حان وقت إعادة النظر في سياستنا واستراتيجيتنا

حجم الخط
0

أعتقد وقد مرّ على اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل والحل القائم على الدولتين أكثر من أربعين عاما، وعلى اتفاقية أوسلو خمسة وعشرين عاما، أنه ينبغي إعادة النظر في سياستنا واستراتيجيتنا. كانت إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية تطالب العرب والفلسطينيين بالاعتراف بالحل القائم على دولتين، وبحق إسرائيل في الوجود، وبقراري هيئة الأمم 242 و338، أولاً لكي تنسحب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية والعربية التي احتلتها عام 1967 وتعترف بحقوق الشعب الفلسطيني.
يجب أن نسأل ماذا تحقق منذ أن اعترفت الدول العربية والفلسطينيون بتلك القرارات وبإسرائيل، ولماذا توقفت الولايات المتحدة والدول الغربية عن مطالبة إسرائيل بتنفيذ تلك القرارات والشرائع الدولية؟
كانت تلك المطالب التي تبنتها الحكومة الأسترالية تترأس الحوار الذي كان يدور خلال اجتماعاتي مع الوزراء وأعضاء البرلمان ومجلس الشيوخ والمسؤولين الأستراليين، لسنين طويلة. أحدها كان في الثمانينيات مع السيناتور دايفيد هيمر نائب رئيس مجلس الشيوخ، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية والدفاع المشتركة بين البرلمان الفيدرالي ومجلس الشيوخ، من حزب الأحرار. كان يقول لماذا لا تعترف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل وبقراري 242 و338 وتسحب البساط من تحت إسرائيل، وعندما كنت أقول له، بعد شرح مفصل، حتى لو اعترفت (م ت ف) بكل ذلك فإن إسرائيل لن تبادلنا الاعتراف بحقوقنا والانسحاب من الأراضي الفلسطينية والعربية التي احتلتها عام 1967.
فكان يجيب أن إسرائيل لن تستطيع تحمل تبعات عدم القيام بذلك، لأنها سوف تخسر مصداقيتها مع الدول الغربية، ودعم الولايات المتحدة والدول الغربية لها، وسوف تجبر على الاعتراف والانسحاب. لا أعتقد أنه توجد حاجة لإثبات خيانة الولايات المتحدة والدول الغربية للعالم العربي والشعب الفلسطيني في مطالبهم لنا، فلم يكن الهدف من مطالبهم تلك حل القضية الفلسطينية، بقدر الاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها دون حل القضية الفلسطينية، وهو ما يسعى له القادة الإسرائيليون دائماً.
لقد أثبت قادة إسرائيل بما لا يدع أي مجال للشك بأنهم لا يريدون الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وأنهم مستمرون في المشروع الصهيوني العنصري لبناء إسرائيل الكبرى «إيريتز إسرائيل»، ولا يريدون الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، وعلى رأسها لب القضية الفلسطينية، حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم، التي طردوا منها، وتعويضهم حسب القوانين والقرارات الدولية.
الرئيس بايدن والقادة الغربيون وكل إنسان مطلع، يعلم ذلك، ولا يوجد في العالم الغربي من يطالب إسرائيل بالاعتراف بحق فلسطين في الوجود، وتطبيق القرارات الدولية، كما كانوا يطالبون العرب ليل نهار. عندما يتكلم رئيس الولايات المتحدة بايدن وغيره عن اعترافهم بالحل القائم على دولتين، علينا أن نسألهم عن أية دولتين يتكلمون؟ وما هي حدود هاتين الدولتين؟ فحتى القادة الإسرائيليون، من بيغن وشارون إلى نتنياهو وبينيت، يتكلمون عن الدولتين في الوقت الذي يبنون فيه مستعمراتهم ليل نهار. إنهم يريدون أن تكون الأردن أو غزة هي فلسطين. يجب أن نطالب بايدن بأن يقول لنا أمام العالم ما هي حدود إسرائيل التي يعترف بها، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي لم تحدد حدودها. علينا مطالبة الأنظمة العربية المطبعة مع إسرائيل، وعلى رأسهم الرئيس السيسي والملك عبد الله الثاني، بسحب سفاراتهم وتجميد اتفاقيات تطبيعهم مع إسرائيل، التي خرقتها إسرائيل ولم تحترمها وطبقت ما يحلو لها منها، حتى اعترافها بكامل حقوق الشعب الفلسطيني وانسحابها من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. كما أننا لم نسمع هذه الأنظمة طالبت إسرائيل، أو أنها حددت في اتفاقيات اعترافها بها حدود الدولة التي اعترفت بها.
بمناسبة الزيارة المرتقبة للرئيس بايدن، هناك درس يجب تعلمه في ضوء أحداث أوكرانيا وما نشاهده من نفاق عالمي في تعامله مع روسيا وازدواجية التعامل مع العدوان والاحتلال الاستعماري الصهيوني لفلسطين. أعتقد أن استقباله يجب أن يجري عند حاجز قلنديا للحائط العنصري لكي يشاهده ويشاهد من معه من الإعلام والعالم كله المعتقل الجماعي، الغيتو، الذي وضعت إسرائيل فيه الشعب الفلسطيني بالدعم الأمريكي. كما يجب منذ الآن أن يجري استقبال جميع الزائرين الرسميين عند هذا الحاجز العسكري العنصري لوضعهم على المحك، لأنهم يمرون عبره دون أن يثير اهتمامهم. وأن يقوم الرئيس أبو مازن بأخذ بايدن والزائرين ليروا إجراءات الاحتلال الاستعماري والغيتو في مدينة الخليل، وتدمير الأبنية السكنية والمدارس والمستشفيات في مدينة غزة، وآلاف الضحايا المدنيين المبتورة أيديهم وأرجلهم. هذا الإجراء في رأيي مبرر ومهم وواجب ملح يأتي في صلب مصالح الشعب الفلسطيني، خصوصاً في ظل التطرف الإسرائيلي وخرق جميع القوانين والاتفاقات والقرارات الدولية.
وسيكون لهذا الإجراء تأثير كبير في الرأي العام العالمي، الذي سيرى واقع الغيتو الذي وضعت إسرائيل شعبنا فيه، خلف الجدران والحواجز وأبراج المراقبة العسكرية الإسرائيلية. كما أن على شعبنا ونقاباتنا ومؤسساتنا وجامعاتنا أن تعلن ذلك اليوم إضرابا عاما، ويخرج الجميع لاستقبال بايدن على طول خط مسيره للمقاطعة، بالتظاهر السلمي ويافطات الاحتجاج ضد الدعم الأمريكي الأعمى للعدوان والاحتلال والعنصرية الإسرائيلية، وأن تحترم السلطة الفلسطينية حق شعبنا في التظاهر السلمي.
الولايات المتحدة في دعمها الأعمى لإسرائيل هي شريكة في الاحتلال والإجرام والعنصرية ضد شعبنا، وسلب حقوقه الشرعية. يجب مطالبة الرئيس الأمريكي؛ وقف الدعم المالي والعسكري الأمريكي لإسرائيل، وإدانة الاحتلال الإسرائيلي بشكل واضح علني وصريح، ومنح الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، وحظر الطيران الحربي الإسرائيلي من التحليق داخل المجال الجوي للأراضي الفلسطينية، ووقف بناء المستعمرات اليهودية، والقوانين والإجراءات العنصرية.
لقد سبق للولايات المتحدة أن منحت الحماية الدولية للأكراد في شمال العراق، وحظرت الطائرات العراقية من التحليق فوق تلك المناطق. فإن كان ذلك جيداً لحماية الأكراد، فهو جيد لحماية الشعب الفلسطيني من العدوان الإسرائيلي أيضاً.
يجب ان يعلم بايدن وغيره، أنه ما لم ترغم إسرائيل على وقف عدوانها وإجرامها واستفزازاتها اليومية ضد شعبنا الأعزل، فلن يكون هناك هدوء إلى ما لا نهاية من طرف واحد، ولن يكون هناك سلام للمستعمرين الإسرائيليين، طالما أنهم يشنون عدوانهم واحتلالهم وعنصريتهم ضد الشعب الفلسطيني، فلا يمكن التعايش مع الاحتلال والعدوان والعنصرية.
السلطة الوطنية الفلسطينية لن تستطيع أن تمنع الشعب الفلسطيني من مقاومة الاحتلال بجميع الوسائل، بما في ذلك الكفاح المسلح الذي يكفله له القانون الدولي والشرائع الإنسانية، ولن تسمح لنفسها أن تخون شعبها وتكون أداة قمع وحماية للاحتلال والإجرام الإسرائيلي، لأنها إن فعلت، فسوف تخسر ثقة شعبها بها، وتفقد شرعيتها. إن ما يجري الإعداد له حالياً بقيادة الولايات المتحدة بتشكيل تحالف عسكري بين بعض الأنظمة المطبعة والعدو الإسرائيلي، يتجاوز في خطورته، في رأيي، مؤامرات سايكس بيكو ووعد بلفور ضد الأمة العربية، إنه استسلام كامل لتلك الأنظمة، وتسخير ثروات شعوبها وجيوشها وأجهزتها الأمنية لخدمة مصالح إسرائيل للقضاء على قوى المقاومة العربية للاستعمار الصهيوني الإسرائيلي، وتصفية كاملة للقضية الفلسطينية، خصوصاً حق العودة، وتمهيد لسيطرة إسرائيلية مطلقة على العالم العربي. لقد أصبحت هذه الأنظمة بهذا التحالف لا تعترف بأن إسرائيل دولة معتدية ومحتلة لفلسطين، وأراض عربية، ومقدسات العرب والمسلمين. وما يدعونه دون ذلك ليس سوى خداع وذر الرماد في العيون.
لقد أصبحت البيانات والخطب والمناشدات، في ظل هذا الوضع، عقيمة لا تجدي ولا تثمر أية نتائج إيجابية لحرية شعبنا. فإسرائيل تستمر في إجرامها وقمعها وخرقها وعنصريتها وتوسعها في بناء مستعمراتها وتهويدها لمدينة القدس، والعالم صامت. ولماذا لا، طالما أننا نكتفي بالبيانات والتصريحات والمناشدات ولا يوجد هناك ما يدعم ذلك من فعل حقيقي مقاوم وتمرد على الأرض. فلم يعد هناك من يعير هذا البيانات والتصريحات والخطب أي اهتمام. العالم لن يتحرك إذا لم نتحرك ونتمرد نحن، وتجربة نضالنا ونضال شعوب العالم أكبر مثال. فإن كانت هناك أنظمة تقوم بطعننا من الخلف في تطبيعها ودعمها للعدو الإسرائيلي، فعلينا أن نعلم أن الشعب العربي يقف معنا، فرغم سياسة التجويع وعدم الاستقرار التي تمارسها أمريكا وإسرائيل ضد شعوب عربية منذ سنين من أجل تركيعها، ، فالشعوب العربية والإسلامية، مستعدة لأن تقدم الغالي والرخيص لحرية فلسطين التي تعلم أن حريتها مرتبطة بها.
إن كان هناك عشرات الآلاف ممن تدفق على كابول للدفاع عنها، فإن هناك مئات الآلاف التي تؤمن بأن القدس وأولى القبلتين، التي ذكرها الله في كتابه الكريم، وأمرهم أول ما أمرهم بالتوجه للصلاة تجاهها، هي أقدس من كابول ومستعدين للتضحية بالغالي والرخيص لتحريرها واسترجاع حقوق الشعب العربي الفلسطيني. تمادي بعض الأنظمة العربية ليس فقط في تطبيعها مع إسرائيل، لكن في دعمها لعدو الأمة العربية اقتصادياً، وعسكرياً وسياسياً، ومحاولات مسح عقول شعوبها، أصبح يتطلب من القيادة الفلسطينية إعادة النظر في سياستها، وانتهاج سياسة واستراتيجية جديدة لتحقيق حق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال وتقرير المصير. أعتقد إن لم نقم بذلك فإن ثورة جديدة سوف تنبعث من تحت الأرض لتعيد نفس الحرية في الجسد العربي. لآن دوام هذا الحال أصبح من المحال. لقد حان الوقت في رأيي لأن نفرض على المجتمع الدولي أن يتعامل مع الاحتلال والإجرام والانتهاكات الإسرائيلية بشكل جدي.

٭ سفير فلسطيني سابق

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية