أنا ابن رجل خائف، تزوج من امرأة خائفة، فأنجبا وريث خوفهما.
في تلك الغابة التي اسمها «سورية» كان الخوف ثقافة عامة!! العساكر خائفون، الموظفون خائفون، العمال خائفون، الطلاب خائفون، التجّار، المزارعون، الأطباء، الصيادلة، القضاة، المحامون، الشيوخ، النساء، حتى الأطفال خائفونّ!! الجميع خائف من الجميع، على مدار الساعة!!
ولم يكن متاحا لأحد أن يأخذ إجازة من ذلك الخوف، إلا إذا غادر الحياة.
كان الخوف جدارا أصمّا، عشنا خلفه في عزلة تامة أكثر من خمسة عقود، قبل أن تثقبه بضع كلمات كتبها أطفال درعا على جدران المدرسة، فانهار الجدار، وارتبكنا. لم نعد نعرف ماذا سنفعل بخوفنا!؟ البعض قادهم خوفهم إلى الحياد، والحياد كما تصفه آين راند (هو مرحلة مؤقتة، بعد ذلك تبدأ الناس تدريجيا بالتطبيع مع الرذيلة)، وهذا ما حصل. أربعة عشر عاما والتطبيع مع الرذيلة لم يتوقف، في كل مرة يتمظهر حسب مقتضى الحال، لدرجة أن أحد أعضاء مجلس الشعب، في جلسة بث وقائعها التلفزيون الرسمي، أعلن على الملأ أن قيادة سورية قليلة على الرئيس الهارب، واقترح عليه قيادة العالم!!
آنذاك كانت سورية تجلس كنقطة في آخر سطر الحضارة. وحين تتالت الانهيارات، تحولت إلى حبل غسيل معلقة عليه أسماء السجون والسجناء والمفقودين والشهداء والمقابر الجماعية، فأي باب يمكن أن يغلق على تلك الذاكرة المفتوحة؟!
أعرف أن الموت لا شريك له في المساواة، وليس بإمكاننا أن نسأل الذين ماتوا، لماذا ماتوا؟ يجب أن نسأل كيف ماتوا؟ إذ لا يوجد طريقة مشرّفة للقتل، «والضمير الذي يصمت فترة طويلة، يصبح شاهد زور». يقول فانست فان كوخ: ما أردت التعبير عنه، ليس شيئاً وجدانياً، أو كآبة، ولكنه لوعة عميقة. هذه اللوعة تعاني منها غالبية الشعب السوري، باستثناء أولئك الذين غادروا برفقة امتيازاتهم، وأشباههم من أصحاب الامتيازات الذين -مع الأسف-ما زال الكثير منهم يعيشون بيننا!!
لقد تعب السوريون من السير خلف الأسئلة التي لا جواب لها، ولم يبق أمامهم إلا أن يكنسوا النفايات التي عملوا على تدويرها طيلة العقود الماضية، قبل أن نتحول إلى حيوانات أليفة، تقتادنا الفتاوى والأيديولوجيات إلى حظائرها.
كاتب سوري