جماعات المقاومة المسلحة وأزمة الهوية
سمير عادلجماعات المقاومة المسلحة وأزمة الهوية سقوط بغداد في 9 نيسان 2003 هو القشة التي قصمت ظهر الحركة القومية العربية. تلك الحركة التي وقف وراءها المئات من المنظرين والمثقفين والكتاب وعلقوا امالهم بها وزجت انظمتهم القومية الاف من خالفهم واعترض علي برامجهم في غياهب السجون وتحت دواليب التعذيب مبررة اياه من اجل انشاء (جنة) عربية موحدة لها القدرة علي المنافسة والصمود والمواجهة والبقاء في العالم الحديث. تحرير فلسطين هو الطريق الي الوحدة العربية ام الوحدة العربية هي الطريق الي تحرير فلسطين، الاستراتيجية التي وضعتها الحركة القومية العربية من اجل الوصول الي هدفها النهائي. وكان جمال عبد الناصر اول زعيم عروبي طرح أي من الإستراتيجيتين يجب الاستناد عليها. وحالت هزيمة حزيران 1967 التي تعتبر بحق الضربة الاولي الموجعة التي وجهت الي الحلم العروبي ووقفت عائقا للفترة من الوقت لاتباع الاستراتيجية المرسومة. ثم جاء اجتياح جيوش اسرائيل جنوب لبنان 1982 الذي ابعد الحلم العروبي في تجسيده علي ارض الواقع لردهة اخري من الزمن. واخذت الحركة القومية العربية طوال العقود الماضية تضمد جراحها وتلملم اشلاءها وتحاول تجديد هويتها واعادة انتاجها. وعليه انقسم قادتها ومنظروها ومفكروها الي فئة حاولت التكيف مع الغرب والدخول في فلكه والقبول بالقسمة التي يعطيه لهم. اما الفئة الاخري فظلت تجر جسد الحركة القومية العربية المثخن بالجراح علي نفس العكازة وبعين الخطاب السياسي القديم. وعلي الرغم من نهوض الحركة الاسلامية علي انقاض الحركة القومية العربية واخذت تلوح برايتها، لكن ظل المحتوي القومي العروبي لمواجهة امريكا والغرب اكثر اثارة وجاذبية وتعبئة للشارع الذي ظل طوال عقود من الزمن تحت تأثير وافاق الحركة القومية العربية بأدبها وشعرها واغانيها وفلسفتها وايديولوجيتها. بعد اعتلاء التيار الاسلامي السلطة في ايران واتخاذ محاربة الغرب وتحرير فلسطين الهوية السياسية والإستراتيجية في الوصول الي تحرير المسلمين، اصبحت الحركة القومية تعاني من ضغط شديد عليها، لظهور منافس لها في اتباع نفس الاستراتيجية والطريق، الذي لا يتحمل غير تيار واحد. واخذ هذا الصراع ابعادا مختلفة وصل الي حرب دموية دامت ثمان سنوات. الا ان الحركة القومية العربية التي انتقلت قلعتها من مصر الي العراق، اعتبرت حربها ضد الجمهورية الاسلامية، تكتيكا عسكريا وسياسيا للدفاع عن الامة العربية. واي كانت مبررات الطرفين فأن الحرب لم تكن انحرافا عن استراتيجية أي منهما لتحرير فلسطين للوصول الي تحرير اراضي المسلمين او الوحدة العربية بقدر ما هو منافسة بين تيارين يحاول كل واحد منهما تصفية الاخر من اجل الوصول الي اهدافها. لقد نجحت الحركة القومية العربية سياسيا واعلاميا برمزها صدام حسين حارس البوابة الشرقية في مواجهة عدو الامة العربية وهو العدو الفارسي . واستطاع ان يحول المواجهة السياسية والعسكرية والأيديولوجية بين الحركة القومية العربية التي يقودها العراق والاسلام السياسي الذي اعتلي السلطة لاول مرة في ايران الي مواجهة بين القومية الفارسية التي تلبس اللباس الاسلامي وبين الامة العربية. واستطاعت الحركة القومية العربية تحجيم التيار الاسلامي ابان الحرب العراقية ـ الايرانية. وخرج التيار القومي العروبي بعد ثمان سنوات من حرب ضروس ذهب ضحيتها اكثر من مليون قتيل واسير ومعوق حرب وخسائر مادية فادحة، بأنتصار سياسي واعلامي. ويجب الاشارة هنا ايضا ان صمود الجمهورية الاسلامية في حربها ضد العراق العروبي لم يكن فقط بأعلاء راية الاسلام وحدها بل صاحبها حمل الراية القومية والدفاع عن ارض ايران المقدسة . أي بعبارة اخري دون حمل هذه الراية لم تكن لها ان تصمد سياسيا واعلاميا وتعبويا بالراية الاسلامية فقط. بذل البعث في العراق في نهاية السبعينات والثمانينات مساعي حميمة وحاول الربط بين العروبة والاسلام. وشهدت خلال تلك السنوات كتابات عديدة لميشيل عفلق وصدام حسين …حول هذه المسألة. وكانت هذه الجهود من اجل التخلص من الاثم الذي حملته الحركة القومية العربية منذ انطلاقتها. وهي اثم العلمانية التي فرضت عليها الظروف انذاك. وتكمن في مواجهتها للاستعمار المتحالف مع الاقطاع ورجال الدين وسعيها في بنائها للسوق الرأسمالية ودخولها الي العالم الجديد. أي لم يكن لها الخطو نحو تحرير اوطانها دون المواجهة الفكرية والسياسية مع رجال الدين واساطيرهم والذي اعتبر مواجهة الدين نفسه. وللتخلص من ذلك الارث والاثم حاول البعث ان تكون الحركة القومية العربية محملا للفكر الاسلامي ايضا. فالحركة القومية العربية اجدر بها حمل راية الاسلام من غيرها. لان الاسلام ولد في ارض عربية ونبي الاسلام عربي والكتاب المقدس باللغة العربية. فلماذا لا يحمله العرب دون غيرهم؟ صحيح ان الهزائم العسكرية التي منيت بها الحركة القومية العربية وفشل مشاريعها علي الصعيد السياسي والاقتصادي، دفعت الحركة الاسلامية الي الامام، لكن ظلت الاخيرة تعاني من منافسة شديدة مع الحركة القومية العربية حتي نشوب حرب الخليج الثانية عام 1991. وهنا يتنفس التيار الاسلامي الصعداء. حيث لم تسعف الحركة القومية العربية الصواريخ التي اطلقها صدام حسين علي اسرائيل ولا القسمة التي وعد بها فقراء الامة العربية بعد حصوله علي اموال ونفط الكويت ولا حتي الحملة الاعلامية التي نظمها ضد شيوخ الخليج وثرائهم الفاحش علي حساب كادحي الامة العربية. كل هذه الاعمال لم تسعفها من هزيمة اخري منيت بها امام جيوش التحالف التي اتت لتحرير الكويت العربية من احتلال عراق العروبة وحارس البوابة الشرقية. وهذه المرة استبدل قائد الامة العربية، الراية القومية، بالراية الاسلامية وخط علي علم العراق عبارة(الله اكبر) وشيد مئات الجوامع في مدن العراق في الوقت الذي كان يعاني الملايين من وطأة الحصار الاقتصادي، وشن حملته الايمانية في جميع اركان المجتمع ليعلن بهذا نكوص راية الحركة القومية العربية. دشنت الحرب الخليج الثالثة خطابات صدام حسين والقيادة العراقية بأيات قرآنية استكمالا لما بدأتها منذ هزيمتها في الكويت. ان الخطاب القومي، فشل في تأليب شعوب الدول العربية علي حكوماتهم. وليستعان هذه المرة بشعوب الدول الاخري التي لا يجمعها مع الامة العربية اي رابط قومي، من خلال الخطاب الاسلامي، الي جانب المد الذي احرزه التيار الاسلامي بشقيه السني والشيعي في العديد من دول العالم واصبح وحده يقارع امريكا والغرب دون منازع. ويكون سقوط بغداد الذي كان لنصف قرن قلعة من قلاع الحركة القــــومية العربية هو خاتمة لاحدي الفصول المأساوية لهذه الحركة التي شهدت الهزائم المتلاحقة. دون التعرج علي ما ذكرناه لا يمكن تفسير التحول في الخطاب السياسي لرموز وقادة وممثلين وناطقين بأسم الحركة القومية العربية الي خطاب اسلامي. ولا يمكن تفسير ايضا لماذا تشن الجماعات المسلحة القومية في العراق عمليات ضد قوات الاحتلال تحت راية الاسلام السياسي منذ سقوط بغداد. وظهور مجموعات عديدة تحت اسماء اسلامية مختلفة. لقد فتوي الزرقاوي في اباحة دم الشيعة، هذه الجماعات التي تتخذ من المقاومة المسلحة استراتيجية في طرد الاحتلال، في مأزق حقيقي. انه مأزق الهوية السياسية. فتحت اية راية واية هوية يمكن لها المضي في انهاء الاحتلال؟ وكان لا بد من اتخاذ موقف صريح وواضح من قبل هذه المجموعات ضد فتوي الزرقاوي. ويعتبر اول انشقاق في صف هذه الجماعات والكشف عن هويتها، بعد تصور ساد في المجتمع كل هذه الفترة بأن من يشن هذه العمليات هي مجموعة واحدة لكنها تظهر بأسماء مختلفة لاهداف سياسية وكلها تابعة لتنظيم القاعدة. لم تستطع هذه المجموعات خلال هذه الفترة الرد علي الحملات الاعلامية والسياسية المضادة لها وتعطي صورة للمجتمع بأن مقاومتها للاحتلال بهذه الطريقة هي حرب عادلة. وهي تعبر عن فشلها في كسب الجماهير الي صفها وتجاوز مناطقها كي تصبح مقاومة علي مستوي العراق. ان الاعلام الموالي للاحتلال نجح الي حد ما بأن يعطي تصورا للمجتمع حول الجماعات المسلحة هي من بقايا البعث التي خسرت امتيازاتها ومن اناس اجانب غير عراقيين قدموا من الخارج. طبعا ان الغاية من هذه الحملة المستمرة لغرض تبرير الاحتلال وجرائمه في العراق. واعطاء تصور آخر بأنه ليس هناك من استياء من الاحتلال وجرائمه من قبل أغلبية الناس. وهي ايضا لانتزاع اية شرعية من أي طرف يقاوم الاحتلال ويقاوم اعماله المجرمة وكي تبرر في نفس الوقت شرعية وجود القوي القومية والاســلامية والعشائرية الموالية للاحتلال. وتكمن عدم قدرة جماعات المقاومة المسلحة في الدفاع عن نفسها ضد الحملة الاعلامية والسياسية للاحتلال والقوي الموالية في إستراتيجيتها لطرد الاحتلال. ان غض النظر او السكوت او ان تشجع العمليات التي تودي بحياة المدنيين الابرياء وتحويل محلات سكنهم ومناطق تجوالهم وتسوقهم الي ساحات حرب وحرمان الناس من مصادر الطاقة والكهرباء بسبب ضربها، حالت دون اتساع الكسب والعطف الجماهيري معها. وقد ادي ما ادي اليه تمادي الزرقاوي في اباحة دم الابرياء فارضا عليهم التصنيف الطائفي ثم الحكم بأبادتهم. ولقد صَحَت هذه الجماعات بعد فوات الاوان. ان مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، اوقع هذه الجماعات في فخ سياسي لا يمكن التخلص منه بسهولة وبأمد قريب. فأذا كان بن لادن والزرقاوي يقاتلان الامريكان تحت راية الاسلام السياسي، فأن هذه الراية بدأت تزيد لهم الحرج والمأزق السياسي والاجتماعي. الي جانب ذلك، فأنها عرّفَت من خلالها بأثنيتها التي لا تمكنها من تمثليها علي مستوي العراق بالرغم من بيانات الادانة التي صدرت ضد فتوي الزرقاوي من قبل تلك المجموعات (القوات المسلحة العراقية، كتائب ثورة العشرين، حزب البعث القيادة القطرية، حزب البعث القيادة القومية، جيش محمد، الجيش الاسلامي لتحرير العراق..) لم تنقذها من طائفيتها. تتخبط اليوم هذه الجماعات بين أي من الرايتين يمكن لها ان تقاتل في ظلها الاحتلال؟ أهي الراية القومية العربية التي لا تستهوي الشارع العراقي الان وأعلنت هزيمتها بسقوط بغداد وانهيار النظام القومي البعثي.. ام راية بن لادن والزرقاوي الاسلامية التي ادانتها نفس هذه الجماعات وطلبت من زرقاوي مغادرة العراق هو ومقاتليه بعد اباحته لدم الشيعة؟ ليس هذا هو التخبط الوحيد الذي تعيشه هذه الجماعات. ان ازمة الرمز الي جانب ازمة الهوية هي الاخري تعصف بالمجموعات المعادية للاحتلال التي كانت قومية بالامس والتي تقاتل اليوم تحت الراية الاسلامية للزرقاوي. فالمثير، في عدد من التظاهرات التي نظمت ضد الدستور في ديالي وصلاح الدين والرمادي والموصل رفعت صور صدام حسين. في بلدان مثل امريكا وبريطانيا.. عندما يهزم رئيس حزب ما في الانتخابات الرئاسية او التشريعية يستبدله الحزب بشخص أخر في الانتخابات القادمة. فالقائد المهزوم لحركة مهزومة لا يمكن ان يكون رمزا للتحرير او الانتصار. صحيح ان القدرة العسكرية لهذه الجماعات في تنام من الناحية التنظيمية وشنها لعمليات ناجحة من الناحية النوعية. بيد ان القدرة العسكرية لا يمكن ان تحقق النجاح ما دامت تفتقر الي الهوية السياسية والإستراتيجية التي لا تبرر الوسيلة للوصول الي الغاية والافق السياسي. العراق ليس فيتنام رغم ان جماعات المقاومة المسلحة تحاول ان توهم نفسها بأن العراق يتحول الي فيتنام اخر تحت رايتها. ان عقارب الساعة لا تعود الي الوراء. والحركة المهزومة لا يمكنها لف الجماهير حول برنامجها وافقها السياسي. وان هزيمة الحركة القومية العربية بسقوط بغداد لم تكن هزيمة عسكرية بقدر ما كانت هزيمة سياسية. في فيتنام كانت هناك حركة متمثلة برمز (هوشي منه) وشعب يعتقد بأغلبيته ان هزيمة تلك الحركة تعني هزيمته هو. في العراق كانت هناك حركة لم يحصد الشعب منها الا ويلاتها وحروبها ومعتقلاتها وإعداماتها وإبادتها الجماعية. فبهزيمتها يعني النفاذ بجلده وتنفس الصعداء. ان راية الزرقاوي الطائفية التي افصحت عن نفسها بشكل جلي هي نقطة ضعف هذه الحركة. الا ان هذه النقطة ليست المشكلة كلها. ان وضع هذه الحركة من جميع الجوانب لا يحسد عليه. انها تعي بشكل جيد ان القتال تحت الراية الاسلامية وهي راية الزرقاوي تحد منها وتكاد تخنقها. وبسبب الظروف الموضوعية لصراع القوي السياسية علي الساحة العراقية واقصد عرّابي الاحتلال من جهة وسقوط بغداد من جهة اخري التي تعتبر هزيمة للحركة القومية العربية لم تتمكن جماعات المقاومة المسلحة الفصل بين المحتوي القومي العروبي وبين الراية الطائفية. يجب ان نشير هنا ان هذه الجماعات هناك من يمثلها في ما تسمي بالعملية السياسية. ويمكن رؤية هذه النقطة في الصراع حول مسألة الدستور. فعروبة العراق دافعت عنها جماعات عرب السنة حتي وان حاولوا ان يبعدوا هذه التهمة عنهم. فهي وعت واقصد جماعات المقاومة المسلحة وخلال ما يقارب ثلاث سنوات بأن التمثيل الطائفي متناقض تماما مع المحتوي والافق القومي. بيد انها فشلت في عدم تجاوز حدودها الطائفية التي فرضت عنها عنوة. اصبحت سياسة التقسيم القومي والطائفي للمجتمع العراقي سياسة رسمية فرضت من خلال الاحتلال واعطيت لها صفة شرعية من خلال الدستور. لم يجد التيار القومي العروبي مكانا له الا تحت مظلة الاسلام السني ففي العملية السياسية والمقاومة المسلحة انضوي تحت نفس الراية الطائفية. وهي سبب علتها ومشكلتها الاصلية التي لا يمكن حلها من خلال صراع القوي السياسية التي وجدت كل واحدة منها، مكانها في ظل التقسيم القومي والطائفي. والجانب الاخر للمسألة هو ان هذه الحركة مهما بلغت من النمو، تبقي محصورة في اطارها المناطقي الضيق ولا يمكن لها ان تكون حركة مؤثرة علي عموم المجتمع وتلف المدن العراقية تحت مظلتها بسبب ما عانته الجماهير من سلطتها عندما حكمت العراق لاكثر من ثلاثة عقود. ان التفسير بان بقايا البعث، وراء المقاومة المسلحة، لانها خسرت مواقعها، هو تفسير مغرض اكثر مما هو تفسير ساذج. لان هذا التفسير يحاول طمس ماهية الاحتلال وسياسته اللاانسانية وجرائمه. صحيح هناك العديد من العناصر في النظام السابق انخرطوا في صفوف الجماعات المسلحة، بيد انه لا يمكن تشويه تنامي هذه الحركة بالتفسير الانف الذكر. هل الحركة الاحتجاجية ضد الاحتلال هي حركة الذين خسروا امتيازاتهم بسبب سقوط النظام البعثي كما صوروها عرّابو والاحتلال؟ الجواب قطعا لا. هناك استياء وسخط واحتجاج كبير يتسع يوما بعد يوم في عموم العراق ضد الاحتلال وجرائمه اليومية، لكن لم تتحول تلك الاحتجاجات الي حركة منظمة لها الافق السياسي والبرنامج السياسي يغطي العراق. ان تلك الاحتجاجات، حاول مقتدي الصدر قيادتها، واعتَقَدَ ان حركته ستتحول الي حركة تعم العراق. الا انه نسي شيئا مهما بأنه لا يمكن ان يعدوا اكثر من رمز لاتباع المذهب الشيعي في افضل الاحوال. علي الرغم من انه كان ومازال يقول لاتباعه عبر الاقراص السي دي التي وزعتها جماعته، العمامة هي التي ستطرد الاحتلال. ففي الحقيقة العمامة نفسها كانت احدي العوامل في اجهاض حركته. وهي التي حالت دون توسع حركته الي جميع مدن العراق. وعلاوة علي ذلك ان برنامجه وافقه السياسي لم يكن يعدو اكثر من قيام جمهورية اسلامية علي غرار ايران يكون المذهب الجعفري اساسا للدستور. وهذا لا يستهوي الشارع العراقي علي الاقل في ثلث المدن العراقية التي هي الاخري تفتخر بحمل راية مقاومة الاحتلال. ان رفع شعار مجابهة الاحتلال ليس كافيا دون طرح الافق والبرنامج السياسي الذي يحوي الكل في ظل راية واحدة. اليوم، تطرح بعض جماعات المقاومة المسلحة، بديلها السياسي (الخلافة الاسلامية). انهم نفس الجماعات التي حملت يوما ما الراية القومية. وقد تكون محقة في طرح هذا البديل في عالم اليوم لانها تعيش ازمة البديل. فلا بد من هوية وبديل سياسي لمقارعة الاحتلال. وراية الاسلام السياسي هي راية جاهزة ومنذ زمن تخوض حربا من اجل تطهير ارض المسلمين وارض العرب. وهناك مفكروها ومنظروها ومثقفوها خاضوا نضالا في ميادينهم لتبرير جهادهم المقدس ضد امريكا. وعليه ان حمل هذه الراية من قبل جماعات المقاومة المسلحة وتغيير هويتها القومية الي هوية اسلامية ايسر وافضل الطرق لمقارعة الاحتلال بدلا من انتظار طويل كي تخرج الحركة القومية العربية من غرفة الانعاش وتنتظر ان تكون ماثلة للشفاء بعد وقت ليس بقصير. ومن يدري ستبقي علي قيد الحياة حتي وان سارت علي عكازة ام لا. بيد انها لم تحسب ابدا هذه الجماعات المذكورة ستتقاطع يوما ما مع ما تصبوا اليها وهي قيادة العراق لمقارعة الاحتلال تحت راية الاسلام السني المعروفة براية الزرقاوي. ليست امريكا وحدها غرقت في المستنقع العراقي وتعيش اليوم مأزقا سياسيا، بل حتي جماعات المقاومة المسلحة التي كانت قومية بالامس وجماعة الزرقاوي الاسلامية تعاني هي الاخري من المأزق السياسي. والحق يقال بأن الجماعات المقاومة المسلحة التي حاربت تحت راية الاسلام السياسي ابتلعت طعم سياسة التقسيم القومي والطائفي للمجتمع العراقي. فالبريق الذي كان يشع من راية بن لادن والزرقاوي بسبب مقارعتها لامريكا، انطفأ عندما حاولت ان تكون راية طائفية تجابه جماعات الاسلام الشيعي التي تؤيد امريكا بأباحتها لدم الابرياء المصنفين من الطائفة الشيعية. ان هذه الراية عزلت نفسها واوقعتها في بئر ليس له قرار ولا يمكن الخروج منه. مهما حاول عرّابو الاحتلال التغاضي عن جرائم القوات الامريكية والمتحالفين معها، ومهما دأبوا بتصوير تلك القوات بأنها منقذ الجماهير من ظلم وبطش نظام صدام، فلا يمكن لاحد ان ينكر تنامي سخط وغضب وكراهية في صدور الملايين من العراقيين ضد الاحتلال. والابعد من ذلك ان الجماهير في العراق تعتقد بشكل جازم لو لا الاحتلال لما دمر مجتمعهم وسيطرت الميليشيات علي رقابهم وتطاولت العصابات السياسية والسلب والنهب علي حياتهم. ان جماعات المقاومة المسلحة فشلت في تأطير هذا الاحتجاج وتحويله الي حركة عارمة تزلزل الارض تحت اقدام قوات الاحتلال في جميع مدن العراق. وان فرصتها تكاد تكون معدومة كما اشرت اليها كي تحمل راية هذا الاحتجاج علي صعيد العراق. الهوية اليسارية والإستراتيجية لطرد الاحتلال: من يستطيع قيادة هذه الحركة علي صعيد العراق؟ كما قلت في هذا الجزء، هناك احتجاج وسخط وغضب ضد الاحتلال لكن لم يتحول الي حركة ذات اطار تنظيمي وسياسي. وما زالت هذه الحركة تفتقر الي الهوية السياسية والرمز وتنظيمها في اطار تنظيمي وتسليحها ببديل وافق سياسي. لا الهوية الاسلامية ولا الهوية القومية العروبية بأمكانها توحيد جماهير العراق تحت راية واحدة. وباعتقادي لم تبق امام هذه الحركة الا اختيار الهوية الوحيدة وهي الهوية اليسارية التي تستوعب الكل وتتعامل مع الكل بشكل متساوي. وهي بأمكانها توحيد جميع الفئات الاجتماعية في العراق تحت راية واحدة. انها الهوية الوحيدة التي بأمكانها احتواء الهويات القومية والدينية والطائفية… وتستطيع ان تمثل هذه الحركة علي صعيد العراق برمته. ولا ننسي شيئا اخر وهو مهم جدا ان الصراع الطائفي والقومي في العراق يزيد حدته في كل يوم. وان الحركة التي تواجه الاحتلال هي نفسها بأمكانها مواجهة هذا الصراع الذي بأمكانه اشعال حرب اهلية اشد ضراوة مما حدث في كوسوفو ولبنان وراوندا. وايضا بأمكان هذه الهوية ان تكسب دعما عالميا وخاصة في عمق امريكا والبلدان الغربية. وهذا النقطة لا يمكن للهوية الاسلامية في الحصول عليها، بسبب إستراتيجيتها لمجابهة الاحتلال، التي تتلخص بتحويل المناطق المدنية وحياة الناس الي ثكنات عسكرية وساحات حرب. وعلي مدي ما يقارب ثلاث سنوات نقلت وسائل الاعلام المرئية الي العالم الدموع الساخنة للامهات علي أطفالهن الذين مزقت اجسادهم انفجارات السيارات المفخخة او احدي العمليات الانتحارية، الي جانب نقل صور ومشاهد بين الحين والاخر لذبح الرهائن الاجانب بدم بارد. ان تنظيم الاحتجاجات والسخط الكبير ضد الاحتلال في حركة منظمة لها افق يساري وبرنامج سياسي يتناول مجمل مفاصل الحياة في المجتمع العراقي، تكون الخيارات النضالية مفتوحة امامها. أي بعبارة اخري ان المقاومة المسلحة ليست شرطا نضاليا وحيدا لطرد الاحتلال. وان تجربة نضال الشعب الفلسطيني تؤكد هذه الموضوعة. فانتفاضة الحجارة الاولي دفعت مجرمي الدولة الاسرائيلية الي الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني بأقامة دولته المستقلة. وهي التي صنعت اتفاقيتي مدريد وأوسلو. صحيح ان المقاومة المسلحة كَبَدّتْ قوات الاحتلال خسائر جسيمة، لكن لا ننسي ابدا ان الثمن كان اكبر بكثير وتكلفتها كانت وما زالت باهظة جدا. ان كسر العزيمة النضالية وتهشيم الروح الثورية للجماهير هي الاستراتيجية التي تتبعها قوات الاحتلال لفرض الاذعان والخنوع علي المجتمع. ومن هنا يمكن ايجاد تفسير استخدام هذه القوات الاسلحة الفسفورية وغيرها المحرمة دوليا واتباع سياسة الارض المحروقة وكذلك استخدام اشكال التعذيب في سجونها السرية واطلاق العنان لقوات الحكومة الموالية لها او غض النظر عن الاعمال التي تقوم بها مثل الاختطاف والتعذيب والتمثيل بالجثث والقتل ضد اناس صنفوا من الجماعات والمناطق الخارجة عن سيطرتها.ومن هنا المفروض علي اية حركة ثورية، الاخذ بنظر الاعتبار مزاج الجماهير كمسألة مهمة في اختيار الاسلوب النضالي المناسب. ان جميع الخيارات النضالية مفتوحة امام التيار الذي لا يتخذ من القومية او الاسلام السياسي هوية له. لكن هذه الخيارات ليست متاحة امام الجماعات الاخري التي رفضت الاحتلال وتتخذ من المقاومة المسلحة اسلوبا نضاليا وحيدا لطرد الاحتلال. وذلك يعود لعدم قدرتها علي تعبئة الشارع، لاسباب تتعلق بإستراتيجية جماعات المقاومة المسلحة وهويتها السياسية التي ذكرتها. وفي افضل الاحوال يمكن ان يتحول نضال هذه الجماعات الي حركة انفصالية من الناحية العملية لا تمثل الا تلك المناطق التي تتواجد فيها معزولة عن مما هو موجود في بقية المدن العراقية. وهذا متناقض تماما مع ما تصبو هذه الحركة من اجلها. ان الشارع، اليوم، يحتاج الي شعارات وهوية وافق جديد. وبصراحة لا التيار القومي العروبي ولا الاسلام السياسي يمتلك هذه المستلزمات. ہ سكرتير مؤتمر حرية العراق www.ifcongre.com8