جهود فرق الدعم النفسي تثمر في تجاوز الصدمات النفسية الواقعة على الأطفال في غزة

إسماعيل عبد الهادي
حجم الخط
0

ينتظر الطفل محمد دواس كباقي الأطفال النازحين داخل مدرسة بيت المقدس في مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة بفارغ الصبر مع حلول كل صباح وصول فرق التفريغ النفسي، من أجل تشتيت الضغوط النفسية التي يتعرض لها وغيره من الأطفال من جراء الحرب الإسرائيلية المستعرة على غزة، وتعرض الأطفال لأبشع صور التعذيب النفسي بسبب القصف العشوائي والدمار الذي حل بالمنازل، عدا عن مشاهد الضحايا المنتشرة بين الأزقة والشوارع داخل مدينة غزة، إلى جانب الظروف المعيشية الصعبة التي يقضيها الأطفال داخل مركز الإيواء المكتظة بآلاف النازحين.

ويعيش أطفال غزة حياة قاسية للغاية، حيث تصنف غزة وفق منظمات دولية كأخطر مكان في العالم للأطفال، إلى جانب وصفها بأنها مقبرة لآلاف الأطفال، نتيجة ما حل بالأطفال من خوف من جراء القصف العنيف، وصعوبة الحصول على الطعام ومياه الشرب الصحية وفقدان العديد من الأطفال أفراد أسرهم، كما وتعتبر فئة الأطفال من أكثر الفئات تضرراً من الحرب التي تركت آثاراً نفسية كبيرة عليهم، حيث تعرض أكثر من 6 آلاف طفل للقتل من قبل الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء حربه على قطاع غزة، فيما أصيب عدد كبير جداً بإعاقات مستدامة، بعد أن تعمدت إسرائيل خلال الحرب الدائرة شن حرب إبادة بحق المدنيين العزل، من خلال قصف البيوت على رؤوس ساكنيها، وتجاوز كافة القوانين والأعراف الدولية التي تكفل حماية الأطفال والمدنيين خلال الصراعات.

اللعب مع الأطفال

وبالعودة إلى الطفل دواس والذي يتعرض لضغوط نفسية كبيرة بعد أن فقد أمه وعددا من إخوته خلال قصف الاحتلال منزلهم الواقع في حي النصر غرب مدينة غزة، فقد بدت مشاهد الحزن تخيم على تفاصيل وجهه، عدا عن العزلة التي أصابته عندما حضر برفقة والده كنازح إلى المدرسة، ولوحظ حجم الصدمة التي منيت به وبوالده، لكن مع بدء فعاليات التفريغ النفسي، بدت أحوال الطفل تتحسن وبدأ بالانخراط واللعب مع الأطفال، بفعل جهود فرق التنشيط التي أخذت على عاتقها تفريغ المشاكل النفسية لشريحة الأطفال داخل مراكز النزوح المنتشرة في مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة.
وتنشط جمعيات عدة في مجال الدعم والتفريغ النفسي في غزة، بالعمل على إعداد مبادرات يومية ومكثفة داخل مراكز الإيواء المنتشرة جنوب القطاع، من أجل التخفيف عن الضغوط النفسية التي يعاني منها الأطفال بشكل أساسي، حيث تتيح هذه المبادرات محاولة تشتيت مشاهد الدمار والقتل التي ترسخت في أذهان الأطفال، من خلال إطلاق برامج تنشيطية لساعات طويلة يومياً باستخدام مختلف الألعاب البسيطة والشيقة والفرق البهلوانية، التي تضفي السرور على وجوه الأطفال، كما يحاول القائمون كسر الجمود وتجاوز الصدمة لشريحة واسعة من الأطفال ممن يعانون من آثار نفسية سلبية.
يقول سلامة دواس والد الطفل محمد لـ «القدس العربي»: تمكن محمد بجهود المتطوعين من فرق الدعم النفسي من تجاوز الصدمة التي تعرض لها، بعد أن قصفت الطائرات الحربية المنزل بداية الحرب دون سابق إنذار وفقدانه والدته وعددا من أخوته خلال الاستهداف، وهذا أثر على نفسيته وبات يبكي ليل نهار على فقدان أمه ومشاهد الرعب والدمار التي صدم بها والتي أثرت على نفسيته، وزاد ذلك التعرض للدبابات والجنود على طريق جنوب قطاع غزة خلال النزوح مشياً على الأقدام لمسافات طويلة.
وقال المتحدث باسم منظمة اليونيسف توبي فليكر، إن وضع الأطفال في غزة مؤسف وكارثي، مشيراً في تصريحات صحافية إلى أن أكثر من 800 ألف طفل في القطاع بحاجة إلى الدعم الصحي والنفسي، بعد أن نزحوا من بيوتهم ويعيشون ظروف بيئية صعبة في مراكز الإيواء المكتظة، وبين أن المنظمة تتلقى تقارير يومية عن أحوال الأطفال من حيث أعداد القتلى والمصابين وظروفهم المعيشية تحت القصف، كما أضاف أن أطفال غزة لا يحصلون على الحد الكافي من مياه الشرب إلى جانب سوء التغذية، عدا عن انتشار العديد من الأمراض في صفوفهم بسبب تلوث الطعام والشراب الذي يحصلون عليه.

العمل حتى تحت القصف

من بين الجمعيات التي ينشط عملها بشكل واسع في مناطق جنوب قطاع غزة جمعية وطن الترفيهية، حيث يقول مسؤول فريق التنشيط داخل الجمعية خليل نصار لـ «القدس العربي»: إن الجمعية أخذت على عاتقها العمل حتى تحت القصف في التوجه إلى المدارس التي يمكن الوصول إليها، في محاولة تخفيف الصدمات النفسية التي يتعرض لها الأطفال، خاصة وأن هذه الحرب مركزة على المدنيين ولاسيما الأطفال منهم، وتركت فيهم آثاراً نفسية كبيرة، وذلك بمشاركة 12 ناشطا وناشطة من الجمعية يعملون كخلية نحل على تقدم الدعم النفسي للأطفال.
وبين أن فرق التنشيط تلاحظ وجود اضطرابات نفسية كبيرة وبأعراض شديدة على الأطفال داخل مراكز النزوح، ويمكن وصف هذا الاضطراب بعزلة عدد من الأطفال من الذكور والإناث وعدم انخراطهم في الحديث واللعب مع غيرهم من الأطفال، عدا عن الخوف والهلع من أبسط المواقف المفاجئة، وهذا سببه الحرب وأصوات القصف ومشاهد القتل التي تعرضوا لها.
ولفت إلى أن طبيعة عمل الفريق تكون مقسمة إلى عدة أنشطة حتى يتمكن جميع الأطفال من الاستفادة من نشاط الدعم النفسي في ظل تكدس المدارس بمئات الأطفال، حيث يركز الفريق على تشغيل موسيقى تحفيزية من خلال مكبرات الصوت مع الألعاب البهلوانية، من أجل لفت الانتباه عن الحرب وأصوات الطائرات والصواريخ، إلى جانب استخدام الألوان المائية والرسم بالفرشاة على وجوه الأطفال، ابتسامات ورسومات لمسلسلات الكرتون، إلى جانب بعض الألعاب الأخرى كشد الحبل والعديد من الأنشطة الأخرى.
وأوضح أنه بالرغم من بذل الفريق جهودا صعبة، إلا أن هناك تجاوبا واسعا من قبل الأطفال داخل مراكز النزوح مع جلسات التفريغ النفسي، لكن في بعض الأحيان نواجه مآزق كبيرة خلال الأنشطة، وهو أن حلقات التنشيط يتزامن معها أصوات قصف في المناطق المحيطة بتلك المدارس، وهذا يشتت أذهان الأطفال الذين يهرعون بالصراخ إلى الفصول، خوفاً من الأصوات.
وتقول الناشطة هند زعيتر التي تتولى نشاط الرسم على وجوه عدد من الأطفال خلال عملها التطوعي، أنها تشعر ببالغ الفرح والسرور من خلالها عملها في تخفيف الضغوط النفسية التي يتعرض لها الأطفال، خاصة الذين نزحوا من مدينة غزة وتعرضوا لأبشع صور الدمار ومشاهد القتل، كون هذه الفئة من أكثر الفئات عرضة للمشاكل النفسية والسلوكية، لعدم قدرتهم على تحمل المشاهد الصعبة التي تترسخ في أذهانهم.
وتقول لـ«القدس العربي»: «إن الأطفال داخل مراكز الإيواء يعانون من ظروف صعبة، من جراء التلوث الذي يحيط بهم نتيجة تكدس المدارس بأعداد هائلة بالنازحين، عدا عن صعوبة حصول الأطفال على الطعام والشراب بشكل مستمر وعدم توفر مكان آمن للنوم، نتيجة تراجع الخدمات المقدمة من قبل القائمين على مراكز الإيواء، بسبب قلة الدعم وصعوبة حصول كل فرد على حقه في المساعدات بسبب الأعداد الكبيرة».
وتوضح أن الهدف من الأنشطة التي يقوم بها أفراد الفريق هو محاولة تفريغ الكبت والضغط النفسي الذي يعاني منه الأطفال، واستغلال وقت الفراغ الطويل الذي يؤزم من وضعهم داخل مراكز الإيواء، خاصة وأن جزءا كبيرا منهم يقضون جل وقتهم في البحث عن مياه الشرب، وجمع الحطب من الشوارع لإعداد الطعام بالطرق البدائية.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية