غزة ـ «القدس العربي»: وقف فتحي عاشور، (36 عاماً) في طابور طويل، أمام ورشة لتصليح الأحذية في منطقة سوق دير البلح، وسط غزة، كي يصلح حذاءه، الممزق، المفلوق النعل، بعد اختفاء الأحذية والملابس الجديدة من الأسواق وارتفاع سعر الموجود منها بشكل مبالغ فيه، في ظل الحرب الإسرائيلية المتواصلة على القطاع منذ أكثر من 11 شهراً.
وينتعل بائع الجوارب المتجول شبشباً بلاستيكياً منذ أكثر من عام، كونه لا يقدر على شراء صندل جديد، وصل سعره في ظل العدوان إلى نحو 300 شيكل، و«يا ليته كان متوفراً» يقول لـ «القدس العربي» مضيفا: «لا أجد صنادل، جئت إلى هنا لكي يفكك شبشبي القديم ليفصله لي صندلا، صندلي مهترئ، ولا استطيع شراء الجديد، لأنه سعره غال جداً يا عمي».
ويؤكد محسن بشير، صاحب ورشة لتصنيع وصيانة الأحذية في المحافظة الوسطى، شُح الشباشب في قطاع غزة، لدرجة أن بعض المواطنين صاروا يمشون حفاة، فيما يتشارك البعض الآخر الأحذية فيما بينهم.
وأشار إلى زيادة الطلب على أحذية التفصيل المصنوعة محلياً، رغم أن جودتها ضعيفة جداً.
أحذية تفصيل
ويوضح محمود خلدون صاحب ورشة لخياطة الأحذية أن الأحذية المستوردة بات ثمنها يفوق قدرة النازحين، الذين يعانون الفقر الشديد بعد أن فقدوا وظائفهم، وأصبحوا مشردين من «مكان إلى مكان» يتسولون لقمة العيش، ما دفعهم إلى صيانة (خياطة) أحذيتهم المهترئة، وطلب الصنادل والشباشب المصنوعة محلياً.
ويضيف لـ «القدس العربي»: «كل الناس أصبحت تشتري شباشب مفصّلة، لا أحد يستطيع شراءها جاهزة. سعرها مكلف وغال».
يواصل حديثه: «قبل 5 أشهر، جاءني مسن عمره 60 سنة يطلب مني تصليح شبشبه، فقلت له: هذا الشبشب خربان، قال لي: تصرف بطريقتك. لا توجد شباشب في القطاع، قلت له حاضر أدبر لك إياه».
ويمسك صانع الأحذية بيده صندلاً يصنعه في ورشته: «كنّا نصنع هذه الأحذية بكميات قليلة قبل الحرب، بسبب ضعف الإقبال عليها، أما الآن فقد ازداد الطلب عليها، بعت كل الكمية، هذه آخر قطعة معي».
ولفت إلى أن إنتاج ورش الأحذية المحلية لا يغطي احتياجات السوق المتزايدة، وسط الحصار الخانق وانقطاع الكهرباء، وقصف المصانع، وتوقف الكثير منها عن العمل.
حفاة بملابس مهترئة
ويمشي الغزيون حفاة عندما لا يجدون أحذية يتشاركونها، كما يلبسون الملابس ذاتها طوال أشهر، إذ أدت حرب الاحتلال المستمرة على قطاع غزة منذ 11 شهرًا إلى تدمير 79٪ من منشآت القطاع الخاص جزئياً أو كلياً، وفقاً للبنك الدولي، كما تسبب الحصار في انقطاع الكهرباء ووقف عمل المصانع، فيما توجه كميات الوقود الشحيحة الى المستشفيات ومرافق الإغاثة.
الاحتلال منع إدخال البضائع إلى القطاع بعد أن أغلق المعابر
يرتدي أحمد عبد العال، (27 عاماً) قميصاً أسود نجح في استخرجه من تحت الركام بعد تدمير بيته في مخيم تل السلطان، غربي رفح، قبل شهر.
يضيف بحسرة: «أقسم بالله لا أجد ملابس، قميصي هذا عندي صار له 4 شهور على جسمي، نعيش في مرار، لا توجد أقمشة، ولا نقود، والأسعار غالية، متى تنتهي هذه الحرب؟ يكفي».
فيما يقول فتحي أبو موسى، (41 عاما): «خرجت من مخيم خان يونس في الشتاء قبل 10 أشهر، وكل الذي معي قميصان أبدّل فيهما، والله هي ملابس الشتاء قمت بقصها، لألبسها في الصيف».
وحمل الاحتلال مسؤولية عدم دخول البضائع إلى قطاع غزة، وبينها الملابس والأحذية، بعد أن قام بإغلاق المعابر.
ويؤكد النازح إلى مواصي خان يونس أن المواطنين يمشون في الشوارع بملابس مهترئة وأحذية ممزقة، بعد أن دمر الاحتلال منازلهم، ما أدى إلى دفن أغراضهم تحت الأنقاض.
ويضيف: «اليوم استوقفتني سيدة تلبس فردة حذاء في إحدى قدميها، والقدم الثانية حافية، فأنا استغربت الموقف، الوضع في غزة يزداد صعوبة».
ويجلس علي الجبور، صاحب ورشة لتصليح الأحذية في خان يونس، على ماكينة خياطة، ممسكاً بحذاء مقطوع إلى نصفين دون وجه جلدي: «هذا صندل أتى لنا به شاب لنصلحه، أنظر كيف اتصرف؟ لكن سنخيط له الوجه، وسنلحم النعل بقطعة من الجلد، على أساس نكون عونا لشبعنا الفلسطيني الصامد».
ويضيف لـ «القدس العربي»: «كل الأحذية على هذا الحال، مفسوخة من المنتصف ولا تصلح للبس، فيأتون بها على أساس نصلح لهم إياها».
ملابس شتوية صيفًا
ويشتري أصحاب محال الملابس بضاعتهم من النازحين الذين نجحوا في إنقاذ بعض الملابس من تحت الأنقاض بعد نسف منازلهم، في ظل قصف العديد من مصانع الملابس وتوقف المتبقي منها عن العمل، بالإضافة إلى منع سلطات الاحتلال الحكومة في غزة من استيراد الملابس الجديدة.
يقول معاذ القاضي، صاحب محل ملابس: «لم تدخل إلى محلاتنا أي ملابس جديدة منذ بدء الحرب، هذا كله من تحت الردم نأتي به، ونشتريه من الناس ونسترزق منه».
ويشير لـ «القدس العربي» إلى قميص شتوي حوّله إلى صيفي بعد قص أكمامه: «هذه بلوزة شتوية طالعة من تحت الأنقاض، وذهبت بها إلى الترزي ليقصها نصف كم للصيف». مضيفاً: «ملابس الأطفال غير موجودة تمامًا في الأسواق ولا حتى مستعملة».
وتؤكد فاطمة السبع، (42 عاماً) أنها اضطرت لشراء عباءة مستعملة، تعلم أن امرأة غيرها كانت تلبسها، كونها لم تنجح في استخراج ملابسها من تحت أنقاض منزلها المُدمر في مدينة غزة.
تضيف النازحة إلى خان يونس لـ «القدس العربي»: «اشتريت هذه العباء بـ30 شيكل، ممكن تكون الست الي لبستها قبلي مصابة بمرض والعياذ بالله، لكن ما باليد حيلة، تسترني بدل ما أمشي عريانة».
ومنتصف الشهر الماضي، انتقدت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» عدم توافر الملابس في قطاع غزة بعد 10 أشهر من الحرب الإسرائيلية على القطاع، خاصة تلك الخاصة بالنساء.
وقال فيليب لازاريني، المفوض العام للوكالة: «وضع الفتيات والنساء في غزة، بعضهن ارتدين غطاء الرأس نفسه خلال الشهور العشرة الماضية».