THIS tragedy

اشترك في قائمتنا البريدية