جمعيات تندد بـ«قمع» المهاجرين الراغبين في عبور المانش من فرنسا إلى إنكلترا

آدم جابر
حجم الخط
0

باريس ـ «القدس العربي»: مُجددا كانت قناة المانش مسرحا لمأساة إنسانية، حيث أعلنت الشرطة الفرنسية أن ثمانية مهاجرين لقوا حتفهم في 15 أيلول/سبتمبر الجاري في منطقة با دو كاليه الفرنسية أثناء محاولتهم عبور القناة سرا إلى إنكلترا، الأمر الذي أثار غضب الجمعيات المدافعة عن حقوق المهاجرين، محملة السلطات في البلدين المسؤولية عما يحدث.

كان على متن القارب السري ما يقرب من ستين راكبا من إريتريا والسودان وسوريا وأفغانستان ومصر وإيران، وكان هناك شخص واحد فقط من بين كل ستة أشخاص مزود بسترة نجاة، حسب السلطات الفرنسية، مضيفة أن ستة ناجين تم نقلهم إلى المستشفى في حالات طوارئ نسبية، من بينهم رضيع يبلغ من العمر عشرة أشهر يعاني من انخفاض حرارة الجسم. وفتحت السلطات الفرنسية تحقيقا «للمساعدة في دخول وإقامة أجانب غير شرعيين في عصابات منظمة، في ظروف مشددة تتمثل في تعريض حياة الآخرين للخطر».
بعد هذه المأساة الإنسانية الجديدة في منطقة با دو كاليه الفرنسية، أشارت الجمعيات بأصابع الاتهام إلى مسؤولية الدولة معتبرة أن هذه الدراما الجديدة هي النتيجة المباشرة لقمع وعنف الشرطة. وتقول جمعية Utopia56 في منطقة كاليه – وهي جمعية تم إنشاؤها في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2015 للإشراف على العمل التطوعي الذي كان يجري آنذاك في غابة كاليه: «من المؤكد أن شبكات النقل هي شبكات إجرامية وتشكل في المقام الأول خطرًا على الدولة، ولتجنب قمع الشرطة ابتعد المنفيون عن كاليه وتوجهوا إلى البحر بعيدًا عن الساحل الإنكليزي. ولذلك تزداد أوقات العبور وكذلك مخاطر الحوادث».

ارتفاع عدد الضحايا

وقعت هذه المأساة بعد أقل من أسبوعين من أسوأ حادث تحطم سفينة هذا العام، والذي راح ضحيته 12 شخصاً في 3 أيلول/سبتمبر الجاري. وبذلك يرتفع عدد الضحايا في مثل هذه المعابر إلى ما لا يقل عن 46 شخصًا منذ كانون الثاني/يناير الماضي، ما يؤكد أن عام 2024 هو الأكثر دموية منذ بدء ظاهرة القوارب المؤقتة في قناة المانش عام 2018. في المجموع منذ عام 1999 كان هناك أكثر من 400 حالة وفاة على الحدود الفرنسية البريطانية. وجرت محاولات عديدة للعبور في الأيام الأخيرة، حيث أعلنت الإدارة البحرية لقناة المانش وبحر الشمال أنه تم إنقاذ 200 شخص، ورصد 18 محاولة لمغادرة القوارب في الأيام القليلة الماضية.
وتكون المغادرة في كل وقت، شتاء ونهاراً وليلاً وصيفاً، وبمجرد هدوء البحر.
وتتابعت المآسي منذ بداية فصل الصيف، حيث توفي ستة مهاجرين في منتصف تموز/يوليو الماضي في أسبوع واحد في ثلاثة حوادث منفصلة لسفن: أربعة منهم يوم 12 تموز/يوليو، وامرأة إريترية في 17 تموز/يوليو، ثم رجل في 19 من الشهر ذاته، وذلك بسبب عدم وجود طرق عبور قانونية كافية. وتقول شارلوت كوانتس المنسقة الوطنية لجمعية Utopia56 «الناس يواصلون وسيستمرون يتحملون نفس المخاطر، بغض النظر عن الضوابط والموارد المنتشرة على الحدود. المهربون يستغلون فقط النظام الذي يمنحهم كل المساحة ويسيئون استخدامه».
وحاول نحو 36 ألف مهاجر الوصول إلى إنكلترا عام 2023 عن طريق عبور قناة المانش بشكل غير قانوني من الساحل الفرنسي، وهو رقم انخفض بأكثر من 30 في المئة خلال عام واحد وفقًا للمحافظة البحرية. ومنذ بداية العام الجاري عبر حوالي ألفي مهاجر، حسب تعداد أجرته وكالة «فرانس برس» استنادا إلى بيانات بريطانية رسمية. ووصل أكثر من 22 ألف مهاجر إلى إنكلترا بعد عبور القناة بالقوارب منذ بداية العام، وفقًا للسلطات البريطانية. وهي زيادة يمكن تفسيرها أيضًا بالتعجل المتزايد عند المغادرة «خوفًا من مواجهة رجال الشرطة الذين إذا واجهوا مجموعة على الشاطئ، يندفعون نحوهم لثقب القوارب بالسكاكين» كما يوضح ناشطون جمعويون.
ويأتي حوالي 20 في المئة من المهاجرين الذين وصلوا إلى الساحل الإنكليزي عام 2023 من أفغانستان، وفقًا لبيانات وزارة الداخلية البريطانية. بعد ذلك الإيرانيون، الذين يمثلون حوالي 12 في المئة من العابرين، ثم الأتراك 11 في المئة، والإريتريون 9 في المئة، والعراقيون 9 في المئة. في المقابل، انخفض عدد الألبان الذين كانوا من بين أكثر الأشخاص الذين عبروا الحدود في عام 2022 (12658) بنسبة تزيد على 90 في المئة.
وتحظى هذه الأرقام بمتابعة وثيقة في المملكة المتحدة، حيث وعدت حكومات المحافظين المتعاقبة، بعد خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي، وعدت «باستعادة السيطرة على الحدود». كما تعهدت حكومة رئيس الوزراء كير ستارمر العمالية، التي انتخبت في تموز/يوليو الماضي، بمعالجة الهجرة غير النظامية من خلال زيادة عدد عمليات ترحيل المهاجرين والتعامل مع المهربين. وبعد ساعات قليلة من غرق السفينة نهاية الأسبوع الماضي، أعلنت هذه الحكومة عن إنشاء قيادة نخبة مسؤولة عن أمن الحدود.
وتوصلت لندن إلى اتفاق مع تيرانا لمنع الألبان من المغادرة بشكل غير قانوني إلى المملكة المتحدة، ورحبت الحكومة البريطانية عدة مرات بنجاح هذه الاتفاقية، وإن كان على أرض الواقع يبدو أن الصفقة المماثلة التي أبرمتها روما مع تيرانا لمعالجة طلبات اللجوء المقدمة من المهاجرين عبر الأبيض المتوسط سحبت البساط من الصفقة مع لندن. كما بدأت الحكومة البريطانية المحافظة، التي اعتمدت قوانين لجوء مقيدة للغاية، ترحيل المهاجرين الذين وصلوا بشكل غير قانوني إلى المملكة المتحدة إلى رواندا، وتم حظر المشروع من قبل المحكمة العليا، لكن لندن توصلت إلى اتفاق جديد مع كيغالي.
وكذلك أبرمت المملكة المتحدة صفقة مع فرنسا بشأن المهاجرين في آذار/مارس الماضي، حيث توصل ريشي سوناك والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى اتفاق ينص على مساهمة لندن بأكثر من 500 مليون يورو على مدى ثلاث سنوات لتعزيز المراقبة على الشواطئ الفرنسية ومكافحة عصابات التهريب. وتم تكليف 700 شرطي ودركي فرنسي بهذه المهمة. وأصبح الضباط البريطانيون الذين يشاركون في اجتماعات إنفاذ القانون الفرنسية «متطفلين للغاية» وفقًا لأحد المسؤولين التنفيذيين في قوات الدرك. وتفسر هذه الضغوط، دون أي مبرر، الممارسات العنيفة المتزايدة.

ممارسات عنيفة بشكل متزايد

والواقع أن فرنسا، بمنعها المهاجرين من الوصول إلى الساحل الإنكليزي، تلعب دوراً مشابهاً للدور المشكوك فيه الذي قبلته تركيا أو ليبيا فيما يتعلق بالهجرة إلى أوروبا، مقابل تمويل من الاتحاد الأوروبي. ولا بد من التشكيك في هذا الدور الذي تلعبه فرنسا باعتبارها «الذراع الشرطي لسياسة الهجرة البريطانية» والذي أدانته اللجنة الاستشارية الوطنية لحقوق الإنسان «CNCDH» عام 2015.
ويتطلب وضع حد للمآسي المتكررة في القناة معركة لا هوادة فيها ضد المتاجرين والاحترام المطلق لحقوق الإنسان من قبل الشرطة. لكن الوضع يتطلب أيضاً إعادة مناقشة شروط التعاون الفرنسي-البريطاني أحادي الاتجاه حالياً، وتحديد البدائل لحالة التوتر الممتدة على طول ساحل شمال فرنسا بالكامل، والتي لا تؤدي إلا إلى تأجيج الجدل حول الهجرة.
بالنسبة للجمعيات الناشطة في مجال الهجرة، فإن الأموال التي أنفقتها السلطات لحماية الحدود لم تؤد إلا إلى زيادة المخاطر التي يتعرض لها المهاجرون الذين يسافرون الآن من مناطق أبعد للوصول إلى بريطانيا. وانتقدت الجمعيات بقوة السلطات الفرنسية لتشديد سياستها في السنوات الأخيرة، بدون أن يكون لها التأثير المطلوب، وذلك تعقيباً على وفاة المهاجرين الثمانية أثناء محاولتهم عبور قناة المانش ليلة السبت 14 إلى الأحد 15 أيلول/سبتمبر الجاري.
ويستنكر أكسل جودينات، منسق Utopia56 قائلاً: «استثمرت فرنسا وإنكلترا الملايين، بل وحتى مليار يورو، في حماية هذه الحدود، وكل ما نتج عن ذلك هو المغادرة إلى أماكن أبعد. في السابق كان الناس يغادرون كاليه أو دونكيرك، وهي المناطق الأقرب إلى إنكلترا، والآن يغادرون من بولوني، على بعد 30 دقيقة بالطريق السريع إلى الجنوب، ومن لوتوكيه، على بعد ساعة بالطريق السريع إلى الجنوب. حتى أن هناك نداءات استغاثة من خليج السوم (أكبر مصب نهري شمال فرنسا بكثبانه الممتدة على عدة كيلومترات وشواطئه الرملية المبللة على الدوام) ولذا نتخيل أن تزيد أوقات العبور بمقدار مرتين أو ثلاث، وبالتالي يزداد الخطر أيضًا».
بالنسبة للجمعيات، فإن الحل الوحيد للحفاظ على الأرواح وإنقاذها هو السماح للأشخاص الذين يرغبون في الذهاب إلى إنكلترا بركوب العبارات. ويتساءل ناشط حقوقي فرنسي، مشيرا بإصبع الاتهام إلى السياسيين: «السؤال الكبير بالنسبة لي هو ماذا تفعل سلطاتنا؟ لقد بدأ الناس هنا بالغليان لأننا نشعر بالعجز قليلاً والتخلي عنا. نحن بحاجة إلى التوقف عن منع الناس من المغادرة إلى حيث يريدون (العبور من فرنسا إلى إنكلترا عبر المانش)».
وهو شعور يتشاركه الكثيرون، بمن فيهم أكسل جودينات، منسق جمعية Utopia56 في كاليه، الذي يقول متأسفاً: «علينا فقط أن نتوقف عن النظر إلى المنفي باعتباره خطراً، وعلينا أن نتوقف عن عرقلة الناس ومنعهم ومضايقتهم، الأمر الذي سيؤدي إلى المزيد من الوفيات. ولأن الناس لديهم آلاف الأميال خلفهم، فإن لديهم أسباباً مبررة للغاية للخروج من المكان الذي غادروا منه، إنهم يبحثون فقط عن الحماية، وسيقوم الناس بتحمل المزيد من المخاطر».
وتشدد الجمعيات والمتطوعون على أن «الحل ليس قمعيا» وعلى أنه «يجب فتح العبارات للأشخاص الذين يرغبون في طلب اللجوء في إنكلترا والترحيب في فرنسا بالذين يرغبون في البقاء» محذرة من أن عدد الوفيات وصل منذ بداية العام وصل إلى مستوى لم يشهده منذ ثلاث سنوات.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية