من أحد أسواق طهران
في عام 1979، كان العرب مثل غيرهم من جيران إيران أو المهتمين بها، يراقبون وصول رجل معمّم، تجاوز الخامسة والسبعين تقريبا، للسلطة، ليحكم واحدا من أكبر بلدان الشرق الأوسط. بدا أن إيران تشهد مرحلة جديدة، وأنها ربما تكون أقرب إلى العرب، مقارنة بسياسات الشاه في المنطقة. وفي ظل هذا الواقع، أو الأمنية بالأحرى، اندفع العديد من الصحافيين والباحثين والسياسيين العرب إلى محاولة اكتشاف إيران الجديدة.
يبوح لنا الروائي والكاتب اللبناني أمين معلوف، أنّ ولعه بما كان يجري دفعه إلى الانتقال على متن الطائرة نفسها، التي أقّلت الخميني من باريس إلى طهران. والشيء ذاته حصل مع الصحافي المصري محمد حسنين هيكل، الذي سارع أيضا إلى قراءة ما يجري في عالم الخميني، ليصدر كتابا بعد مرور ثلاثين شهرا على سيطرة الإسلاميين على الحكم بعنوان «عودة آية الله» (صدر بالعربية لاحقا بعنوان «مدافع آية الله»). كان الخميني قد أخبر هيكل بأنّ الشهيد هو من يحكم التاريخ، وأنه ليس رجل اقتصاد أو سياسة. بدا له للوهلة الأولى وكأنه رصاصة قادمة من القرن الهجري الأول، مع ذلك حاول هيكل فهم مستقبل إيران، خاصة مع الغرب.
على الرغم من أنّ لحظة 1979 مثلت لحظة جديدة في معرفة العرب لإيران. لكن في المقابل ما يلاحظ أحيانا بشأن هذه المعرفة أنها بقيت معرفة محدودة متركزة على السياسي والأيديولوجي في إيران. إذ قامت هذه المعرفة على زيارات ميدانية، وهي زيارات ستتراجع لاحقا في تجربة الباحثين العرب مع إيران. وكمثال على الاهتمام بالزيارات الميدانية، أشير إلى كتاب الصحافي المصري فهمي هويدي (إيران من الداخل) الذي صدر عام 1987. بقي هويدي مشغولاً، في الكتاب، بالعلاقة بين الديني والسياسي، وهي إشكالية يبدو أنّ إيران ما بعد 1979 ظلت محكومة بها، فالسلطة الإيرانية موجودة في كل مكان تقريبا وفق تعبير فوكو.
لكن بدا هويدي، على صعيد آخر، يحاول تتبع تفاصيل أخرى من حياة الإيرانيين. ولذلك نراه يقف في إحدى محطات كتابه عند أسواق الكتب. وقد لاحظ يومها أنّ عالم الكتاب الإيراني قد شهد تحولين أساسيين بعد سقوط الشاه؛ تمثّل الأول في الفترة بين 1979_1982، التي امتازت بتنوع الإصدارات والأفكار، بحكم نشاط أكثر من جماعة سياسية في إيران (الإسلاميون واليساريون) وهي لحظة لن تدوم مع عودة سجن ايفين للعمل، والزج بآلاف اليساريين داخله. أما التحول الثاني فتمثّل بظهور طبقة جديدة من القراء (أكثر شعبية) مقارنة بطبقة فترة الشاه (النخب العلمانية).
ما بعد التسعينيات
يمكن القول إنّ المعرفة بإيران في العالم العربي بقيت مرتبطة بفهم مصير النظام الإيراني، بعد وفاة الخميني، والحديث عن انفتاح جديد (فترة خاتمي). ولذلك ظل الأيديولوجي هو الذي يشغل بال معظم الباحثين العرب. مع ذلك ستشهد هذه الفترة بروز كتاب وقراءات جديدة، ولاسيما بعد النصف الثاني من التسعينيات. كما تميزت هذه المعرفة بإيران بظهور أقلام نسوية، وإن بقيت مشغولة بالجانب السياسي (نيفين مسعد مثلاً). وربما التطور الأهم في معرفتنا بإيران في العالم العربي سيأتي من خلال الاحتكاك بأقلام غربية (فرنسية بالأخص) هذه المرة، مثل كتابات أوليفيه روا، التي كشفت لنا عن علماء من طبقة أخرى، ساهموا في الثورة الإسلامية، وعن فشل الثورة الخمينية. أو كتاب الفرنسي الآخر تييري كوفيل (إيران الثورة الخفية) وهو كتاب أعده مؤلفه بعد سنوات من العمل في إيران، وربما ما ميزه إدراك المؤلف وجود (إيران أخرى) لم يكتب عنها، وهي إيران المجتمع. ولذلك وجدناه يحدثنا عن أزياء الشباب الإيراني، وعن قيمهم وأفكارهم الجديدة. ولابد من الإشارة أيضا في هذا السياق إلى كتابات الباحث المصري الراحل مصطفى اللباد، التي وإن بقيت مهتمة بالسياسي، لكن ما ميزها أنها كانت على معرفة واحتكاك بالواقع السياسي واليومي الإيراني، مما جعل من كتابات اللباد تحظى باهتمام ومتابعة.
لكن عموماً، يمكن القول إنّ المعرفة العربية (كتابة وترجمة) بإيران ظلت مهمومة بالسياسي، وبقي الاهتمام بإيران متمركزاً حول لحظة 1979، بينما لن تكون هناك قراءات جديدة حول الثقافة الإيرانية (باستثناء السينما ربما). وهي سمة لم تطبع معرفة العرب بإيران فحسب، بل شملت دولاً أخرى في محيطهم وأهمها تركيا. فالمتابع لما ينشر عن هذا البلد في الإصدارات العربية، يشعر وكأن تركيا كلها قد اختصرت في حزب العدالة والتنمية، أو في قضايا عودة العثمانية، على الرغم من وجود عشرات الأطروحات الأخرى عن تركيا، تتناول كرة القدم والموسيقى والطعام واللاجئين وغيرها من المواضيع.
الملفت في الشأن الايراني أنّ لحظة 2003 وما بعدها، وهي اللحظة التي سماها ولي نصر بـ»صحوة الشيعة» لن تعمّق كثيرا من معرفتنا بعالم الشيعة الاجتماعي. ومن الأعمال القليلة هنا أعمال فرهارد دفتري، التي حظيت بالترجمة. كما نلاحظ أنّ الاهتمام بالمجتمع الإيراني تراجع لصالح معرفة أكثر بالميليشيات وبعض الشخصيات مثل قاسم سليماني.
ويمكن القول إنّ لحظة ما بعد سقوط بغداد والتمدد الإيراني في المنطقة، شهدت صدور كم أوسع من الدراسات والأبحاث والكتب العربية عن إيران. لكن هذه المنشورات أصبحت أكثر تركيزا من السابق على العسكري، بينما غاب تقريبا المجتمع الإيراني وتفاعلاته اليومية.
كما إنّ ما يُسجل على كتاب هذه الموجة مقارنة بموجة ما بعد 1979 (معلوف، هيكل، هويدي) أنها لا تقوم على أي زيارات ميدانية، بحكم اهتمامها بالعسكري أو السياسات الإقليمية. وقد يكون السبب مفهوما أحيانا في ظل الرقابة الأمنية، وأيضا الانتشار الإيراني الواسع في المنطقة. مع ذلك يبدو الكاتب العربي اليوم، وهو يفكر في إيران، بعيدا أحيانا عن تفاصيل هذا المجتمع وثقافته.
يوميات ورحلات
الملفت أنّ كتب اليوميات والرحلات، بقيت هي الكتب أو المنفذ الوحيد لدى القارئ العربي للتعرّف أكثر على المجتمع الإيراني. وفي هذه النوعية من الكتب، نرى أنّ مؤلفيها لم يأتوا من خلفية بحثية تقليدية، وإنما هم قادمون من اتجاهات أخرى (حقل السينما مثلا). وأشير هنا إلى مذكرات اليساري العراقي الراحل عادل حبة، التي قدّم فيها وصفا دقيقا لحياة الإيرانيين في الستينيات.
أما المثال الآخر فيتمثّل في كتاب صدر حديثا بعنوان (عربية في إيران) للكاتبة والناقدة السينمائية السورية /الفرنسية ندى الأزهري. إذ سيلاحظ القارئ لهذا الكتاب أنه أمام نوع جديد من الكتابة عن إيران. فالمؤلفة، وإن لم تستطع الابتعاد عن السياسة، لكنها في المقابل أظهرت أيضاً وجود صورة من الحياة اليومية مهمشة، ولذلك نراها وهي تسارع لالتقاط صور هنا وهناك. تارة عن الفتيات الإيرانيات، وأخرى عن العمال الأفغان في أسواق إيران. كما نراها ترصد طهران وشوارعها من خلال حياة التكسي والحديث مع «الشوفيرية».
تبدو النخب الإيرانية العلمانية منقسمة، فهناك النخب، التي ما تزال تحن إلى عالم الشاه وتمجّد الماضي، وأخرى تعترف بأنّ الزمن الماضي قد ولّي، وأنّ حرّاس الدين الإيرانيين يحظون بشعبية في الشارع. وفي الكتاب أيضا تفاصيل أخرى عن السينما الإيرانية وكيف تطورت هذا السينما بعيد الثورة. فخلافا لوجهة النظر التي ترى أنّ هذا العالم قد تراجع بعد قدوم الخميني، تعتقد الأزهري، من خلال تتبع دقيق لتاريخ السينما الإيرانية، أنّ قدوم الإسلاميين قد شكّل تحدٍّ أمام السينمائيين، مما دفعهم إلى التطرّق لقضايا أكثر رمزية وقريبة من الحياة اليومية. كما إنّ الخميني، في رأيها، لم يعارض السينما كفن، وإنما أبدى اعتراضه على جوانب غير أخلاقية وامبريالية فيها. في الوقت ذاته، فإنّ السينما في ظل الشروط الإسلامية الإيرانية، كما تقول المؤلفة، وأهمها شرط العفة، قد أفسحت الفرصة في المقابل أمام المجتمع المحافظ والمتدين للإقبال على السينما، التي لم يثق فيها في زمن الشاه. مما ساهم في زيادة الاهتمام بها.
لا تنسى الأزهري أيضا في خضم جولاتها في طهران، سؤال الإيرانيين عن رؤيتهم للعرب، وبالأخص النخب العلمانية منهم. وهنا نكتشف أنّ صورة هذه النخب لا تقلّ نمطية وسلبية أحيانا عن النخب الإسلامية المتورطة اليوم في مشروع بدوي (عابر للحدود وفق تعبير أوليفيه روا). وفي نصّ الأزهري مشاهدات ولقطات ويوميات جديدة عن إيران، وهذا ما يمثّل نقلة عربية جديدة في الكتابة عن هذا البلد، وهي نقلة يبدو أنها فردية، فالسياسي والعسكري في إيران هما ما يشغل بال العرب اليوم، ويبدو أنه واقع سيستمر لسنوات طويلة…
كاتب سوري
لازالت إيران يحكمها القوميون الفرس , بعباءة إسلامية !
الإحتفال بعيدهم النوروز لازال مستمراً !!
و لا حول و لا قوة الا بالله
كل المحبين اخوة وان اختلفت انسابهم والوانهم،
كل الجهال شركاء في الوهم
والغم..