حتى أنت يا بروتس: هل تسقط الدولة السورية على أيدي مؤيديها؟

عشرة أعوام عجاف مرت على المحنة السورية كابد خلالها السوريون على مختلف مشاربهم أغلب أصناف الخيبات وأكثرها مرارة.
ومع انحسار خطر إسقاط الدولة السورية بضغط أو دعم من الخارج (على الأقل في المدى المنظور) يطرح السؤال الإشكالي التالي: هل ينجح مؤيدو النظام السوري بتحقيق ما عجز أعداؤه عن فعله؟
قد يبدو احتمال أو خطر زعزعة أركان الدولة السورية على أيدي مؤيديها ساذجًا ولكنه سؤال جدي بل وضروري وإليكم الأسباب.

المؤسسات العسكرية والأمنية

فاجأت الدولة السورية نفسها وأصدقاءها وأعداءها بالصمود لعشر سنوات كان للعمل المسلح فيها الدور الأكبر. فالمؤسسات العسكرية والأمنية السورية، وخلافًا لتوقعات ورغبات الكثير من القوى المحلية والإقليمية والدولية، قاومت وتأقلمت وتطورت وفقًا لمتطلبات الصراع بشكل أربك وأزعج الخصوم. المعضلة في هذا الإنجاز العسكري المرحلي أنه أطلق يد السواد الأعظم من المؤسسات الحكومية السورية الأخرى، مع بعض الاستثناءات القليلة، للتصرف كمن ليس بيديه من الأدوات سوى المطرقة.
فالقدرة على الاستمرار والمناورة والتعلم والتأقلم التي أظهرتها المؤسسة العسكرية السورية (في سياق التعامل مع الجماعات المسلحة فقط)، تكاد تختفي تماما من أداء المؤسسات السورية الأخرى التي، بعيدًا عن الشعارات الجوفاء الرنانة، لا تزال تفكر وتعمل بأدوات الثمانينيات.
عزز إنتصار المؤسسة العسكرية السورية القناعة لدى الكثير بإمكانية وجدوى بقاء الحال رغم أنه من المحال.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، قامت مؤخرا بعض المؤسسات الرقابية التابعة للحكومة السورية التي حاربت على أكثر من 180 جبهة وواجهت اعتداء كونيا وانتصرت (وفقًا لرواية الحكومة السورية) بمنع إصدار رواية لأحد الصحافيين السوريين المقيمين في دمشق.
نعم، ففي الوقت الذي اتسع فيه صدر بعض المؤسسات السورية لأسباب أمنية واستراتيجية وتسامحت أو تجاهلت أو تصالحت مع بعض الجهات التي تقول الحكومة السورية إنها حملت السلاح وقاتلت وحرضت على العنف، وفي بعض الحالات القليلة تعاملت مع إسرائيل كما هو الحال في بعض مناطق الغوطة الغربية لدمشق ، قامت مؤسسات رقابية أخرى بمنع إصدار رواية طبعت ووزعت في عدد من دور النشر، بما فيها معرض الكتاب المقام حاليًا في القاهرة، متجاهلة حقيقة صعوبة أو عدم جدوى قرارات المنع في ظل إمكانية توافر نسخ رقمية.
فهل أصبح نشر رواية في سوريا أكثر خطرا من رشاش 14.5 مثلًا على أعتبار أن الحكومة السورية سمحت لبعض الأفراد العائدين لحضن الوطن للاحتفاظ بسلاحهم الخفيف والمتوسط؟

سياسات التدجين الفكري

لا تتوقف المفارقة هنا، فعلى الرغم من الحاجة الملحة للمحافظة ورعاية ما تبقى من الخبرات السورية المحلية، تتبارى بعض المؤسسات على تكميم الأفواه وفي بعض الحالات إقصاء خبرات سورية مهمة وفاعلة على الأرض بذريعة المحافظة على النهج الوطني حسب التفسير الخاص والمتناقض لهذه المؤسسات.
المقصود بالنهج الوطني ضمن هذا السياق هو المحافظة وتعزيز المصالح الاقتصادية لمنظومة الفساد، وضمن هذا التوجه تم اقصاء أساتذة جامعات، وفي بعض الحالات منعهم من السفر لمجرد إبدائهم الرأي في قضايا الشأن العام بطريقة تخالف سياسات التدجين الفكري المتبع حاليًا.
وهكذا تحول الانتصار العسكري المرحلي وشعار حماية البلد إلى سوط او أداة إقصاء في أيدي اللصوص والمنافقين والفاسدين وعديمي الخبرات والمهارات من أصحاب الشأن الذين غالبًا ما يتقنون استغلال شعارات الدفاع عن الوطن والولاء والطاعة المطلقين للدولة لتغطية سرقاتهم وفسادهم. ضمن هذا السياق، ضاقت، وفي بعض الأحيان تلاشت تماما، مساحة النقاش العلمي الجدي المبني على وقائع وأدلة مثبتة لصالح جوقات التطبيل الأكاديمي وشعارات لم تعد تقنع حتى أصحابها.
وفي الوقت الذي يضج فيه الإعلام الرسمي الموجه بندوات الحوار وشعارات محاربة الفساد وضرورة النهوض بالاقتصاد الوطني، يرزح المواطن السوري الموالي المعروف تاريخًيا، أن له فما يأكل وليس له فم يتكلم، تحت ظروف اقتصادية صعبة جدا وأحيانا غير إنسانية.
يدرك الكثير من السوريين أن جزءا من مشاكلهم ناتج عن الحرب والحصار المفروض على سوريا وموقفها من حزب الله والقضية الفلسطينية، وهذا ثمن ليس بالقليل. ولكنهم يدركون أيضا أن جزءا كبيرا من معاناتهم الاقتصادية ناتج عن استباحة المال العام والفساد وسوء التخطيط حيث تعالج الكثير من مشاكل الناس بأدبيات وعقلية وأدوات الثمانينيات. لهذا السبب يحتاج المرء إلى قدر كبير جدًا من التجاهل للتغاضي عن الهوة الحقيقية المتنامية بين الدولة السورية ومواطنيها ومؤيديها.
قد يتساءل البعض عن سر التباكي على رواية أو إقصاء لخبرة سورية في ظل كل هذا الخراب. والجواب على هذا السؤال أن القضية لا تتعلق بموقف أو قضية بعينها بل أكبر من ذلك بكثير. فقد أظهر غالبية صناع القرار في سوريا قدرة عالية جدًا على عدم التعلم من الأخطاء السابقة.
خاضت الدولة السورية حربها مع بعض الأصدقاء والحلفاء غير أنها ملزمة على مواجهة استحقاقات إصلاح الشأن الداخلي الملحة جدًا. لم يعد بإمكان الحكومة السورية الاختباء وراء الإنجاز العسكري ومتطلباته للاستمرار في تجاهل ملفات كثيرة أخرى تهم المواطن الذي لم يتأخر في أداء واجباته. فمتطلبات تأمين قوت للسوريين وحياة شبه كريمة تتطلب أدوات وسياسات مختلفة تمامًا. لقد قدم فقراء سوريا في طول البلاد وعرضها كل ما يملكونه لدولتهم. وبعد عقود من التجاهل وعشر سنوات من الحرب، لم يبق لديهم الكثير. في النهاية، المعارضة والموالاة وبقية الشعارات السياسية كلام فارغ للذي يكاد يموت جوعًا.

أكاديمي وباحث سوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    رئيس سوريا الفعلي هو أبو علي بوتين!
    لكنه يحجب القمح والوقود عن وكيله بشار للإستمرار في إذلاله وبالتالي خضوعه لأوامره!!
    الشعب السوري الكريم سينتفض من جديد لأن ثورته المباركة لم ولن لن تموت في القلوب!!! ولا حول ولا قوة الا بالله

اشترك في قائمتنا البريدية