جمهورية ألمانيا الفدرالية والشرق الأوسط: بين مسؤوليات تاريخية وإقامة الوحدة الأوروبية

حجم الخط
0

يستعرض الباحث ماتياس شولز تاريخ العلاقات بين ألمانيا الغربية والشرق الأوسط منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. محور بحثه: العلاقات التي أقامتها الجمهورية الفدرالية مع دولة إسرائيل ومع الدول العربية المجاورة على مستوى آخر.
نقدم لكم ملخصا عن مقاله الذي يتألف من ثلاثة أجزاء تتناول ثلاث فترات زمنية مرّت بها ألمانيا: أولا، فترة ما بعد الحرب حيث دعمت ألمانيا إسرائيل عند تأسيسها، ثم الفترة التي بدأت مع حظر النفط حيث أدركت ألمانيا أهمية بناء علاقات مع الدول العربية.
شهدت هذه الفترة تردد ألمانيا بين مصالح كل من أمريكا وأوروبا.
وأخيرا فترة ما بعد حرب تشرين الأول- أكتوبر حيث تشكلت أوروبا بشكل ثابت. لكل فترة إشكاليات ورهانات خاصة.

تشكل الدولة الإسرائيلية

شعر الشعب الألماني بذنب كبير، بعد المجازر التي قامت بها السلطة النازية ضد اليهود. على عكس ما فعلت ألمانيا الشرقية التي تذرعت بأيديولوجيتها المناهضة للفاشية وتبرأت من جرائم النازيين، اعترفت ألمانيا الغربية بمسؤولية النازية. فوافقت بسبب هذا الدين الأخلاقي وبواجب التعويض، على إنشاء دولة إسرائيل. إضافة إلى ذلك، يركز الباحث على أن الرأي العام الألماني والتاريخ الرسمي حمّلا بريطانيا وحدها مسؤولية الحرب في فلسطين: لا دور للألمان إذن في أحداث هذه المنطقة. وقعت ألمانيا معاهدة لوكسمبورغ التي ألزمتها بدفع تعويضات عن الإضرار لمدة 12 سنة بالإضافة إلى تسليم منتجات بقيمة 3 مليارات مارك إلى إسرائيل و 450 مليونا لدعم الجالية اليهودية، وعلى 12 اتفاق ثنائي بخصوص التعويضات العامة.
قامت ألمانيا بدعم إسرائيل بشكل خفي وبتسليمها عام 1956 معدات عسكرية دفاعية وعام 1960 غواصات وصواريخ بما يقارب 240 مليونا DM، ثم معدات أخرى عام 1962 وذلك قبل أن تبدأ أمريكا بمساعدة إسرائيل عام .1964 عندما طالب الرئيس المصري عبد الناصر بوقف تسليم السلاح لإسرائيل واعترف بجمهورية ألمانيا الديمقراطية عام 1964 حاولت ألمانيا الغربية أن تهدئ الأمور فأجلت تسليمها السلاح. لكن لم تمض فترة طويلة قبل أن تعدها بتوقيع اتفاقية تجارية مع الاتحاد الأوروبي.
في نهاية الأمر، لم يتسبب اعتراف ألمانيا الغربية بدولة إسرائيل عام 1965 بردود فعل كثيرة.
يمكننا أن نقول إن الجمهورية الفدرالية دعمت إسرائيل في فترة حساسة جدا أي في بداية تأسيسها عندما لم يكن عدد سكانها يتجاوز مليونين، ساهمت خاصة في تأسيس البنية التحتية وفي تجهيز الجيش. لم تتوقف ألمانيا عن دعم إسرائيل بشكل علني أو سري عندما كان الضغط يزداد عليها في المنطقة، ولم تعط اهتماما كبيرا للعدوانية التي ولّدتها سياستُها الخارجية في العالم العربي، والحقيقة أنها لم تهتم بالأمر لكونها لم تكن تستهلك نفطا كثيرا بسبب اعتمادها على الفحم: كان استهلاك الفحم في أوروبا الغربية عام 1955 يشكل 75 في المئة من استهلاك الطاقة.
لكن الأمور تغيرت في السبعينيات حيث شكل النفط 60 في المئة من استهلاك الطاقة في أوروبا. أدّى هذا التطور إلى تغيير نمط تعامل ألمانيا مع الدول العربية في الشرق الأوسط.

الاقتراب من الدول العربية

هناك أسباب عديدة لهذا التغيير: في الستينيات انتصر الحزب الاشتراكي الديمقراطي في الجمهورية الفدرالية، إضافة إلى ذلك، اشتدت حركة التضامن مع دول العالم الثالث بالتزامن مع الغضب الذي سببه عدم التزام إسرائيل بقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم.242 سلطت عملية ميونخ 1972 مع كل وحشيتها الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني وقضبته.
ولكن السبب الأساسي للمنعطف المهم الذي حدث ما بين 1967 و 1973 هو أول حظر للنفط الذي سبّب صدمة كبيرة على اقتصاد أوروبا الذي أصبح أكثر اعتمادا على هذه الطاقة. وهذه المرة، لم تستطع الولايات المتحدة أن تقوم بدعم أوروبا بشكل كامل كما فعلت سابقا.
على المستوى الدبلوماسي، كانت مهمة ألمانيا في سياق الحرب الباردة أن تكون جسرا بين أوروبا الشرقية والغربية كما أوضح فيلي برانت المستشار الألماني. لذلك كان من مصلحتها أن تتجنب أي صراع بين القوتين الكبيرتين في الشرق الأوسط وأن تفضل دائما عدم تدخل (ولكن عدم التدخل لا يعني الحيادية فرؤساء الأحزاب والرأي العام ما زالوا يميلون إلى طرف إسرائيل).
فيما يخص أوروبا، وجدت ألمانيا نفسها في حالة حساسة بين مواقف فرنسا من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى حين قررت أن تمتن علاقاتها مع إسرائيل. أما فرنسا، فأوقفت عام 1967 الدعم النووي لإسرائيل وطالبت بانسحابها من الأراضي المحتلة. هدفت بذلك إلى الاقتراب من الدول العربية وحاولت أن تؤسس سياسة خارجية أوروبية مشتركة فيما يخص علاقاتها مع الولايات المتحدة، التوتر بين الشرق والغرب والصراع في الشرق الأوسط. اتفقت الدول الأوروبية الست عام 1971 على مبدأ الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967، لكنها لم تتفق على مبدأ مبادرة للسلام في الشرق الأوسط.
خلال حرب تشرين الأول- أكتوبر وافقت ألمانيا على مواقف أوروبا المذكورة أعلاه إضافة إلى مطالب أخرى إذ اعتبرت أوروبا أن مسؤولية الهدنة تعود إلى الأمم المتحدة وليس إلى الولايات المتحدة وسعت إلى أن تفرض على المنطقة قوات لحفظ السلام. وافق فيلي براند على هذا الخط السياسي، لكنه استمر في تسليم السلاح لإسرائيل.
عندما اقترح الفرنسيون مفاوضات مباشرة مع الدول العربية على موضوع تموين أوروبا بالنفط ترددت ألمانيا ومالت أخيرا إلى طرف أمريكا التي فضلت أن تقوم هي بالمفاوضات باسم الغرب بأكمله كي تضغط على العرب، يشير الباحث إلى أن بعض الساسة اعتبر موقف ألمانيا حينئذ مناقضا لمصالح الأوروبية.
نرى إذن أن جمهورية ألمانيا الفدرالية ترددت خلال هذه الفترة بين مصالح القوى الكبرى وتأسيس أوروبا. بقيت إسرائيل حليفتها الكبرى في المنطقة. لكن ألمانيا أدركت بعد صدمة النفط أنه عليها أن تتعامل مع الدول العربية ايضا.
أخيرا حاولت ألمانيا أن تقترب من الخط الأوروبي عام 1974 عندما أعلنت الحكومة الفدرالية حق الفلسطينيين بتقرير المصير وطالبت بانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة ودافعت عن مبدأ السلام في كل الشرق الأوسط. هكذا هدفت ألمانيا إلى أن تقترب بشكل خاص من فرنسا التي أعلنت دعمها لفلسطين وقد أصبح هذا الأمر يناسب مصالح ألمانيا في الطاقة.
منذ حرب تشرين الأول – أكتوبر ساهمت ألمانيا الغربية في الحوار الأوروبي العربي حتى وإن لم تكن الولايات المتحدة مشجعة.
هدف هذا الحوار إلى استكمال عملية السلام وتعاون اقتصادي وتقني مع العرب. في المقابل طلبت أوروبا منهم تنازلات سياسية أي مفاوضات مع إسرائيل والاعتراف بها. شجع شميت الألماني عملية السلام بين مصر وإسرائيل عام 1977 كما شجع اتفاقية كامب ديفيد عام 1981. في هذا الإطار بدأت ألمانيا تساعد مصر اقتصاديا.
لكن هذا لا يعني أن أوروبا تجاوزت اختلافاتها في هذا الشأن. والواقع أن فرنسا أصبحت من الداعمين الأساسيين لمنظمة التحرير الفلسطينية إذ طالب الرئيس الفرنسي متيران بدولة فلسطينية. أما جينشار الألماني فلم يخفِ استمرار ألمانيا في علاقتها مع إسرائيل وابتعد عن ياسر عرفات خلال الحرب الأهلية في لبنان. دافع جينشار عن فكرة معاهدات مع الدول العربية ومع إسرائيل في الوقت نفسه.
بعد إعادة توحيدها ركزت ألمانيا سياستها الخارجية على تصرف في إطار أوروبي فيما يخص الشرق الأوسط. تبدو أوروبا وكأنها أصبحت قادرة على اتخاذ قرارات مشتركة. نظم الاتحاد الأوروبي مؤتمرا لعملية السلام في مدريد عام 1991 الذي أدّى إلى توقيع معاهدة أوسلو.
اُعتُبر الاتحاد الأوروبي من أهم داعمي السلطة الفلسطينية وأصبحت مساهمة ألمانيا في هذه الميزانية مهمة. عندما طالب الاتحاد الأوروبي بتأسيس دولة فلسطينية عام 1999، حاولت ألمانيا أن تتفاوض مع الطرفين باسم أوروبا وليس كقوة مستقلة.
عام 2002 اقترح المجلس الأوروبي الخطة التي قبلتها اللجنة الرباعية حول الشرق الأوسط. لكن إسرائيل رفضتها وبدأت ببناء جدار الفصل. لا تزال ألمانيا مثل الدول الأوروبية الأخرى تطالب باحترام حدود 1949 دون جدوى.

كاتبة سورية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية