غزة – «القدس العربي»: استمرت هجمات جيش الاحتلال الدامية على قطاع غزة، ومن جديد سقط عشرات الضحايا، بينهم أشقاء، ونازحون، وطالبو مساعدات من الجائعين، في وقت استمرت فيه عمليات القصف الجوي العنيفة وعمليات نسف المنازل في مناطق التوغل البري شمال وجنوب القطاع، وسط استمرار التنديد الأممي بما يحصل من قتل للجائعين في غزة.
ودفع الوضع في غزة بمسؤول في الأمم المتحدة إلى وصف ما يجري بأنه محو للحياة الفلسطينية.
وقالت مصادر في مستشفيات غزة لشبكة «الجزيرة» إن 43 شخصًا استُشهدوا بنيران جيش الاحتلال الإسرائيلي في القطاع منذ فجر الاثنين، بينهم 20 من منتظري المساعدات.
وأعلنت وزارة الصحة في وقت سابق عن وصول 39 شهيدًا و317 مصابًا إلى مستشفيات قطاع غزة خلال الـ 24 ساعة الماضية، وأشارت إلى ارتفاع حصيلة الشهداء والإصابات منذ استئناف العدوان يوم 18 مارس الماضي إلى 5,685 شهيدًا و19,518 مصابًا.
وقالت إن حصيلة حرب الإبادة الإسرائيلية ارتفعت إلى 55,998 شهيدًا و131,559 مصابًا منذ السابع من تشرين الأول / أكتوبر 2023، فيما بقي عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات دون أن تتمكن طواقم الإسعاف والدفاع المدني من الوصول إليهم.
مجازر الأشقاء
فقد شهدت مناطق شمال قطاع غزة، التي ينفذ فيها جيش الاحتلال توغلًا كبيرًا، تصعيدًا خطيرًا، حيث ارتقى أربعة شهداء وأُصيب آخرون بجروح مختلفة، بعد أن استهدفت طائرات الاحتلال منزلًا في منطقة جباليا البلد. كما أعلنت مصادر طبية عن انتشال جثماني شهيدين بعد قصف إسرائيلي على تلك المنطقة أيضًا.
واستشهد ثلاثة أشقاء بعد أن استهدفت غارة إسرائيلية منطقة السلاطين شمال غربي بلدة بيت لاهيا. وقالت مصادر من العائلة إن الأشقاء الثلاثة كانوا يتفقدون منزل العائلة، على أمل العودة لأسرهم النازحة بأي نوع من الطعام، تركوه خلفهم عند النزوح بعد تلقي تهديدات إسرائيلية.
وخلال الساعات الماضية، كثّف جيش الاحتلال عمليات القصف الجوي لمنطقة جباليا البلد، بهدف دفع من تبقى من السكان إلى النزوح القسري، بعد أن وسّع رقعة عملياته العسكرية.
وحسب مصادر محلية، ركز جيش الاحتلال عملياته العسكرية في الأيام الأخيرة على المناطق الشرقية لبلدة جباليا، حيث واصل نسف منازل المواطنين وشن غارات جوية مكثفة على وسط البلدة بالتزامن مع قصف مدفعي عنيف، ما ألحق دمارًا كبيرًا بالمنطقة، وخصوصا في شرق مخيم جباليا وحي تل الزعتر.
مسؤول أممي: ما يجري «محو للحياة الفلسطينية»
ونفّذ الاحتلال عمليات تدمير ونسف طالت العديد من المنازل في بلدة بيت لاهيا، ما أجبر أعدادًا جديدة من السكان على النزوح القسري نحو مناطق غرب مدينة غزة.
وفي مدينة غزة، ارتقى شهيدان وأُصيب 15 شخصًا بعد أن استهدف الاحتلال منزلًا في حي الكرامة غرب المدينة، القريبة من مناطق التوغل البري شمالي القطاع، التي يقيم فيها عدد كبير من النازحين.
وأعلن جهاز الدفاع المدني استشهاد النقيب حسام حمدي (أبو نادي) بعد أن استهدف الاحتلال منزلهم في منطقة الكرامة، في جريمة بشعة أدت أيضًا إلى استشهاد والدته وعدد من أشقائه وأفراد أسرته. وقال الجهاز إنه عمل ضابطًا في وحدة الإدارة والتنظيم ثم في إدارة الاستغاثة، وباستشهاده، ارتفع عدد شهداء الدفاع المدني خلال الحرب إلى 122 شهيدًا.
كما ارتقى الطفلان الشقيقان محمود ويزن فارس التركماني، والطفل حازم محمد السنداوي، إثر قصف إسرائيلي على مدينة غزة ليلة الأحد.
وفي غارة أخرى على ذات الحي، أصيب عدد من المواطنين بجروح مختلفة.
وقالت مصادر محلية إن الزوارق الحربية الإسرائيلية أطلقت نيرانها في عرض بحر غرب مدينة غزة، رغم وجود أعداد كبيرة من المواطنين يقيمون في خيام قريبة من الشاطئ، بعد نزوحهم من عدة مناطق شمال القطاع والمناطق الشرقية للمدينة. كما طالت الاستهدافات الأطراف الشرقية والجنوبية لحي الزيتون.
بالتوازي، واصلت قوات الاحتلال هجماتها على السكان الجائعين المتوجهين إلى مركز توزيع المساعدات الغذائية الذي تديره سلطات الاحتلال وشركة أمريكية، في محيط «محور نتساريم» شمال المنطقة الوسطى.
وأعلنت مستشفى العودة في مخيم النصيرات عن استقبال شهيدين و35 إصابة جراء استهداف الاحتلال تجمعات المواطنين من منتظري المساعدات على شارع صلاح الدين جنوب منطقة وادي غزة وسط القطاع. وقالت إن من بين الإصابات 16 إصابة خطيرة جرى تحويلها إلى مستشفيات المحافظة الوسطى.
وفي السياق ذاته، استشهد مواطن بعد أن استهدفت طائرة مروحية إسرائيلية منزلًا في مخيم دير البلح، وأُصيب مواطن آخر بإصابة خطيرة بعد أن استهدفت قوات الاحتلال شقة سكنية في المدينة.
وفي مدينة خان يونس، واصلت قوات الاحتلال استهداف مناطق إقامة آلاف النازحين في المواصي غرب المدينة، ما أدى إلى ارتقاء عدد من الشهداء وسقوط جرحى بعد أن استهدفت الخيام في تلك المنطقة.
كما ارتقى 10 شهداء وأُصيب عدد من المواطنين بعد أن استهدفتهم قوات الاحتلال بنيرانها خلال انتظارهم المساعدات الغذائية جنوب مدينة خان يونس. وقالت مصادر طبية إن جثمان أحد الشهداء وصل إلى مجمع ناصر الطبي، وقد استشهد في شارع الطينة جنوب غرب المدينة. وحتى عصر الاثنين، أحصت وزارة الصحة ارتقاء 23 شهيدًا في المدينة، نتيجة عدة هجمات استهدفت مناطق النزوح ومراكز توزيع المساعدات، من بينهم أطفال وسيدة حامل.
وأصدر جيش الاحتلال أوامر إخلاء جديدة لسكان يقطنون في البلوكات 107، 108، 109 في مدينة خان يونس، وهددهم بأنه سيعمل بقوة في تلك المناطق، وطالبهم بالتوجه نحو منطقة المواصي.
واستشهد 10 مواطنين وأُصيب عدد آخر، عند اقترابهم من مراكز المساعدات التابعة للشركة الأمريكية شمال غرب مدينة رفح، أقصى جنوب القطاع.
ويحرص هؤلاء المواطنون على التوجه يوميًا إلى تلك المراكز، رغم المخاطر الكبيرة التي يواجهونها بسبب استهدافات جيش الاحتلال، عند وصولهم إلى مناطق مفتوحة يسهل فيها قتلهم بالقصف المدفعي وإطلاق النار الكثيف، ما أدى إلى سقوط مئات الضحايا بين شهيد وجريح.
أوضاع صعبة
وفي هذا السياق، قال رئيس مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا» في الأرض الفلسطينية المحتلة، جوناثان ويتال، إن ما يحصل في غزة هو «مذبحة، واستخدام للجوع كسلاح، وتهجير قسري، وحكم إعدام على أشخاص يحاولون فقط البقاء على قيد الحياة».
وأكد أن ما يجري يمثل «محوًا للحياة الفلسطينية»، مشيرًا إلى أن الناس في غزة يُقتلون وهم يحاولون الوصول إلى الغذاء، بينما ينصب اهتمام العالم في مكان آخر.
وأشار إلى تقارير تفيد بمقتل أكثر من 400 شخص منذ أن رُفع المنع الكامل للمساعدات بشكل جزئي قبل أكثر من شهر بقليل، غالبيتهم سقطوا نتيجة إطلاق النار أو القصف أثناء محاولتهم الوصول إلى مواقع التوزيع الأمريكية – الإسرائيلية، والتي قال إنها «أُقيمت عمدًا في مناطق عسكرية». وأكد وجود «نمط مخيف لفتح القوات الإسرائيلية النار على الحشود المتجمعة للحصول على الغذاء».
وأكد أن الأطفال في غزة يصطفون في طوابير للحصول على المياه، وغالبًا لا تصل الشاحنات، والمستودعات الإنسانية فارغة بسبب تقييد إسرائيل للكميات التي تدخل القطاع. وقال: «في الأثناء، تفر العائلات بلا شيء، وليس لدينا ما نقدمه لهم»، مشيرًا إلى أن أوامر الإخلاء الإسرائيلية دفعت سكان غزة للعيش في حوالي 17 في المائة من مساحة الأرض، فيما المشافي مثقلة بالضغوط، ويجري تقنين الوقود لمنع الإغلاق الكامل للمزيد من الخدمات المنقذة للحياة، بينما يتزايد الجوع وسوء التغذية مع استمرار السلطات الإسرائيلية في منع العاملين الإنسانيين من التوزيع عبر الأنظمة المجربة والفعالة.
ونقل موقع الأمم المتحدة عن المسؤول الأممي قوله: «مع استمرار العمليات العسكرية من الجو والبر، لا يزال هناك تجاهل مشين للقانون الإنساني. تتعرض حياة الناس وكرامتهم للهجوم كل يوم. كل ما وصفته يمكن منعه تمامًا. هذه ظروف خُلقت للقتل».
المقاومة ترد
وتصدّيًا لهجمات جيش الاحتلال، عرضت سرايا القدس، الذراع العسكري لحركة «الجهاد الإسلامي»، مشاهد من استهداف ناشطيها بصواريخ «الفاغوت» و»المالوتكا» مقرًا للقيادة والسيطرة تابعًا للاحتلال، وقوة خاصة تحصنت داخل أحد المنازل شمال شارع 5 شمال مدينة خان يونس.
كما قالت «كتائب الشهيد عز الدين القسام»، الذراع العسكري لحركة «حماس»، إن مقاتليها، «بعد عودتهم من خطوط القتال»، أكدوا تنفيذ عملية قضت على ثلاثة جنود إسرائيليين بأسلحة خفيفة من مسافة صفر شرق مدينة جباليا شمال القطاع.
وفي سياق متصل، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي إصابة جندي احتياط بجروح متوسطة شمال قطاع غزة، ما يرفع الإجمالي إلى 6 آلاف عسكري منذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ونقلت صحيفة «إسرائيل اليوم» عن الجيش الإسرائيلي قوله: «أُصيب جندي احتياط إسرائيلي بجروح متوسطة في وقت سابق من اليوم في معركة شمال قطاع غزة».