زَيْنُ الشَبَابْ
مَازالَ عِنْدَ الثَانِيَةْ
اليَوْمَ غَابْ
في ثَانِيْةْ
أغنيّةً خَضراءَ يَنثرُهَا الرَدَى
بَيْنَ المدَامِعِ وَالمدَى
تَحْتَ التَرائِبِ وَالتُرَابْ.
هَلْ تَسْمَعُونَ نَشِيْجَهُ:
أمّي
أَبِي
وَيَمُدُّ لي عَيْنَيهِ كَفّاً رَاعِشًا
كَي أُحْرِزَهْ
أَكَلَتْ يَدَيْهِ المَجْزَرَةْ
وَأَنَا الصُراخُ
عَلَى ضِفَافِ المَقْبَرةْ
مَا أَعْجَزَهْ.
يَا حُلْمِيَ المنْثُورَ مَوتًا في أفَانينِ الغِيابْ
أصْدَى أبوكَ
وَصَدْرُهُ الخَالي سِوَى مِنْ مِرْجَلٍ
مَازَالَ يَنْتَظِرُ الذَهَابْ.
اليَوْمَ غَابْ
مَنْ يَمْلأُ البَيْتَ الصّغِيْرَ مَلاعِبا؟
مَنْ يُزْعِجُ الإخْوَانا؟
مَنْ ذَا يَطوفُ بأمّهِ
كَفَراشَةٍ جَوْعَانَا؟
مَنْ بِالطَبَاشِيْرِ التي جَمّعْتَهَا
سَيُخَرْبِشُ الحِيْطَانَا؟
لمنِ العَصَافِيْرُ التي طَارَدْتَهَا
سَتُوَقّعُ الأَلْحَانَا؟
لمنِ الأَزَاهِيْرُ التي رَاقَصْتَهَا
سَتُطَرّزُ الألْوَانَا؟
لمنِ الدّفَاتِرُ بَاقِيَةْ؟
لمنِ العَرَائِسُ وَالدّمَى
وَقُصُورُ رَمْلِ السّاقِيَةْ؟
بِالأَمْسِ أَسْكَنَهَا أَمَانِيَهُ العِذَابْ.
مَنْ ذَا بِضِحْكَتِهِ سَيَمْحُو
مَنْ أَغَانِيْنَا العَذَابْ؟
٭٭٭
نمْ يَا صَغيرِي وَانتَظرْني
في السّماءِ السَابِعَةْ
أترَابُكَ الصَّرعَى حُدَاةُ القَارِعَةْ.
هَاني الصّبيُّ الأسْمَرُ
عَنْ مَوتِنَا السّادِي سَيُخْبِرُ رَبّه
وَسُعَادُ سَوسَنةُ الركَامِ
أتَذكُرُ؟
ـ عمّاهُ غَيْرُ مُحَجّبَةْ.
قَد كَانَ يَحرسُها الجِدَارُ الأخْضَرُ
وَهَوَى كَغاشِيةِ السّرابْ
وَرَشَا الصّغِيرةُ كَمْ بَكَتْ مُتعَجّبةْ
ـ مَازلتُ عَائِشَةً؟
وَمازالَ الأذَى يَغْتَالُ زَعترَها وَدفْترَها
وَرائِحةَ السّحَابْ.
في لَوحِه المحْفوظِ خَطّ الرّبُّ هَولَ الوَاقِعَةْ
لولا خَوارَ أبيكَ مَا شَرِبَتْ
دِمَاكَ الفَاجِعَةْ.
وَأبوكَ ليسَ ـ كَمَا تَظُنُّ ـ غَضَنْفرًا
بَلْ أرْنَبٌ، عَشِقَ الهَوانْ
أنَا لَسْتُ ذَاكَ الفَارِسَ الغَازِي
وَلا بَطلَ الزمَانْ
كُلُّ الكِبَارِ حَمائِمٌ مِثْلي
إذا لَمَعَ السِّنانْ.
أنا مَنْ رَأى إخْوانَه الأخْيَارَ قَتلَى
تَسْتَحِمُّ مُدَرّعَاتُ الجيْشِ في دَمِهمْ
وَمَا انفَطرَ الجَنانْ.
مِنْ شُرْفَتِي
أشْعَلتُ غَيرَ مُكَدّرٍ سِيجَارَتي
وَرَشَفتُ فَضْلَةَ قَهْوَتي
وَضَحِكْتُ للجُنْديِّ مُقْتَحِمًا
يُفَجّرُ فُرنَ حَارَتِنا
وَيَبْقرُ بَطْنَ جَارتِنَا
حَكَيتُ لَهُ:
غُلاةٌ، مُجرِمُونْ
يَسْتَأهِلونْ.
وَظَننْتُ أني حَاذِقٌ أُبقِيكَ يَا وَلَدِي
أدُعُّ يَدَ الرَدَى بِيَدِي
وَلَكنْ قَالَها عَنْ خِنْجَرٍ جَدّي:
«وَهَلْ يُبقِي إذا ظَفِرَ الجبَانْ».
أنَا مَنْ وَشَى بالصَّاحِبِ المَكلومِ
فَابْتَلَعَتهُ مَاحِيةُ الوجُودْ
وَبَكَيتُ عِندَ صِغَارِه الجوعَى
وَألْهَبتُ الخُدودْ.
أنا مَنْ تَضّوَرَ جَائِعينَ فِراخُه
كَي تَشْبَعَ القِطَطُ السِّمانْ.
وَطَبَخْتُ مِنْ مَرقِ البَيَانْ
أكْذُوبَةً وَطَنيةً
أخْبَرْتُهمْ
أنّ الرِجَالَ يُحارِبُونْ
وَعَنِ الحدُودِ يُدَافِعُونْ
يَسْتَبسِلونْ
يَسْتَشْهِدُونْ
لِنَعيشَ كَالأطْيَارِ في وَطَنِ السَّلامْ.
وَأنَا الذي أدْمَى يَديهِ مُصَفّقًا
لِلقَائِدِ المهْزُومِ
في المَيدَانِ، في الإنسَانِ
وَالمَنصورِ في الإعلامِ، في الأحلامِ
في خُطَبِ الإمَامْ
أنا مَنْ يُقَبّلُ جَزْمَةَ الشُرطيِّ
وَهْوَ يَبُولُ في صَحْنِ الطّعَامْ
أنا مَنْ يُصَلّي كَي يُعفّشَ عَسْكَرُ السُلطانِ
أعْشَاشَ الأيَامَى وَاليَتامَى وَالحَمامْ.
أنا مَنْ ذَبَحْتُكَ يَا صَغِيرِي
وَاتّهَمْتُ بِهَا أمِيرِي.
يَومَ سَلَّ جُنونَه المسْعُورَ
وَامْتَشَقَ الحُسَامْ
أنا مَنْ نَذرْتُ لَه
عَنِ الغَضَبِ الصّيَامْ.
أنا ذَلكَ العَبْدُ الذِي
بَاعَ العَقيدَةَ وَالقَصِيدَةَ للحِرابْ
أعَرَفتَ قَاتِلَكَ الصَغيرَ؟
هُنَاكَ في جُبّ العَويلِ هَوَى
مَحَا عَيْنيهِ ثُمّ ثَوَى
بِلا أسْمَاءَ
يَقْتَاتُ الخرَابْ.
***
قُلْ يَا صَغيرِي
مَا يُغَرّدُ شَاعرٌ شَفَتاهُ نَارْ؟
مَاذا أقولُ وَأحْرُفي رِيْحٌ وَقُرْطَاسِي غُبارْ
قَسَمًا بِشَعْبٍ ذَوّبُوا أشْجارَه كَالشّمْعِ
في شِعْبِ الحِصَارْ
قَسَمًا بِآلافِ الطّيُورِ تَجَرّحَتْ أَكْتَافُهَا
بِالأُمْنِيَاتِ وَبِالحَقَائِبْ
شَرِبَتْ أَغَانِيَهَا البِحَارُ
وَفي المدَى أَكَلَتْ
أَصَابِعَهَا مَجَادِيْفُ الَمرَاكِبْ
عَطْشَى تَفيضُ إلى بِلادِ «الكُفرِ»
هَاتِيكَ الموَاكِبْ
«سَأقولُ يا قَمَرِي عنِ العَربِ العَجائبْ».
وَطَنِي الكَبيرُ المسْلِمُ العَرَبيُّ شَاءْ
كُلُّ القَبائِلِ أغْلَقَتْ أبْوابَهَا في وَجْهِنَا
لا الأسْودُ العَنْسِيُّ يَقبَلُنَا
وَلا «مَاءُ السّمَاءْ»
صَحْراؤهمْ بالزَيتِ مُترَعةٌ
وَلَكنْ لا قَبَسْ
المِصْحَفُ الوضّاءُ مزّقَه الأذَى
وَالرّايةُ السَّوداءُ أوقَدَها العَسسْ.
مَاتَ التقَى
مَاتَتْ بِبيدَاء الأَعَارِيبِ المَكَارِمْ
لَمْ يَبقَ مِنْ دِينِ النَبيَّ مُحمّدٍ
إلا العَمَائِمْ.
***
مُتْ يَا صَغيرِي
في بِلادِ الزّيْتِ وَالعَشْرِ الأَوَاخِرْ
في العِطرِ تَغْرَقُ رَاقِصَاتُ القَصْرِ
وَالغِيْدُ العَوَاهِرْ
وَمِنَ الكَرَامَةِ أَنْ تَرَى
في البَحْرِ تَغْرَقُ طَاهِرَاتٍ كَالضِيَاءِ
نِسَاءُ سُورِيّا الحَرَائِرْ.
زَرَعُوا بِـبَارِيْسَ النّجُوْمَ
وَفي «نِيُوجِرْسِي» الأَزَاهِرْ
لَكِنَّ حِيْنَ تَذَكّرُوا
أَنّي أُمَزّقُ مِثْلَ عُصْفُورٍ يَتِيْمٍ
أَنْشَبَتْ في صَدْرِهِ الدّامِي
مَخَالِبَهَا الكَوَاسِرْ
زَرَعُوا بِأَحْدَاقِي السّيُوْفَ
وَفي أَنَاشِيْدِي المَقَابِرْ.
***
مُتْ يَا صَغيرِي
في بِلادِ البردِ وَالغُربانِ
لا شِعْرَ نُولَدُ فيهِ
إلا جَوقةَ السّلطانِ
لا حُبَّ في تِلكَ المضَارِبِ سَالكٌ
وَعْرٌ هُوَ المرْقى إلى الإنسَانِ
لا نَارَ تُنْضِجُ خُبْزَنَا العَرَبِيَّ
إلا كَرْبَلاءْ
قَتَلُوكَ يَا وَلَدِي جَمِيْعًا
ثُمّ غَصّوا في البُكَاءْ.
فِرعَونُ أَفْتَى:
إِقْتُلُوا هَذَا الصَبِيْ
عَيْنَاهُ في مَسْرَاهمَا
عَيْنَا نَبيْ.
لو قَامَ مَشْبوبَ القَمِيصِ
لسَلّ مِعْوَلَهُ القَطِيعْ
وَلهدّ بَاسِقَةَ اللَيالي
لنْ يَمرَّ إلى الإمَارةِ يُوسُفٌ
هَذا الربيعْ
البئْرُ مَشْنَقَةُ المنَى
وَهُنَاكَ يَشْقَى أوْ هُنَا
لا سَبْعَ في قَدَرِي عِجَافٌ
لا غَدٌ إلا أنَا.
أعَرفْتَ قَاتِلَكَ الكَبيرَ؟
هُناكَ في تِلكَ القُصُورِ العَالياتِ
تَألّهَ الحَجّاجُ
مَا أكْذَبَ التَارِيْخَ حِيْنَ يَخُطّهُ
بِالِمشْرِفيّ التَاجُ
مَنْ قَالَ:
إنّا أمّةٌ عَربيّةُ الدّمِ وَالخِطَابْ
هَذِي خُيُولُ الفُرْسِ تَعْلِفهَا تَميمٌ
وَالسَّبَايا جِلّقُ
وَكَنائِنَ الرّوميّ تَمْلَؤُهَا قُرَيشٌ
وَالضَّحَايا جِلّقُ.
وَهَبوا الثَعالِبَ وَالعَناكِبَ قَلبَها
وَبكَوا عَليها في الخِطابْ.
***
قُمْ يَا صَغيرِي
أَيّهَا المصْلُوبُ مِثْلَ قَصِيْدَةٍ عَمْيَاءَ
يَذْبَحُهَا الحِداءُ مِنَ الرّويِّ إلى الوَرَيْدْ
يَا أيّهَا المشْنُوقُ بِالعشقِ
مِثْلَ حِكَايَةٍ شَرْقَيّةٍ
تَغْتَالُنَا في كُلَّ عِيْدْ.
يَا أيّها المنسيُّ في مَقهى البكَاءِ
أتَذْكُرُ؟
عِرْزَالَنَا المَعْمُورَ مَنْ حُبّ وَطِيْنْ
كَيْفَ انْتَشَى وَطنًا
يُعَطّرُهُ الحنينْ
لأولئِكَ السمْرِ الذِيْنْ
سَالوا إلَيْنَا هَارِبينْ
مِنْ كَرْبَلاءَ، مِنَ الجَنُوبِ، وَمِنْ فَلَسْطِيْنْ
هَلْ تَذْكُرُ؟
كَيْفَ اقتَسَمْنَا حَبّةَ الزّيْتُونِ
وَالثَوْبَ الصّغِيْرْ
وَعَرَائِسَ الأَطْفَالِ
دُمْيَتَكَ الأَمِيْرَةَ وَالأَمِيْرْ
هَلْ تَذْكُرُ؟
أَجْسَادَنَا العَجْفَاءَ كَيْفَ تَقَرّحَتْ
وَسْنَى عَلَى ذَاكَ الحَصِيْرْ
كَيْ يَهْنَأَ الأَضْيَافُ في دِفْءِ السّرِيْرْ
هَلْ تَذْكُرُ؟
لَمْ تَرتفعْ لِلذُلّ في صَحْرَا بِلادِي خَيْمَةٌ
يَعْوِي عَلِيْهَا أَلْفُ سَجّانٍ حَقِيرْ
لَمْ يَفْتَرِشْ رَمْلَ الثَرَى
أَوْ يَلْتَحِفْ بِالرّيْحِ وَالخَوْفِ المَسَاكِينْ
وَاليَوْمَ عَادُوا مِثْلَ ذُؤْبَانِ الدّجَى
لا بِالهَدَايَا وَالزهُورِ وَإِنّمَا
جَاؤُوا إِلِيْنَا بِالسَكَاكِينْ
يَا جُثّةَ الإنْسَانِ فِيْنَا وَالضَمِيرْ
قَرُبَ الحِسَابْ
فَاحْمِلْ دَمَ الأحْرَارِ وَاتْبَعْني
إلى الفَجْرِ الكَبِيرْ
وَثَبَ الشبابْ
وَثَبَ الشبابْ.
مشاء الله الله يجزيك الخير خال كلام جميل كل تمنياتي لك بالتوفيق ان شاء
حياكم الله